الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناع خليل القطان
وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية
في شئون الحياة
كلها
لقد وردت آيات كثيرة في وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شأن من شئون الحياة البشرية وهي نصوص قطعية صريحة لا مجال للرأي فيها. واقترنت هذه الآيات ببيان المبادئ والأسس التي تقتضي التحاكم إلى شرع الله، واعتبار هذا من مقتضيات عقيدة الإيمان، كما اقترنت ببيان بواعث الخروج عن تحكيم الشريعة الإسلامية.
أولا: المبادئ والأسس التي تقتضي التحاكم إلى شرع الله
.
تحقيق معنى العبودية لله تعالى.
حدد الإسلام غاية الإنسان في الحياة بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وإذا عرفنا معنى العبادة في اللغة أمكننا أن ندرك تمام الإدراك أن حياة المسلم لا ينبغي أن تخرج عن معنى العبودية بحال من الأحوال.
(1) سورة الذاريات الآية 56
فالعبادة معناها: الخضوع والتذلل والاستكانة وكل خضوع ليس فوقه خضوع فهو عبادة - طاعة كان للمعبود أو غير طاعة - وكل طاعة لله على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة، والعبادة نوع من الخضوع لا يستحقه إلا المنعم بأعلى أجناس النعم كالحياة والسمع والبصر والعقل، وأي نوع من أنواع العبادة مهما كان في نظر الإنسان يسيرا فإنه لا يستحقه إلا من كان له أعلى جنس من النعمة، فذلك لا يستحق العبادة إلا الله.
قال الراغب: العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفضال. وهو الله تعالى، ولهذا قال:
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) وذكر الطبري عند تأويل قوله تعالى في استكبار فرعون وملائه على موسى وهارون {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (2) يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون، يأتمرون بأمرهم ويدينون لهم. والعرب تسمي كل من دان لملك عابدا له، وذكر عند تأويل قوله تعالى:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (3) أي اتخذتهم عبيدا لك.
ويعرف ابن تيمية العبادة فيقول: (العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة).
فمقتضى العبادة على هذا أن يذعن العبد لله إذعانا كاملا في كل ما يأتي وما يذر في ذلة وخضوع، وأن يجعل حياته كلها رهن أوامر الله ونواهيه، وهي دعوة الأنبياء والمرسلين.
ويذكر القرآن الكريم في مقابل هذا الانقياد لله الانقياد للطاغوت {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (5) وهذه المقابلة تعني أن الخضوع لأي سلطة أخرى خضوع للطاغوت، سواء كان هذا الخضوع للأهواء والشهوات، أم لقوة أرضية أخرى، عاقلة كانت كبني الإنسان ممن يعطون لأنفسهم صفة التشريع لأمتهم، أو غير عاقلة كاتخاذ الأصنام والأوثان. وهذا ما فسر به الطبري كلمة الطاغوت حيث يقول بعد أن ذكر طائفة من أقوال العلماء (والصواب من القول عندي أن كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة من عبده له إنسانا كان ذلك المعبود.
أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء.
وبهذا يكون " الحكم " بغير ما أنزل الله طاغوتا. . .
ويكون " الحاكم " الذي يحكم بغير ما أنزل الله كذلك طاغوتا. . .
ويكون " الخضوع " لهذا الحاكم أو لذلك الحكم عبادة للطاغوت،
(1) سورة يوسف الآية 40
(2)
سورة المؤمنون الآية 47
(3)
سورة الشعراء الآية 22
(4)
سورة الأنبياء الآية 25
(5)
سورة النحل الآية 36
(6)
سورة النساء الآية 60