الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
تحديد عُمُر الدنيا
بادئ ذي بَدْءٍ نُقَرّرُ أن
الخوض في هذه القضية مما لا يترتب عليه عمل
؛ إذ يشبه السؤال عنها قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَتَى السَّاعَةُ؟ "، فأجابه صلى الله عليه وسلم جوابَ الحكيم، بخلاف ما يترقب (1) فقال:"وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "(2)، فلكلِّ إنسانٍ ساعته، وقيامته (3)، والذي يعنيه: أن يستعد للقاء الله إذا حضر أجله بالعمل الصالح.
قال الإمام العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير -رحمه الله تعالى-: "اعلم أن مقدار الدنيا لا يعلمه إلَّا الله، ولم يرد نص من كتاب ولا سنة في بيان ذلك، ووردت أحاديث وآثار ما يحصل بها جزم بأنه مقدار معين"(4) اهـ.
ومع هذا، فقد خاض البعض في هذا الأمر وغلطوا؛ كما فعل الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى- في كتابه "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف"(5) احتج فيه بأحاديث لم تصح؛ منها ما رواه الضحاك بن زمل
(1) ووجهه أنه سأله عن الساعة بالمعنى الأول، وهي الساعة الكبرى، فأجابهم بالساعة الوسطى إشارة إلى أن الأهم هو ذلك، وإعلامًا بأن الساعة الكبرى قد طوى الله سبحانه عن عباده تعيينها، وأنه لا يعلمها إلَّا هو، ولا يُجَليها لوقتها إلَّا هو سبحانه.
(2)
انظر تخريجه، ص (44)، هامش رقم (4).
(3)
انظر: "تفسير المنار"(9/ 387)، وانظر: هنا ص (19 - 21).
(4)
"رسالة شريفة" ص (30).
(5)
ضمن "الحاوي"(2/ 86).
الجهني (1)، قال: رأيت رؤيا، قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه: إذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة، فقال صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا المِنْبَرُ الَّذِي رَأَيْتَ سَبْعِ دَرَجَاتٍ، وَأَنَا أَعْلَاهَا دَرَجَة؛ فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَة، وَأَنَا في آخِرِهَا ألفًا"(2).
وذكر الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- في "المنار المنيف" أمورًا كلية، يُعْرَفُ بها كونُ الحديث موضوعا؛ منها:"مخالفته صريحَ القرآن؛ كحديث مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن الآن في الألف السابعة، وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان صحيحًا، لكان كل واحد عالمًا أنه بقي للقيامة من وقتنا هذا مائة وإحدى وخمسون سنة"(3) اهـ. علمًا بأن ابن القيم عاش في القرن الثامن الهجري.
وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم": حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم يُؤَلِّفُ تحت الأرض) لا أصل له (4)، وحديث "الدُّنيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الآخِرَةِ، سبعة آلاف سنة"(5) لا يصح إسناده، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد وقت القيامة على التعيين، لا يثبت إسناده (6).
(1) انظر: "فتح الباري"(11/ 351).
(2)
وهذا حديث موضوع، انظر:"ضعيف الجامع الصغير"(3/ 160) رقم (3013)
(3)
"المنار المنيف" ص (80).
(4)
"نهاية البداية والنهاية"(1/ 19)، ومعنى يؤلف هنا: يُكَمِّل ألف سنة.
(5)
أخرجه ابن جرير في "التاريخ"(8/ 1) بسنده، وفيه يحيى بن يعقوب بن مدرك بن سعيد الأنصاري، قال البخاري:"منكر الحديث" كما في "التاريخ الكبير"(4/ قسم2/ ص 313)، وشيخه حماد بن أبي سليمان فيه مقال، وشيخ ابن جرير محمد بن حميد الرازي كذبه أبو زرعة كما في "ميزان الاعتدال"(3/ 530).
(6)
"نهاية البداية والنهاية"(1/ 22)، بتصرف.