الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال -رحمه الله تعالى- في شرح حديث: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ"، مُبَيّنًا وجه الشبه:"هل المراد به قرب إحداهما من الأخرى، أم التفاوت الذي بينهما في الطول؟ وما المراد به؟ والأرجح المختار عندنا من هذه الأقوال أنه ليس بينه صلى الله عليه وسلم، وبين الساعة نبي آخر؛ فهي تليه"(1) اهـ.
ثامنًا: العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني:
قال -رحمه الله تعالى-: (والإخبار عن قربها من مبعثه صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه إخبار عن قربها عند الله -تعالى- وان كانت بعيدة في المدة ردًّا لقول المشركين بأنه لا قيام لها، وإليه أشار قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} فإنه أخرج عبد بن حميد عن الأعمش: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} قال: "الساعة".
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)} قال: تكذيبهم، {وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} قال:"صدقًا كائنًا"، ويحتمل أن المراد: قرب أشراطها من بعثته صلى الله عليه وسلم)
…
إلى أن قال: (وما وقع من الأشراط وغيره من الأحاديث مما يدل على أن المراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم بُعثَ وقد قربت أشراط الساعة، وتقدير المضاف للقرائن ثابت لغة كتابًا وسنةً لا نكير فيه
…
ثم إنه يدل لتقدير المضاف أمر آخر، وهو أنه قد مضى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قريب من اثنتي عشرة مائة، ولم تقم الساعة، فلا قرب لقيامها ببعثته؛ بل بأشراطها، والله أعلم) (2) اهـ.
(1) نقله عنه في "المنار"(9/ 394).
(2)
"رسالة شريفة" ص (53. 55).
والحاصل أن تحديد عمر الدنيا بشيء؛ لم يثبت فيه نص في حكم المرفوع (1) أبدًا، وكيف يُعقل أن يحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر الدنيا، وقد أوحى الله تعالى إليه:{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]، وقال عز وجل:{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)} [الزخرف: 85]، والصادق المصدوق الذي تنسب إليه الروايات الواهية في تحديد عمر الدنيا وهو صلى الله عليه وسلم منها براء، هو هو القائل لجبريل عليه السلام لما سأله:"متى الساعة؟ ": "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"، وقد قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]، وقال صلى الله عليه وسلم:"مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها لا الله .. ولا يعلم متى تقوم الساعة إلَّا الله" متفق عليه.
(1) أما الآثار المروية في ذلك عن بعض السلف فإنها -مع معارضتها القرآن الكريم- قد دخلت على بعض التابعين أو بعض الصحابة من قِبل مسلمي أهل الكتاب ككعب الأحبار ووهب بن منبه.
فَصْلٌ
وممن خاض في هذا البحث "أمين محمد جمال الدين" في كتابه "عمر أمة الإسلام" وانتهى إلى أننا نعيش حقبة ما قبل النهاية، وهي مرحلة الاستعداد للفتن، والملاحم الأخيرة التي تسبق ظهور العلامات الكبرى.
ومما استدل به: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّما بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِن الْأمَم (1) كَمَا بَيْنَ
(1) قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: وقوله- صلى الله عليه وسلم: "إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم "إنما أراد به -والله أعلم- أتباع موسى وعيسى عليهما السلام، وقد سمى الله بني إسرائيل بانفرادهم أُمما فقال:{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 168]، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بعمل أهل التوراة بها إلى انتصاف النهار، وعملِ أهل الإنجيل إلى العصر، وعمل المسلمين بالقرآن إلى غروب الشمس.
ويدل على ذلك -أيضَا- حديثُ أبي موسى الذي خرَّجَه البخاريُ بعد هذا، ولفظُه:
"مثلُ المسلمينَ، واليهود، والنصارى كمثلِ رجل استأجرَ قوما يعملون له إلى الليل"، وذكرَ الحديثَ كما سيأتي إن شاءَ اللهُ تعالى، وإنما قلنا: إنَّ هذا هو المرادُ من الحديث؛ لأنَّ مدة هذه الأمة بالنسبة إلى مدة الدنيا من أولها إلى آخرها لا يبلغُ قدرَ ما ببَن العصر إلى غروب الشمسِ بالنسبة إلى ما مضى من النَهار؛ بل هو أقلُّ من ذلكَ بكثيرِ.
ويدلُّ عليه صريحًا: ما خرَّجه الإمام أحمدُ، والترمذيُّ من حديث أبي سعيد أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة العصر يومًا بنهارٍ، ثم قامَ خطيبًا، فلم يدع شيئًا يكونُ إلى قيام الساعة إلا أخبرنَا به، فذكرَ الحديثَ بطولِهِ، وقال في آخره: قال: وجعلنا نلتفتُ إلى الشَّمسِ هل بقي منها شيء؟ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنَّه لم يبقَ من الدنيا فيما مَضَى إلا كما بَقِي من يومِكم هذا فيما مضى منه".
وقالَ الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ.
وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ من حديِث ابنِ عُمَرَ قال: كُنَا جلوسَا عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والشَّمسُ على قُعَيقِعانَ بعد العصر، فقالَ:"ما أعمارُكم في أعمارِ مَن مَضَى إلا كَمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ فيما مَضَى منه".
ومن حديث ابنِ عُمَرَ أَنه كَانَ واقِفًا بعرفاتٍ ينظرُ إلى الشَّمسِ حينَ تَدَلَّتْ مِثلَ التُّرسِ للغروبِ، فبكى، وقالَ: ذَكَرتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمَكاني هذا، فقالَ:"أيها الناس لم يبقَ من دنياكم فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه".
ويشهدُ لذلك من الأحاديثِ الصحيحةِ: قولُ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "بعثتُ أنا والساعة كهاتينِ"، وقرنَ بين أصبعيه: السبَّابةِ والوسطى.
خرَّجَاهُ في الصحيحين من حديثِ أنسٍ.
وخرَجَاه -أيضًا- بمعناه من حديثِ أبي هريرةَ، وسهلِ بنِ سعدٍ.
وخرَّجَه مسلمٌ بمعناه من حديثِ جابرٍ.
وخرَجَ الترمذيُ من حديث المستورد بنِ شدَّادٍ عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: "بُعِثْتُ في نَفَسِ الساعةِ فسبقتُهَا كما سبقت هذه هذه "لأصبعيه: السبَابةِ والوسطى.
وفي "مسند الإمامِ أحمدَ" عن بُرَيدةَ، عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال:"بعثتُ أنا والساعةُ جميعًا إن كادت لَتَسبقُني".
ورَوىَ الإمامُ أحمدُ -أيضًا- حَدَّثنا أبو حمزةَ: حَدَثني أبو حازم: لا أعلمُه إلا عن سهلِ بنِ سعدٍ، عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قال:"مَثلي وَمَثَلُ السَّاعةِ كهاتين"، وفرَقَ كذا بينَ أصبعيهِ الوسطى والتي تلي الإبهامَ، ثم قال:"مَثلي وَمَثَلُ السَّاعةِ كمثلِ فَرسي رِهَانٍ"، ثُم قالَ:"مَثلي وَمَثَلُ الساعةِ كمثلِ رَجُلٍ بَعَثَه قوم طليعةَ، فلمَا خَشِي أن يُسْبَقَ ألاحَ بثوبه: أُتيتم أُتيتم"، ثُم يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَنَا ذَاكَ". =
صَلَاةِ الْعَصْرِ اِلىَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا، حَتَّى اذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلٍ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إلى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُم أُوتينَا الْقُرْآنَ، فَعَمِلْنَا الى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فقَالَ أَهْلُ الكِتَابِ: أَيْ رَبّنا أَعْطَيتَ هَوُلَاءِ قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، وَأَعطَيتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ونَحْنُ أكثَر عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ الله عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قًالَ: فهو فَضْلِي أُؤتيهِ مَنْ أَشَاءُ".
وفي رواية "إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلَا مِن الْأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى،
= وكلُّ هذه النصوص تدلُّ على شدَّة اِقتراب الساعةِ كما دل عليه قولُهُ تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر]، وقولُهُ تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1]، وقد فُسِّرَ قولُه صلى الله عليه وسلم:"بُعثْتُ أنا والساعةَ كهاتينِ"، وقَرنَ بين السبابةِ والوسطى، فَقربُ زمانِهِ من الساعةِ كقربِ السبابةِ من الوسطى، وكأن زمنَ بعثتِه يعقُبُه الساعةُ من غير نبي آخرَ بينه وبين الساعة، كما قال في الحديث الصحيح:"أَنَا الحاشرُ يُحشرُ الناسُ عَلَى قَدَمِي، وأنا العاقبُ".
فالحاشر: الذي يَحشرُ الناسَ لبعثِهِم يومَ القيامةِ على قدمِهِ، يعني أن بعثَهم وحَشرَهم، يكونُ عَقِيب رسالتِهِ فهو مبعوثٌ بالرسالةِ، وعقيبه يُجمعُ الناسُ لحشرِهم.
والعاقب: الذي جاء عَقيبَ الأنبياء كلهم، وليس بعدَه نبي، فكان إرسالُه من علاماتِ الساعةِ.
وفي "المسند" عن ابن عمرَ، عن النَبي صلى الله عليه وسلم قال:"بعثتُ بالسيفِ بينَ يدي الساعة، حَتَى يُعبَدَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ له". اهـ من "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (4/ 334 - 366).
كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ من غُدوةٍ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثم قال: مَنْ يَعْمَلُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ اِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنْ العَصْرِ إِلى أَنْ تَغِيبَ الشمسُ عَلَى قِيرَاطَين قِيرَاطَين؟ فَأَنْتُم هُمْ، فَغَضِبتِ اليَهُودُ والنَّصَارَى، وَقَالُوا: مَا لَنا أَكْثَر عَمَلًا، وَأَقَل عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُم مِنْ حَقِّكُم شَيئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلكَ فَضِلي أُؤتيْه مَنْ أَشَاءُ" (1).
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ المسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا اِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لنَا إِلَى أَجْرِكَ؛ فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: اَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَلَكُمْ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا، فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ "(2).
قال الحافظ في "الفتح": "واستُدِلَّ به على أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف؛ لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه البخاري (557)، (2/ 38 - فتح)، (2268)، (2269)، (3459)، (5021)، (7467)، والترمذي (2875).
(2)
رواه البخاري (558)، (2/ 38 - الفتح).
كانت أكثر من ألفي سنة (1)، ومدة النصارى من ذلك ستمائة- وقيل: أقل- فتكون مدة المسلمين أكثر من ألفٍ قطعًا" (2).
ثم إن صاحب كتاب "عمر أمة الإسلام" يقول: "إن مدة عمر اليهود تساوي مدتي عمر النصارى والمسلمين مجتمعتين، ومدة عمر النصارى هي
(1) ينبغي التنبه إلى أن هذا لا يعني أن مدة اليهود أكثر من ألفي سنة؛ لأن عمر أي أمة يكون منذ بعثة نبيها إلى بعثة النبي الذي بعده، فعمر أمة اليهود من بعثة موسى إلى بعثة عيسى عليهما السلام، وعليه فإن عمر أمة اليهود= 2000 - 600= 1400سنة.
وبما أن عمر اليهود= عمر النصارى والمسلمين معًا؛ إذًا: عمر المسلمين= عمر اليهود- عمر النصارى.
أي: 1400 - 600= 800 عامَا فقط.
وهذه النتيجة تتناقض مع زعم أن مدة المسلمين أكثر من ألف عام كما ادعى المستدل المجهول الذي نقل عنه الحافظ، وكذا مقلدُه أمين جمال الدين، الذي وقع في ورطة، وإزاء إصراره على أن الأمة في النزع الأخير، وأننا الآن في حقبة ما قبل النهاية، وجد مخرجًا يسمح له بزيادة خمسمائة سنة، وذلك في حديث:"إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم"، فاتكأ على الزيادة الضعيفة، واستنتج أن عمر الأمة 800 مضافَا إليها خمسة مائة سنة، فيكون المجموع 800 مضافَا إليها 500= 1300 سنة.
وكان قد ظفر بقول نُسب إلى أهل النقل أنهم اتففوا على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم (أكثر) من ألفي سنة، فالتقط كلمة (أكثر)، وزعم أنها تقدر بحوالي مائة سنة.
وبهذا صار عمر أمة الإسلام 1300 سنة مضافًا إليها 100 سنة= 1400 سنة.
وبهذا يتضح افتقار "بحثه" إلى الموضوعية والمصداقية؟ لأنه خاضع لهوى النفس، مُنقاد لرغبة جامحة تلح عليه في كل سطر بأن تكون النتيجة -وبكل سبيل- أن الأمة الان تلفظ أنفاسها الأخيرة!!
(2)
"فتح الباري"(4/ 449).
ستمائة سنة (1)؛ فإذا طرحنا مدة عمر النصارى 600 سنة من ألفين- وهي مدة أهل الكتاب إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كان الناتج عمر أمة اليهود.
2000 -
600= 1400 سنة، وتزيد قليلًا.
وذكر أهل النقل والتاريخ (2) أن هذه الزيادة تزيد عن المائة قليلًا، إذًا وبالتقريب؛ فإن عمر أمة اليهود يساوي 1500 سنة.
وحيث إن عمر أمة الإسلام يساوي عمر أمة اليهود مطروحًا منه عمر أمة النصارى؛ فيكون عمر أمة الإسلام 1500 - 600= 900 سنة، وتزيد قليلًا.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْم» ، قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: «خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ» (3).
فعمر أمة الإسلام= 900 مضافًا إليها 500= 1400 سنة، وتزيد قليلًا.
(1) بناء على قول سلمان -رضى الله عنه-: "فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة" عزاه في "الفتح"(2/ 40) إلى صحيح البخاري.
(2)
ولم يذكر مَنْ هؤلاء؟ ولا: أين قالوا ذلك؟
(3)
أخرجه الإمام أحمد (1/ 70)، وأبو داود "صحيح أبي داود"(3/ 821)، وصححه الألباني أيضا في "الصحيحة" رقم (1643)، دون زيادة:"قيل لسعد: كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة"، فإن في إسنادها انقطاعًا، كما قال الحافظ في الفتح (351/ 11).
ثم يستند إلى قول الإمام السيوطي في رسالته المسماة "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف" في بيان خروج المهدي: "الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على الألف، ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة أصلًا".
ثم يقول: "ونحن الآن في سنة 1418 من الهجرة، ولكننا في سنة 1430 من البعثة، فنحن نعيش حقبة ما قبل النهاية، وفي مرحلة الاستعداد للفتن، والملاحم الأخيرة التي تسبق ظهور العلامات الكبرى"(1).
وَالجوَابُ عَنْ هَذَا:
أن الأحاديث التي استدل بها مجرد مثال، وقد قال إمام الحرمين:"إن الأحكام لا تُؤْخَذُ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال"(2)، وقال الحافظ ابن رجب:"وهذا الحديث إنما ساقه النبي صلى الله عليه وسلم مساق ضرب الأمثال، والأمثال مظنة التوسع فيها"(3) اهـ.
ولا يلزم من التمثيل والتشبيه التسويةُ من كل جهة، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "لا يلزمهم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمانًا؛ لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق؛ ويؤيده قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286].
(1)"عمر أمة الإسلام" ص (43، 45، 48).
(2)
نقله عنه الحافظ في "الفتح"(39/ 2).
(3)
"فتح الباري" للحافظ ابن رجب (4/ 341).
ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته، لا بالنسبة إلى طول الزمان، وقصره: كونُ أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة؛ لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا: إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل: إنها دون ذلك؛ حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصَرهما؛ للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر، ولا قائل به؛ فَدَلَّ على أن المراد كثرة العمل وقلته، والله سبحانه وتعالى أعلم " (1) اهـ.
وخلاصة القول في هذا: أن هذه الأحاديث إنما تدل على أنه ما بقي بالنسبة لما مضى شيء يسير، لكن لا يعلم مقدار ما مضى وما بقي إلا الله تعالى، ولم يَجِئْ فيه تحديد يصح سنده.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "مدةُ الماضي من الدنيا إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ومدةُ الباقي منها إلى يوم القيامة لا يعلمُهُ على الحقيقةِ إلَاّ اللهُ عز وجل، وما يُذْكَرُ في ذلكَ؛ فإنَّما هو ظنون لا تفيدُ علمَا"(2). اهـ
(1)"فتح الباري"(2/ 40).
(2)
"فتح الباري" لابن رجب (4/ 344).
قال بعض العلماء: المرادُ تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر، في كثرة العمل الشَّاقِ والتكليف، وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه، وليس المراد طول الزمن وقصره؛ إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل.
وكان لهذه الأمة قيراطان من الأجر؛ لإيمانهم بموسى وعيسى مع إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن التصديقَ عَمَلٌ.
ويدل على ذلك قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} [المائدة: 59].
ونختم هذا المبحث بما قالهُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في سياق ذم الفلاسفة والمنجّمين، إذ قال -رحمه الله تعالى-:"ولهذا لا تزال أحكامهم كاذبة متهافتة، حتى إن كبير الفلاسفة الذي يسمونه "فيلسوف الإسلام" يعقوب بن إسحاق الكندي عملَ تسييرًا لهذه الملة: زعم أنها تنقضي عام ثلاث وتسعين وستمائة، وأَخَذَ ذلك منه مَن أخرج "مخرج الاستخراج" من حروف كلام ظهر في الكشف لبعض من أعاده، ووافقهم على ذلك مَن زعم أنه استخرج بقاء هذه الملة من حساب الجمل، الذي للحروف التي في أوائل السور" إلى أن قال -رحمه الله تعالى-:
"فهذه الأمور التي توجد في ضُلَّال اليهود والنصارى وضُلَّال المشركين والصابئين من المتفلسفة والمنجمين: مشتملة من هذا الباطل على ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن دين الإسلام، مُحَرَّمَة فيه، فيجب إنكارها، والنهي عنها على المسلمين، على كل قادر: بالعلم والبيان، واليد واللسان، فإن ذلك من أعظم ما أوجبه الله من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل، وسُوسُ الملل " (1). اهـ
(1) مجموع الفتاوى (35/ 189 - 190).
فارغ