الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُقَالُ في مثل هذا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس، ممن أَطلعه الله عليه؛ فلهذا قال:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} ؛ أي: لا تُجْهِدْ نفسك فيما لا طائِلَ تحته، ولا وتسأَلهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أَحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أَن تُستَوعَبَ الأقوال في ذلك المقام، وأن يُنبَهَ على الصحيح منها، ويُبْطَلَ الباطل، وتُذْكَرَ فَائِدَةُ الخلاف، وثَمَرَتُهُ؛ لئلا يطول النزاع، والخلاف فيما لا فائدة تحته، فَيُشْتَغَلَ به عن الأَهَم. فأَمَّا من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أَقْوَالَ الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص -أيضا- فإن صحح غير الصحيح عامدًا، فقد تعمد الكذبَ، أو جاهلا فقد أخطأَ، كذلك من نصب الخلافَ فيما لا فائدةَ تحته، أو حكى أَقوالًا متعددة لفظًا، ويرجع حاصلها إلى قول، أو قولين معنى، فقد ضَيَّعَ الزمان، وتكَثَّر مما ليس بصحيح، فهو كلابس ثَوْبَي زور، والله الموفق للصواب" (1).
مَوْقِفُ الْحَافظ ابْنِ كَثِيرٍ مِن
الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِن الإِسْرَائيليَّاتِ
قال -رحمه الله تعالى- في مقدمة "البداية والنهاية":
"ولسنا نَذْكُرُ من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهو القسمُ
(1)"نفسه"(46، 47).
الذي لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب؛ مما فيه بسط لمختَصَر عندنا، أو تسمية لمبهم وَرَدَ به شرعُنا، مما لا فائدة في تعيينه لنا، فنذكره على سبيل التحلي به، لا على سبيل الاحتياج إليه، والاعتماد عليه.
وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، ما صحَّ نقله أو حَسُنَ، وما كان فيه ضعف نُبَيِّنُهُ، والله المستعانُ، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، العلي العظيم" (1).
وقال -رحمه الله تعالى- مبينًا المقصودَ من قوله صلى الله عليه وسلم: "وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلَا حَرَجَ": إنه "محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا، فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها، فيجوز روايتها للاعتبار، وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا، فأما ما شهد له شرعنا بالصدق، فلا حاجة بنا إليه؛ استغناءً بما عندنا، وما شَهِدَ له شرعنا منها بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته، إلا على سبيل الإنكار والإبطال.
فإذا كان الله -سبحانه وله الحمد- قد أغنانا برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الشرائع، وبكتابه عن سائر الكتب، فلسنا نترامى على ما بأيديهم مما وقع فيه خبط وخلط، وكَذِب ووضع، وتحريفٌ وتبديل، وبعد ذلك كله نسخ وتغيير" (2).
(1)"البداية والنهاية"(1/ 6).
(2)
"نفسه"(1/ 7،6).