المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ظاهرة (التطبيع) مع الإسرائيليات - فقه أشراط الساعة

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأولفي التحذير من التعالم الكاذب، والولع بالغرائب

- ‌الفصل الثانيمَن المُجتهد الذي يؤجر على اجتهاده وإن أخطأ

- ‌الفصل الثالثفي معنى "أشراط الساعة

- ‌الْفَصْل الرَّابعُثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌ أولًا: تحقيق ركن من أركان الإيمان الستة، وهو الإيمان باليوم الآخر

- ‌ثانيًا: إشباع الرغبة الفطريه (2) في الإنسان

- ‌ثَالِثًا: أن الإخبار عن الغيوب المستقبلة -باعتبار ما فيها من خرقٍ للعادة- من أهم دلائل النبوة

- ‌رَابِعًا: تَعَلُّمُ الكيفية الصحيحة التي دَلَّنَا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كي نتعامل بها مع بعض الأحداث المقبلة

- ‌خامسًا: فتح باب الأمل، والاستبشار بحسن العاقبة لأهل الإيمان

- ‌سادسًا: قد تمرُّ بالمسلمين وقائع في مقبل الأيام تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها

- ‌لَا يَعْلَمُ مَتَى السَّاعَةُ إِلَّا الله وَحْدَهُ

- ‌الْحِكْمَةُ في تَقْدِيمِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَدِلَالَةِ النَّاسِ عَلَيهَا

- ‌الْفَصْل الخَامِسسُوءُ فَهْمِ الْعَوَامِّ لَا يُسَوِّغُ إِنْكَارَ النصوص وتَأوِيلَهَا

- ‌ الأدلة الواضحة على أن التصديق بأشراط الساعة ينبغي أن يكون حافزًا للعمل والاجتهاد:

- ‌تَنْبِيهٌلا شك أنه كلما تقدم الزمن فإنا نصير أقربَ إلى الأشراط التي لَمَّا تقع

- ‌ على المؤمن أن يميز بين ما يَعْنيْه، وما لا يَعْنيْه

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُأَسْبَابُ ظَاهِرَةِ الْعَبَثِ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌السَّبَبُ الْأَوَّلُ:

- ‌السبب الثاني:

- ‌السبب الثَّالثُ

- ‌السَّبَبُ الرَّابع:

- ‌تنبيهينبغي التفريق بين "تقبل" و"تصديق" هذه الإسرائيليات بنوعيها، وبين "رصد" أفكار الخصم من باب "اعرف عدوك

- ‌الباب الثّانيمَجَالَاتُ الْعَبَثِ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌الفَصلُ الْأَوّلُعَبَثُهُم بِعَلَامَةِ خُرُوجِ المَهدِيِّ

- ‌ حتى المهدي "تايواني

- ‌الفَصلُ الثَّانيعَبَثُهم بِعَلَامةِ المْسِيح الدَّجَّالِ

- ‌السندباد المصري" محمد عيسى داود فقد جعل من سيرة الدجال المطولة بالأكاذيب سيرة شعبية

- ‌خرافة الأطباق الطائرة

- ‌إن ما سُمِّي بظاهرة الأطباق الطائرة، وشغل الناس رَدَحًا من الزمان؛ قد بان لنا الآن أنه لا يخرج عن كونه "سرابًا" أو "تكلفًا" أو "دجلًا سياسيًّا

- ‌الفَصْلُ الثالِثُاضْطرَابُهُمْ بِشَأْنِ "صَدَّام حُسَين

- ‌ مؤلف "هرمجدون" يقطع بأن صَدَّام حسين هو "السفياني

- ‌تنبيهان

- ‌الأول: اعلم -رحمك الله تعالى- أنه لم يصح شيء في أحاديث السفياني

- ‌الثاني: حول شخصية "القحطاني

- ‌الْفَصْل الرَّابِعُالرَّاجِمُونَ بِالْغَيبِ الْقَائِلُونَ مَا لَيسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ

- ‌الفصلُ الخامسُالتطبيع مَعَ التنجيم وَالمُنَجَمِينَ وَزَلْزَلَةُ ثَوَابِتِ الْعَقِيدَةِ

- ‌تلك أمانيهم

- ‌نوستراداموس وأحداث سبتمبر 2001م

- ‌كشف حقيقة التنجيم والمنجمين

- ‌الباب الثالثمَظَاهِرُ العَبَثِ بأَشرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌الفصل الأولسرد مجمل لبعض مظاهر الْعَبَثِ بِأَشرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌ يتخذ العبث بأشراط الساعة مظاهرَ عدةً، ويتجلى في عدة مجالات:

- ‌كل من حادَ عن "الوسطية" في هذه القضية إلى جفاء المنكرين، أو إلى غلو المثبتين؛ فقد تورط في جريمة القول على الله بغير علم، والعبث بأشراط الساعة

- ‌تكلف بعضهم اصطناع هذه الأشراط، وإيجادها في الواقع عَنْوة

- ‌أَيُّهَا الْعَابِثُونَ: بَشِّروا، وَلَا تُنَفِّرُوا

- ‌الْعُجْبُ وَالاغتِرَارُ بالظُّنُونِ

- ‌الفصل الثانيوقفة مع الدجال المصري

- ‌قل لي: من يصفق لكَ أقُلْ لك: من أنت

- ‌خدعوه فقالوا

- ‌انْعِدَامُ التّوْثِيقِ الْعِلْمِيِّ

- ‌يا نعايا "البحث العلمي"أقيموا عليه ماتما وعويلا

- ‌هوس المخطوطات

- ‌والجاهلون لأهل العلم أعداء

- ‌عَوْدٌ إلى خرافة المخطوطات

- ‌هذا الشبل من ذاك الأسد

- ‌مِنْ فَمِكَ اُدينُكَ

- ‌فائدة: "من أسند؛ فقد أحالَكَ

- ‌الفصل الثالثاسْتِدْلَالُ العابثين بِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا

- ‌المطلب الأولالاسْتِدْلَالُ بِالأَحادِيثِ الضَّعيفَةِ وَالموضُوعَةِ

- ‌الحافظ نُعيم بن حماد، وكتابه "الفتن

- ‌ذِكرُ نُصوصِ بَعضِ أهْلِ الْعِلْمِ في حُكْمِرِوايَةِ الأحَاديثِ الضّعيفَةِ والموضُوعةِ

- ‌ لا أنه يدخل به في قوله صلى الله عليه وسلم: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً" المحدثون بأسرهم، بل لا يدخل في ظاهر هذا الخطاب إلا من أدى صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سقيمه

- ‌المطلب الثانيالاعتمادُ على مَرويَّات الرَّافضةِ، وغُلاةِ الصّوفيَّةِ

- ‌أولًا: مرويات الرافضة

- ‌نصوص أئمة الحديث على أن الكذب شعار الرافضة

- ‌من نصوص شيخ الإسلام في كشف كذب الرافضة

- ‌ثانيًا: اعتماد العابثين بأشراط الساعة على مرويات الرافضة، وغلاة الصوفية

- ‌المطلب الثالثالغُلُوُّ في تَقبُّلِ الإِسْرائيليَّاتِ

- ‌تَشْدِيدُ أَمِير الْمُومِيين عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مَنْ كَانَ يَكْتُبُ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ:

- ‌مَوْقِفُ الْحَافظ ابْنِ كَثِيرٍ مِنالْقِسْمِ الثَّالِثِ مِن الإِسْرَائيليَّاتِ

- ‌تعْليقُ الْعَلَّامَةِ أحْمَد شَاكِرعَلَى كَلام الحافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ وَمَنْ وافَقَهُ

- ‌وقال علَّامة الشام "محمد جمال الدين القاسمي" -رحمه الله تعالى

- ‌ ظَاهِرَة (التَّطْبِيعِ) مَعَ الإِسْرَائِيليَّاتِ

- ‌ أحمد بن حنبل قوله: "ثلاثةُ كتب ليس لها أصول: (4) المغازي، والملاحم، والتفسير

- ‌المطلب الرابعحُرُوفُ أَبِي جَادٍ، وُالاستِدْلَالُ بِهَا عَلَى الُمُغَيَّبَاتِ

- ‌ كتاب الجفر، المنسوب كذبًا وبهتانًا إلى جعفر الصادق -رحمه الله تعالى

- ‌ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على تعلم أبي جاد، وتعلم تفسيرها، لا يصح

- ‌أَصْلُ طَرِيقَةِ "حِسَابِ الْجُمَّلِ

- ‌الفصل الرابعتحديد عُمُر الدنيا

- ‌ الخوض في هذه القضية مما لا يترتب عليه عمل

- ‌تَعليقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَلامِ السُّيُوطِيِّ رحمه الله

- ‌ذِكْرُ نُصُوص عنِ الْعُلمَاءِ الْمُتَقَدِّمينَ عَلَى السُّيُوطِيِّفي قَضِيَّةِ "تَحْدِيْدِ عُمرِ الدُّنْيَا

- ‌أَوَّلًا: الإمام أبو محمد علي بن حزم

- ‌ثَانيًا: الْقَاضِي عِيَاضٌ -رحمه الله تعالى

- ‌ثَالِثًا: الإِمَامُ القُرْطُبِي:

- ‌رَابِعًا: شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌خَامِسًا: الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ:

- ‌سَادِسًا: الحافظ ابن رجب الحنبلي:

- ‌سَابِعًا: الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ -رحمه الله تعالى

- ‌ثامنًا: العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني:

- ‌الباب الرابعضوابط التعامل مع نصوص الفتن وأشراط الساعة

- ‌الضَّابِطُ الأول: لَا يُسْتَنْكَرُ تَوَقعُ حُصُولِ شَيْءٍمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ بشُرُوط

- ‌ شُرُوطُ هَذَا الضَّابِطِ:

- ‌فَأَوَّلُهَا: أن تبقى هذه الأشراط في دائرة التوقع المظنون

- ‌وَثَانيهَا: أن يُراعَى الترتيبُ الزمني لتسلسل الأشراط

- ‌تنبيه:اعلم -رحمك الله تعالى- أن كون الشيء من أشراط الساعة لا يستلزم الحكم عليه بحكم تكليفي

- ‌وَثَالِثُهَا: أن لا يُؤَثِّرَ هذا الترقبُ سلبًا على أداء واجب الوقت، وتكاليف الشرع

- ‌فَائِدَة

- ‌الضَّابِطُ الثَّانِي: الانْتِبَاهُ إِلىَ النِّسْبِيَّةِ الزَّمَانيَّةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى اقْتِرَاب السَّاعَةِ

- ‌كل ما هو آتِ قريبوالبعيد: ما ليس بآتِ

- ‌الضَّابِطُ الثَّالث: لا يمكِنُ إِسْقَاطُ النُّصُوصِ الَّتي يَطْرُقُهَاالِاحْتِمَالُ عَلَى وَاقع مُعَيَّن إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِهَا وَاَنْقِضَائِهَا

- ‌الضَّابِطُ الرَّابع: "يتعين على من يتكلم على الأحاديث:أن يحمع طرقها، ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحَّت الطرق، وبشرحَها على أنه حديث واحد

- ‌أمثلة التطبيقية لهذا الضابط:

- ‌تنبيه خطير

- ‌الضَّابِطُ الخامِسُ: حصرُ مصادرِ التَّلقي فيما هو حجة شرعية، وإهدار ما عداه

- ‌الضابِطُ السَّادِسُ: ما أُشْكِلَ عَلَيْكَ؛ فَكِلْهُ إلى عَالِمِهِ

- ‌ الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي

- ‌ أَمْثِلَةً لِمَا يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ في بَابِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌1 - ذكر فتح القسطنطينية

- ‌2 - جفاف بحيرة طبرية

- ‌3 - ورد وصف الأسلحة التي تستعمل في حروب آخر الزمان

- ‌4 - عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «إِنْ يَعِشْ هَ

- ‌الفصل الأول: مهدينا ليس مُنْتَظَرًا

- ‌لا نُعَطِّلُ السننَ، وَالْأسْبَابَ بِحُجَّةِ انْتِظَارِ المَهْدِيّ

- ‌مَهْدِيُّنا لَيس منْتَظَرًا

- ‌الفَصْلُ الثانيفي وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، وَعَدَمِ مُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلتَّوَكُّلِ

- ‌الإفرَاطُ في الإِحسَاسِ بالعَجزِيَنشَاُ عَنهُ التَّفرِيط في إزَالهِ العَجزِ

- ‌ قال العلَّامَةُ المجدِّد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-: "لا يجوز للمسلمين اليوم أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض انتظارًا منهم لخروج المهدي

- ‌ثانيًا: الأستاذ الشيخ أبو الأعلى المودودي -رحمه الله تعالى

- ‌ثالثًا: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمه الله تعالى

- ‌رابعًا: قال الدكتور/ عبد العزيز مصطفى -وفقه الله تعالى-:"جهاد الكفار -أيًّا كانوا، وأينما كانوا، وفي أي زمان كانوا- واجبٌ بالشرع المحكم غير المنسوخ

- ‌المَقالُ الخامس: فَارِسُ أَحْلَامِ الدَّعْوَةِللأستاذ/ عبد السلام البسيوني -وفقه الله تعالى

- ‌الْمقَالُ السادس: مِنْ سنَن الأنْبِياءٍ الأخْذُ بالأسبَاب المادِيةِقال الأستاذ/ محمد العبدة -حفظه الله تعالى

- ‌الفصل الثالثهل تعود الخلافة قبل ظهور المهدي

- ‌ كيف سيكون حال الأمة قبل ظهور المهدي

- ‌المسلَكُ الأَوَّلُ: ستزداد غُربَةُ الإسلام حتى يظهرَ المهدي

- ‌ قال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي

- ‌ الشيخ عبد الله بن الصِّدِّيق

- ‌ذكر أجوبة العلماء عن حديث انس رضي الله عنه وما في معناه

- ‌أولًا: جواب الإمام ابن حبان -رحمه الله تعالى

- ‌ثانيًا: جواب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى

- ‌ثالثًا: جواب العلامة ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى

- ‌الْمَسلَكُ الثانى: ستقوم -بإذن الله- خلافَةٍ على مِنهاج النبوة قبل ظهور المهدي، أو على الأقل ستنهض الأمة نهضةً شاملةً، ولا يبقى إلا ظهور القائد

- ‌لا بُدَّ من عودة الخلافة الراشدةواستعادة القدس قبل ظهور المهدي

- ‌وَعْدُ اللهِ -تَعَالى

- ‌ المهدي والمسيح عليه السلام سيتعاصران:

- ‌لا بد من قيام الخلافة قبل المهدي

الفصل: ‌ ظاهرة (التطبيع) مع الإسرائيليات

علمائهم ومفكريهم لها، فإذا كانت هذه الإسرائيليات نفسها محل توقف في كونها وحيًا معصومًا أو لا، فهل هناك توقف أو تردد في أن علماءهم وأحبارهم ومفكريهم غارقون في التيه، والحيرة، والضلال المبين؟‌

‌ ظَاهِرَة (التَّطْبِيعِ) مَعَ الإِسْرَائِيليَّاتِ

إن النقل عن أهل الكتاب لم يقف عند الحد المسموح به، وإنما خرج الأمر عن كونه استشهادًا مشروطًا بشروط إلى كونه "ظاهرةً ملحةً متكررةً"، أكسبت الإسرائيليات في نفوس العوام صفة المرجعية، ولأول مرة ترتقي الإسرائيليات -على يد هذه الكوكبة من رواد "التطبيع الفكري مع الإسرائيليات"- إلى مستوى الحجية والمصداقية، وإذا بالقوم يفخرون "بالتهوك"(1)، ويمعنون فيه حتى إنه لتؤلف كتب ممحضة للنقل من الإسرائيليات فحسب (2)، مع نبذهم المصادرَ الإسلاميةَ وراءهم ظهريًّا؛ عن أبي عبيدة قال:"من شغل نفسه بغير المهم، أضرَّ بالمهم"، وقال الإمام أحمد:"الاشتغال بهذه الأخبار القديمة يقطع عن العلم الذي فُرضَ علينا طلبُه"(3).

وإذا بالمناظرات الإسلامية النصرانية التي تجرى تحت ظل الهيمنة الثقافية الغربية في ديار الغرب تجوس أشرطتها السمعية والمرئية خلال

(1) راجع حديث جابر بن عبد الله، وحديث خالد بن عرفطة، ص (180، 181).

(2)

كما فعل صاحبا "تاريخ اليهود" في جزأين، "موسى في الأساطير الإسرائيلية"، في ثلاثمائة صفحة، ليس فيها آية قرآنية واحدة، ولا حديث عن المعصوم صلى الله عليه وسلم بل محض نقل من توراة اليهود، وإسرائيلياتهم، فالله المستعان.

(3)

"الجامع" للخطيب (2/ 160).

ص: 196

بيوت المسلمين؛ لتمرن قلوبهم على سماع سب الله عز وجل، وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطعن في كتاب الله -تعالى- والتطاول على دين الحق على لسان شياطينهم، ويُغَضُّ الطرف عن هذه الجرائم بحجة لزوم الإنصاف والعدل بين المتناظرين، مع أن غالب استدلالات المناظر المسلم تحوم حول الإسرائيليات، وقلما يستدلّ بشيء من القرآن الكريم، أو السنة النبوية (1).

واذا أنكرت عليهم هذا "الإغراق" في إشاعة الإسرائيليات بادروا بذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَحَدِّثُوا عَنْ بَي اِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ"، وبأن العلماء أجازوا حكاية "القسم الثالث" من الإسرائيليات.

(1) وإن مما يؤسف له أشد الأسف استمراء هذا الوضع، وعدم إنكاره، لقد قال تعالى:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الآية: [آل عمران:186]، وها نحن -الآن- نسمع الأذى من "بعض المسلمين" الذين يترجمون هذه المحاضرات السمعية البصرية بما فيها من طعن، وسب لدين الإسلام، ويذيعونها في أوساط العوام بغير فقه، ونحن لا ننكر مناظرة أهل الكتاب؟ فإن هذا أحد أساليب الدعوة إلى الله، وإقامة الحجة، ولكن للمناظرة ضوابط، وكلما كانت في دائرة محدودة، كلما كانت أعون على الإقناع؛ كي لا تأخذ المجادلَ العزةُ بالإثم أمام جمهور الحاضرين؟ فيستكبر عن الانصياع للحق، ولا بد أن يتولى المناظرة عن الجانب الإسلامي عالم فقيه بصير يحسن الاستدلال- أولًا، وقبل كل شيء- بأدلة القرآن، والسنة الصحيحة، وأن يكون مؤهلًا ذا خبرة بشبهات القوم؛ لأنه إذا رد ردًّا ضعيفًا زادهم فتنة بكفرهم، ثم ينبغي أن تحجب شبهات وطعون المناظر الكافر عن عوام المسلمين؛ خشية أن تفتن قلوبهم بشبهات أعداء الله الذين يجهرون بالسوء من القول، ويحترفون التشويه، والتضليل للصد عن سبيل الله -تعالى-.

ص: 197

نقول: نعم يجوز ذلك، لكن البياضَ إذا اشتد صار بَرَصًا، فلماذا نبدأ من حيث انتهى بنا الشرع؟ ونجعل نقطة النهاية نقطة انطلاق إلى الإفراط في الاستدلال بالإسرائيليات، "والتمحور" حول كتبهم الْمُحَرَّفَةِ، الأمر الذي ينعكس سلبًا على ارتباط الناس بالقرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم والاعتماد عليهما في المحاججة.

إن من أسلحة "الصهيونية النصرانية" في حربها ضد الإسلام الترويجَ للتأويلات الباطلة لما لديهم من نبوءات، ومن خلال ذلك تمارس حربًا نفسية لتخذيل المسلمين، وتثبيط هممهم (1).

فأين ما نحن فيه الآن من "التطبيع مع الإسرائيليات"، وموقفنا "البارد" تجاهه من سلفنا الصالح الذين كانت الدماء تغلي في عروقِهِم إذا رأوا من ينشغل بهذه الكتب عن القرآن الكريم، كتابِ الله المعجزِ المهيمن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟

وما غَرَسَ في قلوبهم تلك الغيرةَ الأيمانيةَ على كتاب الله عز وجل إلا هَدْيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وَرَدَ عنه أنه كان يغضب أشدَّ الغضب إذا وجد مِن أصحابه مَن يشتغل بكتب أهل الكتاب عن القرآن الكريم؛ فقد روى الإمام أحمد من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب، فقال: "أَمُتَهَوِّكُون فِيهَا يَا بْنَ الخطَّابِ؟ والَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا نَقِيَّةً،

(1) انظر: "خُدعة هرمجدون" للمؤلف، نشر دار بلنسية، الرياض.

ص: 198

لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَئءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَق فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم كانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي".

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، ورجاله موثقُون، إلا أن في مجالدٍ ضعفًا"(1). اهـ.

قال الألباني -رحمه الله تعالى-: "لكنَّ الحديثَ قَوِيٌّ؛ فإن له شواهدَ كثيرة"، ثم ذكر بعضها، ومنها: ما رُوي عن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كانَ فِيكُم مُوسَى واتبعْتُمُوه وَعَصَيتُمُوني؛ لَدَخَلْتُمُ النَّارَ".

ومنها: ما رُوِيَ عن خالد بن عرفطةَ قال:

"كنت جالسا عند عمرَ رضي الله عنه؛ إذ أُتِيَ برجل من عبد القيس سَكَنُهُ بالسوس، فقال له عمر: أنت فُلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم، قال: وأنت النازلُ بالسوس؟ قال: نعم، فضربَهُ بعصَاة معه، فقال: ما لي يا أمير المؤمنين؟! فقال له عمر: اجلس، فجلس، فقرأ عليه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ

} [يوسف] الآية، فقرأها عليه ثلاثا، وضربه ثلاثًا، فقال الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟! فقال: أنت الذي نسخت كتاب "دانيال"؟! فقال: مُرْنِي بأمرك أَتَّبِعْهُ، قال: انطلق فامْحُهُ بالحميم، والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه، ولا تُقْرِئْهُ

(1)"فتح الباري"(13/ 334).

ص: 199

أحدًا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته، أو أقرأته أحدًا من النَّاس، لَأُنْهِكَنكَ عقوبةً، ثم قال له: اجلس، فجلس بين يديه، فقال: انطلقتُ أَنا فانتسختُ كتابًا من أَهل الكتاب، ثم جئت به في أَديمٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذَا فِي يَدِكَ يَا عُمَرُ؟ " قال: قلت: يا رسولَ الله، كتاب نسختُهُ لِنَزْدَادَ به علمًا إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، ثم نُوديَ ب (الصَّلاةُ جَامِعَةٌ)، فقالت الأَنصار: أَغَضِب نبِيّكُم؟ هَلُمَّ السلاحَ السلاحَ، فجاءوا حتى أحدقوا بِمِنْبَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:"يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنّي أُوتيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَخَوَاتِيمَهُ، وَاخْتُصِرَ لِيَ اخْتِصَارًا، وَلَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَا تتَهَوَّكُوا، وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الْمُتَهَوِّكُونَ"، قال عمرُ: فقمتُ، فقُلتُ: رضِيتُ بالله ربّا، وبالإسلام دينًا، وبك رسولًا، ثم نَزَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ومنها: ما رُوِيَ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "جاء عمرُ بجوامِعَ من التوراةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "

الحديثَ، نحوَ روايةِ جابر باختصارٍ، وفيه:"والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيده لَو كَانَ مُوسَى بَينَ أَظْهُركُم، ثمَّ اتَبعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُوني، لَضَلَلْتُمُ ضلَالًا بَعِيدًا، أَنْتُمُ حَظّي مِنَ الأمَمِ، وَأَنَا حَظكُمُ مِنَ النَّبِيينَ".

ومنها: ما رُوِيَ عن حفصةَ رضي الله عنها أنها: "جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصَص يوسفَ في كِنْفٍ (1)، فجعلت

(1) الكِنْفُ: كل وعاءِ مثل العَيْبَة لحفظ الشيء، وكِنْفُ الراعي والصانع والتاجر: ما يحفظ فيه متاعه وأَسْقَاطَه.

ص: 200

تقرأ عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه، فقال:"والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَو أَتَاكُم يُوسُفُ وَأَنَا مَعَكُم، فَاتَبعْتُمُوهُ وَتَرَكتُمُوني؛ ضَلَلْتُمُ ".

ثم قال الألباني -عليه رحمة الله- بعد أن بَيَّنَ ضعفَ عامَّةِ هذه الشواهِد: "وجملة القول: إن مجيء الحديث في هذه الطرق المتباينة، والألفاظ المتقاربة، لَمِمَّا يدل على أن مجالد بن سعيد قد حَفِظَ الحديث، فهو على أقل تقدير حديثٌ حسنٌ، والله أعلم "(1).

ذَمُّ السَّلَفِ مَنِ انْكَبَّ عَلَى كتُبِ "أَخْبَارِ الْأَوَائِلِ" روى الخطيب بسنده عن ابن أبي أُويس قال: سمعت خالي مالكَ بن أنس، وسأَلَهُ رجلٌ عَنْ زَبُورِ داودَ، فقال له مالكٌ:"ما أَجْهَلَكَ! مَا أَفْرَغَكَ! أما لنَا في نافع، عن ابن عُمَرَ عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما شَغلنا بصحيحه عما بيننا وبين داود عليه السلام؟ "(2).

وعن صدقة بن يسار سمع عمرو بن ميمون يقول: "كنا جلوسًا في مسجد الكوفة، وذاك أولَ ما نُزِلَ (3)، فأقبل مِنْ نحو الجسر رجلٌ معه كتاب، قلنا: ما هذا؟ قال: هذا كتاب، قلنا: وما كتاب؟ قال: كتابُ "دانيال"، فلولا أن القوم تحاجزوا لقتلوه، وقالوا: كتاب سوى القرآن؟ أكتاب سوى القرآن؟ "(4).

(1)"إرواء الغليل"، (6/ 34 - 38).

(2)

"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، (2/ 161).

(3)

أي: أول ما افتُتح المسجد للصلاة، والوعظ، وما أشبه ذلك.

(4)

"الجامع"، (2/ 162).

ص: 201

اللهُ أكبرُ إنَّ دينَ محمدٍ

وكتابَه أقوى وأقومُ قِيلا

لا تذكروا الكتبَ السوالفَ عنده

طلع الصباحُ فأطفأ القِنديلا

وصدق القائل: نور الصباح يُغني عن المصباح.

وقال الخطيبُ البغدادي -رحمه الله تعالى-: "ويترك المنْتَخِب -أيضًا- الاشتغالَ بأخبار الأوائلِ؛ مثل كتاب "المبتدأ" ونحوه؛ فإنَّ الشُغْلَ بذلك غيرُ نافعٍ، وهو عن التَّوَفُّرِ على ما هو أولى قاطع"(1)، ثم أُسنِدَ عن الإمام أحمد قوله:"الاشتغال بهذه الأخبار القديمة يقطع عن العلم الذي فُرِضَ علينا طلبه"(2)، ثم قال:"ونَظِيرُ ما ذكرناهُ آنفًا أحاديثُ الملاحِمِ، وما يكون من الحوادِثِ؛ فإِنَّ أَكثرها موضوع، وجُلَّها مصنوع، كالكتاب المنسوب إلى "دانيال"، والخُطب المروية عن علي بن أبي طالب"(3).

وأخرج الخطيب في "الجامع": "أن عُمَرَ رضي الله عنه بلغه أن رجلًا كتب "كتاب دانيال"، قال: فكتب إليه يرتفع إليه، قال: فلما قدم عليه جعل عُمَرُ يضرب بَطنَ كفِّه بيده، ويقول: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فقال عمر: أَقَصَصُ أحسن من كتاب ربنا؟! فقال: يا أمير المؤمنين، أَعْفِنِي؛ فوالله لأمْحُوَنَّهُ"(4).

(1)"نفسه"، (2/ 160).

(2)

"نفسه"، (2/ 161).

(3)

"نفسه"، (2/ 161).

(4)

"نفسه"، (2/ 161 - 162).

ص: 202

وقال الإمام مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري -رحمه الله تعالى-: (وفي حديث ابن عمرٍو: "من أشراط الساعة أن يُقرأ فيما بينهم بالَمْثناة، ليس أحد يُغَيرها"، قيل: وما المَثْناة؟ قال: "ما استُكْتِبَ من غير كتاب الله تعالى" (1)، وقيل: إن المثناة هي أن أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو المثناة، فكأن ابن عمرٍو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كانت عنده كُتُب وقعت إليه يوم اليرموك منهم، فقال هذا لمعرفته بما فيها) اهـ (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ما معناه: (وقد انتفع عُمَرُ رضي الله عنه في هذا بما وقع منه حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم بيده شيئًا من التوراة، فقال: "لَوْ كَانَ مُوسَى حَيا ثُمًّ تَبعْتُمُوه وَتَرَكْتُمُوني لَضَلَلْتُمُ"، وفي رواية: "مَا وَسِعَه إِلا اتباعِي"، وفي لفظ: "فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا عَرَضَ عليه عمر ذلك، فقال له بعضُ الأنصارِ: يا بنَ الخطَّابِ، ألا ترى إلى وجه رسول الله -صلى الله ص عليه وسلم-؟ فقال عمر: رَضِيْنَا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيُّا"؛ ولهذا كان الصحابَةُ يَنهون عن اتباع كتبٍ غيرِ القرآن)(3).

(1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب -وفي رواية: أشراط- الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضعَ الأخيار، وُيفتح القول، وُيخزن العمل، ويُقرأ بالقوم المّثْناةُ، ليس فيهم أحد ينكرها، قيل: وما المثناة؟ قال ما اسْتُكتب سوى كتاب الله عز وجل" رواه الحاكم (4/ 554)، وقال الهيثميْ "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح" اهـ. من "المجمع"(7/ 326)، وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (2821).

(2)

"النهاية في غريب الحديث والأثر"(1/ 225 - 226).

(3)

"مجموع الفتاوى"، (17/ 41).

ص: 203

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أيضًا:

"

ولما كان القرآن أحسن الكلام؛ نُهُوا عن اتباع ما سواه؛ قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]، إلى أن قال -رحمه الله تعالى-:"وروى ابن أبي حاتم، حَدَثَّنَا أبي، حَدَثَّنَا إسماعيلُ بْنُ خليلٍ، حَدًثنَا عَلى بن مسهر، حَدَّثنَا عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس، عن خالد بن عرفطةَ، قال: كنت عند عمرَ بن الخظَاب رضي الله عنه إذ أُتِيَ برجلٍ من عبد القيس مَسْكَنُهُ بالسوس، فقال له عمر: "أنت فلانُ بن فلانٍ العبدي؟ " قال: نعم، قال: "وأنت النازلُ بالسوسِ؟ "قال: نعم، فَضَرَبَهُ بقناة معه، فقال له: ما ذنبي؟ قال: فَقَرَأَ عليه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} فقرأها عليه ثلاث مرات، وضربه ثلاث ضربات، ثم قال له عمر: "أنت الذي انتسخت كتاب دانيال؟ " قال: نعم، قال: "اذهب فامحُهُ بالحميم، والصوف الأبيض، ولا تقرأه، ولا تُقْرِئْهُ أَحَدًا من الناس".

فقرأ عليه عُمَرُ هذه الآية ليبين له أن القرآن أحسن القصص؛ فلا يُحتاج معه إلى غيره، وهذا يدل على أن القصصَ عَامٌّ لا يختصُّ بسورة يوسف، ويدل على أنهم كانوا يعلمون أن القرآنَ أفضل من كتاب "دانيال"، ونحوه من كتب الأنبياء، وكذلك مثل هذه القصة مأثورة عن ابن مسعود رضي الله عنه لَمَّا أُتِيَ بما كُتِبَ من الكُتُبِ مَحَاهُ، وذَكَرَ فضيلةَ القرآنِ كما فعل عُمَرُ رضي الله عنه، ثم شَرَعَ -رحمه الله تعالى- في بيان معنى كون القرآن المجيد مهيمنًا على الكتب السابقة إلى أن قال:

ص: 204

"ولهذا لم تَحْتَجِ الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر، وكتاب آخر، فضلًا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه عن غيره، سواء كان من علم المحدَّثين والملهمين، أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتابٍ مُنَزَّلٍ من السماء"(1).

ونقل القرطبيُّ في "التذكرة" عن الحافظ أبي الْخَطَّاب بن دحية أنه قال عن "دانيال": "نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، كَلَامه عبراني، وهو على شريعة موسى بن عمران، وكان قبل عيسى ابن مريم بزمان، ومن أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد سقطت عدالته، إلى أن يُبين وضعه، لتصح أمانته، وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم، وما كان من الحوادث، وسيكون، وجمع فيه التنافي والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أعرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يُكَذِّبُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، ويتعذر على المتأول لها تأويلُها، وما يتعلق به جماعة الزنادقة، من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم أن في سنة ثلاثمائة يظهر الدجَّال من يهودية أصبهان، وقد طعنَّا في أوائل سبعمائة في هذا الزمان، وذلك شيء ما وقع ولا كان، ومن الموضوع فيه المصنوع، والتهافت الموضوع، الحديث الطويل الذي استفتح به كِتَابَهُ، فهلا اتقى الله! وَخَافَ عِقَابَهُ! وإِنَّ من أفضح فضيحة في الدين نقلَ مثل هذه الإسرائيليات عن المتهودين؛ فإنه لا طريق فيما ذُكِرَ عن دانيال إلا عنهم، ولا رواية تُؤْخَذُ في ذلك إلا منهم "(2).

(1)"نفسه"، (17/ 41 - 46) باختصار.

(2)

"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، (716 - 717).

ص: 205