الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الخَامِس
سُوءُ فَهْمِ الْعَوَامِّ لَا يُسَوِّغُ إِنْكَارَ النصوص وتَأوِيلَهَا
ذلك أن بعض الناس يجعلون تصديقهم بأمر المهدي مُسَوِّغَا لإعراضهم عن الدعوة إلى الإسلام، وإنكارِ المنكرات، ومنهم من يُسْقِطُ التكاليفَ ويهدرها مُدَّعين أنهم ينتظرون خروجَ المهدي؛ ليغير وجه العالم، نقول لهؤلاء: إن الأمور الكونية القدرية التي أخبر بها الوحي واقعة لا محالة، وغاية ما كلَّفنا الله به إزاءها التصديقُ بها قبل وقوعها (1)، والالتزام بما نصحنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقوعها، ولم يأمرنا قطُّ بتكلُّف إيجادها، وهناك الكثير من العقائد الثابتة قد يسيء العوام فهمها؛ فيترتب على ذلك الانحرافُ عن الصراط المستقيم، وما مَثَلُ الاعتقاد في ظهور المهدي، ونزول عيسى عليه السلام، إلا كَمَثَلِ الاعتقاد في القضاء والقدر؛ فقد يسيء الكثيرون فَهم هذه العقيدةِ، وبدلَا من أن تكون حافزَا على الجد والاجتهاد، والتسابق إلى الطاعات، اتخذوها مَطِيَّةَ إلى التواكل، وإهدار التكاليف، بل منهم من استحلَّ بها المحرماتِ، فهل يُعالَج هذا بإنكار الاعتقاد في القضاء والقدر؟ كما زعمت القدرية؟ كيف وهو من أصول الإيمان الستة؟!
(1) وذلك مثل أمره صلى الله عليه وآله وسلم مَن سمع بالدجال أن ينأى عنه، ومن أدركه أن يقرأ عليه فواتح سورة الكهف، وكذا أمره المؤمنين -من حضر منهم انحسار الفرات عن كنز من ذهب- ألا يأخذ منه شيئًا.
بل الصواب أن نؤمن بالقدر ونثبته؛ فلا يصح بحال أن نحتجَّ بالقدر في مخالفة الشرع الحنيف، وإبطال تكاليفه كما هو شأن المشركين الذين قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية [الأنعام: 148]، والذين قال الله فيهم:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} الآية [يس: 47] وقد رد الله ذلك عليهم وأبطله، ولم
يقبلْهُ منهم.
والحاصلُ أن العدل هو الوسط؛ فنصدِّقُ بما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم على وجهه؛ فلا ننفي ما أثبته، ولا نثبت ما نفاه، ولا نفتري عليه الكذبَ بالأحاديث الموضوعة والأقوال المتهافتة، ولا نَعْرِض لسنته صلى الله عليه وآله وسلم بالشبهات المُغْرِضَةِ، ولا نحتج بأخباره على إبطال شرعه، ونقض أحكامه؛ فإن الله عز وجل لم يجعل لعمل المؤمن منذ كُلِّف أجلًا دون الموت:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99].
يتضح مما تقدم أن الإيمان بأشراط الساعة يُحَفِّزُ على الاجتهاد في الأخذ بأسباب النجاة، واستفراغ الوُسْعِ في الاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة، والسعي لتمكين دين الله في الأرض، وذلك بخلاف ما يحصل من بعض الناس الذين يتكئون على أشراط الساعة، ويتوقفون عن العمل والسعي؛ بحجة انتظار المهدي، ونزول عيسى مثلًا؛ تمامًا كما يحصل من الكسالى الذين يسيئون فهم قضية "القضاء والقدر"، ويتخذون منها وسيلة لتسويغ تواكلهم وتوانيهم وتقصيرهم.