الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا بُدَّ من عودة الخلافة الراشدة
واستعادة القدس قبل ظهور المهدي
(أ) تشير بعض الأحاديث الصَحيحة إلى أن حالة الناس الدينية في تراجع مستمر مع الزمن، ولكنة تَرَاجُعٌ بشكل عام لا بِشَكْلٍ فردي؛ أي هو من العام المخصوص، والمخصِّصُ قوله صلى الله عليه وسلم:«مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» (1).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» (2)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» . (3).
ولا يَرِدُ عليه انعدامُ الدولةِ والصَّوْلةِ؛ لأنه لا يمتنع عقلًا أن تنطلق هذه الأمة انطلاقًا جديدًا؛ حتى يتم قولُه عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
(1) رواه الترمذي رقم (2873) في الأمثال: باب "مثل أمتي مثل المطر"، ورواه الإمام أحمد في "المسند"، (3/ 130، 143) في حديث أنس، و (4/ 319) من حديث عمار بن ياسر، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن"، ونقل المناوي عن الحافظ ابن حجر قوله:"هو حديث حسن له طرق، قد يرتقي بها إلى الصحة". اهـ. من "فيض القدير"(5/ 517).
(2)
أخرجه من حديث ثوبان رضي الله عنه مسلمٌ رقم (1920)، وأبو داود رقم (4252)، والترمذي رقم (2229)، وابن ماجه (2/ 464) رقم (4016)، وأحمد (5/ 278، 279)، والحاكم، (4/ 449،450).
(3)
رواه من حديث أبي عنبة الخولاني ابن ماجة رقم (8) وابن حبان، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(6/ 231)، رقم (7569).
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 33].
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "لَيُظهِرن الله دينَه على الأديان حتى لا يُدانَ اللهُ إلا به، وذلك متى شاء الله تعالى"(1).
والظهور بهذا المعنى الذي أورده الشافعي -وهو الظهور الحقيقي- هو وجه من عدة أوجه فسره بها العلماء -ومنهم الشافعي-، ويقوِّيه عدد من الأحاديث التي سنوردها -إن شاء الله- فيما يأتي.
والقولُ بأنه -أي: الظهور المذكور في الآية- قد تحقق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أو بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس أو غيرهم قولٌ بعيدٌ، فما تحقق إنما هو جزء منه فقط -كما هو معروف من التاريخ- وسوف يتحقق كاملًا في المستقبل إن شاء الله تعالى.
ومما يؤيد ذلك قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا" الحديث (2).
(1) "أحكام القرآن للشافعي (2/ 50) دار الكتب العلمية- بيروت (1400هـ).
(2)
صدر حديث، رواه من حديث ثوبان رضي الله عنه مسلم رقم (2889) في الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، والترمذي رقم (2177) في الفتن، باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثًا في أمته، وأبو داود رقم (4252) في الفتن، باب ذكر الفتن ودلالتها، وانظر: جامع الأصول (11/ 317، 318).
ومعلوم أن الإسلام لم يُغَطِّ الكرةَ الأرضية بهذا الوصف الموجود في الحديث الشريف، وسيغطيها كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم حين يشاء الله تعالى.
وعن تميمٍ الداري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يبقى بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلّا يُذِلُّ بِهِ الْكُفْرَ"(1).
وهذا الحديث يؤكد الحديث السابق ويوضحه، ويفيد قولُه:"ما بلغ الليلُ والنهارُ" أن الإسلام سينتشر، ويُمَكَّن له في جميع الكرة الأرضية؛ لأن الليل والنهار يبلغان جميعها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وسيتحقق في المستقبل إن شاء الله.
وعن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وسئل: أيُّ المدينتين تُفتح أولًا: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حِلق، قال: فأخرَج منه كتابًا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل
(1) رواه الإمام أحمد، والطبراني في "المعجم الكبير"، وابن منده في "كتاب الإيمان"، والحافظ عبد الغني المقدسي في "ذكر الإسلام"، وقال:"حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، والحاكم، وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وكذا أخرجه ابن حبان، وابن عروبة. اهـ، ملخصًا من "تحذير الساجد" للألباني، ص (173، 174)، و"السلسلة الصحيحة"، حديث رقم (2)، وقد صححه على شرط مسلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ المدينتين تُفتح أولًا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هِرَقلَ تُفْتَحُ أولًا"(1).
وقد فتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح -رحمه الله تعالى- بعد هذه البِشارة الموجودة في الحديث بثمانية قرون ونصف تقريبًا، وستفتح مرة أخرى بعد ملحمة تكون بين المسلمين والروم، ينتصر فيها المسلمون نصرًا مؤزرًا، لا يجدون بعده من يحول بينهم وبين فتحها، وقد أشارت إلى ذلك روايات كثيرة عند البخاري ومسلم وغيرهما.
أما "رومية" فهي كما يفهم من "معجم البلدان "(2)"روما" عاصمة "إيطاليا" الآن، ومعلوم أنها لم تفتح من قبل، والحديث يؤكد أنها ستفتح، فسيكون ذلك إن شاء الله تعالى.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كنا جلوسًا في المسجد، وكان بشير رجلًا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة الخشني، فقال حذيفة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا تبارك وتعالى إِذَا شَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ الْخِلَافَةُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
(1) تقدم تخريجه ص (267) هامش رقم (2).
(2)
"معجم البلدان" لياقوت الحموي (3/ 100).
تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا (1) فَتَكُونُ مُلْكًا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً (2)، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» (3).
وهذه المراحل أو الأطوار التي ذكرها الحديث الشريف للخلافة -بمعنى سياسة الناس ورياستهم- قد مر منها طَوْرُ النبوة، ثم الخلافة الراشدة، ثم الملك العاض، ونحن الآن نعيش مرحلة الملك الجبري، وننتظر الخلافة الراشدة الأخيرة إن شاء الله تعالى.
"وفي سنة 1924 م أعلن المجلس الوطني في تركيا خنق ذلك الطور من الترتيب النبوي، وبهذا الإعلان الذي انتهت بموجبه الخلافة العثمانية وَدَّعَت الأمةُ الإسلامية طورَ الملك العاض لتبدأ في طور الملك الجبري، وهو الطور الذي تعايشه الأمة هذه الأيام في صورة الانقلابات العسكرية وغيرها"(4).
(1) الملك العاض أو العضوض: هو الذي يصيب الرعيةَ فيه جور وظلم؛ كأنهم يُعَضُّون عَضًّا، أو الذي يعضهم فيه الفقر؛ كما قال الشاعر: وعض زمان يابن مروان لم يدع
…
من المال إلا مُسْحِتًا أو مُجلفا
وقد يكون الملك العاض بمعنى المعضوض عليه؛ بأن يُورَّثَ من حاكم لآخر؛ وذلك كقوله تعالى {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)} أي: مرضية، والله أعلم.
(2)
الملك الجبري أو الجبرية: هو الذي يتم جبرًا ورغمًا عن الرعية، وهو أقرب إلى الحكم الذي يتم بطريق الانقلابات في عصرنا.
(3)
انظر تخريجه ص (359) هامش رقم (1).
(4)
"الطريق إلى جماعة المسلمين" ص (97)، وانظر تفصيل الأطوار المذكورة في الحديث في "فتح الباري"(13/ 214)، وانظر أيضًا:"الاتجاهات الوطنية" للدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله تعالى- (2/ 37 - 47).
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ (1) وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ (2)، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا» قَالَ قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَا: لَا. (3) " (4).
قال النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه هذا الحديث في "صحيح مسلم": "والحثو هو الحفن باليدين، وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه"(5). اهـ.
(1) القَفيز: مكيال لأهل العراق، ثمانية مكاكيك، يقدر بخمسة أوسق.
(2)
المُدْيُ: مكيال لأهل الشام يسع خمسة وأربعين رِطلَا، قيل: يسع تسعة عشر صاعًا.
(3)
يبعد أن تحمل الخلافة الراشدة الأخيرة المذكورة في حديث حذيفة رضي الله عنه الآنف الذكر، على خلافة عمر بن عبد العزيز؛ لقربها من الخلافة الراشدة، حتى يقال: إنه خامس الخلفاء الراشدين، ولعل أبا نضرة وأبا العلاء نظرا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:"في آخر أمتي"، فإن عمر بن عبد العزيز من أولها وليس من آخرها، كما أن خلافته لم تكن بعد ملكين: ملكٍ عاض، ثم ملك جبري.
(4)
أخرجه مسلم رقم (2913)، (2914)، والإمام أحمد (3/ 38، 317، 333)، وانظر:"مجمع الزوائد"(7/ 316).
(5)
"شرح النووي"(18/ 40).
خلافة راشدة قبل المهدي
(ب) وقد وردت أحاديث يُفْهَمُ منها قيام خلافة راشدة قبل خروج المهدي:
1 -
منها ما رواه عبد الله بنُ حَوَالَة الأزديّ رضي الله عنه قال: بَعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم، فرجَعنا ولم نغنم شيئًا، وعَرَفَ الجَهْدَ في وجوهنا، فقام فينا فقال:"اللهم لا تكِلهُم إليَّ فأضعُفَ، ولا تكِلهُم إلى أنفسهم فيعجِزوا عنها، ولا تكِلهُم إلى الناس فيستأثِروا عليهم"، ثم قال:"ليُفْتَحَنَّ لكم الشَّامُ والرُّوم وفارس -أو الروم وفارس- حتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، ومن الغنم، حتى يُعْطى أَحَدُهُم مئةَ دينارٍ فيَسْخَطُها". ثم وضع يده على رأسي -أو هامتي- فقال: "يَا بْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَت الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إلى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذه مِنْ رَأْسِكَ"(1).
(1) أخرجه الإمام أحمد رقم (22487)(37/ 151)، والبخاري في "تاريخه"(8/ 436، 437)، وأبو داود (2535)، والحاكم (4/ 425) ، وأبو يعلى (6867)، والطحاوي في "مشكِل الاثار"(1114)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 4،3) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" رقم (2210).
فأخبر أن الخلافة في آخر الزمان تكون في القدس (1)، وبعد ذلك تظهر الأشراط الكبرى للساعة بما تحمله من زلازل وفتن.
2 -
ومنها ما رواه مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ» ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ، - أَوْ مَنْكِبِهِ - ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا» ، أَوْ «كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ» (2)، وفتح القسطنطينية سيتم في زمن المهدي الذي هو في زمن عيسى عليه السلام.
قالوا: وعمران بيت المقدس سيكون بالخلافة النازلة فيه؛ وهذا يستلزم تحرير القدس؛ وتحريرها يستلزم قيام الجهاد الشرعي الإسلامي ضد اليهود هناك.
3 -
ومنها ما رواه المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ
(1) علق الشيخ سعيد حوى -رحمه الله تعالى- على لفظة: "فإذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة
…
": الظاهر أن الحديث في خلافة تكون عاصمتها القدس، وإلى القدس يذهب المسيح عليه السلام بعد نزوله في دمشق، وهذا يشير إلى أن فلسطين وقتذاك بيد المسلمين، وأن دولة اليهود الحالية ذاهبة منتهية". اهـ. من "الأساس في السنة"(2/ 1025).
(2)
رواه أبو داود (4294) في الملاحم، باب في أمارات الملاحم، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(3609).
مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزّ عَزيزٍ أَوْ ذُلّ ذَليلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُم اللَّهُ عز وجل فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلّهُم فَيَدِينُونَ لَهَا" (1).
قالوا: وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيدينون لها" فيه إشارة إلى الجزية، وإشارة أخرى إلى أن هذا إنما يكون قبل نزول المسيح عليه السلام؛ لأنه لا يقبل الجزية من أحد، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ (2)، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ (3)، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ (4)، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى
(1) رواه الإمام أحمد (6/ 4)، والحاكم (4/ 430) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والبيهقي في "السنن"(9/ 181)، وصححه الألباني في "تحقيق المشكاة"(1/ 25)، والمَدَر: القُرى والأمصار، والوَبَر: صوف الإبل، والأرانب، ونحوها، يعني: أهل البادية، لأنهم يتخذون بوتهم من الوَبَر.
(2)
يكسر الصليب: أي يبطل دين النصرانية، بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، والصليب رمز لعقيدة صلب المسيح عند النصارى، والتي يزعمون بمقتضاها أن الرب قد ضحى بابنه المسيح، فمكَّن اليهودَ من صلبه؛ وذلك ليخلص البشرية من الخطيئة، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
(3)
قال الحافظ في "الفتح"(343/ 4): "أي: يأمر بإعدام الخنزير مبالغة في تحريم أكله. وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدَّعون أنهم على طريقة عيسى عليه السلام ثم يستحلون أكل الخنزير، ويبالغون في محبته".
(4)
ويضع الجزية-: أي يتركها ويُسقطها؛ لأنه لن يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ودخل في الإسلام بعد نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى أحد من أهل الذمة ليؤدي الجزية.
قال الحافظ في "الفتح"(6/ 356): "ويؤيده أن عند الإمام أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة: (وتكون الدعوى -أي: الملة- واحدة) ".
تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: " وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159](1)
(جـ) وهذا يؤكد حتمية عودة الخلافة الإسلامية، وسيادتها على العالم كله، والخلافة لن تسقط على المسلمين في قرطاس من السماء، ولكن للنصر أسبابه المتعددة، وقد بشر صلى الله عليه وآله وسلم بفتح رومية (2)؛ وهذا الفتح لن يتم إلا بالجهاد في سبيل الله عز وجل، والصبر عليه، وبذل الأموال والأنفس، والخلافة التي يُقيمها هذا الجهاد خلافة راشدةٌ على منهاج النبوة؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك، فلا بد أن تكون هذه الفئة سالكة طريق النجاة في الدارين؛ حتى لا يطول بها السرى في صحراء الخلافات، والفتن، وطريق السلامة من فتنة الفرقة التي تنبأ بها صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:"فَإِنَّه مَنْ يَعِشْ بَعْدِي فَسَيَرَي اخْتِلَافًا كثِيرًا" إنما يتلخص في أمرين بَيَّنَهُمَا صلى الله عليه وسلم: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، ثم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ" الحديث (3).
(1) رواه البخاري (2109)، (2344)، (3264)، ومسلم (155)، (243)، وابن حبان (15/ 227)، (6816)، وغيرهم.
(2)
انظر: هامش رقم (2)، ص (267).
(3)
أخرجه الإمام أحمد (4/ 126)، وأبو داود (4/ 200)، (4607)، والترمذي (5/ 44)، (2676)، وا بن ماجه (1/ 16)، والدارمي (1/ 45)، وقال الترمذي:"حسن صحيح "، وصححه الضياء المقدسي، وغيره.
فالطائفة المنصورة لا بد أن يكون منهجها موافقًا لمنهاج النبوة؛ الذي هو منهج السلف الصالح، والرعيل الأول القائم على الاتِّبَاعِ، وتَرك الابتداع؛ لأنه هو المنهج الوحيد الصحيح القادر على إعادة الخلافة في الأرض، وهي مع ذلك تحتاج رجالًا أولي عزم وتقى، يقوم على أكتافهم هذا البعث الجديد، فلا بد من تربيتهم على الكتاب والسنة، ولا بد من علاج هذا الواقع الأليم الذي يعاني منه المسلمون في كل مجال في ضوء شريعة الله المصفاة من كل دخيل من الآراء، والأهواء، والبدع فعاد الأمر إلى كلمتين:"التصفية، والتربية".
(د) والزمان هو السِّفر المنظور الشارح لكتاب الله المسطور؛ آيات سورة الإسراء تُبَيِّن أنه لا بد من جولة قادمة بين المسلمين واليهود، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ:(1):
(1) القاعدة عند أهل السنة والجماعة أنهم يُجرون نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها -أي: معناها الذي يتبادر إلى الذهن منها- معتقدين أنه هو الحق الذي يوافق مراد الله تعالى، ومرادَ رسوله صلى الله عليه وسلم، لا سيما فيما ليس للرأي فيه مجال؛ كنصوص الصفات، والمعاد، وغيرها من أمور الغيب.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-:
"آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". اهـ. من "مجموع الفتاوى"(354/ 6). فنُطق الحجر والشجر هنا حقيقة لا مجاز، ولهذا نظائر في السنة، انظرها في:"عبودية الكائنات" للشيخ فريد بن إسماعيل التوني، ط. دار الضياء- (1413 هـ-1992 م)، فقد أبدع فيه، وأجاد.
يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ " (1).
قال الإمام النووي تعليقًا على الحديث: "الغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد ييت المقدس، وهناك يكون "قتل الدجال واليهود" (2).
وفي رواية للحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ» (3).
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبية رضي الله عنه مرفوعًا: "ينزل الدجال في هذه السَّبَخَة (4) بمَرِّ قناة (5) " الحديث، وفيه:"ثم يسلِّط اللهُ المسلمين عليه، فيقتلونه، ويقتلون شيعته، حتى إن اليهوديَّ ليختبِئ تحت الشجرة أو الحجرِ، فيقول الحجرُ أو الشجرةُ للمسلم: هذا يهودي تحتي، فاقتُله"(6).
(1) رواه البخاري (6/ 103 - فتح)، مسلم رقم (2922).
(2)
شرح اننووي (18/ 44، 45)، ومن الجدير بالذكر أن يهود الدولة اللقيطة يكثرون الآن من زراعة هذا الشجر في المستوطنات والحدائق وغيرها، وانظر:"واقعنا المعاصر" ص (543).
(3)
رواه البخاري (6 - / 699)، (61)، كتاب المناقب (25)، باب علامات النبوة رقم (3593)(ورواه مسلم،)(2239)، (52)، كتاب الفتن (18)، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل
…
، حديث رقم (81).
(4)
السَّبَخة: أرض تعلوها الملوحهّ، ولا تكاد تُنْبِتُ إلا بعضَ الشجر.
(5)
مَرُّ قناة: وادٍ بالمدينة.
(6)
رواه الإمام أحمد في "مسنده"(9/ 255) رقم (5353)، وفيه محمد بن إسحاق، وهّو مدلس، وقد عنعنه.
وعليه فالمراد بقتال اليهود هنا وقوع ذلك إذا خرج الدجال، ونزل عيسى- عليه السلام. (1)
وروى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: "
…
حتى أن الشجرة والحجر ينادي: يا رُوحَ الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدًا إلا قتله " (2).
ويتضح من الأحاديث -أيضا- أن المسلمين وقيادتهم سيكونون ببيت المقدس، وأن الدجال ومن معه -وغالبُ مَن معه مِن اليهود- سيقدمون إلى فِلَسطينَ من خارجها، ولن يكونوا فيها، وسيحاصرون المهدي ومن معه حتى ينزل عليهم عيسى ابن مريم، وأنه عليه السلام ومعه المؤمنون سيتعقبون الدجال ومن معه، فيقتله المسيح عيسى ابن مريم عند باب لُدٍّ، ويقتل أتباعه حتى إن الحجر والشجر ليدلان المسلمين عليهم.
وهذا كله يعني لنا شيئًا واحدا ومهمًا هو أن دولة الكيان اليهودي المغتصب في فلسطين الآن لن تبقى حتى ذلك الوقت، وإنما هي في سبيلها إلى الزوال.
قال الأستاذ سعيد حوى -رحمه الله تعالى- "
…
إن دولة اليهود الخالية على كل الاتجاهات في الفهم للنصوص ستنتهي، وليست نهايتها معلقة بنزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وإن النصوص
(1) انظر: "فتح الباري"(6/ 610).
(2)
رواه الإمام أحمد رقم (14954)(23/ 212)، وقال المحقق:"إسناده على شرط مسلم ".
الواردة في أن الحجر والشجر يدلان المسلم على اليهودي ليقتله ليست واردة في هؤلاء اليهود، بل في يهود يقدمون مع الدجال" (1).
ولئن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك المجاهدين -في هذا الحديث- بوصف عام هو الإسلام؛ فلقد وصفهم بوصفٍ أخصَّ؛ وهو كونهم "أهلَ السنة والجماعة"، و"الطائفة المنصورة"؛ وذلك فيما رواه عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» (2)، وهذا الحديث يشير إلى أن من ضمن قتالهم قتال المسيح الدجال وأعوانه؛ وأعوانه أكثرهم اليهود، وقد رُوي عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أكثر أتباع الدجال اليهودُ والنساء"(3).
-وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدين ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهمْ مَنْ جابههم إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأوَاءَ، حَتَّى يَأْتيَهمْ
(1)"الأساس في السنة وفقهها"(2/ 1025).
(2)
رواه الإمام أحمد (4/ 429)، وأبو داود (2484)، والحاكم (2/ 71)، (4/ 450)، وقال:"صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" رقم (2170).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 216، 217)، وفيه علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا أَيْنَ هم يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأكنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (1).
-وهذا الحديث واضح الدلالة على أن القوم المقاتلين الذائدين عن بيت المقدس هم من نفس الطائفة المنصورة؛ أهل السنة والجماعة. وفيه تحديد لأماكن وجودهم في آخر الزمان.
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ، وَمَا حَوْلَهُ وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ، لَا يَضُرُّهُمْ خُذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ» (2).
قالوا: إن الأحاديث الشريفة تدل على حدوث قتال بين المسلمين واليهود، وانتصارهم على اليهود قبل زمن الدجال، وليس شرطًا أن تكون المعركة بين المسلمين، وبين صنف من أعدائهم واحدة فقط؛ فقد تتعدد المعارك، وتتكرر الفتوحات، فالقسطنطينية (3) -مثلًا- فتحها السلطان محمد الأول [857هـ-1453م]، وهذا الفتح غير الفتح الأخير الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم قبل خروج الدجال مباشرة،
(1) رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في المسند (5/ 269)، عن أبيه وِجَادَةً، ورواه الطبراني، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 291):"رجاله ثقات".
(2)
رواه أبو يعلى، قال الهيثمي:"ورجاله ثقات"، انظر:"مجمع الزوائد"(10/ 63، 64).
(3)
مدينة بناها الملك قسطنطين، وهي مثلثة الشكل؛ جَانِبَان منها في البحر، وجانب فى البر.
وفتح بيت المقدس تم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم احتله النصارى الصليبيون، ثم فتح في عهد صلاح الدين الأيوبي، ثم احتل في عهد التتار ثم فتح، ثم احتله النصارى الإنجليز، ثم احتله اليهود، وسيتم عمرانه، وفتحه مرة أخرى قبل فتح القسطنطينية.
يقول الأستاذ عبد الوهاب عبد السلام طويلة: "لقد فُتحت القسطنطينية لأول مرة في زمن السلطان العثماني محمد الثاني، المعروف بالفاتح رحمه الله؛ فحاز بذلك مع جيشه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ومديحه كما سلف، غير أن الضعف حَلَّ بالمسلمين بعد الحرب العالمية الأولى، وتداعت عليهم الأمم؛ بسبب ابتعادهم عن دينهم الذي أعزهم الله به، فأصبحت القسطنطينية تحت حكم الملحد مصطفى كمال، صنيعة الصهيونية والاستعمار، ولا زالت الأمور في تركيا تسير من سيئ إلى أسوأ؛ حتى إنهم حالفوا اليهود، وفتحوا لهم بلادهم، وتوددوا إليهم، وهم -أيضًا- يخطبون وُدَّ الأوربيين بتضييق الخناق على المسلمين، ومحو كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، والأوربيون لا يَعْبَئُون بهم، بل يحتقرونهم، وربما يطرأ تغيير على الوضع الدولي قبل ظهور المهدي، وخروج الدجال؛ فتصبح القسطنطينية تحت حوزة النصارى، أو حلفائهم.
والفتح الأخير لها لن يكون بقتال؛ وإنما بالتكبير، والتهليل تسقط المدينة؛ مكافأة للمسلمين الذين أبلوا بلاء حسنًا لدى قتال الروم في الملحمة الكبرى.
-عن أبي هريرة- رضي الله عنه في حديثه السابق: "
…
وَيَفْتَتِحُ
الثّلثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينيَّةَ، فبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُون؛ إِذْ صَاحَ فِيهِم الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهالِيكُمْ؛ فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ
…
" الحديث.
-وعنه- رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا - قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ - الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ، إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ "، (1). اهـ (2).
(1)"صحيح مسلم" رقم (2920).
(2)
"المسيح المنتظر ونهاية العالم" ص (81، 82).