الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسلَكُ الثانى: ستقوم -بإذن الله- خلافَةٍ على مِنهاج النبوة قبل ظهور المهدي، أو على الأقل ستنهض الأمة نهضةً شاملةً، ولا يبقى إلا ظهور القائد
1 -
سمعت العلَّامَةَ ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- يقول (1) في معرض مناقشته للذين ادَّعَوْا اقتراب ظهور المهدي:
"ما أظُنُّ هذا أوانَ ظهورِه، فهذا مُقْتَضَى السنة الكونية، وما أحسب المهدي يَقْدِرُ -خلال سبع سنين- على أن يحدث ممن التغيير في العالم أكثر مما أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث وعشرين سنة، وظني أن المهديَّ سيكون رجلًا فريدًا في كل باب: فَرِيدًا في علمه، فريدًا في ورعه، فريدًا في عبادته، فريدًا في خُلُقه، وأنه سيظهر، وقد تهيأ للعالم الإسلامي وضعٌ صَلُحَ فيه أمر الأمة، وتَمَّت فيه مرحلتا "التصفية والتربية"، ولم يَبْقَ إلا ظهور الزعيم الْمُصْلِح الذي يقوده، وهو المهدي". اهـ.
(1) وذلك بخيمته في منى في موسم الحج عام (1399هـ) قبيل فتنة "المهدي القحطاني" بأسبوعين، وكان قد شاع وقتها أن المهدي يوشك أن يخرج، لكن العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- ببصيرته النافذة اتخذ موقفًا صارمًا، وقطع بأنه لا يمكن أن يصح للقحطاني دعوى المهدية، وأن هذا ليس زمان خروج المهدي، وذكر الكلام المذكور هنا، والذي حُفِرَ في ذاكرتي لشدة الحاجة إليه وقتها، وكنت أُرِيتُ رؤيا في تلك الأيام أن هناك رجلًا يشير إلى منبرٍ هزيل من أعواد ضعيفة في جمع من الناس يدعي أنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقفت في الناس أفند دعواه، وأذكر الفروق بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك المنبر الركيك المتهاوي، ومنها: أن منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث لث درجات، وهذا أكثر
…
إلخ، فإن كانت رؤيا حق؛ فلعل تأويلها تصنيفي كتاب "المهدي" الذي صدرت طبعته الأولى بالأسكندرية في العشرين من المحرم 1400هـ.
ثم حمل فضيلته على الجُهَّال الذين يسيئون فَهْم عقائد الإسلام، ثم ينحرفون، ويتخبطون؛ نتيجةَ قلة علمهم، وسوء فهمهم.
وكتب -أيضًا- مُفصِّلًا ما يَعْنِيهِ بمرحلتي "التصفية والتربية": "لا بد اليوم من أجل استئناف الحياة الإسلامية من القيام بهذين الواجبين: التصفية والتربية".
وأردتُ بالأول منهما أمورًا: الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها؛ كالشرك، وجحد الصفات الإلهية، وتأويلها، ورد الأحاديث الصحيحة؛ لتعلقها بالعقيدة ونحوها.
الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة.
الثالث: تصفية كتب التفسير، والفقه، والرقائق، وغيرها، من الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، والإسرائيليات المنكرة
…
إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: "وأما الواجِبُ الآخَرُ فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام الْمُصَفَّى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره، ودون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة.
ومما لا رَيْبَ فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهودًا جبارة متعاونة من الجماعات الإسلامية المخلصة، التي يهمها حقًّا إقامة المجتمع الإسلامي المنشود، كُل في مَجَالِهِ، واختصاصه، وأما بقاؤنا راضين عن أوضاعنا، متفاخرين بكثرة عددنا، متوكلين على فضل ربنا،
أو خروج المهدي، ونزول عيسى، صائحين بأن الإسلام دستورنا، جازمين بأنا سنقيم دولتنا، فذلك محال، بل وضلال؛ لمخالفته لسنَّة الله الكونية والشرعية معًا، قال -تعالى-:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم:«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (1).
من أجل ذلك قال أحد الدعاة الإسلاميين اليوم: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تَقُمْ لكم في أرضكم"، وهذا كلام جميل جدًّا، ولكن أجمل منه العمل به {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} (2)[التوبة].
وقال -رحمه الله تعالى- في سياق رده على من زعم أن دولة الخلافة الإسلامية لن تعود قبل ظهور المهدي:
"واعلم يا أخي المسلم أن كثيرًا من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع؛ فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي، وهَذِهِ خُرَافَةٌ وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامَّة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من
(1) رواه أبو داود، (3462) في البيوع، باب "النهي عن العينة". والعينة: أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر، يدفعه نقدا، وانظر:"السلسلة الصحيحة"، رقم (11).
(2)
"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، (2/ 2).
أحاديث المهدي ما يُشعِر بذلك مطلقًا، بل هي كلها لا تَخرُجُ عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَشَّرَ المسلمين بِرَجلٍ من أهل بَيتِهِ، ووصفه بصفات، أبرزها: أنه يحكم بالإسلام، وَينْشُرُ العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجدّدِينَ الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة، كما صح عنه -صلى الله غليه وآله وسلم- فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم، والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكُلَ عليه، وتركَ الاستعدادِ والعملِ لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصَّواب؛ فإن المهدي لن يكون أعظم سعيًا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ظل ثلالة وَعشرين عامًا وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، وإقامة دولته، فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم، فوجد المسلمين شيعًا وأحزابًا، وعلماءهم -إلا القليل منهم- اتخذهم الناس رءوسًا، لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يُوَحِّدَ كلمتهم، ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا -بلا شك- يحتاج إلى زمن مديدٍ اللهُ أعلم به، فالشرع والعقل معًا يقضيان أن يقوم بهذا الواجب المخْلصُونَ من المسلمين، حتى إذا خَرَجَ المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج (1)، فقد قاموا بواجبهم، والله يقول:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} (2). اهـ.
وفي كتابهما "الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة" يُفَصِّلُ المؤلفان هذا المسلك، ويقولان ما ملخصه -بتصرف وإضافات-:
(1) أي: في زمانهم.
(2)
"سلسلة الأحاديث الصحيحة"، (4/ 24،34).