الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وليِّ المتقين
والحمد لله رب العالمين، لا يهدي كيد الخائنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، قاصمُ ظهر الماكرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيدُ ولدِ آدمَ أجمعين.
اللهم صَلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
في عالم الأفكار-كما في عالم الأزياء- "صيحات"، و"تقاليع" تُفْرَضُ -بفعل فاعل- لتستلفت أنظار الناس بعيدًا عن خطر حقيقي، وتستقطب اهتمام الطليعة الفعالة في الأمة بعيدًا عما ينبغي أن يشتغلوا به من واجب الوقت، أو تَفْرِضُ نفسها على الساحة الفكرية، التي صارت في كثير من البلدان خاوية إلا من الصحف المسمومة، أو المطبوعات التي لا تخضع لرقابة "فقهية شرعية"؛ فتفجر قضايا يتابعها الناس بنهم، وتشغل الحاضر والبادي، ومع غياب العلماء، أو تغييبهم يُفتقد الانضباط، ويكثر اللغط، ويُدلي كلٌّ بدلوه، وتُبْتَذَل القضايا الكبرى حين ينطق فيها الرويبضة (1)، ويتصدر للخوض فيها من ليس للكلام أهلًا، ويُكْثِر اللغطَ من كان يحبس لسانه في فمه وَجَلًا.
(1) الرُّوَيبِضَة: فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه "الرجل التافه ينطق في أمر العامة"، =
نُبِّئْتُ أنَّ النارَ بعدك أُوقِدتْ
…
وأستبَّ بعدك يا كُلَيبُ المجلسُ
وتحدثوا في أمرِ كلِّ عظيمةٍ
…
لو كنتَ حاضِرَهُمْ بها لم ينبسوا
ولعل أحدث هذه "الصيحات"، وآخر "التقاليع" ما نسميه "ظاهرة العبث بأشراط الساعة"، فقد قذفت المطابع -ولا تزال- بعشرات الكتب والمقالات -بَلْهَ الخطب والمحاضرات- تُفيض في الحديث عن أشراط الساعة، بمنهج مبتدَع دخيل، وأسلوب عجيب غريب، وتهافَتَ الناس على اقتنائها، والتعويل على ما فيها، الأمر الذي يشي بمدى تفشي "الأمية الدينية" بين عامة المثقفين فضلًا عمن دونهم.
ولعل أبرز ما يميز "رءوس" هذه الظاهرة ومقلِّديهم فشو داء التعالم، والقول على الله بغير علم، والجرأة على الخوض بالظن في التوقعات المستقبلة، والاعتماد في الاستدلال على مرويات شاذة غريبة، وآثار مطمورة مهجورة، بَلْهَ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإسرائيليات، وفيهم يصدق ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» (1).
لقد صار الخوض في أشراط الساعة -وهي غيب- كلأً مباحًا يتناوله كل من هبَّ ودَبَّ، فأفرز مجازفات وشطحات تقشعر منها الجلود، وها
= والتافه: الخسيس الحقير، والرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة كما في "النهاية"(2/ 185).
(1)
رواه مسلم في "المقدمة" رقم (7)، والطحاوي في "المشكِل "(4/ 204).
هو ذا واقع الأحداث يأتي على بنيانها من القواعد، ويهدمها هدمًا، ويكشف زيفها للناظرين.
وفي هذه الدراسة نسلِّطُ الضوء على ظاهرة "العبث بأشراط الساعة" وصفًا وتحليلًا، ونحاول أن نستخلص منها ضوابط التعامل مع نصوص أشراط الساعة، مع ربط ذلك بواقع الأمة في هذا العصر، والله تعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
محمد بن أحمد إسماعيل المقدَّم
الإسكندرية
في السبت 10 ذي القعدة 1424 هـ
الموافق 3 يناير 2004 م