الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضابِطُ السَّادِسُ: ما أُشْكِلَ عَلَيْكَ؛ فَكِلْهُ إلى عَالِمِهِ
قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} الآية: [النساء: 83] وفي الخبر: "إنَّمَا شِفَاءُ العِي السؤالُ"، وقال أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى-:"لو سكت مَن لا يعرف؛ قلَّ الاختلاف، ومن قصر باعه، وضاق نظره عن كلام علماء الأمة والاطلاع؛ فما له وللتكلم فيما لا يدريه، والدخول فيما لا يعنيه؟! وحَقُّ مثلِ هذا أن يلزم السكوت"(1).
قال بعض السلف: "الأمور ثلاثة: أمر استبان رُشْدُه فاتبعْه، وأمر استبان غيُّه فاجتنبه، وأمر أُشكِلَ عليك، فَكِلْهُ إلى عالمه".
وقال الحسن عند قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121]: "يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويَكِلون ما أشكل عليهم إلى عالمه "(2)،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه، ونؤمن بمتشابهه"(3).
والمتشابه من الحديث: ما يفتقر -للوصول إلى معناه المرادِ منه- إلى غيره، والمحكم: هو الذي لا يُحتاج -للوقوف على معناه المرادِ منه- إلى غيره.
(1) انظر: "الحاوي"(2/ 116).
(2)
"مجموع الفتاوى"(17/ 386).
(3)
"الرسالة التدمرية" ص (96).
وحكم المتشابه أن يردَّ إلى المحكم ليبينه، ويزيل اشتباهه.
مثال الحديث المتشابه (1):
ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» (2).
فقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن" من المتشابه، إذ ظاهره غيرُ مراد، والنصوص الآمرة بالصبر على جور الأئمة، وترك الخروج عليهم كثيرة محكمة، فيرد المتشابه إليها، فإن ابن مسعود رضي الله عنه نفسه قد روى مرفوعًا:"اصبروا حتى تلقوني"، ولهذا بيَّن ابن رجب -رحمه الله تعالى- أن قوله:"فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن" لا يُراد به القتال، وانما تغيير المنكرات التي فعلوها، أو المظالم التي يأمرون بها، لمن كان له قدرة على ذلك، وأَمِن تعديَ الأذى إلى غيره من أهل أو جيران، ونقل نصَّ الإمام أحمد على ذلك (3).
(1) انظر: "منهج أهل السُنَّة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم" للشيخ محمد بن عمر بازمول ص (31 - 37).
(2)
أخرجه مسلم رقم (50).
(3)
انظر: "جامع العلوم والحكم"(2/ 248، 249).