الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب الدعوة وما يجب أن يكون عليه الداعي
وينبغي (للداعي) أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا، فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد (العتاة) ويلين عريكة (الطغاة). . فالداعي: أيا كانت منزلته، وأيا كان عقله وعلمه ليس بأفضل من موسى - وهارون)، ومن وجهت إليه الدعوة ليس (بأخبث) من (فرعون)، وقد أمرهما الله (باللين) معه في قوله:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (1) وقال في موضع آخر: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} (2){وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (3)
ويقول (الرب) تبارك وتعالى في حق سيد المرسلين: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (4) أي لو كنت خشنا جافيا في معاملتهم لتفرقوا عنك ونفروا منك ولم يسكنوا إليك، ولم يتم أمرك من هدايتهم وإرشادهم إلى الصراط السوي.
ذلك أن المقصود من (الدعوة إلى الله): تبليغ (شرائع الله إلى الخلق ولا يتم ذلك إلا إذا مالت القلوب إلى (الداعي)، وسكنت نفوسهم لديه، وذلك إنما يكون إذا كان الداعي (رحيما كريما)، يتجاوز عن ذنب المسيء ويعفو عن زلاته، ويخصه بوجوه البر والمكرمة والشفقة).
كما ينبغي (للداعي) أن لا يعنف على أحد أو يعلن له بالفضيحة ويشهر باسمه على رءوس الملأ فإن ذلك أبلغ في قبول الدعوة وأحرى إلى الاستجابة والانصياع.
* * *
(1) سورة طه الآية 44
(2)
سورة النازعات الآية 18
(3)
سورة النازعات الآية 19
(4)
سورة آل عمران الآية 159
نماذج من دعوة الرسول
لقد: كان صلوات الله وسلامه عليه لا يواجه أحدا بما يكره. وكان إذا بلغه عن أحد من أصحابه شيئا يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ وما بال رجال يفعلون كذا (1)» . (ولا يعينهم خشية أن يحصل لهم خجل أو استحياء بالتعيين بين الناس ويكفيهم ذلك في النهي).
أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد: عن أبي أمامة رضي الله عنه: «أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى؟ فصاح الناس به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادن: فدنا حتى جلس بين يديه فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا - جعلني الله فداك، قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا - جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم. أتحبه لأختك؟ - (وزاد ابن عوف أحد رواة الحديث) أنه ذكر العمة والخالة وهو يقول في ذلك: لا - جعلني الله فداك. وهو صلى الله عليه وسلم يقول كذلك الناس لا
(1) صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
يحبونه. . فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض منه إليه (يعني الزنى)(1)».
(قال شيخ الإسلام): وينبغي أن يكون الداعي حليما صبورا على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما قال (لقمان لابنه):{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (2)
ولهذا أمر الله الرسل وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر، كقوله لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم:{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (3) فقرن الصبر ببدء تبليغ الرسالة، فإن أول ما أنزلت عليه سورة (المدثر) بعد أن أنزلت عليه (اقرأ) التي بها نبئ فقال:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (4){قُمْ فَأَنْذِرْ} (5){وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (6){وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (7){وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (8){وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (9){وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (10)
فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة وختمها بالصبر. . ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (11){وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} (12) وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (13) وفي قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (14) (. . أي: ادع إلى سبيل ربك بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهو: الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة. والموعظة الحسنة: أي: العبر اللطيفة، والوقائع المخيفة ليحذروا بأسه تعالى. وجادلهم بالتي هي أحسن: أي: جادل معانديهم بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وحسن الخطاب من غير عنف، فإن ذلك أبلغ في تسكين لهبهم، وفي الآية الحث على الإنصاف في المناظرة واتباع الحق، والرفق والمداراة على وجه يظهر منه أن القصد إثبات الحق وإزهاق الباطل، وأن لا غرض للداعي سواه. .
(قال ابن القيم - رحمه الله تعالى) على هذه الآية: ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها (ثلاثة أقسام) بحسب حال المدعو: فإنه إما أن يكون طالبا للحق محبا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه. . فهذا يدعي بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة وجدال، وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معاندا معارضا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن.
(1) مسند أحمد بن حنبل (5/ 257).
(2)
سورة لقمان الآية 17
(3)
سورة المدثر الآية 7
(4)
سورة المدثر الآية 1
(5)
سورة المدثر الآية 2
(6)
سورة المدثر الآية 3
(7)
سورة المدثر الآية 4
(8)
سورة المدثر الآية 5
(9)
سورة المدثر الآية 6
(10)
سورة المدثر الآية 7
(11)
سورة المزمل الآية 10
(12)
سورة النحل الآية 127
(13)
سورة الأحقاف الآية 35
(14)
سورة النحل الآية 125