المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكمالسعي فوق سقف المسعى - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌لائحة الأعداد

- ‌من كلمات جلالة الملك فيصل رحمه الله

- ‌من كلمات سمو ولي العهد. . الأمير فهد بن عبد العزيز حفظه الله:

- ‌سلاح العصر يحمل لواء الدعوة

- ‌المجلة بين الكتاب والصحيفة اليومية

- ‌دعاة أمناء لرسالة عظمى

- ‌القدس. . والفيصل. . والإسلام

- ‌تقديم

- ‌الدين والتدين

- ‌مفهوم الدين

- ‌ البحوث

- ‌مفهوم التدين

- ‌موقف البشر من الديانات ومدى تمسكهم بها

- ‌مستحيل أن تزول الديانات وتتلاشى ظاهرة التدين أمام تيار المادية

- ‌أثر الدين في حياة الفرد والمجتمع

- ‌الخلاصة

- ‌وجوب تحكيم الشريعة الإسلاميةفي شئون الحياة

- ‌أولا: المبادئ والأسس التي تقتضي التحاكم إلى شرع الله

- ‌التسخير الكوني والتسخير الشرعي:

- ‌تحكيم شريعة الله من أركان الإيمان

- ‌ثانيا: النصوص القرآنية الدالة على تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌الكفر العملي والكفر الاعتقادي

- ‌ثالثا: بواعث الخروج عن تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌ باعث النفاق:

- ‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌اللغة العربيةلسان وكيان

- ‌ مقدمة

- ‌حقيقة التلازم بين الإسلام والعربية

- ‌تآمر الأعداء على اللغة العربية

- ‌لغة عربية جديدة

- ‌مقارنة بين أسلوب الحديث النبويوأسلوب القرآن الكريم

- ‌اختلاف الأسلوب ينم عن اختلاف الذاتية

- ‌كعب بن مالكشاعر السيف والقلم

- ‌ظهور الإسلام وانتشاره في المدينة

- ‌أول لقاء الشاعر برسول الله

- ‌الغزوات التي شهدها كعب

- ‌ما نزل فيه من القرآن

- ‌روايته الحديث

- ‌مواقفه من الفتنة الكبرى

- ‌كعب بن مالك أحد شعراء الرسول

- ‌موضوعات شعره في الإسلام

- ‌الفخر والرد

- ‌شعر الوعيد والتهديد

- ‌الهجاء

- ‌إبراز صفات المسلمين في المعارك وإعدادهم لها

- ‌شعر الغزوات

- ‌إجلاء بني النضير

- ‌بدر الآخرة

- ‌غزوة الخندق أو الأحزاب

- ‌المراثي

- ‌نظرة في شعر كعب

- ‌مسلمة بن عبد الملكمجاهد على الدوام

- ‌رواية الحديث عن الخليفة الخامس

- ‌على فراش الموت بين مسلمة وعمر بن عبد العزيز

- ‌حركة الإصلاح الدينيفي القرن الثاني عشر

- ‌ميلاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌النظريات التي قامت عليها الدعوة

- ‌النظرية الأولى

- ‌النظرية الثانية

- ‌النظرية الثالثة:

- ‌آراء بعض المستشرقين في حركته الإصلاحية

- ‌كتابات عن الحركة لقادة الفكر في الشرق

- ‌مراجع عن الحركة

- ‌كتب صنفها الشيخ رحمه الله وأبناؤه وأحفاده

- ‌المفتي في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف المفتي

- ‌منزلة المفتي

- ‌شروط المفتي

- ‌أمور ينبغي للمفتي أن يتفطن لها

- ‌خاتمة

- ‌حكمالسعي فوق سقف المسعى

- ‌الخلاصة

- ‌حكمالأوراق النقدية

- ‌نشأة النقود وتطورها

- ‌قاعدة النقد الورقي

- ‌سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة تعامل

- ‌آراء فقهية في حقيقة الأوراق النقدية

- ‌الأوراق النقدية أسناد

- ‌ الأوراق النقدية عرض من العروض

- ‌الأوراق النقدية فلوس

- ‌الأوراق النقدية نقد قائم بنفسه

- ‌علة الربا في النقدين

- ‌الخلاصة

- ‌حكمتمثيل الصحابة

- ‌قرار رابطة العالم الإسلامي

- ‌فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل

- ‌ تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌قرار لجنة الفتوى بالأزهر

- ‌مفاسد تمثيل الأنبياء

- ‌ حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية

- ‌قصص الأنبياء في السينما

- ‌أفلام دينية يروج لها أعداء الإسلام

- ‌قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌تراجم الفقهاء

- ‌القيمة العلمية للتراجم

- ‌معالم مناهج الفقهاء

- ‌مصنفات الشافعية

- ‌مصنفات الحنابلة

- ‌مصنفات المالكية

- ‌مصنفات الحنفية

- ‌ أساتذة أبي داود

- ‌الباب الثاني:سنن أبي داود

- ‌ أول من صنف السنن

- ‌ثناء العلماء على السنن

- ‌الضعيف في سنن أبي داود

- ‌موازنة بين سنن أبي داود والصحيحين

- ‌زوائد أبي داود

- ‌ المصطلحاتفي تعليقات أبي داود

- ‌مخطوطات كتاب سنن أبي داود

- ‌الكتب التي ألفت حول السنن

- ‌خاتمة

- ‌مراجع البحث

- ‌نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات

- ‌المخدرات في الفقه الشافعي

- ‌المخدرات في الفقه الحنفي

- ‌موقفالشريعة الإسلامية من المسكرات والمخدرات

- ‌التوصيات

- ‌التعاون الدولي في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة الزراعة والإنتاج

- ‌رفع الكفاءة في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة تعاطي المخدرات:

- ‌أولا: حلقة الخطط والمناهج الجامعية

- ‌ثانيا: حلقة الدعم المتبادل

- ‌رابعا: حلقة التنمية والتطوير

- ‌خامسا:حلقة العلوم والتكنولوجيا

- ‌سادسا: حلقة التربية والتعليم

- ‌التوصيات

- ‌المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي

- ‌حوار مع الأمين العام للأمانة العامة للدعوة الإسلامية

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌أسلوب الدعوة وما يجب أن يكون عليه الداعي

- ‌نماذج من دعوة الرسول

- ‌وجوب تبليغ الدعوة والقيام بها

- ‌هيئة التوعية في الحجتستقبل ملايين الحجاج

- ‌تراث من نور

- ‌أخبار إسلامية دولية

- ‌إنارة الطريق البري للحجاج

- ‌كلية القرآن الكريم

- ‌وثائق تاريخية

- ‌المبايعة

- ‌كلمة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله

- ‌ أمر ملكي

الفصل: ‌حكمالسعي فوق سقف المسعى

مجلة

البحوث الإسلامية

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

العبادات

‌حكم

السعي فوق سقف المسعى

ص: 179

العبادات

الحمد لله

وبعد: فبناء على خطاب سمو نائب وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية رقم 26/ 10612 وتاريخ 21/ 3 / 1393 هـ. المتضمن رغبة وزارة الداخلية في دراسة موضوع السعي فوق سقف المسعى من قبل هيئة كبار العلماء بالمملكة، وبناء على ما تقتضيه لائحة سير عمل الهيئة من قيام اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بإعداد بحث علمي فيما يحتاج إلى بحث من المواضيع التي تتجه الرغبة إلى دراستها في الهيئة. قامت اللجنة بإعداد بحث في حكم السعي فوق سقف المسعى، وفيما يلي ما تيسر إعداده من النصوص والنقول التي يمكن أن يستعان بها في هذا الموضوع: -

الحمد لله وحده

والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

وبعد: - فإنه قد عرض على هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في

دورتها الرابعة المنعقدة ما بين 29/ 10 / 93 هـ و 12/ 11 / 1393 هـ موضوع حكم السعي فوق سقف المسعى ليكون وسيلة لعلاج ازدحام الناس في السعي أيام موسم الحج، وأطلقت الهيئة على البحث المقدم عنه من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. . . ورغبة في إطلاع القراء الكرام على هذا البحث القيم تقدمه بكامله

وهذا نصه.

ص: 180

الفهرس

يمكن

أن يرجع في حكم السعي بين الصفا والمروة فوق سقف المسعى إلى الأمور الآتية:

إن من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين " 1 ".

الطواف والسعي على بعير ونحوه.

استقبال الكعبة في الصلاة.

رمي الحاج الجمرات وهو راكب.

ص: 181

حكم

السعي فوق سقف المسعى

ص: 182

أما الأمر الأول

قال البخاري في صحيحه حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني طلحة بن عبد الله أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل أخبره أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين (1)» قال ابن حجر: وفي الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته وإمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر قاله القرطبي وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد وأن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وفيه أن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره. اهـ (2).

وقال العيني بعد أن ساق حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين (3)» .

ذكر ما يستفاد منه، فيه دليل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها وله أن يمنع من حفر

(1) صحيح البخاري المظالم والغصب (2452)، صحيح مسلم المساقاة (1610)، سنن الترمذي الديات (1418)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 190)، سنن الدارمي البيوع (2606).

(2)

صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري جـ5 ص38.

(3)

صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري جـ12 ص298.

ص: 182

تحتها سربا أو بئرا سواء أضر ذلك بأرضه أو لا قاله الخطابي، وقال ابن الجوزي: لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها، وقال القرطبي: وقد اختلف فيها إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه فقيل هو له وقيل بل للمسلمين، وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد. اهـ.

وقال الأبي (1): قوله «من ظلم شبرا من الأرض (2)» . . . . واستدل بعضهم على أن من ملك ظاهر الأرض يملك ما تحته مما يقابله فله منع من يتصرف فيه أو يحفر، وقد اختلف العلماء في هذا الأصل فيمن اشترى دارا فوجد فيها كنزا أو وجد في أرضه معدنا فقيل له وقيل للمسلمين، ووجه الدليل من الحديث أنه غصب شبرا فعوقب بحمله من سبع أرضين. . . . . إلى أن قال: وكذلك يملك ما قبل ذلك من الهواء يرفع فيه من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد. اهـ.

فدل ما تقدم على أن حكم أعلى الأرض وأسفلها تابع لحكمها في التملك والاختصاص ونحوهما وعلى ذلك يمكن أن يقال أن السعي فوق الطابق الذي جعل سقفا لأرض المسعى له حكم السعي على أرض المسعى.

(1) صحيح مسلم مع شرحه إكمال المعلم جـ4 ص313، 314.

(2)

صحيح البخاري بدء الخلق (3198)، صحيح مسلم المساقاة (1610)، سنن الترمذي الديات (1418)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 187)، سنن الدارمي البيوع (2606).

ص: 183

أما الأمر الثاني

وقد جاءت أحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس أن «النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير (1)» . ومن رواية أم سلمة: «شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: " طوفي وأنت راكبة (2)» . وقد بوب البخاري في صحيحه فقال: " باب المريض يطوف راكبا " ثم ساق الحديثين السابقين حديث ابن عباس وحديث أم سلمة، قال ابن حجر (3): أن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ «قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته (4)» ووقع في حديث جابر عند مسلم أن «النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه (5)» .

«طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ليراه الناس ويشرف ليسألوه "» .

فيحتمل أن يكون فعل ذلك لأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها، والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح البخاري الحج (1632)، سنن أبو داود المناسك (1885)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 215)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1845).

(2)

صحيح البخاري كتاب الصلاة (464)، صحيح مسلم الحج (1276)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2925)، سنن أبو داود المناسك (1882)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 319)، موطأ مالك الحج (832).

(3)

صحيح البخاري مع شرحه الفتح جـ3 ص460.

(4)

تمام الحديث: كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجنه فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به وقال البيهقي في حديث يزيد بن أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله: " وهو يشتكي " مختصر السنن جـ2 ص277 "

(5)

صحيح مسلم الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

ص: 183

وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف. وإذا حوط المسجد امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإن كان لا يحرم التلويث كما في المسعى وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار. وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها. اهـ.

وفي صحيح البخاري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (1)» .

قال العيني: وأخرج مسلم عن أبي الطفيل: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن (2)» ، وروى مسلم عن جابر:«طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ليراه الناس وليشرف ليسألوه» . . . . قال ذكر معناه قوله: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير (3)» . قال ابن بطال استلامه بالمحجن راكبا يحتمل أن يكون لشكوى به. . . إلى أن قال: وقال النووي قال أصحابنا الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر من مرض ونحوه أو كان يحتاج إلى ظهوره ليستفتي ويقتدي به فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة لكنه خلاف لأولى. . . إلى أن قال: وقال مالك وأبو حنيفة: إن طاف راكبا لغير عذر أجزأ ولا شيء عليه وإن كان لغير عذر فعليه دم قال أبو حنيفة وإن كان بمكة أعاد الطواف. اهـ (4).

وقال السرخسي: وإن طاف راكبا أو محمولا فإن كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه شيء، وإن كان لغير عذر أعاده ما دام بمكة فإن رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا، وعلى قول الشافعي لا شيء عليه لأنه صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الأركان بمحجنه (5).

ولكنا نقول المتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا الطواف ماشيا، وهذا على قول من يجعله كالصلاة لأن أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر، ولكنا نقول المشي شرط الكمال فيه فتركه من غير عذر يوجب الدم لما بينا - فأما تأويل الحديث فقد ذكر أبو الطفيل رحمه الله أنه طاف راكبا لوجع أصابه وهو أنه وثبت رجله فلهذا طاف راكبا، وذكر أبو الزبير عن جابر أن «النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لكبر سنه» ، وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به وكذلك إذا طاف بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا وكذلك لو طاف الأكثر راكبا أو محمولا فالأكثر يقوم مقام الكل على ما بينا. اهـ (6).

وقال ابن الهمام على قول صاحب الهداية " وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده " كالعرجون وغيره ثم قبل ذلك فعل، لما روى أنه عليه السلام «طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه (7)» .

(1) صحيح البخاري الحج (1608)، صحيح مسلم الحج (1272)، سنن النسائي المساجد (713)، سنن أبو داود المناسك (1877)، سنن ابن ماجه المناسك (2948).

(2)

صحيح مسلم الحج (1275)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1879)، سنن ابن ماجه المناسك (2949)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 454).

(3)

صحيح البخاري الحج (1608)، صحيح مسلم الحج (1272)، سنن النسائي المساجد (713)، سنن أبو داود المناسك (1877)، سنن ابن ماجه المناسك (2948).

(4)

صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري جـ6 ص252.

(5)

المصدر نفسه

(6)

المبسوط جـ4 ص45

(7)

صحيح مسلم كتاب الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

ص: 184

وقوله وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده، أو يمسه بيده ويقبل ما مس به فعل أما الأول فلما أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن «النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس ويشرف وليسألوه فإن الناس غشوه (1)» .

وأخرجه البخاري عن جابر إلى قوله: «لأن يراه الناس (2)» . ورواه مسلم عن أبي الطفيل «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن (3)» ثم أورد إشكالا حديثيا وهو أن الثابت بلا شبهة أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع وطوافه راكبا على البعير ينافي ذلك - إلى أن قال - والجواب أن في الحج للآفاقي أطوفة فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ومشيه كان في طواف القدوم وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل لأنه حكى ذلك الطواف الذي بدأ به أول دخوله مكة كما يفيده سوقه للناظر فيه: فإن قلت فهل يجمع بين ما عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما إنما طاف راكبا ليشرف ويراه الناس فيسألوه، وبين ما عن سعيد بن جبير أنه إنما طاف كذلك لأنه كان يشتكي. كما قال محمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان أنه «سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعد ويصعد حماد المروة وعكرمة لا يصعد فقال حماد يا أبا عبد الله ألا تصعد الصفا والمروة فقال هكذا كان طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حماد فلقيت سعيد بن جبير فذكرت له ذلك فقال: إنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وهو شاك يستلم الأركان بمحجن فطاف بين الصفا والمروة على راحلته فمن أجل ذلك لم يصعد». اهـ (4).

وقال الدسوقي (قوله إذ هو واجب. إلخ) حاصله أن المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه فلا دم على عاجز طاف أو سعى راكبا أو محمولا، وأما القادر إذا طاف أو سعى محمولا أو راكبا فإنه يؤمر بإعادته ماشيا ما دام بمكة لا يجبر بالدم حينئذ كما يؤمر العاجز بإعادته إن قدر ما دام بمكة وإن رجع لبلده فلا يؤمر بالعودة لإعادته ويلزمه دم فإن رجع وأعاده ماشيا سقط الدم عنه ثم قال: وهذا في الطواف الواجب، وأما الطواف غير الواجب فالمشي فيه سنة وحينئذ فلا دم على تارك المشي فيه قاله عج. اهـ (5). .

قال النووي: والأفضل أن يطوف راجلا لأنه إذا طاف راكبا زاحم الناس وآذاهم وإن كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا لما روت «أم سلمة أنها قدمت مريضة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوفي وراء الناس وأنت راكبة (6)» ، وإن كان راكبا من غير عذر جاز لما روى جابر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه (7)» . حديث أم سلمة رواه البخاري وحديث جابر رواه مسلم وثبت طواف النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أيضا من رواية ابن عباس وثبت أيضا

(1) صحيح البخاري الحج (1632)، صحيح مسلم الحج (1272)، سنن الترمذي الحج (865)، سنن النسائي المساجد (713)، سنن أبو داود المناسك (1877)، سنن ابن ماجه المناسك (2948)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 248)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1845).

(2)

صحيح مسلم كتاب الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

(3)

صحيح مسلم الحج (1275)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1879)، سنن ابن ماجه المناسك (2949)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 454).

(4)

شرح فتح القدير ج2 ص147.

(5)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج2 ص40

(6)

صحيح البخاري كتاب الصلاة (464)، صحيح مسلم الحج (1276)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2925)، سنن أبو داود المناسك (1882)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 319)، موطأ مالك الحج (832).

(7)

صحيح مسلم الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

ص: 185

من رواية غير هؤلاء، ولفظ حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم «طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (1)» رواه البخاري ومسلم، وفي حديث «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف فيسألوه فإن الناس غشوه (2)» رواه مسلم. وعن عائشة قالت «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس (3)» رواه مسلم.

وأما الأحكام

فقال أصحابنا الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله فإن طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهية لكنه خالف الأولى كذا قاله جمهور أصحابنا - إلى أن قال - " فرع " قد ذكرنا مذهبنا في طواف الراكب، ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب. اهـ (4). وقال أيضا: أما سنن الطواف وآدابه فثمان، أحدها -: أن يطوف ماشيا فإن طاف راكبا لعذر يشق معه الطواف ماشيا أو طاف راكبا ليظهر ويستفتى ويقتدى بفعله جاز ولا كراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا في بعض أطوافه وهو طواف الزيارة ولو طاف راكبا بلا عذر جاز. اهـ. .

وقال ابن حجر الهيثمي في حاشيته على الشرح قوله: وهو طواف الزيارة أما ما أشار إليه من ركوبه صلى الله عليه وسلم فيه أنما كان ليظهر فيستفتى هذا ما رواه مسلم.

قال السبكي وهذا أصح من رواية من روى أنه طاف راكبا لمرض أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود على أن في إسناده من لا يحتج به، وقال البيهقي في حديثه لفظة لم يوافق عليها وهي قوله «وهو يشتكي (5)» . ومن ثمة قال الشافعي لا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم فعله ماشيا، وخبر مسلم «أنه طاف في حجة الوداع راكبا على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة (6)» لا ينافي ذلك وإن كان سعيه في تلك الحجة إنما كان مرة واحدة وعقب طواف القدوم لأن الواو لا تقتضي ترتيبا. اهـ (7). وقال في الإيضاح أيضا: ويجوز الطواف في أخريات المسجد وفي أروقته وعند بابه من داخله وعلى أسطحته ولا خلاف في شيء من هذا لكن قال بعض أصحابنا يشترط في صحة الطواف أن يكون البيت أرفع بناء من السطح كما هو اليوم حتى لو رفع سقف المسجد فصار سطحه أعلى من البيت لم يصح الطواف على هذا السطح وأنكره عليه الإمام أبو القاسم الرافعي. اهـ (8).

(1) صحيح البخاري الحج (1608)، صحيح مسلم الحج (1272)، سنن النسائي المساجد (713)، سنن أبو داود المناسك (1877)، سنن ابن ماجه المناسك (2948).

(2)

صحيح مسلم كتاب الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

(3)

صحيح مسلم الحج (1274)، سنن النسائي مناسك الحج (2928).

(4)

المهذب مع شرحه المجموج للنووي ج8 ص29 - 30.

(5)

سنن أبو داود المناسك (1881).

(6)

صحيح مسلم الحج (1273)، سنن النسائي مناسك الحج (2975)، سنن أبو داود المناسك (1880).

(7)

متن الإيضاح في مناسك الحج للنووي مع شرحه لابن حجر الهيثمي ج11 ص255.

(8)

الإيضاح للنووي ج1 ص239 مع شرحه للهيثمي.

ص: 186

وقال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر. . . إلى أن قال - فصل - فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ وهذا هو إحدى الروايات عن أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة (1)» . ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة.

والثانية يجزئه ويجبره بدم، وهو قول مالك، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم لأنه ترك صفة واجبة من واجبات الحج فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس.

والثالثة يجزئه ولا شيء عليه اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي وابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل ثم قال: فصل فأما السعي راكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه. اهـ (2).

وقال البهوتي (3): ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا لغير عذر لم يجزئه الطواف ولا السعي لقوله صلى الله عليه وسلم «الطواف بالبيت صلاة (4)» (ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا كالصلاة والسعي كالطواف والطواف أو السعي راكبا أو محمولا لعذر يجزئ لحديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (5)»، وعن أم سلمة قالت «شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: " طوفي من وراء الناس راكبة (6)». متفق عليه. ولأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر كما يشير إليه قول ابن عباس «كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب (7)» . رواه مسلم، واختار الموفق والشارح يجزئ السعي راكبا ولو لغير عذر. اهـ.

مما تقدم يتبين أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكبا لعذر باتفاق ولا شيء عليه - أما غير المعذور فله أن يسعى راكبا لكن المشي له أفضل، وفي طوافه راكبا خلاف فقيل يجزئه ولا شيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة راكبا، وقيل يجزئه وعليه دم جبرا، لأن الطواف له حكم الصلاة في الجملة، والمفترض لا يصلي محمولا، ولأن ركوبه صلى الله

(1) سنن النسائي مناسك الحج (2922)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 64).

(2)

المغني والشرح الكبير جـ2 ص415.

(3)

كشاف القناع جـ2 ص433.

(4)

سنن النسائي مناسك الحج (2922)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 64).

(5)

صحيح البخاري الحج (1608)، صحيح مسلم الحج (1272)، سنن النسائي المساجد (713)، سنن أبو داود المناسك (1877)، سنن ابن ماجه المناسك (2948).

(6)

صحيح البخاري كتاب الصلاة (464)، صحيح مسلم الحج (1276)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2925)، سنن أبو داود المناسك (1882)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 319).

(7)

صحيح مسلم الحج (1264).

ص: 187

عليه وسلم في الطواف كان لوجع في رجله أو ليراه الناس فيسألوه وقيل لا يجزئه لحديث «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام (1)» والمفترض لا تصح صلاته راكبا لغير عذر، وطواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا كان لعذر كما تقدم،.

وعلى هذا يمكن أن يقال بإجزاء السعي على سقف المسعى بل بجوازه وإن كان المشي أفضل لشبهه بالسعي راكبا بعيرا ونحوه، إذ الكل غير مباشر للأرض في سعيه وخاصة أنه لم يرد في السعي ما يلحقه بالصلاة في حكمها بل أنه أولى من الطواف راكبا بالإجزاء فإذا صح الطواف راكبا لعذر صح السعي فوق سقف المسعى لعذر، وفي سعيه فوقه لغير عذر يكون فيه الخلاف في جوازه وإجزائه، وأخيرا إن اعتبر في إجزاء السعي فوق سقف المسعى أو جوازه وجود العذر نظر في زحام السعاة في الحج والعمرة، هل يقوم عذرا أو لا. والله الموفق.

(1) سنن النسائي مناسك الحج (2922)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 64).

ص: 188

وأما الأمر الثالث

وقد يسترشد فيه بالقرآن وأقوال الفقهاء قال الله تعالى {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ} (1) في هذه الآية خطاب من الله للناس في كل مكان أن يولوا وجوههم قبل المسجد الحرام سواء منهم من كان بأرض منخفضة عن المسجد الحرام فيكون مستقبلا في صلاته لتخوم أرضه ومن كان منهم بمكان مرتفع عن سطح الكعبة، فيكون مستقبلا لما فوق الكعبة من الهواء، فدل ذلك على أن حكم ما تحت البيت الحرام من تخوم الأرض وما فوقه من الهواء في استقبال القبلة في الصلاة حكم استقبال البيت نفسه. وفيما يلي نقول عن بعض أهل العلم في الموضوع:

قال السرخسي: ومن صلى على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا وإن لم يكن بين يديه ستره، وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يكون بين يديه سترة بناء على أصله أن البناء معتبر في جواز التوجه إليه للصلاة ثم قال: وعندنا القبلة هي الكعبة فسواء كان بين يديه سترة أم لم يكن فهو مستقبل القبلة، وبالاتفاق من صلى على أبي قبيس جازت صلاته وليس بين يديه شيء من بناء الكعبة فدل على أنه لا معتبر للبناء. اهـ (2).

وقال المرغيناني (3): " ومن كان غائبا ففرضه إصابة جهتها هو الصحيح لأن التكليف بحسب الوسع.

وقال ابن الهمام تعليقا على قول المرغيناني: إصابة جهتها. قال: قوله " إصابة جهتها " في الدراية عن شيخه ما حاصله أن استقبال الجهة أن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها لأن المقابلة إذا قعت في مسافة بعيدة لا تزول بما يزول به من الانحراف لو كانت مسافة قريبة، وبتفاوت ذلك بحسب تفاوت

(1) سورة البقرة الآية 149

(2)

المبسوط ج2 ص79.

(3)

الهداية وعليها فتح القدير ج1 ص189.

ص: 188

البعد وتبقى المسامتة مع انتقال مناسب لذلك البعد فلو فرض خط من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد، وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة. . اهـ.

وقال الدسوقي: (1)" قوله وبطل فرض على ظهرها " أي على ظهر الكعبة " قوله فيعاد أبدا " أي على المشهور ولو كان بين يديه قطعة من حائط سطحها بناء على أن المأمور به استقبال جملة البناء لا بعضه ولا الهواء وهو المعتمد، وقيل إنما يعاد بناء على كفاية استقبال هواء البيت أو استقبال قطعة من البناء ولو من حائط سطحه. اهـ.

وقد ذكر نحوا من ذلك الحطاب (2).

وقال الشيخ محمد عرفة الدسوقي: ملخصا حكم الصلاة على ظهر الكعبة " فتحصل من كلام الشارح أن الفرض على ظهرها ممنوع اتفاقا، وأما النفل ففيه أقوال ثلاثة، الجواز مطلقا، والجواز إن كان غير مؤكد، والمنع وعدم الصحة مطلقا، قال شيخنا: وهذا الأخير هو أظهر الأقوال، " تنبيه " سكت المصنف عن حكم الصلاة تحت الكعبة في حفرة، وقد قدم أن الحكم بطلانها مطلقا، فرضا أو نفلا، لأن ما تحت المسجد لا يعطى حكمه بحال، ألا ترى أن الجنب يجوز له الدخول تحته، ولا يجوز له الطيران فوقه، كذا قرره شيخنا. .

وكتب الشيخ محمد عليش في تقريره على حاشية الدسوقي والشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير ما نصه: " وإنما جاز على جبل أبي قبيس مع أنه أعلى من بنائها لأن المصلي عليه مصل إليها وأما المصلي على ظهرها فهو فيها، انتهى ضوء الشموع " اهـ.

وقال النووي (3): أما حكم المسألة فقال أصحابنا لو وقف على أبي قبيس أو غيره من المواضع العالية على الكعبة وبقربها صحت صلاته بلا خلاف لأنه يعد مستقبلا وإن وقف على سطح الكعبة نظر إن وقف على طرفها واستدبر باقيها لم تصح صلاته بالاتفاق لعدم استقبال شيء منها وهكذا لو انهدمت - والعياذ بالله - فوقف على طرف العرصة واستدبر باقيها لم تصح صلاته ولو وقف خارج العرصة واستقبلها صح بلا خلاف، وأما إذا وقف في وسط السطح أو العرصة فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص لم تصح صلاته على الصحيح المنصوص، وبه قال أكثر الأصحاب، وقال ابن سريج تصح وبه قال أبو حنيفة

(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج1 ص229.

(2)

مواهب الجليل على مختصر خليل ج1 ص511 - 513.

(3)

المهذب مع شرحه المجموع للنووي جـ3 ص198.

ص: 189

وداود، ومالك في رواية عنه كما لو وقف على أبي قبيس، وكما لو وقف خارج العرصة واستقبلها، والمذهب الأول والفرق أنه لا يعد هنا مستقبلا بخلاف ما قاس عليه، وهذا الوجه الذي لابن سريج جاز في العرصة والسطح كما ذكرنا كذا نقله عنه إمام الحرمين وصاحب التهذيب وآخرون، وكلام المصنف يوهم أنه لا يقول به في السطح وليس الأمر كذلك. اهـ.

وقال ابن قدامة: ولو صلى على جبل عال يخرج من مسامتة الكعبة صحت صلاته، وكذلك لو صلى في مكان ينزل عن مسامتتها لأن الواجب استقبالها وما يسامتها من فوقها وتحتها بدليل ما لو زالت الكعبة - والعياذ بالله - صحت الصلاة إلى موضع جدارها. اهـ (1).

وقال البهوتي: ولا يضر علو على الكعبة كما لو صلى على أبي قبيس، ولا نزوله عنها كما لو صلى في حفيرة تنزل عن مسامتتها لأن العبرة بالبقعة لا بالجدران. اهـ (2). مما تقدم يتبين أن من صلى على مكان مرتفع عن سطح الكعبة مستقبلا ما فوق سطحها من هواء صحت صلاته إجماعا. كمن صلى فوق جبل أبي قبيس أو في بلاد سطح أرضها أعلى من سطح الكعبة، ومن صلى الفريضة فوق الكعبة مستقبلا ما أمامه من هوائها أو مستقبلا سترة بين يديه ففي صحة صلاته خلاف، بناء على الاكتفاء باستقبال جزء من بناء الكعبة أو جزء من هوائها في صحة الصلاة، وعدم الاكتفاء بذلك بل لا بد من شاخص أو استقبال جملة البناء أو جملة الهواء أما من على سطحها أو في جوفها فيقال فيه أنه مستدير الكعبة أو هواءها باعتبار كما يقال أنه مستقبل باعتبار آخر فلم يتحقق فيه شرط الاستقبال بإطلاق، فلا تصح صلاته. ومن صلى على طرفها وجعل هواءها وراءه بطلت صلاته لأنه لم يستقبل شيئا من بنائها ولا من هوائها، وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا كان استقبال ما فوق الكعبة من هواء في الصلاة كاستقبال بنائها فالسعي فوق سقف المسعى في حكم السعي على أرض المسعى.

(1) المغني مع الشرح الكبير ج1 ص463.

(2)

متن الإقناع مع شرح كشاف القناع ج2 ص79.

ص: 190

وأما الأمر الرابع

فروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه (1)» . رواه أحمد ومسلم والنسائي (2).

(1) صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).

(2)

المنتقى مع شرح للشوكاني ج5 ص70.

ص: 190

وما روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا الفضل بن عباس وازدحم الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رأيتم الجمرة فارموا بمثل حصى الحذف (1)» سكت أبو داود عن الحديث وقال المنذري في إسناده يزيد بن أبي زياد (2).

وقال الشوكاني: قوله على راحلته استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أفضل من رمي الراجل، وبه قالت الشافعية، والحنفية، والناصر، والإمام يحيى، وقال الهادي والقاسم: إن رمي الراجل أفضل. اهـ (3).

وقال ابن عابدين: وقوله " وجاز الرمي راكبا - إلخ " عبارة الملتقى أخص وهي جاز الرمي راكبا وغير راكب أفضل في جمرة العقبة. انتهى، وفي اللباب، والأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبا وغيرها ماشيا في جميع أيام الرمي - إلى أن قال: والضابط أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشيا وهو كل رمي بعده رمي كما مر ومالا فلا ثم هذا التفصيل قول أبي يوسف وله حكاية مشهورة ذكرها (ط) وغيره وهو مختار كثير من المشايخ كصاحب الهداية والكافي والبدائع وغيرهم، وأما قولهما فذكر في البحر أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الحاشية، والمشي في الكل على ما في الظهيرية وقال: فتحصل إن في المسالة ثلاثة أقوال - ثم قال: " قوله ورجحه الكمال " أي بأن أداءها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع وخصوصا في هذا الزمان فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم - بالزحمة، ورميه عليه السلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه راكبا. اهـ.

قال في البحر: " ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة وفي اليوم الأخير لكان له وجه لأنه ذاهب إلى مكة في هذه الساعة كما هو العادة وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له عليه الصلاة والسلام. اهـ (4). وقال السرخسي: وإن رماها راكبا أجزأه لحديث جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم " رمى الجمار راكبا (5)». اهـ (6).

(1) سنن أبو داود المناسك (1966)، سنن ابن ماجه المناسك (3031)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 379).

(2)

مختصر سنن أبي للمنذري ج2 ص415.

(3)

نيل الأوطار ج5 ص71.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج1 ص254.

(5)

سنن الترمذي الحج (899)، سنن ابن ماجه المناسك (3034)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 232).

(6)

المبسوط ج4 ص69.

ص: 191

وفي المدونة الكبرى: قلت فهل يرمي الرجل الجمار راكبا أو ماشيا قال: قال مالك أما الشأن يوم النحر فيرمي جمرة العقبة راكبا كما يأتي على دابته يمضي كما هو يرمي، وأما في غير يوم النحر فكان يقول يرمي ماشيا قلت فإن ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة أو مشي يوم النحر إلى جمرة العقبة فرماها ماشيا هل عليه لذلك شيء؟ قال: ليس عليه لذلك شيء. اهـ (1).

وقال الدسوقي: " قوله وإن راكبا " أي هذا إذا وصل إليها ماشيا بل إن وصل إليها راكبا وهذا من تعليقات الندب أي أنه يندب أن يرميها حين وصوله على الحالة التي وصل عليها من ركوب أو مشي فلا يصبر حتى ينزل إذا وصل راكبا ولا يصبر حتى يركب إذا وصل إليها ماشيا لأن فيه عدم الاستعجال برميها. اهـ (2).

وقال الشافعي: ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشي في اليومين الآخرين أحب إلي ثم قال: وإن ركب فلا شيء علي - ثم ساق رواية قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقته الصهباء وليس ضرب ولا طرد ولكن قيل إليك إليك (3)» . اهـ (4).

وقال النووي: (5)(فرع) مذهبنا أنه يستحب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا إن كان دخل منى راكبا ويرمي في أيام التشريق ماشيا إلا يوم النفر فراكبا، وبه قال مالك، قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة واستحبه أحمد وكره جابر الركوب إلى شيء من الجمار إلا لضرورة. قال وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال إذا وقع في المرمى دليلنا الأحاديث الصحيحة السابقة «أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة راكبا يوم النحر (6)» والله أعلم.

وقال ابن قدامة (7): ويرميها راكبا أو راجلا كيفما شاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته رواه جابر وابن عمر وأم أبي الأحوص وغيرهم قال جابر: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتى هذه (8)» .

وقال نافع: كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا رواه أحمد في المسند.

ثم قال وفي هذا بيان للتفريق بين هذه الجمرة وغيرها. اهـ.

(1) المدونة الكبرى جـ1 ص235.

(2)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير جـ2 ص45

(3)

سنن الترمذي الحج (903)، سنن النسائي مناسك الحج (3061)، سنن ابن ماجه المناسك (3035)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 413)، سنن الدارمي المناسك (1901).

(4)

الأم للشافعي جـ2 ص213.

(5)

المجموع للنووي جـ8 ص183.

(6)

سنن الترمذي الحج (899)، سنن ابن ماجه المناسك (3034)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 232).

(7)

المغني مع الشرح الكبير جـ3 ص449.

(8)

صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).

ص: 192

وقال البهوتي (1): فإذا وصل إلى منى. . . بدأ بها راكبا إن كان راكبا الحديث «ابن مسعود أنه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة. . - إلى أن قال -: ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة (2)» . رواه أحمد. وظاهر كلام الأكثر ماشيا وإلا أي لم يكن راكبا رماها ماشيا. اهـ.

مما تقدم يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة راكبا وأن الفقهاء اتفقوا على أنه يجزئ الرمي راكبا وماشيا، واختلفوا في الأفضل منهما، هل هو الرمي ماشيا، لأنه أقرب للتواضع والبعد عن إيذاء المشاة، وإنما رماها صلى الله عليه وسلم راكبا ليراه الناس ويسألوه ويقتدوا به، أو الرمي راكبا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا جاز رمي الجمرات راكبا جاز السعي فوق سقف المسعى، فإن كلا منهما نسك أدي من غير مباشرة مؤديه للأرض التي أدى عليها، بل السعي فوق السقف أقرب من أداء أي شعيرة من شعائر الحج أو العمرة فوق البعير ونحوه لما في البناء من الثبات الذي لا يوجد في المراكب.

ونظرا إلى أن السعي فوق سقف المسعى لم نقف فيه على نصوص للفقهاء وأن ما يرجع إليه من أقوالهم للاسترشاد بها على هذه المسألة ليس بكثير وليس الخلاف فيه كثيرا اكتفينا بما نقلناه سائلين الله التوفيق للجميع، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،،،،

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب الرئيس

رئيس اللجنة

عبد الله بن سليمان بن منيع

عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

(1) كشاف القناع ج2 ص 449

(2)

صحيح مسلم الحج (1296)، سنن الترمذي الحج (901)، سنن النسائي مناسك الحج (3073)، سنن أبو داود المناسك (1974)، سنن ابن ماجه المناسك (3030)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 427).

ص: 193