الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعْدُ اللهِ -تَعَالى
-
لقد سقطت دولة الخلافة، وابتعد أكثر المسلمين عن القرآن رويدًا رويدًا؛ فتناولتهم السبل، ومخروا عُبابَ بحرِ الفُرقةِ اللَّجَب، وابتعدوا عن شاطئ النجاة؛ فاستوت بهم سفينة الحيرة على صخرة الاختلاف، وبلغ بهم الأمر إلى أنهم نبذوا كتاب ربهم وراء ظهورهم، وذابوا في غيرهم؛ حتى صار من بين المسلمين من لا تستطيع أن تميزه من الكافر لا في المظهر فحسب، بل حتى في الصميم من الأخلاق والأفكار والعادات.
وعلى حين غفلة من هذا المارد النائم، لملمت فلول الشرذمة المغضوب عليها قواها المبعثرة، وأعادوا الكرة على الذين نبذوا كتاب ربهم وراء ظهورهم؛ فأذلوهم، وأذاقوهم ألوان الخزي والعار، وانهالت الإمدادات على أمة القردة، والخنازير من أمة الضالين، وعَبَدة الطاغوت؛ فأصبح اليهود أكثر نفيرًا من المسلمين، {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6]، وها هم رعاة الأمة -إلا من رحم الله- قد نسوا الله فأنساهم أنفسهم؛ حاربوا أولياء الله الداعين إلى طريق النجاة،؟ تبرءوا من الإسلام، وتنكروا له، وأرادوا أن يُحَلِّقُوأ في الدنيا بجناح المادة، فخذلهم جناح الإيمان، فكُبكبوا على وجوههم، وتولى الله تأديبهم على يد مَن لا يرقبون فيهم إلًّا ولا ذمة؛ فتراهم متخبطين في كل قطر، أذلة في كل وجه، يسومهم أعداء الله سوء العذاب، ويفرضون عليهم الخزي والعار، ويتخذونهم مطية رخيصة؛ ليصلوا عليها إلى مآربهم التوراتية، والتلمودية، ولكن لن يتم لهم ذلك، ولن يجنوا ثماره بإذن الله؛ لأن الله عز وجل قضى -وهو أحكم الحاكمين-، ووعد -وهو سبحانه الذي
لا يخلف الميعاد-: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} [الإسراء: 7، 8]
أي: إن عدتم للإفساد، والعلو في الأرض؛ عاد الله عليكم بتسليط أعدائكم عليكم؛ كما فعل في الإفساد الأول (1)؛ إذ قال -سبحانه-:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)} [الإسراء: 5]، وفي المرة التالية قال -تعالى-: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)[الإسراء: 7]؛ حتى تعود فلسطين المسلمة بعد أن يستيقظ المارد النائم ليصب على الأمة الغضبية جام غضب الله عليهم، ويحرر الأقصى الأسير (2)، ويفتحه خليفة المسلمين من جديد؛ كما فتحه من قبلُ عمرُ الفاروق، وصلاحُ الدين.
ويقتضي هذا كله أن القتال في فلسطين سيعود إسلاميا خالصًا في سبيل الله وحده، لا قوميًّا رغم أنف العالَمانيين (3) والقوميين وأذنابهم،
(1) والثاني، بناءً على أن المرتين مضتا، وعليه فالشاهد هنا عموم قوله تعالى:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} .
(2)
انظر: "مجموعة الرسائل الكبرى"، لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 57، 58).
(3)
"العِلْمانية" ترجمة غير صحيحة لكلمة (Secularism) في الإنكليزية، زيد فيها ألف ونون في الاسم المنسوب على غير القياس، لأن الكلمة بكسر العين توهِم أن لهذا المذهب علاقةَ بالعلم، مع أنه لا صلة له بالعلم من قريب ولا من بعيد، لأن العلم هو (Science) النسبة إليه: عِلميٌ (Scientific).
والترجمة الصحيحة لهذه الكلمة هي (الدنيوية) أو (اللادينية) لا بمعنى ما يقابل (الأخروية) فحسب، بل بمعنى أخص، وهو: ما لا صلة له بالدين (Non-Religious)، أو: ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد (Anti-Religious). =
ولا يقدر على ردع الشيطان اليهودي سوى نور القرآن؛ يحرقه ويبيده، ولن يَهْزِمَ شِرْكَهُمْ إلا توحيدُنا، ولعل تعقيب الآيات بقوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، فيه إشارة لطيفة إلى أن سلاح العودة إلى بيت المقدس، وقبلتنا الأولى هو كتاب ربِّنا لا غير، ويقتضي هذا -أيضًا- أن قضية فلسطين لن تُحل سلميًّا، ولن ينعم اليهود أبدًا بالسلام الأبدي الذي يحلمون به، وإن استمرت موجات هجرتهم إلى الأرض المقدسة:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 4]؛ فإنهم سيجتمعون لفيفًا فيما يُسَمُّونه أرضَ (الميعاد) من كل حَدَبٍ، وصوبٍ، ومن كل فَج عميقِ يلبون نداء القدر الذي قضى الله به عليهم منذ الأزل، وإن استمر الإمداد المادي من عبَّاد الصليب، وغيرهم؛ فهذا ما أخبر به عز وجل في قوله:{وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6].
والحاصل: أنه لن يهدأ للمغضوب عليهم بَالٌ، ولن يقر لهم قرار -إن شاء الله-؛ لأن الله عز وجل قضى بمنع ذلك، أما الخريطة التي نقشوها على باب (الكنيست)(1)؛ فلن يكون لها وجود إلا في عقولهم
= وعليه، فإن كان ولابد -فلنقل:(عالَمانية) نسبة إلى هذا العالَم الدنيوي (مع تجاهل أو إنكار العالم الأخروي بفصل الدين عن الحياة)، حتى نفوت على المدلسين والمغرضين محاولتهم تجميل هذا المذهب والترويج له بين المسلمين بإيهام أنه (عِلْمي)، وانظر:"الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه" للدكتور القرضاوي ص (48 - 50)، و"العلمانيهَ" للدكتور سفر الحوالي ص (21 - 24).
(1)
بل التي يرمز إليها عُمْلَتُهُمْ، وعَلَمُ دولتهم اللقيطة، الذي يحتوي خطين أزرقين أفقيين متوازيين أحدهما يشير إلى النيل، والآخر يشير إلى الفرات، بينهما أرضية تحمل "نجمة داود"، والتي ترمز إلى امتداد سلطان دولتهم من النيل إلى الفرات، والتي يشير تطابق مثلثيها إلى تعانق السلطة الدينية مع السلطة المدنية كما كان شأن الدولة في عهد داود وسليمان عليهما السلام.
المحنَّطة، وقلوبهم الصلبة القاسية؛ كحجارة (الكنيست) التي نقشوها عليها، أو أشد قسوة.
وعودة الأقصى للمسلمين بالمثابة التي ذكرنا تستلزم قيام خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا تبارك وتعالى إِذَا شَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ الْخِلَافَةُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا (أي: وراثيًّا)؛ فَتَكُونُ مُلْكًا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً (أي: قهريًّا)،ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» (1).
يقول مؤلفا "الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة":
"وأحاديث المهدي الصحيحة تخبر بظهور مصلح في آخر الزمان؛ يحكم بالكتاب والسنة، يملأ الأرض عدلًا بعد ما ملئت جورًا وظلمًا، يبايَع وهو مكره (2)، يحكم ثماني أو سبع حجج، يكثر المال في زمانه، ويحثوه، ولا
(1) رواه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الإمام أحمد (273/ 4)، والطيالسي رقم (438)(58/ 1)، في "مسنديهما"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 189):(رواه أحمد، والبزار في "مسنده" (7/ 223) رقم (2796) أتم منه، والطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات)، وقال الحافظ العراقي:"هذا حديث صحيح" كلما نقله عنه الألباني في "الصحيحة" الحديث الرابع ص (9).
(2)
وردت أحاديث كثيرة بشأن مبايعة المهدي، وهو كاره، لكن لا يصح منها شيء، وانظر:"الفتن" لأبي نعيم (1/ 341 - 344)، و"سنن أبي داود"(108/ 4)، "والمسند" للإمام أحمد (6/ 316). و"الموسوعة في أحاديث المهدي" ص (149 - 161)(330 - 338).
يعده؛ اسمه محمد بن عبد الله، من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ولد فاطمة رضي الله عنها، وهو إمام عادل تقي، وحاكم منصف، وليكن معلوما لدى الجميع أن الخلافة الراشدة تعود قبل ظهور المهدي؛ وليس كما يعتقد الناس، وتزعم بعض الجماعات الإسلامية؛ مثل جماعة التبليغ أن الخلافة يرجعها المهدي، وهم ينتظرونه؛ فإن هذا ما لا دليل عليه، بل هو وهمٌ، وخرص، وتخمين.
وأخيرًا يقول الأستاذ سعيد حوى -رحمه الله تعالى، وعفا عنا وعنه-:"وبعض المسلمين علقوا فكرة العمل للخلافة على ظهور المهدي، مع أن العمل لإيجاد خليفة للمسلمين فريضة شرعية، فلا يصح أن يُعَلَّقَ العملُ لها حتى يظهرشخص ما"(1).
ثم يقول: "وأغلب الذين ينتظرون خروج المهدي يعتبرونه كائنا بين يدي نزول المسيح عليه السلام، ويتوقعون -مع هذا- أن ظهوره أصبح قريبًا، مع أن ظواهر النصوص تشير إلى أن بيننا وبين نزول المسيح عليه السلام أمدًا، ففلسطين لا تكون وقتذاك مقرًّا لليهود، بل اليهود الذين يأتون إليها وقتذاك يأتون مع المسيح الدجال، وتكون فلسطين وقتذاك مقرًّا للخلافة الراشدة، وهذا يدل على أن دولة اليهود الحالية ستنتهي، وإذَن فمع إيماننا بظهور المهدي بالصفات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح لنا أن نعلق الفرائض المطلوبة منا شرعًا سواء كانت فروضا عينية أو كفائية على ظهوره، ولكننا ننوي إذا ظهر وعرفناه بصفاته أن نكون من جنده وأنصاره بإذن الله".
(1)"الأساس في السنة" ص (1022).