المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثناء العلماء على السنن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌لائحة الأعداد

- ‌من كلمات جلالة الملك فيصل رحمه الله

- ‌من كلمات سمو ولي العهد. . الأمير فهد بن عبد العزيز حفظه الله:

- ‌سلاح العصر يحمل لواء الدعوة

- ‌المجلة بين الكتاب والصحيفة اليومية

- ‌دعاة أمناء لرسالة عظمى

- ‌القدس. . والفيصل. . والإسلام

- ‌تقديم

- ‌الدين والتدين

- ‌مفهوم الدين

- ‌ البحوث

- ‌مفهوم التدين

- ‌موقف البشر من الديانات ومدى تمسكهم بها

- ‌مستحيل أن تزول الديانات وتتلاشى ظاهرة التدين أمام تيار المادية

- ‌أثر الدين في حياة الفرد والمجتمع

- ‌الخلاصة

- ‌وجوب تحكيم الشريعة الإسلاميةفي شئون الحياة

- ‌أولا: المبادئ والأسس التي تقتضي التحاكم إلى شرع الله

- ‌التسخير الكوني والتسخير الشرعي:

- ‌تحكيم شريعة الله من أركان الإيمان

- ‌ثانيا: النصوص القرآنية الدالة على تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌الكفر العملي والكفر الاعتقادي

- ‌ثالثا: بواعث الخروج عن تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌ باعث النفاق:

- ‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌اللغة العربيةلسان وكيان

- ‌ مقدمة

- ‌حقيقة التلازم بين الإسلام والعربية

- ‌تآمر الأعداء على اللغة العربية

- ‌لغة عربية جديدة

- ‌مقارنة بين أسلوب الحديث النبويوأسلوب القرآن الكريم

- ‌اختلاف الأسلوب ينم عن اختلاف الذاتية

- ‌كعب بن مالكشاعر السيف والقلم

- ‌ظهور الإسلام وانتشاره في المدينة

- ‌أول لقاء الشاعر برسول الله

- ‌الغزوات التي شهدها كعب

- ‌ما نزل فيه من القرآن

- ‌روايته الحديث

- ‌مواقفه من الفتنة الكبرى

- ‌كعب بن مالك أحد شعراء الرسول

- ‌موضوعات شعره في الإسلام

- ‌الفخر والرد

- ‌شعر الوعيد والتهديد

- ‌الهجاء

- ‌إبراز صفات المسلمين في المعارك وإعدادهم لها

- ‌شعر الغزوات

- ‌إجلاء بني النضير

- ‌بدر الآخرة

- ‌غزوة الخندق أو الأحزاب

- ‌المراثي

- ‌نظرة في شعر كعب

- ‌مسلمة بن عبد الملكمجاهد على الدوام

- ‌رواية الحديث عن الخليفة الخامس

- ‌على فراش الموت بين مسلمة وعمر بن عبد العزيز

- ‌حركة الإصلاح الدينيفي القرن الثاني عشر

- ‌ميلاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌النظريات التي قامت عليها الدعوة

- ‌النظرية الأولى

- ‌النظرية الثانية

- ‌النظرية الثالثة:

- ‌آراء بعض المستشرقين في حركته الإصلاحية

- ‌كتابات عن الحركة لقادة الفكر في الشرق

- ‌مراجع عن الحركة

- ‌كتب صنفها الشيخ رحمه الله وأبناؤه وأحفاده

- ‌المفتي في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف المفتي

- ‌منزلة المفتي

- ‌شروط المفتي

- ‌أمور ينبغي للمفتي أن يتفطن لها

- ‌خاتمة

- ‌حكمالسعي فوق سقف المسعى

- ‌الخلاصة

- ‌حكمالأوراق النقدية

- ‌نشأة النقود وتطورها

- ‌قاعدة النقد الورقي

- ‌سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة تعامل

- ‌آراء فقهية في حقيقة الأوراق النقدية

- ‌الأوراق النقدية أسناد

- ‌ الأوراق النقدية عرض من العروض

- ‌الأوراق النقدية فلوس

- ‌الأوراق النقدية نقد قائم بنفسه

- ‌علة الربا في النقدين

- ‌الخلاصة

- ‌حكمتمثيل الصحابة

- ‌قرار رابطة العالم الإسلامي

- ‌فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل

- ‌ تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌قرار لجنة الفتوى بالأزهر

- ‌مفاسد تمثيل الأنبياء

- ‌ حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية

- ‌قصص الأنبياء في السينما

- ‌أفلام دينية يروج لها أعداء الإسلام

- ‌قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌تراجم الفقهاء

- ‌القيمة العلمية للتراجم

- ‌معالم مناهج الفقهاء

- ‌مصنفات الشافعية

- ‌مصنفات الحنابلة

- ‌مصنفات المالكية

- ‌مصنفات الحنفية

- ‌ أساتذة أبي داود

- ‌الباب الثاني:سنن أبي داود

- ‌ أول من صنف السنن

- ‌ثناء العلماء على السنن

- ‌الضعيف في سنن أبي داود

- ‌موازنة بين سنن أبي داود والصحيحين

- ‌زوائد أبي داود

- ‌ المصطلحاتفي تعليقات أبي داود

- ‌مخطوطات كتاب سنن أبي داود

- ‌الكتب التي ألفت حول السنن

- ‌خاتمة

- ‌مراجع البحث

- ‌نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات

- ‌المخدرات في الفقه الشافعي

- ‌المخدرات في الفقه الحنفي

- ‌موقفالشريعة الإسلامية من المسكرات والمخدرات

- ‌التوصيات

- ‌التعاون الدولي في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة الزراعة والإنتاج

- ‌رفع الكفاءة في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة تعاطي المخدرات:

- ‌أولا: حلقة الخطط والمناهج الجامعية

- ‌ثانيا: حلقة الدعم المتبادل

- ‌رابعا: حلقة التنمية والتطوير

- ‌خامسا:حلقة العلوم والتكنولوجيا

- ‌سادسا: حلقة التربية والتعليم

- ‌التوصيات

- ‌المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي

- ‌حوار مع الأمين العام للأمانة العامة للدعوة الإسلامية

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌أسلوب الدعوة وما يجب أن يكون عليه الداعي

- ‌نماذج من دعوة الرسول

- ‌وجوب تبليغ الدعوة والقيام بها

- ‌هيئة التوعية في الحجتستقبل ملايين الحجاج

- ‌تراث من نور

- ‌أخبار إسلامية دولية

- ‌إنارة الطريق البري للحجاج

- ‌كلية القرآن الكريم

- ‌وثائق تاريخية

- ‌المبايعة

- ‌كلمة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله

- ‌ أمر ملكي

الفصل: ‌ثناء العلماء على السنن

‌ثناء العلماء على السنن

لن أستطيع الحصر ولا الاستقصاء لو أردت أن أذكر كل ما قيل في الثناء على هذا الكتاب العظيم ولذلك فسأكتفي بإيراد بعض الكلمات لأشهر العلماء:

* قال أبو زكريا الساجي:

كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب " السنن " لأبي داود عهد الإسلام. (1).

* وقال محمد بن مخلد:

لما صنف أبو داود " السنن " وقرأه على الناس صار كتابه لأهل الحديث كالمصحف يتبعونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ فيه (2).

* وقال ابن الأعرابي وأشار إلى النسخة وهي بين يديه:

لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة. (3).

وعلق الخطابي على كلمة ابن الأعرابي هذه فقال:

(وهذا - كما قال - لا شك فيه، لأن الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شيء وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (4) فأخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب، إلا أن البيان على ضربين:

بيان جلي تناوله الذكر نصا، وبيان خفي اشتمل عليه معنى التلاوة ضمنا؛ فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله سبحانه {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (5) فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان، وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه (6).

(1)" تهذيب ابن عساكر " 6/ 244 " طبقات الشافعية " للسبكي.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات " 2/ 224.

(3)

" معالم السنن " 1/ 12.

(4)

سورة الأنعام الآية 38

(5)

سورة النحل الآية 44

(6)

" معالم السنن " 1/ 12 - 13.)

ص: 286

وقال الخطابي أيضا:

(كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتابه مثله، وقد رزق القبول من الناس كافة فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فلكل فيه ورد ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض. فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج (1) ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفا وأكثر فقها) (2).

وقال الخطابي أيضا:

(اعملوا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.

فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته، والحسن منه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث، فأما السقيم منه فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب - أعني ما قلب إسناده - ثم المجهول، وكتاب أبي داود خلي منها برئ من جملة وجوهها، فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره فإنه لا يألو أن تبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته. وحكي لنا عن أبي داود أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه ". وكان تصنيف علماء الحديث - قبل زمان أبي داود - الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخبارا وقصصا ومواعظ وآدابا، فأما السنن المحضة فلم يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءها ولم يقدر على تخليصها واختصار مواضعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داود، ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل) (3).

* وقال أبو حامد الغزالي عن " سنن أبي داود ":

" إنها تكفي المجتهد في أحاديث الأحكام ".

* وقال ابن القيم:

(لما كان كتاب " السنن " لأبي داود رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به، بحيث صار حكما

(1) وهما البخاري ومسلم.

(2)

" معالم السنن " 1/ 10 - 11.

(3)

" معالم السنن " 1/ 11.

ص: 287

بين أهل الإسلام، وفصلا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضي المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء) (1).

(1)" تهذيب ابن القيم " 1/ 8.

ص: 288

تأليفه

ألف: أبو داود كتابه " السنن " في وقت مبكر، وعني بتأليفه وترتيبه عناية بالغة، وأعاد النظر فيه مرات متعددة. هذا أمر لا شك فيه.

أما كونه ألفه في وقت مبكر فيدلنا على ذلك ما ذكره مترجمو أبي داود من أن المؤلف روى كتابه " السنن " ببغداد ونقله عن أهلها، ويقال: إنه صنفه قديما وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه، والإمام أحمد متوفى سنة 241 هـ.

وقد يمكننا هذا النص أن نفهم أنه ألف الكتاب قبل أن يأتي بغداد، ولعله ألفه في طرسوس، لأنه جاء في أخباره أنه ألف المسند بطرسوس ومكث في ذلك مدة طويلة يبذل جهده في الاختيار والانتقاء والتبويب والترتيب. قال محمد بن صالح الهاشمي (1).

(قال أبو داود: أقمت بطرسوس عشرين سنة أكتب المسند، فكتبت أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار الأربعة آلاف على أربعة أحاديث لمن وفقه الله) ثم ذكر الأحاديث.

وواضح أنه يريد بالمسند كتابه " السنن " لأن قريبا من هذا النص نقله عنه ابن داسة مصرحا فيه بذكر السنن (2)، وعدد أحاديث كتاب " السنن " قريب من هذا الرقم.

ومما يؤكد لنا أن تأليفه كان في وقت مبكر من حياته النظر في مجموع أخباره فهناك ما يدل على أن الرجل بذل به عناية فائقة وأنفق في ذلك مدة طويلة وأنه عرض هذا الكتاب بعد تمامه على الإمام أحمد المتوفى سنة 241 فإذا كان أبو داود قد ولد سنة 202 واستغرق مدة عشر سنوات في تأليفه وافترضنا أنه عرضه عليه قبل وفاته بخمس سنوات، فيكون عمر المؤلف عند ذلك بضعا وعشرين سنة، أي في وقت النشاط والقدرة. وهذا وقت مبكر جدا.

(1)" تهذيب الأسماء واللغات " للنووي 2/ 224.

(2)

انظر خبر ابن داسة فيما يأتي ص 238 وقد سبق أن وردت هذه الأحاديث ص 228.

ص: 288

وأما كونه عني به عناية بالغة فهذا أمر تدل عليه دلائل كثيرة كلها تقطع بأن المؤلف بذل مجهودا كبيرا وأنه نظر فيه ونقحه وقرأه مرات وكان يزيد فيه وينقص.

من هذه الدلائل ما ذكره راوي هذا الكتاب الإمام الحافظ أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي الذي قال بعد أن روى الحديث 911 ما يلي: (هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة)(1) وقال صاحب " عون المعبود " في شرح ذلك: (أي لما حدث وقرأ أبو داود هذا الكتاب في المرة الرابعة لم يقرأ هذا الحديث)(2).

ومن هذه الدلائل قول علي بن الحسن بن العبد: (سمعت كتاب السنن من أبي داود ست مرار. بقيت من المرة السادسة بقية)(3) وفي تتمة الخبر أنه قرأها في السنة التي مات فيها وهي سنة 275 هـ.

أي أن المؤلف ظل يقرأ الكتاب ويذيعه في الناس مدة تقرب من أربعين سنة فلا عجب أن يكون واحد كعلي بن الحسن قد سمع منه هذا ست مرات.

ومن هذه الدلائل ما نقله أبو بكر بن داسة عن أبي داود حيث يقول:

(كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب السنن - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: «الأعمال بالنيات (4)» .

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (5)» .

والثالث: قوله: صلى الله عليه وسلم: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه (6)» .

والرابع: قوله: صلى الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات (7)» .

ومما يدل على عنايته وإجادته لهذا الكتاب تعليق الذهبي على كلام أبي داود الذي نقله ابن داسة والمتضمن وعدا بتبيين الضعيف الظاهر. قال الذهبي: (وقد وفى بذلك فإنه بين الضعيف الظاهر، وسكت عن الضعيف المحتمل)(8).

(1)" سنن أبي داود " 1/ 331.

(2)

" عون المعبود " 1/ 343.

(3)

انظر " رسالة أبي داود " بتحقيقنا ص 13.

(4)

صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 25).

(5)

سنن الترمذي الزهد (2317)، سنن ابن ماجه الفتن (3976).

(6)

صحيح البخاري الإيمان (13)، صحيح مسلم الإيمان (45)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2515)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5016)، سنن ابن ماجه المقدمة (66)، سنن الدارمي الرقاق (2740).

(7)

" تاريخ بغداد " 9/ 57 " المنتظم " 5/ 97 " طبقات السبكي " 2/ 293 " وفيات الأعيان " 2/ 404 " كشف الظنون " 2/ 1004 " مختصر المنذري " 1/ 5 " المنهج الأحمد " 1/ 175 " جامع الأصول " 1/ 111.

(8)

طبقات السبكي " 2/ 293.

ص: 289

رواياته

نتوقع أن يكون هذا الكتاب قد روي من طرق كثيرة، غير أن الرواة الذين ذكرهم العلماء تسعة وقد أوردنا أسماءهم في كلامنا على تلامذته.

والحق أن هؤلاء الرواة الذين عرفناهم - وغيرهم كثير ممن لم نقف على أسماءهم - قد أدوا خدمة جليلة لكتاب أبي داود، وللسنة بوجه عام، فجزاهم الله عن ذلك خير الجزاء.

وقد انتهيت من بحثي إلى كتاب " السنن " متواتر إلى صاحبه دون شك. وأن أولئك الدساسين الذين يريدون أن يشككوا المسلمين بكتب ثقافتهم الدينية وبالأصول الإسلامية قوم دفعهم إلى ذلك التعصب الأعمى والحقد الدفين.

ذكر العلماء أن الروايات عن أبي داود بكتابه " السنن " كثيرة جدا وهذا أمر طبيعي، لأن رجلا ظل يقرئ كتابه مدة تقرب من أربعين سنة لا بد أن يكون عدد الذين رووه عنه كبيرا، لا سيما أن أبا داود - كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في ترجمة حياته - محدث مشهور يقصده الناس لعلمه وفضله حتى إن الدولة رأت في سكناه بالبصرة سببا لإحياء المدينة الميتة وعمارة القرية الخربة. ومن عادة المؤلفين أنهم دائما في تنقيح مستمر لكتبهم، يقدمون ويؤخرون ويزيدون وينقصون، وكلما نظروا في أثر من آثارهم رأوا أنه بحاجة إلى تعديل.

ومن أجل ذلك كان كلام الحافظ ابن كثير عن روايات سنن أبي داود هو الكلام الطبيعي الذي جاء نتيجة لما ذكرنا. قال في " مختصر علوم الحديث ":

(الروايات عند أبي داود بكتابه السنن كثيرة جدا، ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى)(1).

ولذلك كان أبو داود يحذف بعض الأحاديث ويزيد بعضا في محاولات تنقيح الكتاب وإحكام تربيته، وقد مر معنا كلام اللؤلؤي الذي يذكر فيه أن أبا داود في المرة الرابعة لم يقرأ حديثا - ذكره - ويحسن بنا أن نتعرف إلى أصحاب هذه الروايات وهم:

1 -

أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي:

وهذه النسبة تتصل بالمهنة، فهي نسبة إلى اللؤلؤ لأنه كان يبيعه وقد توفي (2) سنة 333 هـ.

(1)" الباعث الحثيث " ص 41.

(2)

" تذكرة الحفاظ " 3/ 845.

ص: 290

وروايته من أصح الروايات لأنها من آخر ما أملى أبو داود فقد سمع السنن مرات عديدة كانت آخرهن في السنة التي توفي فيها أبو داود: سنة 275 هـ.

وقد روى عن اللؤلؤي هذه السنن القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي أبو عمر، وهو ممن ترجم له الخطيب (1) وذكر أنه من أهل البصرة وعدد أساتذته فذكر منهم اللؤلؤي وعبد الفاخر بن سلامة الحمصي ومحمد بن أحمد الأثرم وعلي بن إسحاق المارديني ويزيد بن إسماعيل الخلال ومحمد بن الحسين الزعفراني الواسطي، وأثنى عليه الخطيب (2) فقال:(" كان ثقة أمينا، ولي القضاء بالبصرة، وسمعت منه بها " سنن أبي داود ") وذكر أنه ولد سنة 322 وتوفي سنة 414 هـ.

وقد روى عن القاسم الهاشمي هذه السنن الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 والخطيب البغدادي إمام ثقة ذائع الصيت (3).

ورواية الخطيب هي التي اعتمدت بالنسبة للشائع مع نسخ أبي داود برواية اللؤلؤي.

ومن المفيد أن نذكر أن ابن عساكر المتوفى سنة 571 قد ألف كتابه " الإشراف على معرفة الأطراف "(4) الذي جمع فيه أطراف " سنن أبي داود " معتمدا على رواية اللؤلؤي (5). أما المزي المتوفى سنة 742 هـ فقد جمع في كتابه " تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " أطراف أحاديث " سنن أبي داود " من الروايات الأربعة وهي روايات: اللؤلؤي، وابن داسة، وابن العبد، وابن الأعرابي، بحيث يورد حديث السنن ثم يقول: أخرجه أبو داود في باب كذا، فإن كان ذلك الحديث موجودا في رواية اللؤلؤي يسكت عنه ولا يقول: إن هذا الحديث من رواية اللؤلؤي سواء كان ذلك الحديث في باقي الروايات الثلاثة موجودا أم لا. وإن لم يكن الحديث من رواية اللؤلؤي، بل من رواية الثلاثة الآخرين أو من رواية واحد منهم فيقول بعد إخراجه: حديث أبي داود في رواية ابن داسة مثلا أو رواية ابن العبد مثلا أو في رواية ابن الأعرابي مثلا أو في رواية هؤلاء الثلاثة أو اثنين منهم (6).

2 -

أبو بكر محمد بن بكر بن عبد الرازق بن داسة التمار:

المتوفى سنة 346 هـ. وروايته مشهورة ولا سيما في بلاد المغرب وتقارب رواية اللؤلؤي. والاختلاف بينهما غالبا بالتقديم والتأخير (7).

(1)" تاريخ بغداد " 12/ 451.

(2)

" تاريخ بغداد " 12/ 451.

(3)

انظر ترجمته في " طبقات الشافعية " 3/ 12 و " وفيات الأعيان " و " معجم الأدباء " 1/ 248.

(4)

" ومخطوطته موجودة في مصر في دار الكتب المصرية (انظر " تحفة الأشراف " 1/ 4 تعليق رقم 5).

(5)

" عون المعبود " 4/ 548.

(6)

" عون المعبود " 4/ 548.

(7)

" المنهل العذب المورود " لمحمود خطاب السبكي 1/ 19 و " عون المعبود " 4/ 547.

ص: 291

وقد وصلت إلينا بعض المخطوطات برواية ابن داسة وقد اعتمد على واحدة منها صاحب عون المعبود " عون المعبود " 4/ 547. ونقل عن السيوطي قوله فيها: وروايته أكمل الروايات (1) وقال: إن كثيرا من الروايات موجودة في رواية ابن داسة وليس هو في رواية اللؤلؤي كما نبهت على ذلك في مواضعها من هذا الشرح " عون المعبود " 4/ 547. كما سنشير إلى ذلك في موضعه إن شاء الله. وقد أتيح لي أن أقف على نسخة مصححة على مخطوطة أثبتت الفروق بين رواية ابن داسة واللؤلؤي.

3 -

أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري المعروف بابن الأعرابي (2):

صاحب التصانيف، الإمام الزاهد الحافظ شيخ الحرم. كان أبو داود أحد أساتذته وقد سمع منه " السنن ".

ومن شيوخه أيضا الحسن بن محمد الزعفراني ومحمد بن عبد الملك الدقيقي. وروى عنه ابن المقرئ وابن منده وأحمد بن محمد بن مفرج القرطبي.

ولد ابن الأعرابي سنة 246 وتوفي 340 هـ.

وقد سقط من نسخته كتاب الفتن والملاحم والحروف والقراءات والخاتم ونحو النصف من كتاب اللباس، وفاته أيضا من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة (3).

4 -

أبو الحسن علي بن الحسن بن العبد الأنصاري المتوفى سنة 328:

ويعرف بأبي الحسن الوراق سمع أبا داود السجستاني وعثمان بن خرزاذ الأنطاكي؛ روى عنه الدارقطني (4).

وهذه الرواية فيها من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي (5).

وقد جاء في آخر مخطوطة الرسالة التي في وصف السنن نص ينقل عن هذا الراوي (علي بن الحسن بن العبد) وهو قوله:

(سمعت كتاب السنن من أبي داود ست مرار بقيت من المرة السادسة بقية) وقد سبق أن أوردت هذا الكلام (6).

(1)" عون المعبود " 4/ 547.

(2)

انظر " تذكرة الحفاظ " 3/ 852.

(3)

"المنهل العذب المورود" 1/ 19 وهذا الذي سقط هو من نسخته الأصلية في الغالب والله أعلم.

(4)

" تاريخ بغداد " 11/ 382.

(5)

" المنهل العذب " 1/ 19.

(6)

انظر ص 237 من هذا البحث وانظر " رسالة أبي داود إلى أهل مكة " ص 13 طبع دار العربية بيروت.

ص: 292

5 -

أبو أسامة محمد بن عبد الملك الرؤاسي لم أجد لهؤلاء الرواة تراجم مفصلة تنقع الغلة، ولعلي أجد ذلك أو شيئا منه في المستقبل. .

6 -

أبو سالم محمد بن سعيد الجلودي (1).

7 -

أبو عمرو أحمد بن علي بن الحسن البصري (2).

8 -

أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأشناني (3).

9 -

أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي الوراق المتوفى سنة 320 هـ وقالوا: إنه وراق أبي داود (4).

(1) لم أجد لهؤلاء الرواة تراجم مفصلة تنقع الغلة، ولعلي أجد ذلك أو شيئا منه في المستقبل.

(2)

لم أجد لهؤلاء الرواة تراجم مفصلة تنقع الغلة، ولعلي أجد ذلك أو شيئا منه في المستقبل.

(3)

لم أجد لهؤلاء الرواة تراجم مفصلة تنقع الغلة، ولعلي أجد ذلك أو شيئا منه في المستقبل.

(4)

لم أجد لهؤلاء الرواة تراجم مفصلة تنقع الغلة، ولعلي أجد ذلك أو شيئا منه في المستقبل.

ص: 293

تجزئة الكتاب

ذكر: أبو داود في " رسالته إلى أهل مكة " أن عدد كتب هذه السنن 18 جزءا مع المراسيل، منها جزء واحد مراسيل. ويبدو أن النساخ والرواة جزءوا الكتاب إلى أجزاء، ومن أجل ذلك فهذه التجزئة تختلف من إنسان لآخر.

أما تجزئة الخطيب البغدادي وهو الذي روى سنن أبي داود برواية اللؤلؤي فتبلغ تقديرا حوالي 30 جزءا لأنه يفهم من تعليقات المحقق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد أن عدد أجزاء المقدار المطبوع في الجزأين الأولين بلغ 14 جزءا من تجزئة الخطيب البغدادي (1).

وقد استعرضت الجزأين الثالث والرابع فلم أجد المحقق ذكر شيئا عن هذه التجزئة.

وفي عصر الطباعة رأينا كتاب أبي داود مطبوعا في جزء مرة، ورأيناه مرة أخرى مطبوعا في جزأين، ورأيناه مطبوعا مرة ثالثة بأربعة أجزاء.

(1) انظر " السنن " 2/ 362.

ص: 293

أقسام الكتاب وتبويبه

1 -

خلا الكتاب من المقدمة، وهذا موضع تعجب، ذلك لأن مؤلفه كتب رسالة في وصف سننه وهي أحسن ما تكون توضيحا لعمله وعرضا لخطته ووضعا للأمور في نصابها، ولو أن قائلا ذهب إلى أنها تصلح أن تسد مسد المقدمة لما كان مخطئا.

ص: 293

وليس أبو داود وحده الذي خلا كتابه من المقدمة، بل شاركه في ذلك غيره، فالبخاري أيضا لم يكتب لجامعه الصحيح مقدمة، لكن الفرق بينهما أن البخاري رحمه الله لم يتح له النظر في كتابه بعد تأليفه (1)، أما أبو داود فقد بقي يقرأ " السنن " ويذيعها بين الناس أربعين سنة كما أسلفنا.

ولعل الأمر يتعلق بأطوار التأليف، إذ ليس البخاري وأبو داود وحدهما لم يكتبا مقدمات لكتبهما، بل نجد كذلك الإمام أحمد لم يكتب مقدمة لمسنده وابن المبارك لم يكتب مقدمة لكتابيه: الزهد، والجهاد.

2 -

ينقسم كتاب " السنن " إلى كتب كبيرة بلغت 36 كتابا هي:

(1)

الطهارة - (2) الصلاة - (3) الزكاة - (4) اللقطة - (5) المناسك - (6) النكاح - (7) الطلاق - (8) الصوم - (9) الجهاد - (10) الضحايا - (11) الصيد - (12) الوصايا - (13) الفرائض - (14) الخراج والإمارة والفيء - (15) الجنائز - (16) الأيمان والنذور - (17) البيوع - (18) الإجارة - (19) الأقضية - (20) العلم - (21) الأشربة - (22) الأطعمة - (23) الطب - (24) العتق - (25) الحروف والقراءات - (26) الحمام - (27) اللباس - (28) الترجل - (29) الخاتم - (30) الفتن - (31) المهدي - (32) الملاحم - (33) الحدود - (34) الديات - (35) السنة - (36) الأدب.

3 -

وكل كتاب من هذه الكتب ينقسم إلى أبواب، باستثناء ثلاثة كتب لم نجد فيها أبوابا هي:

كتاب اللقطة - وكتاب الحروف والقراءات - وكتاب المهدي. ولا يستوي عدد أبواب الكتب، فبينما نجد كتابا يشتمل على أكثر من مائة باب ككتاب الصلاة - - الذي يشتمل على ثلاثمائة باب وسبعة وستين بابا - نجد كتابا لا تتجاوز أبوابه الثلاثة ككتاب الحمام الذي اشتمل على ثلاثة أبواب فقط.

4 -

وقد نجد بابا كبيرا تحته أبواب كثيرة، وذلك كالباب الذي جاء بعنوان " باب تفريع أبواب الجمعة "(2)، وقد جاء تحته 38 بابا.

وكالباب الذي جاء بعنوان " جماع أبواب الاستسقاء وتفريعها "(3)، وقد جاء تحته ثلاثة أبواب.

5 -

هذا وليست الأبواب متساوية في حجمها وإن كان يغلب على معظمها القصر، فقلما نجد بابا يجاوز الصفحة. بل أكثر الأبواب قصيرة قصرا واضحا، وربما لا يكون في الباب إلا أثر، كما في الباب الآتي:

(باب إخفاء التشهد

حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا يونس - يعني ابن بكير - عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن

(1) انظر كتابي " الحديث النبوي " ص 216.

(2)

" السنن " 1/ 377.

(3)

" السنن " 1/ 412.

ص: 294

بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله قال: من السنة أن يخفي التشهد) (1).

وقد صرح أبو داود في " رسالته إلى أهل مكة " أنه يعتمد قلة الأحاديث في الباب فقال: (ولم أكتب في الباب إلا حديثا أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح؛ لأنه يكبر، وإنما أردت قرب منفعته)(2).

وهذه الخاصة من أبرز خصائص السنن، وكأن أبا داود استخرج من الحديث أو الحديثين أبرز ما فيهما فجعله عنوان الباب، أو كأنه أدخل تحت العنوان أبرز الأحاديث عليه، ولذا يستطيع المرء أن يعثر على الحديث المطلوب بسهولة؛ لأن الباب قليل الأحاديث، ومن هنا قربت منفعته على حد تعبير أبي داود.

وأكد أبو داود حرصه على قلة الأحاديث في الباب فقال في " رسالته إلى أهل مكة ": (وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة فإنما هو من زيادة كلام فيه)(3)، أي من أجل زيادة كلام فيه، على أننا قد نقف على بعض الأبواب الطويلة، وذلك كباب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي استغرق سبع صفحات (4). ولعل السبب يعود إلى موضوع الباب نفسه.

6 -

وأخيرا فإن مجموع عدد أبواب كتاب " السنن " حسب إحصاء الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد هو 1889 بابا.

(1)" السنن " 1/ 356.

(2)

انظر " رسالة أبي داود " ص 23.

(3)

انظر " رسالة أبي داود " ص 23.

(4)

" السنن " 2/ 248 حتى صفحة 254.

ص: 295

درجات أحاديث الكتاب وأنواعها

يذكر: العلماء كتاب " السنن " لأبي داود على أنه من مظان الحديث الحسن.

قال ابن الصلاح:

(روينا عنه - أي عن أبي داود - أنه قال: ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضهما أصح من بعض)(1)، وعقب ابن الصلاح على ذلك بقوله:

(فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد عرفنا أنه الحسن عند أبي داود)(2).

(1) علوم الحديث " ص 33.

(2)

" علوم الحديث " ص 33.

ص: 295

وسنرى بعد قليل أن هذا الرأي موضع نظر لدى المحققين. هذا وقد حلل البقاعي في " حاشيته على الألفية " كلام أبي داود المتقدم وانتهى إلى أن هناك - على قول أبي داود - ستة أنواع من الأحاديث في كتابه وهي:

1 -

الأول الصحيح: ويجوز أن يريد به الصحيح لذاته.

2 -

الثاني شبهه: ويجوز أن يريد به الصحيح لغيره.

3 -

الثالث مقاربة: ويجوز أنه يريد به الحسن لذاته.

4 -

الرابع الذي فيه وهن شديد.

5 -

وقوله (وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح) يفهم منه الذي فيه وهن ليس بشديد فهو قسم خامس، فإن لم يعتضد كان قسما صالحا للاعتبار فقط.

6 -

وإن اعتضد صار حسنا لغيره، أي للهيئة المجموعة وصلح للاحتجاج وكان قسما سادسا) (1).

وكذلك فإن الذهبي ذكر في " سير أعلام النبلاء " أن الأحاديث في " سنن أبي داود " ستة أنواع فقال:

1 -

إن أعلى ما في كتاب أبي داود من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو شطر الكتاب.

2 -

ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين ورغب عنه الآخر.

3 -

ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ.

4 -

ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا.

5 -

ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يسكت عنه أبو داود غالبا.

6 -

ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته) (2).

والحق أن أحاديث أبي داود متفاوتة المراتب ومثل هذا التصنيف يعطي فكرة مناسبة عن أحاديث الكتاب، هذا وقد شهد العلماء بأن أبا داود قد وفى بوعده بتبيين ما فيه وهن شديد.

نقل السبكي عن الذهبي قوله الآتي:

(وقد وفى بذلك فإنه بين الضعيف الظاهر وسكت عن الضعيف المحتمل، فما سكت عنه لا يكون حسنا عنده ولا بد، بل قد يكون مما فيه ضعف)(3).

وبالغ الحافظ السلفي فزعم أن ما في سنن أبي داود صحيح، فقد ذكر الكتب الخمسة وقال:

(اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب).

(1)" كشف الظنون " لحاجي خليفة 2/ 1005.

(2)

" قواعد التحديث " ص 232.

(3)

" طبقات الشافعية " 2/ 295.

ص: 296

فرد عليه ابن الصلاح وقال: (وهذا تساهل، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف، وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره)(1).

وكلام ابن الصلاح هذا صحيح، وإن كان المحققون من العلماء - كما رأيت - لا يوافقونه على رأيه الذي ورد آنفا من أن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود حسنة. ومن هؤلاء المحققين الذهبي والحافظ العراقي وغيرهما.

والسبب في موقف ابن الصلاح أنه كان يرى أن ليس للمتأخر أن يجرؤ على الحكم بصحة حديث ليس في أحد الصحيحين أو لم ينص على صحته أحد من أئمة الحديث السابقين.

قال الأستاذ أحمد شاكر:

(إن ابن الصلاح يحكم بحسن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود ولعله سكت عن أحاديث في السنن، وضعفها في شيء من أقواله الأخرى كإجاباته للآجري في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، فلا يصح إذن أن يكون ما سكت عنه في " السنن " وضعفه في موضع آخر من كلامه حسنا، بل يكون عنده ضعيفا.

وإنما لجأ ابن الصلاح إلى هذا اتباعا لقاعدته التي سار عليها من أنه لا يجوز للمتأخرين التجاسر على الحكم بصحة حديث لم يوجد في أحد الصحيحين أو لم ينص أحد من أئمة الحديث على صحته) (2).

وقال في موضع آخر:

(وقد رد العراقي وغيره قول ابن الصلاح هذا، وأجازوا لمن تمكن وقويت معرفته أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله، وهو الصواب. والذي أراه أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث، وهيهات فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنة ولا تجد له شبه دليل)(3)

(1)" علوم الحديث " 36 - 37.

(2)

" الباعث الحثيث " ص 42.

(3)

" الباعث الحثيث " ص 29.

ص: 297