الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ السَّادِسُ
أَسْبَابُ ظَاهِرَةِ الْعَبَثِ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ
لقد شاع في السنوات الأخيرة ظاهرة الإلحاح في محاولة المطابقة بين النصوص الواردة في أحداث آخر الزمان وبين الوقائع المعاصرة والمتوقعة، وقذفت المطابع بعشرات الكتب، وعشرات النشرات، والمقالات، والأشرطة، فيها خَوضٌ في "أشراط الساعة"، مرة بحق ومرات بالظن، والقول على الله بغير علم، واختلط الحق بالباطل، والتبست الأمور على الجمهور حتى صار المناخ مهيًا لتفريخ مهدي موهوم، أو مسيحٍ كذاب، أو منقذ دجَّال، وفيما يلي نحاول رصد بعض أسباب تلك الظاهرة:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ:
شيوعُ الفتن، وظهورُ المنكرات، وَتَحَقُّقُ كثير من أشراط الساعة الصغرى.
السبب الثاني:
ذَهاب العلماء، وقعود المتأهلين عن التحمل والبلاغ، وبالتالي غياب أو ضعف المرجعية الشرعية التي يفزع الناس إليها -لا إلى غيرها- في النوازل بحثًا عمن يضبط لهم الأمور، إعمالا، لقوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
في الوقت الذي نبغت فيه طوائف "متطفلة" من "أنصاف، وأرباع" المتعلمين، فضلا عن المبتدعة، والغوغاء الجاهلين الذين فرضوا أنفسهم فرضا على الساحة الفكرية، وشكلوا "مراكز قوى" تبادر من تلقاء نفسها إلى أن تدلي بدلوها في كل نازلة عبر وسائل الإعلام، وتفتئت على المرجعية الشرعية؛ إن لم تسفه أقوالها، وتَفْرِ أعراضها، وتضغط عليها.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ضَافَ ضَيْفٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وفي دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحّ (1)، فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ:"وَاللهِ لَا أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِي"، قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا (2) فِي بَطْنِهَا، قَالَ: قِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ عز وجل إِلَى رَجُل مِنْهُمْ: "هَذَا مَثَلُ أُمَّة تكونُ مِنْ بَعْدِكُمْ يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا أَحْلَامَهَا"(3)(4).
وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله: متى الساعة؟: "إذَا ضُيِّعَتِ إلأمَانةُ؛ فانْتَظِر السَّاعَةَ"، قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غَيرِ أَهْلِهِ؛ فانْتَظِر السَّاعَةَ"(5).
(1) مُجِحٌّ: حامل قَرُبَ وقت ولادتها.
(2)
الجرو: الصغير من ولد الكلب والأسد والسباع، وجمعه: جِراء، وأَجْراء.
(3)
أحلامها: عقلاءها.
(4)
رواه الإمام أحمد (2/ 170)، رقم (6588)، وقال الشيخ أحمد شاكر:"إسناده صحيح"، وقال في "مجمع الزوائد":(رواه أحمد والبزار والطبراني) اهـ. (7/ 280).
(5)
رواه البخاري (1/ 142 - فتح).