الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما رواه البخاري أيضًا -عن ابن عَبَّاس- رضي الله عنهما قال: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عن شيء، وَكِتَابُكُم الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ الْأخْبَارِ بِاللهِ؟! تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا، لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كتابَ اللَّهُ، وَغَيَّرُوه، وكتبوا بِأَيْدِيهِم الْكِتَابَ، وَقَالُوا: هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ليَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِن العِلمِ عَن مُسَاءَلَتِهِمْ؟ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ"(1).
وبهذا يتبين أن ما ذُكِرَ عن آدمَ عليه السلام من ذلك لا يجوز تصديقه، وكذلك
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على تعلم أبي جاد، وتعلم تفسيرها، لا يصح
أيضًا؛ وذلك لأن هذا الحديثَ رُوِيَ من طريقين كلاهما لا يَصِحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أولهما: ما ذكره ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن أبا بكر النَّقَّاش (2) رواه في تفسيره، وغيره من المفسرين، كما ذكره ابن جرير الطبري في آخر تفسيره، ورد عليه، فذكر أن أبا بكر النقَّاش روى بسنده من طريق
(1) انظر تخريجه ص (179).
(2)
هو محمد بن الحسين بن محمد بن زياد بن هارون، أبو بكر النقاش، عالم بالقرآن وتفسيره، توفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، قال الخطيب البغدادي:"في أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة"، وقال أبو القاسم اللالكائي:"تفسير النقاش إشقاء الصدور، وليس بشفاء الصدور"، وقال البرقاني:"كل حديث النقاش منكر"، وقال الذهبي:"فيه ضعف".
انظر: "تاريخ بغداد"، (2/ 201)، و"ميزان الاعتدال"، (3/ 520)، و"لسان الميزان"، (5/ 132).
محمد بن زياد الجزري (1)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا أبا جاد وتفسيرها، ويل لعالم جهل تفسير أبي جاد
…
".
وذكر ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- قال بعد إيراد هذا الحديث: "لو كانت الأخبار التي رُوِيَتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صِحَاحَ الأسانيد، لم يُعدل عن القول بها إلى غيرها، ولكنها واهية الأسانيد، غير جائز الاحتجاج بمثلها، وذلك أن محمد بن زياد الجزري غير موثوق بنقله".
وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "الحديث فيه فرات بن السائب، وهو ضعيف لا يُحْتَجّ به، وهو فُرَاتُ بن أبي الفرات (2)، ومحمد بن زياد الجزري ضعيف أيضًا"(3).
أما الطريق الثاني: فقد رواه الصدوق القمي الرافضي بسنده عن الأصبغ بن نُبَاتَةَ (4)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا تفسير أبجد؛ فإن فيه الأعاجيبَ كلها، ويل لعالم جهل تفسيره
…
" (5).
(1) انظر: "كتاب الضعفاء الصغير"، رقم (317)، و"الضعفاء"، لأبي زُرعة، (2/ 447)، و"تهذيب التهذيب"، (9/ 170)، و"التقريب"، (5890).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل"، (7/ 80)، و"ميزان الاعتدال"، (3/ 343)، و"لسان الميزان"، (4/ 432).
(3)
انظر: "مجموعة الرسائل والمسائل"، (1/ 384 - 386).
(4)
هو الأصبغ بن نبَاتَةَ الحنظلي المجاشعي الكوفي، قال النسائيْ "متروك الحديث "، وقال ابن معين:"ليس بشيء"، وقال عنه -أيضَا-:"ليس بثقة"، وقال ابن حمدان:"متروك"، وقال أبو بكر بن عياش:"كذاب"، وقال ابن عدي:"بيِّنُ الضعف"، وقال ابن سعد:"كان شيعيُّا، وكان يضعف في روايته".
انظر: "الضعفاء والمتروكين"، للنسائي، ص 156، و "الجرح والتعديل"، (2/ 319)، و"ميزان الاعتدال"، (1/ 271)، و"تهذيب التهذيب"، (1/ 362).
(5)
"التوحيد"، لابن بابويه القمي، ص (237).
والأصبغ بن نُباتة لا يُحتَجُّ بروايته.
وقد ورد أن هذه الصناعةَ مأثورةٌ عن فلاسفة اليونان الصابئة الذين يعبدون الأوثان، فقد جعل أرسطو في آخر كتاب "السياسة" فصلا في حساب الجُمَّل، وادعى أنه يعرف بها الغالب من المغلوب، ونحو ذلك من أمور الغيب (1).
والذي ينبغي أن يُعْلَمَ في هذا الموضع أن هذه الحروفَ ليست أسماء لمسميات، ولا علاقةَ لها بمستقبل الإنسان ولا بحياته، وإنما أُلِّفَتْ ليُعْرَفَ تأليف الأسماء من حروف المعجم، بعد معرفة حروف المعجم، ثم إن كثيرا من أهل الحساب صاروا يجعلونها علامات على مراتب العدد، فيجعلون الألِف واحدًا، والباء اثنين، والجيم ثلاثة
…
وهكذا، ثم أخذ هؤلاء هذا الاصطلاح، ولفقوا عليه الأباطيل وادَّعوا أَنَّهُ علم، وأن به تُعْرَفُ الأمورُ الغيبية، وربطوه بالتنجيم؛ لخفاء بطلان التنجيم على كثير من الناسِ، والعلم لا يُؤْخَذُ عن مثل هذه النظريات الفاسدة، ولا من هذه العقليات الجاهلية الباطلة، بل لابد فيه من عقل مُصَدَّق، ونقل مُحَقَّقٍ (2)، وهذا الذي يزعمون ما هو إلا ادعاء علم استأثر الله به، وهذا بلا شك من أعظم الشرك في الربوبية، ومن صَدَّقَ به، واعتقد فيه كفر -والعياذ بالله (3) -؛ كما قال ابن عباس -رضي الله
(1) انظر: "مقدمة ابن خلدون"، ص (114).
(2)
انظر: "مجموعة المسائل"، (1/ 386 - 387).
(3)
انظر: "معارج القبول"، (1/ 326)، و"كفر من ادعى علم الغيب" لمؤلفة أبي هارون عيسى بن يحيى، نشر مكتبة الصحابة -جدة- 1415هـ.
عنهما- مُنْكِرًا على الذين يتخذون هذه الصناعة: "إن قومًا يحسبون أبا جاد، وينظرون في النجوم، ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق"(1).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما الزجر عن عدِّ أبي جاد، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر، وليس ذلك ببعيد؛ فإنه لا أصل له في الشريعة"(2).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى-: "وكتابة أبي جاد، وتعلمها لمن يدعي بها علم الغيب، هو الذي يسمى علم الحرف، وهو الذي فيه الوعيد، فأما تعلمها للتهجي وحساب الجُمل، فلا بأس به"(3). اهـ.
(1) أخرجه عبد الرازق في "المصنف"، (11/ 26)، وابن أبي شيبة في "المصنف "، (5/ 240)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"، ص (309)، رقم (774)، والبيهقي في "السنن الكبرى"، (8/ 139)، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"، (10980) مرفوعا، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد""وفيه خالد بن يزيد العمري، وهو كذاب"، (5/ 117).
(2)
"فتح الباري"(11/ 351).
(3)
"فتح المجيد"، (2/ 497)، وانظر:"الدين الخالص"، (2/ 340). وقول الشيخ رحمه الله:"فأما تعلمها للتهجي وحساب الجُمَّل، فلا بأس به"؛ يقصد به استعماله في التأريخ للمعارك والوفيات والأبنية ونحو ذلك كما شاع عند بعض المسلمين، حيث إن لكل حرف قيمة عددية وفق الترتيب الأبجدي هكذا: أ1 ب2 ج3 د4 هـ5 و6 ز7 ح8 ط9 ي10 ك20 ل30 م40 ن50 =
وقال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله تعالى-: "وزعم بعضهم أن الساعة تقوم سنة 1407 هـ؛ بناء على أن عدد حروف "بغتة" في قوله تعالى: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} 1407"(1)، وبيَّن -رحمه الله تعالى- أن
= س60 ع70 ف80 ص90 ق100 ر200 ش300 ت400 ث500 خ600 ذ700 ض800 ظ900 غ1000 ومن أمثلة تطبيقه في التأريخ للوفاة:
- عندما توفى السلطان "برقوق" وهو من سلاطين المماليك، قاموا بصياغة عبارة طريفة تحدد تاريخ وفاته، وهي:"في المشمش" وقيمته العددية طبقًا لحساب الجمل = (801) هـ.
وقال الشاعر يرثي الشاعر الدلنجاوي:
سألت الشعْرَ هل لك من صديق
…
وقد سكن الدلنجاوي لحْدَهْ
فصاح وخَر مغشيا عليه
…
وأصبح راقدًا في القبر عنده
فقلت لمن يقول الشعر: أقصِر
…
لقد أرَّختُ: مات الشِّعْرُ بعده
فعبارة: "مات الشعر بعده" تشير إلى تاريخ وفاة الشاعر الدلنجاوي: فمجموع
م40 ا1 ت400 ا1 ل30 ش300 ع70 ر200 ب2 ع70 د4 هـ5 يساوي: 1123 هـ.
وكثيرًا ما يستعمل في التأريخ للفراغ من نظم المتون وتصنيف الكتب، ومثاله: قول ناظم "تحفة الأطفال": (تاريخها بُشْرى لمن يتقنها)، أي: 1198 هـ.
ومن اللطائف قول الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن السرائي: "كان أول خروج (تِمرلنك) فِي سنة (عذاب) يشير إلى أن ظهوره سنة (773)، كما فِي "شذرات الذهب" (4/ 13).
(1)
"تفسير المنار"(9/ 401).