الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا نُعَطِّلُ السننَ، وَالْأسْبَابَ بِحُجَّةِ انْتِظَارِ المَهْدِيّ
فمن الناس من يُعَطّلُ العمل اكتفاء بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير للأمة بحجة أنه تسبب فيه مَن قبلنا، وسيصلحه من بعدنا، ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله؛ بحجة أن المهدي هو الذي سيفعل؛ مما حدا ببعض الأدباء إلى أن يتهكم بهم، وبمتابعتهم الرافضة في هذا النمط السلبي من التفكير؛ قائلا:
فَلْندَعِ الأرضَ لمن غَصَبُوا
ولمن ظَلَمُوا في كل مكان
وَلْنَذْهَبْ نبتاعُ لنا فَرَسا
ولنبحثْ أَيْضًا (1) عن سِرداب
وَلْنَضَعِ الْفَرَسَ المذكور
وجوالًا من فولٍ عند السرداب
ونَظَل وُقُوفا وعكوفا
كالفرسِ على رأسِ السرداب
فسيخرجُ يومًا مَهْدِينا
…
لكن من سامراء!
(1) يُعَرِّض الشاعر هنا باعتقاد الرافضة في مهديهم المعدوم الذي لم يُخْلَق أصلَا، والذي يقول فيه ابن القيم -رحمه الله تعالى-:"وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم: "إخرج يا مولانا! "، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه"، ثم قال -رحمه الله تعالى-:"ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل". اهـ. من "المنار المنيف" ص (153،152). =
إنه هروب إلى الأماني، مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء].
أَمَانِيُ إِنْ تَكُ حَقا تَكُنْ أَحْسَنَ المنى
…
وَإلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغَدا
إن هذا الإغراق في ترقب ظهور المهدي مظهر سلبي يعكس الانحراف في فَهم العَلاقة بين الأمور الكونية القدرية، وبين الأمور الشرعية الإرادية؛ أما الأمور الكونية، والأحكام القدرية -والتي يقع ضمنَها الغُيوبُ المستقبلية- فهي واقعة لا محالة، وواجبنا حيالها التصديق بها قبل وقوعها، ثم امتثال الأحكام الشرعية المتعلقة بها إذا حضر وقتها. وأما الأحكام الشرعيةُ الإراديةُ الطلبية فنحن متعبدون في كل وقت بامتثالها.
وما أصدق ما نُسِبَ إلى جعفر الصادق -رحمه الله تعالى- من قوله- لمن خاض في الأحكام القدرية، وانشغل بها عن واجب الوقت-:"إن الله أراد بنا أشياء، وأراد منا أشياء، فما أراده بنا أخفاه عنا، وما أراده منا بينه لنا، فما بالنا ننشغل بما أراده بنا عما أراده منا؟! ".
= ويقول الشاعر متهكما بهم:
مأ آنَ للسردابِ أن يَلِدَ الذي
…
كَلمتموه بحهلِكم ما آنا
فعلى عقولِكُمُ العَفاءُ فإنكم
…
ثَلَّثتُمُ العنقاءَ والغِيلانا
ولقد ضاق الرافضة بهذه السخرية ذرعا، حتى قالوا في مناشدتهم مهديِّهم الخرافي:"اخرج يا مولانا! فقد طال الانتظار، وشمت بنا الفجار" كما في "أصول مذهب الشيعة" للقفاري (2/ 1030).