الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّابِطُ الثَّانِي: الانْتِبَاهُ إِلىَ النِّسْبِيَّةِ الزَّمَانيَّةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى اقْتِرَاب السَّاعَةِ
إن ما ورد في نصوص الوحيين من قرب قيام الساعة، وظهور أماراتها لا يعني أنها على الأبواب؛ فإن القرب والبعد كلاهما أمر نسبي، ومن يدري لعل بيننا وبينها آلافًا من السنين لا يعلمها إلا الله، ولعلها أقرب مما نتصور؟! قال تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} [الشورى: 17]، وقال- عز وجل:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63]، وفي معناهما قوله تعالى في سياق الرد على منكري البعث والإعادة:{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)} [الإسراء: 51]، وفي التعبير عن قربه ب "لعل"، و"عسى" ما يناسب عدم إطلاع اللهِ رسولَه صلى الله عليه وسلم على وقته، ولا شك أن قرب ذلك اليوم الذي مقداره من مبدئه إلى غايته خمسون ألف سنة مناسب له، ولما تقدم من عمر الدنيا، وبقي منه؛ فالقرب والبعد من الأمور النسبية، والمراد: قربها بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا، ولا يعلمه إلا الله تعالى (1).
قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [القتال: 18]، وعن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، بِالوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» (2).
(1) انظر: "تفسير المنار"(9/ 393).
(2)
رواه البخاري (6503)، (11/ 347 - فتح)، ومسلم (2950)، والمعنى: أننا لو قدرنا عمر الزمن بالأصبع الوسطى؛ فإن ما بقي منه عند مبعث رسول الله =
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ؛ كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى، وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى"(1).
إن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، وكذلك موته صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعوف بن مالك رضي الله عنه:"اُعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ: مَوْتي"(2) الحديث.
وقال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر]، وقد تواترت الأحاديث بوقوع انشقاق القمر (3)، وعن خالد بن عمير رضي الله عنه، قال: خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فحمِد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ (4)،
= صلى الله عليه وسلم يكون بمقدار ما تزيد الوسطى عن السبابة، وما مضى منه بمقدار السبابة من الأصبع الوسطى، قد يكون الباقي في حسَّ البشر طويلا؛ لأن إدراكهم محدود، ولكنه في ميزان الله سبحانه قريب وقصير؛ قال تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، وقال عز وجل:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77].
(1)
رواه البخاري (6504)، (11/ 347 - فتح)، ومسلم، (2951)، والترمذي (2214، 2215).
(2)
رواه البخاري (3176)، (6/ 277).
(3)
انظر: "شرح النووي"(17/ 143)، "تفسير القرآن العظيم"(477/ 7) ط. دار الحديث- القاهرة- 1423 هـ.
(4)
صَرْم: انقطاع وانقضاء وذَهاب. حَذَّاء: خفيفة سريعة. الصُّبابة: البقية اليسيرة من الشراب، تبقى في أسفل الإناء.
وَوَلَّتْ حَذاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةٌ؛ كَصِّبَابَةِ الإِناَءِ؛ يَتَصَابُّهَا صَاحِبهَا" الحديث (1)، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال هذا قبل أكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا؛ فهمنا من هذه النصوص وغيرها أن قرب الساعة قُرْبٌ نِسْبِي؛ أي: هي قريبة بالنسبة إلى عُمر الدنيا كلها، وقد رَوَى المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كلان واقفًا بعرفات، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل التُّرْس للغروب، فبكَى واشتد بكاؤه، فقال له رجلٌ عنده: يا أبا عبدِ الرحمن، قد وقفتَ معي مرارًا لم تصنع هذا، فقال: ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقفٌ بمكاني هذا، فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ" (2).
وقال الله -تعالى- في شأن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 178].
وهذا يُفَسرُة قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتراب الساعة، وقرب وقوعها: إِنَّهَا "كَالحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَوُهُمْ بِوِلَادِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا"(3).
"والقول الجامع للآية، والحديث: إن الثِّقَلَ هو الاقتراب بصورةٍ ثابتةٍ للحق على الرغم من تغير مراحل هذا الاقتراب؛ تمامًا مثل الجنين الذي
(1) رواه الإمام أحمد رقم (17575)(29/ 114)، ومسلم رقم (2967)(14).
(2)
رواه الإمام أحمد، (6173)، (9/ 27)، وقال الشيخ أحمد شاكر:"إسناده صحيح".
(3)
عَجُز حديثٍ رواه الإمام أحمد (3556)، (5/ 189)، وقال الشيخ أحمد شاكر:"إسناده صحيح".