الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام بعد نزوله لا يقبل الجزية من اليهود والنصارى، ولا يقبل منهم إلا الإيمان، وهذا البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم ضروري؛ لأن عيسى يحكم بهذا الشرع، وهذا الشرع فيه قبولُ الجزية ممن بَذَلَها إلى حين نزول عيسى ابن مريم، وحين ذاك تُوضَعُ الجزية، ويُقتل كل من رفض الإيمان، ولو بَذَلَ الجزيةَ (1).
كما أن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفاتٍ معينةٍ لأشخاصٍ معينين، كالمهدي مثلا، يمدنا بالمعيار اللازم للحكم على الدجَّالين المدعين المهديةَ؛ حتى لا نتورَّطَ في فِتَنِهِمْ.
لَا يَعْلَمُ مَتَى السَّاعَةُ إِلَّا الله وَحْدَهُ
قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34].
وقال سبحانه: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63].
فقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} ، وقوله عز وجل:{إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} ، (فيه إيذان بأن ما هو من شأن الرب لا يكون للعبد؛ فهو تعالى قد رباه ليكون منذرَا ومبشرًا، لا للإخبار عن الغيوب بأعيانها
(1) انظر: "القيامة الصغرى" للدكتور عمر الأشقر -حفظه الله- ص (132).
وأوقاتها، والإنذارُ إنما يُنَاطُ بالإعلام بالساعة وأهوالها، والنار وسلاسلها وأغلالها، ولا تتم الفائدة منه إلا بإبهام وقتها؛ ليخشى أهل كل زمن إتيانَها فيه، والإعلامُ بوقت إتيانها، وتحديدُ تاريخها ينافي هذه الفائدة، بل فيه مفاسدُ أخرى؛ فلو قال الرسول صلى الله عليه وسلم للناس: إن الساعة تأتي بعد ألفي سنة من يومنا هذا مثلًا -وألفا سنة في تاريخ العالم، وآلاف السنين تُعَدّ أجلًا قريبًا- لرَأَينا المكذبين يستهزئون بهذا الخبر، ويلحون في تكذيبه، والمرتابين يزدادون ارتيابًا، حتى إذا ما قَرُبَ الأجل وقع المؤمنون في رعب عظيم يُنَغّصُ عليهم حياتهم، ويوقع الشلل في أعضائهم، والتشنجَ في أعصابهم؛ حتى لا يستطيعون عملًا، ولا يسيغون طعامًا ولا شرابًا، ومنهم من يخْرجُ من ماله وما يملكه، في حين يكون الكافرون آمنين، ويسخرون من المؤمنين.
فالحكمة البالغة -إذن- في إبهام أمر الساعة للعالم، وكذا الساعة الخاصة بأفراد الناس، أو بالأمم والأجيال، أو جعلها من الغيب الذي استأثر الله تعالى به) (1) اهـ.
وقوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} معناه: لا يكشف حجابَ الخفاء عنها، ولا يظهرها في وقتها المحدد عند الرب تعالى إلا هو، فلا وساطة بينه وبين عباده في إظهارها ولا في الإعلام بميقاتها وإنما وساطة الرسل عليهم السلام في الإنذار بها (2)؛ فمِن ثَمَّ قال تعالى:
(1)"تفسير المنار"(9/ 389، 390).
(2)
"نفسه"(9/ 390).
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)} [النازعات: 42 - 45]. ونقل الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله تعالى- عن الألوسي -رحمه الله تعالى- قوله: "وإنما أخفى سبحانه أمر الساعة لاقتضاء الحكمة التشريعية ذلك؛ فإنه أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك، ولو قيل بأن الحكمة التكوينية تقتضي ذلك -أيضًا- لم يبعد، وتدلُّ الآيات على أنه صلى الله عليه وسلم لم يَعْلَمْ وقت قيامها، نَعَم علم صلى الله عليه وسلم قربها على الإجمال، وأخبر-صلى الله عليه وسلم به"(1).
وقال صاحب المنار -رحمه الله تعالى- أيضًا:
"فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليومَ، وأن يحملهم الخوف على مراقبة الله تعالى في أعمالهم؛ فيلتزموا فيها الحقَّ، ويتحروا الخيرَ، ويتقوا الشرور والمعاصي، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدالَ، والقيل والقالَ، وإننا نرى بعض المتأخرين قد شغلوا المسلمين عن ذلك ببحث افتجره بعض الغلاة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَبْقَ طولَ عمره لا يعلم متى تقوم الساعة؟ كما تدلُّ عليه آيات القرآن الكثيرة؛ بل أعلمه الله تعالى به، بل زعم أنه أطلعه على كل ما في علمه، فصار علمه كعلم ربِّه (2)، أي صار نِدًّا وشريكًا لله تعالى في صفة
(1)"نفسه"(9/ 393) بتصرف.
(2)
راجع: "المهدي" للمؤلف ص (282، 283).