الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في معنى "أشراط الساعة
"
الشَرَطُ -بفتحتين-: هو العلامة، جمعه: أشراط، وأشراط الشيء: أوائله، ومنه: شُرَط السلطان، وهم نُخْبَةُ أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، ومنه: الاشتراط الذي يشترطه الناس بعضهم على بعض، فالشرط علامة على المشروط (1).
الساعة لغةً
جزء من أجزاء الليل والنهار، جمعها: ساعات، وساع، والليل والنهار معًا أربع وعشرون ساعة.
وأشراط الساعة: علاماتها (2)، قال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18].
قال الحافظ ابن حجر: "هي العلامات التي يعقبها قيام الساعة"(3).
وقد أطلق بعض العلماء على "الأشراط" اسم "الآيات"؛ و"الآيات" هي الأمارات الدالة على الشيء، كالأمارات التي تُنصبُ في الصحراء؛ دالة على الطريق، أو توضع على الشاطئ؛ لتهديَ السفن، أو توضع في طريق المسافرين؛ لتدلهم على ما يقصدون من الأماكن.
(1) انظر: "لسان العرب"(7/ 329)، و"النهاية لابن الأثير (2/ 460).
(2)
"مختار الصحاح" ص (324).
(3)
"فتح الباري"(13/ 79).
قال الطيبي: "الآيات: أماراتٌ للساعة، إما على قربها، وإما على حصولها؛ فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس"(1).
معنى "الساعة" اصطلاحًا
الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وسُمّيَتْ بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفجأ الناس في ساعة، فيموت الخلق كلهم بصيحةٍ واحدة (2). وقال الراغب في "المفردات":[الساعة: جزء من أجزاء الزمان، وُيعبَّر به عن القيامة، قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]، وقال سبحانه:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} [الأعراف: 187]، وقال عز وجل:{وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [الزخرف: 85].
تشبيهًا بذلك لسرعة حسابه، كما قال عز وجل:{وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62]، أو لِما نبَّه عليه بقوله تبارك وتعالى:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]، وقوله سبحانه:{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35]، وقوله عز وجل:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55]، فالأولى: هي القيامة، والثانية: الوقت القليل من الزمان.
وقيل: الساعات -التي هي القيامة- ثلاث:
(1)"المصدر نفسه"(13/ 352).
(2)
انظر: "لسان العرب"(8/ 169)، "النهاية" لابن الأثير (2/ 422).
الساعة الكبرى (1): هي بعث الناس للمحاسبة، وهي التي أشار إليها بقوله عليه السلام:"ولا تقوم الساعة حتِى يظهرَ الفُحش والتفاحُش"(2) إلى غير ذلك، وذكر أمورًا لم تحدث في زمانه ولا بعده.
والساعة الوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد، وذلك نحو ما رُويَ أنه رأى عبد الله بن أُنَيْس (3)، فقال:"إن يَطُلْ عُمرُ هَذَا الغُلَامِ لم يمُتْ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"(4).
والساعة الصغري: وهي موت الإنسان، فساعةُ كلِّ إنسانٍ موتُه، وهي المشارُ إليها بقوله:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الأنعام:31]، ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسانَ عند موته، لقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ
(1) وإذا أطلقت الساعة في القرآن الكريم، فالمراد بها القيامة الكبرى: قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} [الأحزاب: 63]، أي: عن القيامة، وقال تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]، أي: اقتربت القيامة.
(2)
رواه الإمام أحمد (2/ 162) رقم (6514)، من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بلفظ:"لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة" الحديث، وقال الشيخ أحمد شاكر:"إسناده صحيح "(10/ 20).
(3)
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "إن ما ذكره عن عبد الله بن أُنَيس لم نقف عليه، ولا هو آخر من مات من الصحابة هَرِمًا" اهـ. من "فتح الباري"(1/ 364).
(4)
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال:"إن يعش هذا لم يدركه الهرم؛ قامت عليكم ساعتكم"، رواه البخاري (11/ 361 - الفتح)، ومسلم (18/ 90 - النووي). والمراد بساعتهم: موتهم، فهو ساعة المخاطبين، كما "في الفتح"(11/ 363)، وانظر:"تفسير المنار"(9/ 387).
الْمَوْتُ فَيَقُولَ} الآية [المنافقون: 10]، وعلى هذا قوله:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} [الأنعام: 40].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ:{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (1)[الأحقاف: 24] اهـ (2)
وقال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قال علماؤنا: واعلم أن كل ميت مات فقد قامت قيامته (3)، ولكنها قيامة صغرى وكبرى، فالصغرى: هي ما يقوم كل (4) إنسان في خاصته من خروج روحه، وفراق أهله، وانقطاع سعيه، وحصوله على عمله إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر، والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة واحدة"(5).
وقد ذكر الله تعالى القيامتين الصغرى والكبرى في القرآن الكريم، فتجده يذكر القيامتين في السورة الواحدة؛ كما في سورة الواقعة؛ فإنه ذكر في أولها القيامة الكبرى، فقال تعالى:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)} [الواقعة: 1 - 7].
(1) رواه مسلم: (14/ 899).
(2)
"المفردات" ص (434، 435) بتصرف.
(3)
أي: من مات فقد دخل في حكم الآخرة.
(4)
كذا، ولعلها: بكل.
(5)
"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، نقلًا عن "القيامة الصغرى"، للأشقر، ص (2).
ثم في آخرها ذكر القيامة الصغرى، وهي الموت، فقال:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)} [الواقعة: 83 - 85].
وذكر القيامتين - أيضًا- في سورة القيامة، فقال:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1]، وهذه القيامة الكبرى.
ثم ذكر الموت، فقال:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)} [القيامة: 26]، وهو القيامة الصغرى.
فارغ