الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَامِسًا: الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ:
قال -رحمه الله تعالى-: "والذي في كتب الإسرائيليين، وأهل الكتاب؛ من تحديد ما سلف بألوفٍ، ومِئين من السنين، قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه، وتغليطهم، وهم جديرون بذلك، حقيقون به، وقد ورد في حديث: "الذُنيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الآخِرَةِ"، ولا يصح إسناده أيضًا، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد لوقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده"(1).
سَادِسًا: الحافظ ابن رجب الحنبلي:
قال -رحمه الله تعالى- بعدما سرد جملة من النصوص التي استدل بها من يحددون ما تبقى من عمر الدنيا:
"وأخذُ بقاء ما بقي من الدنيا على التَّحديد من هذه النصوص لا يصح، فإن الله استأثر بعلم الساعة، ولم يُطْلِع عليه أحدًا من خلقه، وهو من مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما المَسْئُولُ عَنْهَا بأَعْلمَ مِنَ السَّائِلِ"، وإنما خرج هذا من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التقريب للساعة بغير تحديد لوقتها.
وقد قدمنا أن المراد بهذا الحديث مدة أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم مع مدة أمةِ موسى وعيسى عليهما السلام.
(1)"نهاية البداية والنهاية"(1/ 22).
فمدة هذه الأمم الثلاثِ كيوم تام، ومدة ما مضى من الأمم في أول الدنيا كليلة هذا اليوم، فإن الليل سابق للنهار، وقد خُلِقَ قبلَه -على أصح القولين- وتلك الليلة السابقة كان فيها نجوم تضيء، ويُهتدى بها، وهم الأنبياء المبعوثون فيها، وقد كان -أيضًا- فيهم قمرٌ منيرٌ وهو إبراهيم الخليل عليه السلام، إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء، وكان بين آدم ونوح ألف سنة، وبين نوح وابراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى عليه السلام ألف سنة، قال ذلك غير واحد من المتقدمين، حكاه عنهم الواقدي
…
وأما ابتداء رسالة موسى عليه السلام فكانت كابتداء النهار، فإن موسى وعيسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم هم أصحاب الشرائع، والكتب المتبعة، والأمم العظيمة. وقد أقسم الله بمواضع رسالاتهم في قوله تعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} [التين]، وفي التوراة:"جاء الله من طور سيناءَ، وأشرقَ مِنْ سَاعير، واستعلنَ من جبال فاران" ولهذا سَمَّى محمَّدًا صلى الله عليه وسلم سِرَاجًا منيرًا؛ لأنَّ نوره للدنيا كنورِ الشَّمس، وأعمُّ، وأعظَمُ، وأنفَعُ، فكانتْ مدةُ عمل بني إسرائيلَ إلى ظهور عيسى كنصف النَّهارِ الأولِ، ومدةُ عملِ أُمَّةِ عيسى كما بينَ الظُّهرِ والعصر، ومُدَّةُ عملِ المسلمينَ كما بينَ العصرِ إلى غروب الشمسِ، وهذا أفضلُ أوقات النَّهار، ولهذا كانت الصَّلاةُ الوسطى العصَرَ على الصحيح، وأفضل ساعاتِ الجمعةِ، ويومٍ عرفةَ مِنَ العصر إلى غروب الشمسِ؛ فلهذا كان خيرُ قرونِ بني آدم القرن الذي بُعِثَ فيه محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد خرَّجَ البخاريُّ ذلك من حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا" (1). اهـ
(1)"فتح الباري" لابن وجب (4/ 338 - 340).