الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتركوا الحديث، وإذا رأوا أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم قد أفتوا بفتيا، ووجدوا لإمامهم فتيا تخالفها، أخذوا بفتيا إمامهم، وتركوا فتاوى الصحابة قائلين: الإمام أعلم بذلك منا، ونحن قد قلدناه، فلا نتعداه ولا نتخطاه، بل هو أعلم بما نذهب إليه منا، ومن عدا هؤلاء، فمتكلف متخلف، قد دنا بنفسه عن رتبة المشتغلين، وقصر عن درجة المحصلين، فهو مكذلك مع المكذلكين، وإن ساعد القدر واستقل بالجواب، قال: يجوز بشرطه، ويصح بشرطه، ويجوز ما لم يمنع منه مانع شرعي، ويرجع في ذلك إلى رأي الحاكم، ونحو ذلك من الأجوبة، التي يستحسنها كل جاهل، ويستحي منها كل فاضل ".
* * *
منزلة المفتي
والإفتاء: منصب عظيم، به يتصدى صاحبه لتوضيح ما يغمض على العامة من أمور دينهم، ويرشدهم إلى المناهج المستقيمة، التي في سلوكهم لها فلاحهم ونجاحهم، ولهذا سموا أولي الأمر، وأمر الناس بطاعتهم بل قرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1).
بل هو المنصب الذي تولاه الله (سبحانه) بنفسه حيث يقول (تعالى): {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} (2)، ويقول أيضا:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (3)، وكفى بهذا المنصب عظما وجلالة أن يتولاه رب السماوات والأرض، وكفى بمن يتولاه شرفا ومنزلة عالية أن يكون نائبا عن الله في هذا المنصب (4) والمفتي - أيضا - قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في وراثته لعلم الشريعة منه صلى الله عليه وسلم، وإبلاغها للناس، وتعليمها للجاهل بها، والإنذار بها.
فأما قيامه مقامه صلى الله عليه وسلم في وراثة الشريعة، فيدل له قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو داود والترمذي بسنديهما:«إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم (5)» ، وما رواه عنه البخاري ومسلم بسنديهما:«بينا أنا نائم، أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم (6)» ، وقال الله (تعالى):
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة النساء الآية 127
(3)
سورة النساء الآية 176
(4)
ابن القيم، أعلام الموقعين 1/ 11
(5)
سنن أبو داود العلم (3641)، سنن الدارمي المقدمة (342).
(6)
صحيح البخاري العلم (82)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2391)، سنن الترمذي الرؤيا (2284)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147)، سنن الدارمي الرؤيا (2154).