الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن زيد، وروى عجزه -وهو من كذب علي إلخ- متواترا، وروى أحمد من حديث عمر مرفوعا «من كذب علي فهو في النار (1)» وهو مطلق لم يقيد بالتعمد، وإسناده صحيح وقياس الكذب على غيره من إخوانه الرسل عليه الصلاة والسلام جلي، فهو أقرب من قياس الكذب على الرسل على الكذب على العجماوات الذي احتج به الحريري، وأشار إلى اتفاق العلماء على جوازه الكذب عليهم يشمل ما يحكى عنهم من أقوال لم يقولوها، وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها.
فإن قيل: إنه يمكن وضع قصة لبعض الرسل يلتزم فيها الصدق في كل ما يحكى عنه أو يسند إليه، قلنا: إن النقل الذي يعتد به عند المسلمين هو نقل الكتاب والسنة، ولا يوجد قصة من قصص الأنبياء في القرآن يمكن فيها ذلك إلا قصة يوسف، وكذا قصة موسى وقصة سليمان مع ملكة سبأ إذا جعل التطويل فيهن في غير الحكاية عنهم، والأولى هي التي يرغب فيها الممثلون ويرجى أن يقبل على حضور تمثيلها الكثيرون، وفيها من النظر الخاص ما بيناه في الوجه الثالث، أما السنة فليس في أخبارها المرفوعة ولا الموقوفة ما يبلغ أن يكون قصة تصلح للتمثيل إلا وقائع السيرة المحمدية الشريفة، والعلماء بها لا يكاد أحد منهم يقدم على جمع طائفة منها وجعلها قصة تمثيلية. وإذا فتح هذا الباب ووجد منهم من يدخله على سبيل الندرة لا يلبث أن يسبقه إليه كثير من الجاهلين بالسنة المتقنين لوضع هذه القصص بالأسلوب الذي يرغب فيه الجمهور فيضعون من قصص الأنبياء المشتملة على الكذب ما يكون أروج عند طلاب الكسب بالتمثيل فيكون وضع الصحيح ذريعة إلى هذه المفسدة.
فعلم من هذه الوجوه أن جواز تمثيل قصة رسول من رسل الله عليهم السلام يتوقف على اجتناب جميع ما ذكر من المفاسد وذرائعها بحيث يرى من يعتد بمعرفتهم وعرفهم من المسلمين أنه لا يعد إزراء بهم، ولا منافيا لما يجب من تعظيم قدرهم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى من اهتدى بهم.
(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 47).
قرار لجنة الفتوى بالأزهر
كما صدرت فتوى مستفيضة من اللجنة المختصة بالفتوى في مجلة الأزهر في عددها الصادر في رجب عام 1374 في حكم تمثيل الأنبياء قد يكون في مبررات القول بمنع تمثيلهم ما يصلح مبررا للقول بمنع تمثيل الصحابة وهذا نص المقصود منه:
التمثيل
التمثيل في المسرح
تشخيص الأفراد الذين تتألف منهم القصة أو الرواية التي يراد عرضها على النظارة تشخيصا يحكيها طبق
أصلها الواقع أو المتخيل، أو هو بعبارة موجزة ترجمة حية للقصة وأصحابها.
وقد تلتقط صورة للمثلين في المسرح على شريط خاص يسمونه " الفلم " ليعرض على النظارة في شاشة السينما.
هل يمكن تمثيل الأنبياء؟
لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانبا، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحق الذي قدمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل: -
1 -
كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟. . . وعلى أي حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثل الله تعالى وقد ناداهما {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} (1)؟ أو نترك تمثيله تعالى وهو ركن في الرواية ركين؟ سبحانك سبحانك نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين؟؟
2 -
وكيف يمثل موسى وهو يناجي ربه؟ وكيف يمثل وقد وكز المصري فقتله؟ بل كيف يمثل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تمثل العقدة، التي طلب من الله أن يحلها من لسانه؟ وما مبلغ كفر النظارة والممثلين إذا أفلتت - ولا بد أن تفلت- منهم فلتة مضحكة أو هازلة حينما يتمثلون الرسولين وقد أخذ أحدهما برأس الآخر وجره إليه؟ وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟
3 -
وكيف يمثل يوسف الصديق وقد همت به امرأة العزيز، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهم في لغة الفن؟
4 -
وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيف يمثلون حينما كانوا يرعون الغنم " وما من نبي إلا رعاها "؟ بل كيف يمثلون وقد آذاهم المشركون ولم يستح بعضهم أن يرمي القذر والنجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة -وما أكثرهم- مقالة المستهزئين الكافرين من قبل {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (2)؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسوله فيقاتلون السفهاء وينتقمون منهم وتقوم المعارك الدينية لا محالة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (3)
(1) سورة الأعراف الآية 22
(2)
سورة الفرقان الآية 41
(3)
سورة الشعراء الآية 227
تمثيل الأنبياء تنقيص لهم
لسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان أن من قصص الأنبياء ما لا يستطاع تشخيصه، وأن ما يستطاع تشخيصه من قصصهم فهو تنقيص لهم، وزراية بهم، وحط من مقامهم، وانتهاك لحرماتهم وحرمات الله الذي اختارهم لرسالته واصطفاهم لدعوته. . . لا ريب في ذلك كله ولا جدال. . .
وهذا كله في القصص الحق الذي قصه الله علينا ورسوله، وأما القصص الباطل -وما أكثره- فهو زور على زور وكفر على كفر، وهو البلاء والطامة. . وما نظن أن أحدا يستطيع أن يجادل في هذه الحقائق الناصعة. . وأكبر علمنا أن أول من يخضع لها ويؤمن بها هو أهل الفن أنفسهم فإنهم أرهف حسا وأشد إدراكا لمقتضيات التمثيل وملابساته.
على أنا لو افترضنا محالا، أو سلمنا جدلا بأن تمثيل الأنبياء لا نقيصة فيه ولا مهانة، فلن نستطيع بحال أن نتجاهل أنه ذريعة إلى اقتحام حمى الأنبياء وابتذالهم، وتعريضهم للسخرية والمهانة، فالنتيجة التي لا مناص منها ولا مفر: أن تشخيص الأنبياء تنقيص لهم أو ذريعة إلى هذا التنقيص لا محالة.
سد الذرائع
وسد الذرائع ركن من أركان الدين والسياسة. . فقد أجمع العلماء أخذا من كتاب الله وبيان ورسوله على أن من أعمال الناس وأقوالهم ما حرمه الله تعالى؛ لأنه يشتمل على المفسدة من غير وساطة: كالغضب والقذف والقتل بغير حق، وأن من الأعمال والأقوال ما حرمه الله سبحانه؛ لأنه ذريعة إلى المفسدة ووسيلة إليها، وإن لم يكن هو في نفسه مشتملا على المفسدة. . ومن ذلك مناولة السكين لمن يسفك بها دما معصوما، فالمناولة في نفسها عارية عن المفسدة، ولكنها وسيلة إليها، ومن ذلك سب معبودات المشركين وهم يسمعون، فهو في نفسه جائز، ولكنه منع لجره إلى مفسدة، وهي إطلاق ألسنة المشركين بسب الله تعالى، ولهذا نهانا الله سبحانه عن هذا السب فقال:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1)
ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصيبة. . وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي؛ لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين، وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدا على العالمين. . فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال:«لا تخيروني على موسى (2)» . ثم أثنى عليه بما هو أهله ونهاهم أن يفضلوا
(1) سورة الأنعام الآية 108
(2)
صحيح البخاري الخصومات (2411)، صحيح مسلم الفضائل (2373)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3245)، سنن أبو داود السنة (4671)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 264).