الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طمعا في أن يوافق حكمه أهواءهم وتحريفهم للتوراة، فلما حكم بينهم بالحق تولوا وأعرضوا، إذ لا يجتمع الإيمان مع عدم تحكيم شريعة الله، بل مع عدم الرضا بحكمها كذلك، لأن عدم الرضا من التولي قال تعالى:{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (1)
إن حقيقة الإيمان هي التصديق القلبي الذي يظهر أثره في السلوك العلمي، ودعوى الإيمان باللسان مع التولي والإعراض عن تحكيم الشريعة دعوى كاذبة لدى المنافقين. {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (2)
أما سلوك الإيمان لدى ذويه فهو السمع والطاعة لما جاء عن الله وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم انقيادا لحكم الشريعة، وهؤلاء المؤمنون الذين يتصفون بذلك هم المفلحون، لأن سبيل الفلاح هو الاستقامة على مناهج الله وشرعه {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)
فمنطق الإيمان هو منطق التسليم المطلق لقضاء الله وقضاء رسوله، وعلى هذه القاعدة يجب على الأمة المسلمة أن تبني منهجها في الحياة بكل شأن من شئونها، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإلا كانت عاصية ضالة، ولا خيرة للمؤمنين في سلوك منهج آخر ما داموا متصفين بالإيمان.
فالإيمان بوحدانية الله، يعني أنه لا عبودية إلا لله، فلا عبودية لصنم أو وثن، أو مخلوق، أو هوى، أو قانون وضعي، أو نحو ذلك مما يكون الخضوع فيه لغير الله، وتكون الطاعة فيه لغير شريعة الله ذلك لأن العبودية لله وحده تفترض الاهتداء بهديه وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه كما جاءت على لسان رسل الله إلى البشر.
(1) سورة المائدة الآية 43
(2)
سورة النور الآية 47
(3)
سورة النور الآية 51
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
ثانيا: النصوص القرآنية الدالة على تحكيم الشريعة الإسلامية
يحسن قبل استعراض النصوص القرآنية الدالة على وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية أن نقف على ما يأتي:
أ - إن الدين يطلق على كل ما جاء عن الله تعالى من الأوامر والنواهي وكل ما ثبت عن السنة النبوية الصحيحة
حيث أخبر الله تعالى عن نبيه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (1){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2) وأمر باتباعه وطاعته {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (4) وحذرنا من مخالفته {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5) وفرض على المؤمنين طاعته لأنها من طاعة الله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (6)
والدين بهذا يشمل العقائد والعبادات والمعاملات وشئون الحكم والقضاء وسائر ما يسمى تشريعا.
ب - إن اتباع الدين يعني العمل به، وإذا استبدلت أمة بما جاء في الدين قانونا من القوانين الوضعية، أو مذهبا من مذاهب الناس في الحياة فقد اتخذت غير الإسلام دينا لها، لأن الدين يشمل ما جاء عن الله وما جاء عن رسوله في شئون الحياة كلها، والأمر بطاعة الله وطاعة الرسول يقتضي العمل بالدين كله.
جـ - وقد عرف أكثر علماء الأصول الأمر بأنه: القول المقتضي طاعة المأمور به، وعرفه آخرون بأنه: طلب الفعل على جهة الاستعلاء.
وليست صيغة الأمر قاصرة على صيغة واحدة فإن أساليب طلب الفعل في القرآن كثيرة منها:
1 -
صريح الأمر كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} (7) وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (8)
2 -
الإخبار بأن الفعل مكتوب على المخاطبين كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (9) وقوله {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (10)
3 -
الإخبار بأن الفعل على الناس عامة أو على طائفة خاصة كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (11)
4 -
حمل الفعل المطلوب على المطلوب منه كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (12)
5 -
أن يطلب الفعل بالصيغة الطلبية، وهي فعل الأمر، أو المضارع المقرون باللام، كقوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (13) وقوله {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (14)
6 -
التعبير بفرض، كقوله تعالى:{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (15)
7 -
اقتران الفعل بألا، كقوله تعالى:{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} (16)
8 -
الاستفهام التعجبي والإنكاري مقرونا بترك الفعل، كقوله:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} (17)
9 -
الإخبار بأن ترك الفعل كفر أو ظلم أو فسق، كقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (18)
(1) سورة النجم الآية 3
(2)
سورة النجم الآية 4
(3)
سورة الحشر الآية 7
(4)
سورة المائدة الآية 92
(5)
سورة النور الآية 63
(6)
سورة النساء الآية 80
(7)
سورة النحل الآية 90
(8)
سورة النساء الآية 58
(9)
سورة البقرة الآية 178
(10)
سورة النساء الآية 103
(11)
سورة آل عمران الآية 97
(12)
سورة البقرة الآية 228
(13)
سورة البقرة الآية 238
(14)
سورة الحج الآية 29
(15)
سورة الأحزاب الآية 50
(16)
سورة التوبة الآية 13
(17)
سورة آل عمران الآية 83
(18)
سورة المائدة الآية 44
وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1) وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2)
10 -
الإخبار بأن إتيان الفعل من الإيمان أو أن تركه يناقض الإيمان، كقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (3) وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (4)
قال الغزالي في المستصفى: (إن قول الشارع أمرتكم بكذا، وأنتم مأمورون بكذا، أو قول الصحابي أمرت بكذا، كل ذلك صيغ دالة على الأمر، وإذا قال: أوجبت عليكم، أو فرضت عليكم، أو أمرتكم بكذا أو أنتم معاقبون على تركه فكل ذلك يدل على الوجوب).
وأساليب الطلب تدل على الوجوب إذا عريت من القرائن الصارفة لها عن ذلك. وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية بأساليب الطلب المتعددة، فمنها صريح الأمر كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (5) فقد توجه الخطاب بالأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وهذا عام في جميع الأمانات، فالدين أمانة، والشريعة أمانة، والحكم بالشريعة أمانة وتوجه الخطاب بالأمر بالحكم بالعدل بين الناس جميعا، والحكم بالعدل بين الناس يستوجب الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن حقيقة العدل هي الفصل في الحكومة على ما في الكتاب والسنة.
ومنها ما ورد بالصيغة الطلبية، وهي فعل الأمر، أو المضارع المقرون باللام كقوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (6)
والأمر باتباع ما أنزل عام في جميع ما أنزله الله تعالى بالقرآن الكريم من الأوامر والنواهي؛ وآيات العقوبات في القصاص والحدود وآيات العلاقات الدولية في الحرب والسلم؛ وآيات المال ذلك كله ونظائره مما أنزله الله فهو واجب الاتباع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (7){الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (8){وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (9){وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (10){وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (11){فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (12){وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (13){وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (14){وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (15){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (16){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (17)
(1) سورة المائدة الآية 45
(2)
سورة المائدة الآية 47
(3)
سورة النساء الآية 65
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
(5)
سورة النساء الآية 58
(6)
سورة الأعراف الآية 3
(7)
سورة البقرة الآية 178
(8)
سورة النور الآية 2
(9)
سورة المائدة الآية 38
(10)
سورة الأنفال الآية 60
(11)
سورة البقرة الآية 193
(12)
سورة محمد الآية 4
(13)
سورة الأنفال الآية 41
(14)
سورة الأنفال الآية 61
(15)
سورة الأنفال الآية 58
(16)
سورة النساء الآية 29
(17)
سورة البقرة الآية 278
والناس في الحياة إما أن يتبعوا ما أنزل الله فهذا هو الإسلام، والاعتراف بالحكم والتشريع لله، وإما أن يتبعوا من دونه أولياء فهذا هو الشرك، سواء رجع الضمير في قوله: من دونه إلى الرب، أو إلى (ما) في قوله:{مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (1) فإن معنى الآية، هو نهي الأمة عن أن يتبعوا من دون الله أولياء يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله في خصائص الألوهية، ومنها التشريع، أو النهي عن أن يتبعوا من دون كتاب الله أولياء من أصحاب السلطة والرئاسة والتقنين كما كان يفعله أهل الجاهلية وأهل الكتاب من طاعة الرؤساء والأحبار والرهبان فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم.
ويأمرنا الله تعالى باتباع صراطه المستقيم وينهانا عن اتباع سواه. وصراط الله المستقيم هو سبيل دينه، وما شرعه لعباده من أحكام، فهو وحده الذي يجب اتباعه، وما سواه من الملل والنحل والمذاهب والقوانين لا تلتقي معه، بل تميل عنه، لأن الحق واحد لا يتعدد، والخط المستقيم بين نقطتين لا يكون إلا خطا واحدا قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) وعن ابن مسعود قال: «خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: (4)»
وأمرنا الله تعالى بطاعة رسوله، وذلك عام في كل ما جاء عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي، وتشريع وقضاء، حتى تتنزه سلطة الحكم من الجهالة والهوى وسائر ما ركب في الطبيعة البشرية من نقص، وما يعرض من المشكلات والأقضية التي لا نص فيها، وتختلف العقول في إدراكها، ويحصل عليها التنازع فإن الأمر فيها يرد إلى الله وإلى الرسول، أي إلى كتاب الله، وإلى الرسول في حياته، وإلى سنته بعد مماته، وهذا هو شرط الإيمان بالله واليوم الآخر، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (5)
وقد ذكر الأمر بالطاعة صريحا مع الله، ومع رسوله وجاءت طاعة أولي الأمر معطوفة دون التصريح بالفعل، لأن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله، وللرسول، أما طاعة أولي الأمر فإنها تأتي تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (6)» .
(1) سورة الأعراف الآية 3
(2)
سورة الأنعام الآية 153
(3)
صحيح البخاري الرقاق (6417)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2454)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 465).
(4)
سورة الأنعام الآية 153 (3){وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
(5)
سورة النساء الآية 59
(6)
صحيح مسلم الإمارة (1840)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625).
وتقرر الأديان السماوية وجوب الحكم بما أنزل الله حتى يستقيم أمر الحياة البشرية، فإنه لا يستقيم إلا بالدين، عقيدة وعبادة وتشريعا وحكما، فليس الدين صلة روحية لإشراقة النفس وبعدا عن التحاكم إليه في شئون الدنيا، وبهذا جاء الأمر في التوراة والإنجيل والقرآن ففي التوراة يقول تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (1) وصيغة الخبر في مثل هذا الموضع {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} (2) إخبار عن القيام بالأمر الواجب.
وكما أمر أهل التوراة بتحكيم شريعة الله أمر أهل الإنجيل كذلك بالمضارع المقرون بلام الأمر {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (3) وينتهي أمر الرسالات السماوية إلى الشريعة الإسلامية التي جاءت مهيمنة على ما قبلها، حتى تحتكم البشرية إليها في شئون حياتها كلها إلى يوم الدين، يقول تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (4) ثم تكرر صيغة الطلب في قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (5)
وقد أخبر الله تعالى في نهاية آيات الحكم بما أنزل الله أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق وذلك في سورة المائدة يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (6){وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (7){وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (8){وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (9)
وإذا كانت هذه الآيات قد نزلت في أهل الكتاب فإن المذهب الحق الذي ذهب إليه الجمهور أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وقد أجمع الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (10)
(1) سورة المائدة الآية 44
(2)
سورة المائدة الآية 44
(3)
سورة المائدة الآية 47
(4)
سورة المائدة الآية 48
(5)
سورة المائدة الآية 49
(6)
سورة المائدة الآية 44
(7)
سورة المائدة الآية 45
(8)
سورة المائدة الآية 46
(9)
سورة المائدة الآية 47
(10)
سورة المائدة الآية 45