الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
الأدلة الواضحة على أن التصديق بأشراط الساعة ينبغي أن يكون حافزًا للعمل والاجتهاد:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ "(1)، وفي رواية:" بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "بَادِرُوا بِالْأعْمَالِ سِتًّا" أي: سابقوا ستَّ آيات دالة على وجود القيامة، وسارعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وحلولها؛ فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يُقبل، ولا يُعتبر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ "، وفي رواية:"خُويصَةَ" تصغير خاصة الإنسان؛ وهي ما يَخُصُّهُ دون غيره، وأراد به الموتَ الذي يخصّه، ويمنعه من العمل، إن لم يبادر به قبله (2).
وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم، من بعث وحساب، وغيرهما.
قال القاضي: "أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات؛ فإنها إذا نزلت أدهشت، وأشغلت عن الأعمال، أو سُدَّ عليهم باب التوبة، وقبول العمل"(3).
(1) رواه مسلم (2947)، (4/ 2267).
(2)
"جامع الأصول"(10/ 412).
(3)
"فيض القدير"(3/ 194).
وقال العلائي: "مقصود هذه الأخبار الحث على البُداءة بالأعمال قبل حلول الآجال، واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات"(1).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: عَلَامَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ: عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونهُ، قَالَ: فَفَزعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا، حَتَى انْتَهَى إِلَى الْقَبْر، فَجَثَا عَلَيْه، قَالَ: فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ؛ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ، فَبَكَى حَتَى بَل الثَرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثم أَقْبَلَ عَلَيْنَا، ثم قَالَ: أَيْ إخْوَانِي لِمِثْلِ الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا"(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (3).
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً، فَقَالَ:«سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» (4).
(1)"نفسه"(3/ 195).
(2)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 229)، وابن ماجه (4195)، وأحمد (4/ 294)، وحسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (1751).
(3)
رواه مسلم (118)، في الإيمان.
(4)
رواه البخاري (1126)، (3/ 10 - الفتح).
فقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحجُرَاتِ؟
…
" إلخ، يفهم منه إيقاظهن للصلاة والتهجد؛ لمدافعة الفتن، كما قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: 45].
وبلغ حرصُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حث المسلمين على العمل المثمر ما أمكن العمل إلى حد قوله صلى الله عليه وسلم: "إنْ قَامَتِ السَّاعَة وَفي يَدِ أَحَدِكُم فَسِيلَةٌ (1) فَإِن اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ (2) حَتَّى يَغْرِسَهَا فَليَغْرِسْهَا"(3)، فإذا كان هذا والحياةُ تَلْفِظُ أنفاسها الأخيرة، فكيف إذا كان بيننا وبين الساعة آمادٌ مجهولةٌ لا يعلمها إلا الله تعالى؟
فالمسلمُ يَغْتَنِمُ لحظته الحاضرةَ بقطع النظر عن ماضٍ تولَّى، ومستقبلٍ
هو غيبٌ، قال الشاعر:
إِنَّمَا هذِهِ الحَيَاةُ مَتَاعٌ
…
فالجهُولُ المغرُورُ مَنْ يَصْطَفِيهَا
مَا مَضَى فَاتَ وَالؤُمَّلُ غَيبٌ
…
وَلَكَ السَّاعَةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا
وعن داود قال: قال لي عبد الله بن سلام: "إن سمعت بالدجَّال قد خرج وأنت على وَدِيَّةِ (4) تغرسها، فلا تعجل أن تصلحه؛ فإن للناس بعد ذلك عيشًا"(5).
(1) الفسيلة: النخلة الصغيرة.
(2)
أي: من محله الذي هو جالس فيه.
(3)
رواه الإمام أحمد (3/ 183)، والطيالسي (2068)، والبخاري في "الأدب المفرد"(479)، وصححه الألباني على شرط مسلم في "الصحيحة" رقم (9).
(4)
الوَدِيَّة: الفسيلة الصغيرة.
(5)
قال الألباني: "سنده صحيح" اهـ، من "الصحيحة"(1/ 12).
وروى ابن جرير عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي: "ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ " فقال له أبي: "أنا شيخ كبير أموت غدًا"، فقال له عمر:"أَعزِمُ عَلَيْكَ لَتَغْرِسَنَّهَا"، فلقد رأيت عمرَ بن الخطاب- رضي الله عنه يغرسها بيده مع أبي (1).
وعن الحارث قال: كان الرجل منا تُنْتَجُ (2) فرسُه فينحرها، فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذا؟! فجاءنا كتاب عمر رضي الله عنه: "أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفسًا"(3).
(1) عزاه الألباني إلى "الجامع الكبير" للسيوطي (3/ 337/ 2).
(2)
أي: تَلِد.
(3)
"صحيح الأدب المفرد"(370)، ص (180).