الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيُّهَا الْعَابِثُونَ: بَشِّروا، وَلَا تُنَفِّرُوا
فإن تَوَقعَاتِكم تبعث أحيانَا على الإحباط، وتسوء المسلمين، وتؤذي مشاعرهم الإيمانية، وتُدخل الْحَزَنَ في قلوبهم، خاصة وأنها توقعات مبنية على شفا جرف هار من الظنون والخيالات، فأحرى بها أن تُنْبَذَ نَبْذَ النواة، ولا شك أن هذة الكتابات تُصَادِمُ سُنة النبي صلى الله عليه وسلم في بعث الأمل في النفوس، فأين قوله صلى الله عليه وسلم:"بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا"، من ذلك الذي يدعي أن "الجفر" المزعوم؛ الذي يستمد منه كثيرا من دعاواه، يخبر بأن "الهيكل سَيُعَادُ بناؤه"(1).
وذاك الذي يحدد بالسنة والشهر واليوم موعد تفجير اليهود للمسجد الأقصى -صانه الله من كل سوء-، وأن الهيكلَ يُبْنَى على أفقاضه (2)، وثالث يزعم أن الغربَ سيحتلُّ تركيا، ويسترجع القسطنطينية عام 1999 م لمدة أشهر، ورابع يخالفه، ويقول:"بل يحتمل أن يرتد جميع الأتراك عن الإسلام، ويتنصرون، مما سيتطلب فتح القسطنطينية مرة أخرى"(3)، وخامس يستدل بحديث منكر فيه:"أن الروم سيثبون على من بقي في بلادهم من العرب فيقتلونهم، حتى لا يبقى بأرض الروم عربي ولا عربية، ولا ولد عربي؛ إلا قُتل"(4)، وسادس يقول:"فحصار العراق قد أعقبه حصار الشام (فلسطين)، وقد يمتد الحصار قريبا إلى سوريا ولبنان، والله أعلم"(5).
(1)"المفاجاة" ص (316).
(2)
"أسرار الساعة" ص (134 - 136)، وانظر:"خُدعة هرمجدون" ص (57 - 61).
(3)
انظر: "الحرب العالمية القادمة" ص (122).
(4)
"هرمجدون" ص (71).
(5)
"نفسه" ص (25)، وراجع ص (90).
- ومن العبث بأشراط الساعة:
محاولة توظيف النصوص لخدمة مآربهم، والتعسف في تفسيرها بما يتوافق مع أغراضهم.
- ومنه: الغلو في محاولة مطابقة ما ورد في النصوص على وقائع وأحداث معينة، أو على أشخاص معينين رجمًا بالغيب.
ومن رواد هذا المنهج: "أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري" مؤلف كتاب "مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية"؛ الذي تكلف فيه عند تطبيقه بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على المخترعات الحديثة وتنزيلها على وقائع هذا الزمان، وإن كان وُفِّق في بعضها (1)، على أنه شحن الكتاب بالأحاديث الضعيفة دون تنبيه على ضعفها، لمجرد أن متنها يوافق ما يرمي إليه من المطابقة المزعومة. ومع أنه يُلقب بالمحدِّث (2) الحافظ؛ إلا أنه صوفي قبوري غالٍ، يبغي على الدعوة الوهابية السلفية التجديدية، وينبز أهلها "بالقَرْنيين"(3)، ويجازف في رميهم بالعظائم (4)، فالله طليبه، وهو حسيبه.
(1) مثل: كثرة الأمراض التي لم تكن معروفة، وتبرج النساء، وتقليد الكفار، ونحو ذلك.
(2)
انظر: ص (164).
(3)
فهو ينسبهم ظلما وعدوانا إلى "قرن الشيطان"، المذكور في الحديث عن نجد:"هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان" رواه البخاري، والصواب أن المقصود بنجد هنا بادية العراق ونواحيها، وانظر: الجواب المفصل عن هذه الشبهة في "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان" ص (496 - 501)، و "دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" ص (185 - 192) و "العراق في أحاديث وآثار الفتن" للشيخ مشهور بن حسن (1/ 33 - 43)، وانظر: ص (279)، وما بعدها.
(4)
كقوله: "واحتل القرنيون الحجاز، وهم أعداء أهل المدينة الشريفة لمجاورتهم سيد الخلق وأفضل الرسل صلوات الله وسلامه عليه، فتراهم يضيقون عليهم، =
وقد ذكر الشيخ "مقبل بن هادي الوادعي" -رحمه الله تعالى- أن الشيخ حمودا التويجري رحمه الله رد على كتاب الغماري المذكور بكتاب أسماه: "إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة"(1).
ومن تكلفه تفسيره حديث: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْدِّينِ ظَاهِرِينَ "الحديث، وفيه:"بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسٍ "؛ بأن هذا تحقق في المصريين مع الإنكليز والفرنسيين واليهود والأمريكان، وأن الحديث تحقق بالاتحاد بين مصر وسورية في (الجمهورية العربية المتحدة)، إلى أن قال:"وكل هذا آتٍ قريب، وهو يدل على قرب خروج الدجال اليهودي الأعور الكذاب، وعلى أن الأمة المصرية هي التي ستفوز بقتاله وقتال جنده اليهود لعنهم الله"، وذهب إلى أن الله تعالى "سيظهر لهم كرامة كلام الشجر والحجر، فيقول الشجر والحجر للمؤمن: يا عبد الله هذا كافر ورائي فتعال فاقتله، والمؤمن من جيش مصر والاتحاد العربي". اهـ (2) بتصرف.
تنبيه:
وممن سلك مسلك الغماري المذكور في تكلف تأويل بعض النصوص -ولو كانت ضعيفة ولا تثبت- وتنزيلها على المكتشفات الحديثة:
= ويعاملونهم بما يحملهم على مفارقتها، والخروجِ منها مرة أخرى لتخرب" اهـ. من "مطابقة الاختراعات العصرية" ص (127).
(1)
"الصحيح المسند من دلائل النبوة" ص (11).
(2)
"مطابقة الاختراعات العصرية" ص (54. 55).
- فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري -حفظه الله- في رسالَتَيْهِ: "اللقطات في بعض ما ظهر للساعة من علامات"، و"الأحاديث النبوية الشريفة في أعاجيب المخترعات الحديثة"، وتعقبه فيهما الشيخ "حمود التويجري" -رحمه الله تعالى- في رسالته:"تنبيهات على رسالتين للشيخ أبي بكر الجزائري"، وبيَّن فيها ضعف معظم أحاديث الرسالتين المذكورتين، وردَّ ما حَوَتاه من التأويل المتعسف.
-وكذلك الدكتور "فاروق الدسوقي" الذي قال: "إن الذي أولجني (بهذا) الباب، ووضعني في مدينة هذا العلم هو فضيلة الشيخ العالم الحافظ أحمد بن الصديق الغماري
…
وذلك بكتابه القيم الرائد السابق لعصره: "مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية" فهو الرائد الأول في عصرنا في مجال علم مطابقة النصوص على الأحداث" (1).
(1)"القيامة الصغرى على الأبواب"(1/ 15)، وقد أثنى في نفس الموضع على "سعيد أيوب" صاحب كتاب "المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى"، و"محمد عيسى داود" صاحب كتابَي "احذروا المسيخ الدجال يغزو العالم من مثلث برمودا"، و"الخيوط الخفية" قائلًا:"فكل منهما رائد في مجاله، وبقية المكتوب عن المسيح الدجال حديثًا عالة عليهما، واقرارًا بالفضل لله تعالى، ثم لصاحبه أقول: إن المؤلفَيْنِ الفاضِلَيْنِ وبخاصة الثاني قد فتحا أمامي آفاقًا جديدة في علم أشراط الساعة بإزالة بعض علامات الاستفهام حول مطابقة بعض نصوص الوحي: قرآنا وسُنَة بالأحداث المعاصرة" اهـ (1/ 15)، وإن مما يؤسف له أن ينخدع هذا الفاضل صاحب "القضاء والقدر" رسالة الدكتوراة التي حصل بها على جائزة الملك فيصل، لمثل "محمد عيسى داود" الصائم عن علوم الشريعة، والذي يبرأ منه العلم الشرعي براءة الشمس من اللمس!
ومن رواد (الغلو) في المطابقة: -شكري أحمد مصطفى (1942 - 1978 م).
زعيم الخوارج الجدد، وإمام ما أسماه "جماعة المسلمين".
- كتب رسالة "التوسمات " وكان مما تضمنته: الكلام على واقع المسلمين، وواقع جماعة الحق -التي هي جماعتهم بزعمهم- وظهور المهدي.
ومما جاء فيها: ["النصوص تؤكد أن جماعة الحق اليوم أصبحت وشيكة، من الدجال ونزول عيسى ابن مريم، ونرجو الله أن نكون خَلَفًا من حوارييه
…
".
"وإشارات كبيرة تؤكد أننا سندرك عيسى ابن مريم، وأننا جماعة الحق التي تستحق الخلافة في الأرض على هدي النبوة، ونرجو الله أن يجد فينا خَلَفًا من حوارييه ".
" .. ونحن جماعة الحق في آخر الزمان تشملنا الآيتان: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، و {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} ". "فقد كلفهم الله -أي: جماعة آخر الزمان- سبحانه وتعالى من الناحية القدرية التي يعلمها، والتي يريدها؛ بما لم يكلف به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث سوف يتم على يد جماعة آخر الزمان ظهورُ الإسلام على كافة الأديان والملل، ويُعبد الله لا يُشْرَكُ به شيئًا (1)، ولا يبقى بيت من وبر أو مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز
(1) الصواب: شيءٌ.
أو بِذُلّ ذليل، ويتم الله قدره ونعمته على عباده، وينتصر هو ورسله وحزبه على العالمين، ويمكّن لهم في الأرض كما وعد بذلك "] اهـ (1)
"لهذا وغيره كان أعضاء هذه الجماعة يجزمون بأن قائدهم شكري هو مهدي هذه الأمة المنتظر، ولن تستطيع السلطة قتله، وسوف يذهب كل جهد تبذله في هذا السبيل أدراج الرياح؛ لأن الله سبحانه وتعالى سوف يحفظه؛ ليجاهد اليهود والنصارى، ويرفع رايات النصر في كل صُقْع من أصقاع العالم الفسيح، ويُظهر الله به دينه على كافة الأديان والملل، ويمكِّن له في الأرض ما شاء أن يمكن.
…
وكان أعضاء الجماعة يؤكدون أنه لو تم إعدام قائدهم؛ لوجب عليهم إعادة النظر بتصورات ومفاهيم الجماعة
…
" (2).
(1)"الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو"، لمؤلفه محمد سرور زين العابدين، ص (215، 216).
(2)
"نفسه" ص (216)، وانظر ما يأتي هامش ص (306 - 309).
تعليق واستطراد
إن تعليق "وجوب إعادة النظر بتصورات ومفاهيم الجماعة" على "إعدام قائدهم" سوءة فكرية، وعورة منهجية خطيرة، ولماذا يأتي التصحيح دائمًا بعد فوات الأوان؟
ولا يتقون الشَرَّ حتى يصيبَهم
…
ولا يعرفون الأمرَ إلا تدبرا
ولماذا لا نُخْضِع الفكر والمناهج للفحص والتفتيش ونحن ما زلنا في دار "الامتحان"؛ حيث توجد فرصة، بل فرص للمراجعة والتصحيح واستدراك الخطإ قبل الانتقال إلى دار "ظهور النتائج"!
وإلى متى ستظل الدعوة الإسلامية تدفع ثمن استبداد بعض فصائلها بالرأي في غيبة عن الرقابة العلمية الشرعية؟
إن هذا النمط العجيب من التفكير ليستدعي من الذاكرة قولَ إمام فتنةٍ من المتأولين: "إننا -والله- نعلم أن بين يدي الله موقفًا يسألنا فيه عن أعمالنا، ويحاسبنا عليها، ولكن نسأل الله -إن كان لنا هوى، أو مقصدنا لغير وجهه الكريم- أن يُخزيَنا، وُيبينَ باطلَنا على رءوس الأشهاد، وأن يفسد مساعينا، ولا يسددها". اهـ.
سبحان الله! "لقد حجَّرتَ واسعًا"، أليس اللسان الذي تلفظ بهذه الدعوة العديمة الفقه، هو نفس اللسان الذي كان يمكن أن يدعو بالعفو والعافية من الهوى، ويسأل الله الذي لا يُخَيِّبُ راجيَه، ولا يَرُدُّ داعيَه؛ أن يُريَه الحق حقًّا، ويرزقه اتباعه، ويريه الباطل باطلًا، ويرزقه اجتنابه؟! ولماذا نتأسى بالذين قال الله عز وجل فيهم: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ