الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موازنة بين سنن أبي داود والصحيحين
هذا الموضوع وحده يصلح أن يكون محل دراسة خاصة وعناية تامة ويمكن أن تؤلف فيه رسالة كبيرة، غير أني أرمي من وراء ذكرها هنا أن أشير فقط إلى أن كتاب السنن جليل الشأن عند كثير من العلماء المتقدمين فهو يأتي بعد الصحيحين مباشرة، بل إن الخطابي رحمه الله قدم السنن عليهما كما مر معنا في مبحث (ثناء العلماء على السنن) ويحسن أن نورد قول الخطابي مرة أخرى؛ قال:(فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفا وأكثر فقها)(1).
وقد أقام عدد من العلماء موازنة بين سنن أبي داود وصحيح مسلم وذكروا أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف، ومنهم من رجح عمل هذا، ومنهم من رجح عمل ذاك، والذي يهمني من هذه الموازنة أن طائفة من العلماء ترى أن " سنن أبي داود " في درجة تقارب درجة الصحيحين أو تفوقها.
(1)" معالم السنن " 1/ 11.
زوائد أبي داود
يظهر أن زوائده عما في الكتب الخمسة الأخرى قليلة فقد سبق أن أوردنا أن الذهبي ذكر أن ما في " السنن " مما يوافق ما أخرجه الشيخان يبلغ شطر الكتاب (1).
وإذا تتبعنا تعليقات الحافظ المنذري تبين أن زوائده عما في الكتب الخمسة قليلة جدا، فما أقل الأحاديث التي لا يذكر المنذري أنها وردت في بعض هذه الكتب.
وقد ألف بعضهم في شيء من ذلك فجمع زوائد أبي داود على الصحيحين وشرحها (2) ويحسن أن نشير هنا إلى أن كتاب أبي داود أجمع هذه الكتب، نعم ليست فيه زيادات كثيرة على ما في هذه الكتب بمجموعها غير أن فيه كثيرا مما ليس في واحد منها على انفراد، هذا وزوائده أحسن حالا من زوائد غيره كابن ماجه مثلا.
(1)" طبقات الشافعية " 2/ 293.
(2)
انظر مبحث: دراسات عن سنن أبي داود في آخر هذا المقال.
خصائصه
يحسن أن نورد بعض الخصائص المهمة التي نستطيع أن نلمسها في " السنن ".
تعدد الطرق:
هناك أحاديث كثيرة في " السنن " مروية بطريقين أو أكثر، وهو يورد هذين الطريقين أو هذه الطرق في الإسناد قبل أن يأتي بمتن الحديث غالبا، وإذا أراد التحويل من طريق إلى آخر رمز إلى ذلك بالحرف (ح) على عادة المحدثين (1) قال في " رسالته ":(وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة فإنما هو من زيادة كلام فيه وربما تكون فيه كلمة زيادة على الأحاديث)(2).
تكرار الحديث:
في الحديث الواحد من المعاني والأحكام الشيء الكثير، فلقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم (3). فإذا أورد المؤلف الحديث في باب من الأبواب من أجل معنى وارد فيه، اضطر إلى إعادته في باب آخر من أجل معنى آخر تضمنه الحديث، ومن هنا كان لا مفر من تكرار الحديث في الكتب المصنفة على الأبواب.
وهذا هو السبب الذي جعل أبا داود يكرر الحديث أحيانا. ولكنه لا يبلغ في تكراره مبلغ البخاري في صحيحه. ولا يقطعه تقطيعه.
(1) والأمثلة على ذلك كثيرة لا يفيد حصرها وانظر مثلا على ذلك الحديث رقم 42 في " السنن " 1/ 41.
(2)
انظر " رسالة أبي داود " ص 23.
(3)
انظر كتابي " الحديث النبوي ": الغنى في المعاني ص 47 والإيجاز ص 85.
الدقة في إيراد الروايات
الدقة ظاهرة واضحة تمام الوضوح في " كتاب السنن " ونضرب على ذلك بعض الأمثلة:
- فهو إذا روى الحديث عن طريق رجلين يثبت الرواية التي يرى أنها الصواب ثم يورد رواية الرجل الآخر كما فعل في الحديث رقم 20 الذي رواه عن زهير بن حرب وهناد بن السري وفيه: «أما هذا
فكان لا يستنزه من البول (1)» وبعد أن انتهى من رواية الحديث قال: (قال هناد " يستتر " مكان " يستنزه ").
ومما يدلنا على أن أبا داود يرى الصواب رواية زهير أن عنوان الباب الذي ورد هذا الحديث فيه هو باب الاستبراء من البول (2).
- وقد يقتصر على رواية أحدهما دون أن يشير إلى الرواية الأخرى، ولكنه ينبه على أنه إنما أورد رواية فلان كما في الحديث 938 قال:(حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ومحمود بن خالد قالا:. . . . .) وبعد نهاية الحديث قال: (وهذا لفظ محمود)(3).
- وقد يروي الحديث عن أربعة رجال ولا يثبت واحدة يرجحها ثم ينبه على الروايات الأخرى، وإنما يورد الروايات الأربع مرة واحدة مجموعة على وجه يدل على الدقة والاختصار كالحديث 992 في باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة قال:
(حدثنا أحمد بن حنبل، وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا:
حدثنا عبد الرازق عن معمر عن إسماعيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد بن حنبل: «أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده (4)» .
وقال ابن شبويه: «نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة (5)» .
وقال ابن رافع: «نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده (6)» وذكره في باب الرفع من السجود.
وقال ابن عبد الملك: «نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة (7)» . ولم يرجح المؤلف رواية على رواية.
وقد يأتي بالحديث عن طرق بينها فروق طفيفة لا تؤثر في المعنى، ومع ذلك فهو حريص على ذكر هذه الفروق، كما فعل في الحديث رقم 4 الذي رواه عن مسدد بن مسرهد عن حماد بن زيد وعبد الوارث (عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال:
(1) صحيح البخاري الوضوء (216)، صحيح مسلم الطهارة (292)، سنن الترمذي الطهارة (70)، سنن النسائي الجنائز (2068)، سنن أبو داود الطهارة (20)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (347)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 225)، سنن الدارمي الطهارة (739).
(2)
" السنن " 1/ 34.
(3)
" السنن " 1/ 340.
(4)
سنن أبو داود الصلاة (992)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147).
(5)
سنن أبو داود الصلاة (992)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147).
(6)
سنن أبو داود الصلاة (992)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147).
(7)
" السنن " 1/ 358.
عن حماد - قال: " اللهم إني أعوذ بك (1)».
وقال - عن عبد الوارث - قال: «أعوذ بالله من الخبث والخبائث (2)» ) (3).
- ومن الأمثلة على ذلك - وهي كثيرة جدا - حديث البول في المستحم رقم 27 الذي رواه عن أحمد بن حنبل والحسن بن علي وهو.
«لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه (4)» - قال أحمد: «ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه (5)» ) (6).
والمؤلف هنا بين الفرق بين الروايتين أثناء الحديث. وهذه الدقة دليل على مدى الحرص في نقل حديث النبي بالتحري الخالص والأداء الأمين. وتلك خصيصة خص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فوق مجرد نقل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه. .
(1) صحيح البخاري الوضوء (142)، صحيح مسلم الحيض (375)، سنن الترمذي الطهارة (5)، سنن النسائي الطهارة (19)، سنن أبو داود الطهارة (4)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (296)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 99)، سنن الدارمي الطهارة (669).
(2)
صحيح البخاري الوضوء (142)، صحيح مسلم الحيض (375)، سنن الترمذي الطهارة (5)، سنن النسائي الطهارة (19)، سنن أبو داود الطهارة (4)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (298)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 101)، سنن الدارمي الطهارة (669).
(3)
" السنن " 1/ 29.
(4)
صحيح البخاري الوضوء (239)، صحيح مسلم الطهارة (282)، سنن الترمذي الطهارة (68)، سنن النسائي الغسل والتيمم (398)، سنن أبو داود الطهارة (70)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 346)، سنن الدارمي الطهارة (730).
(5)
سنن الترمذي الطهارة (21)، سنن النسائي الطهارة (36)، سنن أبو داود الطهارة (27)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (304)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 56).
(6)
" السنن " 1/ 36.
الاختصار
وفي كتاب أبي داود الاختصار الموفق لأننا نجده مقترنا بالدقة البالغة والوضوح البين، وهذه خاصة من أهم الخصائص التي يمتاز بها كتاب " السنن ".
ومن مظاهر الاختصار ما مر بنا في تبويب الكتاب من قلة الأحاديث في الباب الواحد.
ومن أنواع هذا الاختصار أنه يعمد إلى الحديث الطويل فيختصره فلا يورد منه إلا موضع الفقه منه، وقد أشار أبو داود نفسه إلى هذه الخاصة فقال في رسالته:
(وربما اختصرت الحديث الطويل، لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك)(1).
* ومن أنواع هذا الاختصار أنه يأتي بحديث، ثم بعد ذلك يأتي بسند آخر ويقول:(بمعناه) كما في الحديث (2) رقم 34 فهذه الكلمة أغنته عن إعادة الحديث، ولكي يكون كلامه دقيقا قال:(بمعناه) منبها على أن هناك فرقا لفظيا بين الروايتين لا يؤثر في المعنى.
* ومن أنواع هذا الاختصار أنه إذا وجد روايتين في إحداهما زيادة جاء بالأولى، ثم أورد سند الثانية وجاء بالزيادة ولا يعيد ما سبق ذكره، وإنما يكتفي بقوله:(وذكر الحديث) ومثل هذا كثير الورود في كتابه، فمن ذلك الأحاديث (111 - 112 - 113 - 114. . . . .).
(1) انظر " رسالة إلى أبي داود، ص 24.
(2)
" السنن " 1/ 38.
ففي الأول منها يذكر أبو داود حديث عبد خير الذي يصف وضوء علي رضي الله عنه كما يلي:
(حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: «أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى فدعى بطهور فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا ثم تمضمض واستنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى ثلاثا وغسل يده الشمال ثلاثا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله فهو هذا (1)».
* وبعد ذلك أورد أبو داود رواية أخرى بسند آخر عن عبد خير هي: «صلى علي رضي الله عنه الغداة ثم دخل الرحبة فدعا بماء فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثا ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا (3)» . ثم ساق قريبا من حديث أبي عوانة قال ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره مرة ثم ساق الحديث نحوه (4).
ثم أورد الرواية الثالثة بسند ثالث عن عبد خير أيضا وفيها زيادة: «رأيت عليا رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يديه ثلاثا ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد (5)» وذكر الحديث (6).
ثم أورد الرواية الرابعة عن زر بن حبيش: أنه «سمع عليا رضي الله عنه وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. وقال: مسح على رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)» .
* وإذا روى حديثا مختصرا نقل قول الراوي باختصاره، كما في الحديث 49 فقد قال بعد أن أورده:(قال أبو داود: قال مسدد: فكان حديثا طويلا ولكني اختصرته)(8).
(1) انظر " سنن أبي داود 1/ 62.
(2)
سنن الترمذي الطهارة (48)، سنن النسائي كتاب الطهارة (95)، سنن أبو داود الطهارة (111)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 135)، سنن الدارمي الطهارة (701).
(3)
جاء في " عون المعبود 1/ 42 الرحبة بفتح الراء وسكون الحاء محلة بالكوفة. كذا في " القاموس ". (2)
(4)
انظر " سنن أبي داود " 1/ 62.
(5)
سنن الترمذي الطهارة (48)، سنن النسائي كتاب الطهارة (95)، سنن أبو داود الطهارة (111)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 135)، سنن الدارمي الطهارة (701).
(6)
انظر سنن أبي داود 1/ 63.
(7)
" السنن " 1/ 63.
(8)
" السنن " 1/ 44.
طريقته واستقصاؤه
كان أبو داود - كما سلفنا - يريد جمع أحاديث الأحكام التي يحتج بها الفقهاء وكان ذلك همه الأول، وقد استطاع أن يبلغ أكثر ما يريد، وهذا واضح من استعراض كتابه وهذا ما قرره العلماء أيضا.
قال الدهلوي في " حجة الله البالغة ":
(كانت همة أبي داود جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء ودارت فيهم، وبنى عليها الأحكام علماء الأمصار فصنف " سننه " وجمع فيها الصحيح والحسن واللين والصالح للعمل)(1).
وقال الدهلوي أيضا في صدد حديثه عن الترمذي وأنه جمع بين طريقة الشيخين الذين بينا وطريقة أبي داود الذي جمع كل ما ذهب إليه عالم من العلماء فقال:
(كان استحسن طريقة الشيخين حيث بينا وما أبهما، وطريقة أبي داود حيث جمع كل ما ذهب إليه ذاهب، فجمع كلتا الطريقتين وزاد)(2) ويدلك على ذلك أنه يعقد بابا في جواز الشيء وكراهته، وهذا كثير جدا، مثل:(باب كراهة استقبال القبلة عند الحاجة) والباب الذي يليه (باب الرخصة في ذلك)(3) ومثل (باب الوضوء من مس الذكر) والباب الذي يليه (باب الرخصة في ذلك)(4).
وفي جمعه لكل ما ذهب إليه العلماء فوائد منها:
بيان أن بعض الأحاديث أقوى من بعض، لا سيما عندما يعلق على واحد مضعفا إياه ويسكت عن آخر.
ومنها بيان أن الأمر جائز مع الكراهة وليس حراما، أو هو رخصة.
ومنها إتاحة الفرصة للإنسان لكي يوازن بين أقوال العلماء ويرجح ما ينصره الدليل ويعضده.
* وقد ذكر هو في " رسالته إلى أهل مكة " أنه قصد جمع أكبر قدر ممكن من السنن التي عليها مدار الأحكام فقال:
(فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديث واه إلا أن يكون
(1)" قواعد التحديث " ص 331.
(2)
" قواعد التحديث " ص 332.
(3)
" انظر السنن " 1/ 30 - 31.
(4)
انظر " السنن " 1/ 84 - 85.
في كتابي من طريق آخر، فإني لم أخرج الطرق لأنه يكبر على المتعلم ولا أعرف أحدا جمع على الاستقصاء غيري) (1).
* ومن حرصه على الاستقصاء في جمع الأحاديث المتصلة بالأحكام أنه قد يورد الحديث دون سند بعد أن يكون قد أورد حديثا مسندا، كما في الحديث 16 وهو:
(حدثنا عثمان وأبو بكر قالا: حدثنا عمر بن سعد عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: «مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه (2)». قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وغيره «أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام (3)» .
فالزيادة التي في الرواية الثانية قد أوردها هنا دون سند وبصيغة التمريض رغبة منه في الاستقصاء مع الاختصار؛ وذلك لأنه أوردها في باب التيمم بالسند وذلك في الحديث (4) رقم 330، ولكنه ذكر هناك ما يدل على ضعف هذا الحديث.
- ومن طريقته أنه كثيرا ما يروي الحديث عن أكثر من شيخ وتارة عن ثلاثة وتارة عن أربعة.
ففي الحديث 188 روى الحديث عن شيخين وكذا في 1365.
وفي الحديث 185 روى الحديث عن ثلاثة شيوخ.
وفي الحديث 992 روى الحديث عن أربعة شيوخ.
(1)" رسالة أبي داود " ص 26.
(2)
صحيح مسلم الحيض (370)، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2720)، سنن النسائي الطهارة (37)، سنن أبو داود الطهارة (16)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (353).
(3)
" السنن " 1/ 33.
(4)
" السنن " 1/ 138.
عناوينه
للعناوين قيمة كبرى في كتب الحديث، ففيها يتجلى فقه المؤلف وعلمه واستنباطه الدقيق وفهمه، ذلك لأن جهده مقصور على تبويب هذه الأحاديث ووضع عنوان لكل طائفة منها والتعليق على بعضها، إذ كتابه في جمع الأحاديث وليس في شرحها.
وسنذكر بعض الملاحظات حول عناوين أبي داود كما انتهينا إليها بعد شيء من الدراسة والتأمل:
1 -
الناحية الفقهية بادية في عناوين أبي داود، وهذا أمر طبيعي، لأن الكتاب مؤلف على أساس فقهي
واضح، وهذه العناوين رؤوس مسائل فقهية بحثها الفقهاء. قال الدهلوي في " حجة الله البالغة ":(وترجم (1) على كل حديث بما قد استنبط منه عالم وذهب إليها ذاهب) (2).
وقد يجد الإنسان في هذه العناوين من المسائل الفقهية ما لا يكاد يجده في مطولات كتب الفقه.
2 -
عناوينه يغلب عليها الإيجاز، وتبدو هذه الخاصة واضحة إذا قارنا عناوين " السنن " بعناوين صحيح البخاري.
3 -
عناوين " السنن " مصوغة صياغة تغري قارئها وسامعها بقراءة أحاديث الباب التي تندرج تحته، ولنضرب بعض الأمثلة للتوضيح، فعناوين الكتاب كلها تصلح للتمثيل. لنأخذ العنوان الآتي:(باب الرجل ينعس والإمام يخطب) هذا العنوان لا يبين لنا مضمون الباب، ولا بد للإنسان من قراءة ما جاء في هذا الباب حتى يعرف: ما بال هذا الرجل الذي ينعس أثناء خطبة الإمام، والحديث برقم 1119 وهو:(إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره)(3).
ولنأخذ العنوان الآتي: (باب من أدرك من الجمعة ركعة) كذلك هذا العنوان لا ينبئ عن مضمونه، ولا بد للراغب في المعرفة من قراءة الباب، والحديث برقم 1121 وهو:«من أدرك من الجمعة ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (4)» .
وكذلك العنوان: (باب الرد على الإمام) لا يدري قارئ العنوان: أيجوز الرد أم لا يجوز. حتى إذا قرأ ما جاء في الباب عرف، والحديث برقم 1001 وهو (عن سمرة:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعض (5)» .
4 -
وقد يأتي بعنوان كبير يسميه (جماع أبواب. .) أو (باب تفريع أبواب. .) وذلك كما في (باب تفريع أبواب الجمعة)(6) وتحته 38 بابا، و (جماع أبواب صلاة الاستسقاء وفروعها)(7) وتحته ثلاثة أبواب.
5 -
وقد يأتي الباب خاليا من العنوان، ويقتصر المؤلف فيه على ذكر (باب) كما في كتاب " الصلاة "(8).
6 -
وقد يأتي بالعنوان بصيغة الإثبات، والحديث يدل على النفي. كما في الحديث 616 فالعنوان: باب الإمام يتطوع في مكانه. والحديث هو:
(1) أي عنوان.
(2)
" قواعد التحديث " ص 331.
(3)
" السنن " 1/ 400.
(4)
" السنن " 1/ 400.
(5)
" السنن " 1/ 361.
(6)
" السنن " 1/ 377.
(7)
" السنن " 1/ 412.
(8)
" السنن " 1/ 160.
«لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول (1)» .
وربما كان ذلك على تقدير (حكم الإمام. .) وجرى على طريقته في إغراء قارئ العنوان بقراءة ما ورد في الباب، وربما كان ذلك عندما يكون الحديث ضعيفا، فالحديث المثال ضعيف بسبب الانقطاع، بينه أبو داود بقوله:(عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة)(2).
7 -
قد يأتي بالعنوان بصيغة الاستفهام، من ذلك مثلا قوله (باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟)(3) وقوله (كيف التكشف عند الحاجة؟)(4) وقوله (إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟)(5) وتختلف دلالة هذا الاستفهام من عنوان إلى عنوان. فهو يدل أحيانا على عدم جزم المؤلف بالحكم، وأحيانا أخرى يدل على الكيفية. وهو كثير جدا (6).
8 -
وربما لا ينطبق العنوان على المضمون أو لا يدل على المقصود إلا بعد طول تأمل: فمن ذلك عنوان (من جهر بها) أي بالبسملة. ففي هذا الباب ثلاثة أحاديث: أولها في عدم وجود البسملة في سورة براءة وثانيها في أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ولم يبين لنا أنها منها وثالثها في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم (7).
وقال صاحب " عون المعبود ": (والاستدلال بهذا الحديث وكذا بكل حديث يدل على أن البسملة من القرآن على الجهر بها ليس بصحيح)(8) وكأنه بذلك يقول: إن حجة القائلين بذلك واهية ولا دليل لهم؛ لأن هذه الأحاديث لا تدل على رأيهم.
9 -
وقد يجيء حديث لا يناسب عنوان الباب الذي هو فيه، بينما هو يناسب عنوان الباب الذي قبله. كما في الحديث (887) الوارد في باب مقدار الركوع والسجود (9)، وليس فيه ما يتصل بموضوع الباب بل هو في موضوع الدعاء في الصلاة لأن فيه «من قرأ منكم فانتهى إلى آخرها فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين (12)».
وهذا الموضوع يناسب موضوع الباب السابق وهو (باب الدعاء في الصلاة)(13).
وفي مثل هذه الحالة قد يكون هذا الترتيب المغلوط عائدا إلى أن النساخ نقلوا حديثا أو عنوانا من موضع إلى موضع.
(1) سنن أبو داود الصلاة (616)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1428).
(2)
" السنن " 1/ 237.
(3)
" السنن " 1/ 55.
(4)
" السنن " 1/ 32.
(5)
" السنن " 1/ 141.
(6)
انظر " السنن " 1/ 33 - 44 - 78 - 107 - 109.
(7)
" السنن " 1/ 290.
(8)
" عون المعبود " 1/ 289.
(9)
" السنن " 1/ 324.
(10)
سنن الترمذي تفسير القرآن (3347)، سنن أبو داود الصلاة (887).
(11)
سورة التين الآية 1 (10){وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}
(12)
سورة التين الآية 8 (11){أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}
(13)
" السنن " 1/ 322.
تعليقاته
سبق أن تحدثت عن تبويب الكتاب وعن عناوينه وعن المنهج الذي انتهجه أبو داود في اختياره وأود فيما يأتي أن أتحدث عن تعليقاته، وهذه الأمور - كما أسلفت - هي التي تمثل جهد المؤلف وعلمه. ويحسن أن أبادر إلى بيان أني لا أعني بالتعليقات هنا المصطلح الحديثي لها وإنما أريد بها ما يورد أبو داود من كلام له علاقة بالحديث.
مواضعها ومقدارها:
- أما مواضعها فهي إما أن تكون خلال إيراده الحديث، ومن ذلك الحديث رقم 980 فقد مر رجل اشتهر أبوه بحادثة مهمة فعرف بأبيه حرصا على الفائدة:(حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد - وعبد الله بن زيد هو الذي أري النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود. . .)(1) فالتعليق هنا كان في جملة اعتراضية حرصا على إفادة القارئ والسامع. وقد يعترض بجملة معترضة ليزيل الالتباس، كما لو جاء أحد الرواة كنية فيذكر لنا اسم هذا الراوي كما في الحديث رقم 32 ففيه:(حدثني أبو أيوب - يعني الأفريقي - عن عاصم).
وإما أن تكون التعليقات بعد إيراده الحديث. وهذا هو الغالب عليها. ولا حاجة للتمثيل عليها لأن كل الأمثلة القادمة هي من هذا النوع.
- وأما مقدارها، فهو يتفاوت من حديث إلى آخر. فبينما يكون التعليق جملة مختصرة إذا بنا نراها تبلغ أحيانا ما يقرب من صفحة.
مضمونها:
يمكن أن تصنف هذه التعليقات حسب الموضوع الذي تدور حوله، وسنورد ما وقفنا عليه من دراستنا لكتاب " السنن ":
1 -
كلامه حول الرجال:
تعتبر هذه التعليقات من الملاحظات الحديثة بوجه عام، ومقدارها في " السنن " لا بأس به، ولو جمعت هذه الملاحظات في الرجال والمتون ونسقت لتكون منها بحث لطيف.
ونستطيع أن نصنف كلامه في الرجال في زمرتين:
الأولى:
كلامه في التعريف بهم وذكر أنسابهم والتحقيق في المختلف فيه منها وتبيان ما اعتراها من تصحيف وغلط.
(1)" السنن " 1/ 354.
والثانية:
كلامه في جرحهم وتعديلهم.
التعريف
من الأمثلة على التعريف بالرجال أنه أورد الحديث 1067 وهو عن الصحابي طارق بن شهاب فقال: (قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا)(1).
ومن ذلك تعريفه قعنب أحد رواة الحديث 2496 فقد عرفه تعريفا مفصلا فقال: (قال أبو داود: كان قعنب رجلا صالحا، وكان أبي ليلى أراد قعنبا على القضاء فأبى عليه، وقال: أنا أريد الحاجة بدرهم فأستعين عليها برجل قال: وأينا لا يستعين في حاجته؟ قال: أخرجوني حتى أنظر، فأخرج، فتوارى. قال سفيان: بينما هو متوار إذ وقع عليه البيت فمات)(2).
ومن ذلك تعريفه بأبي العباس أحد رواة الحديث 2529 وهو (محمد بن كثير، حدثنا سفيان - عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أجاهد؟ قال: ألك أبوان؟ قال: نعم. قال: " ففيهما جاهد (3)».
قال أبو داود: أبو العباس هذا: الشاعر، اسمه السائب بن فروخ) (4). ومن ذلك تعريفه سليمان أحد رواة الحديث 975 فقد قال بعد أن أورد الحديث:(قال أبو داود: سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق)(5).
ومن ذلك تفسيره نسبة أبي مصبح المقرائي أحد رواة الحديث 938 فقد قال بعد أن أورد الحديث يفسر هذه النسبة: (قال أبو داود: المقراء قبيل من حمير)(6).
ومن ذلك تعريفه بأبي زيد أحد رواة الحديث رقم 10 فقد رأى أن ذكر الكنية وحدها لا يكفي فقال بعد أن أورد الحديث: (قال أبو داود: وأبو زيد هو مولى بني ثعلبة)(7).
(1)" السنن " 1/ 384.
(2)
" السنن " 3/ 12.
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (3004)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2549)، سنن الترمذي الجهاد (1671)، سنن النسائي الجهاد (3103)، سنن أبو داود الجهاد (2529)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 193).
(4)
" السنن " 3/ 25.
(5)
" السنن " 1/ 353.
(6)
" السنن " 1/ 340.
(7)
" السنن " 1/ 31.
ومن ذلك تبيينه المراد من أبي شجرة أحد رواة الحديث رقم 666 فقد قال بعد أن أورد الحديث: (قال أبو داود: أبو شجرة كثير بن مرة)(1).
وقد يبين بالتعليق بلد الراوي كما فعل في جعفر بن يحيى بن ثوبان أحد رواة الحديث 672. فقد قال (قال أبو داود: جعفر بن يحيى من أهل مكة) (2).
وقد يكون حديثه عن الرجل في هذه التعليقات تصويبا لخطأ وتصحيف أو تحقيقا لاسم اختلف فيه:
فمن ذلك تصويبه لاسم أحد رواة الحديث 2522 وهو رباح بن الوليد الذي ورد مقلوبا مغلوطا كما يلي: (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن حسان، ثنا الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء. . .) فقد قال مصوبا هذا الخطأ: (قال أبو داود: صوابه رباح بن الوليد)(3).
ومن ذلك إشارته إلى قول آخر في اسم الرجل الوارد في الحديث وقد يكون أحدهما تصحيفا للآخر، كما في الحديث 1007 الذي جاء فيه:«صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمثة فقال: صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم (4)» . قال أبو داود عقب الحديث:
(قال أبو داود: وقد قيل (أبو أمية) مكان (أبي رمثة)(5).
ومن ذلك تحقيقه اسم أحد رواة الحديث 63 وهو محمد بن عباد بن جعفر فقد ورد في رواية مغلوطا فذكر القولين ثم رجح الصواب. وهذا الحديث رواه عن ثلاثة شيوخ وهم محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي. وجاء اسم الراوي في سنده هكذا (محمد بن جعفر بن الزبير) ثم قال:(قال أبو داود: وهذا لفظ ابن العلاء. وقال عثمان والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر. قال أبو داود: وهو الصواب)(6).
وقد يورد أقوالا مختلفة في اسم راو ولا يرجح. كما في الحديث 888 فقد جاء في سنده اسم أحد الرواة: وهب بن فانوس. وبعد أن أورد الحديث قال: (قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: قلت له: مأنوس أو مأبوس. قال: أما عبد الرازق فيقول: مأبوس، وأما حفظي فمأنوس)(7) ولم يرجح.
(1)" السنن " 1/ 252.
(2)
" السنن " 1/ 253.
(3)
" السنن " 3/ 23.
(4)
سنن أبو داود الصلاة (1007).
(5)
" السنن " 1/ 363.
(6)
" السنن " 1/ 48.
(7)
" السنن " 1/ 325.
الجرح والتعديل
إن تعليقات أبي داود التي تتناول الرجال جرحا وتعديلا كثيرة لن نستطيع استقصاءها وسترد أمثلة كثيرة منها الفقرة الآتية التي نتحدث فيها عن كلامه في تضعيف الحديث، ومن أجل ذلك فسأورد بعض الأمثلة هنا اكتفاء بما سيمر بنا في تضعيفه الحديث.
وهو - في جرحه للرجال - إما أن يورد قوله فيهم فقط دون أن ينقل عن بعض العلماء وإما أن يكون الحكم عليهم منقولا عن الأئمة الذين تقدموه.
فمن الأمثلة على جرحه الرجال قوله في (عبد السلام بن حرب) أحد رواة الحديث رقم 14: (وهو ضعيف)(1).
ومن ذلك قوله في (أبان بن طارق) أحد رواة الحديث رقم 3741: (إنه مجهول)(2).
وقد يورد الحكم على الرجال منقولا عن العلماء كما فعل في الحكم على (عبد الرحمن بن إسحاق) أحد رواة الحديث 758 فقد نقل عن الإمام أحمد تضعيفه إياه قال: (قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي)(3).
(1)" السنن " 1/ 32.
(2)
" السنن " 3/ 467.
(3)
" السنن " 1/ 280 - 281.
2 -
كلامه في تضعيف الحديث
لو ذهبت أستقصي تعليقاته في تضعيف الحديث لخرجت عن حدود البحث التي رسمتها لكثرتها مع تنوعها، ولكنني أذكر ما يعطي الفكرة النيرة عن تعليقاته في هذا الموضوع.
فمن الأمثلة على تضعيفه للحديث وبيانه سبب الضعف ما رواه عن شيخه محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري في الحديث رقم 704 ونصه:
(عن ابن عباس - قال أحسبه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة، ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر (1)». ثم قال المؤلف معلقا:
(1)" السنن " 1/ 263.
قال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره، فلم أر أحدا جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحدا جاء به عن هشام. وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم. والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه: على قذفه بحجر، وذكر الخنزير. وفيه نكارة قال أبو داود: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، وأحسبه وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه) (1).
ومن الأمثلة على ذلك تعليقه على الحديث 19 فقد بين درجته ثم ذكر سبب الضعف ونصه: (عن همام، عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (2)». قال: (قال أبو داود: هذا حديث منكر) ثم قال ذاكرا سبب الضعف: (وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن «النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه (3)». والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام) (4).
ومن الأمثلة على ذلك تعليقه على الحديث رقم 132 فقد نقل إنكار أحمد وابن عيينة للحديث؛ وفي سنده (عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده)(قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره، وقال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا: طلحة عن أبيه عن جده)(5).
ومن الأمثلة على ذلك تضعيفه للحديث ببيان انقطاعه أي أن أحد الرواة لم يدرك الآخر، وهذا ما يعبر عنه علماء الحديث بالانقطاع كما في الحديث 616 الذي جاء في سنده:(. . عبد العزيز بن عبد الملك ثنا عطاء الخراساني، عن المغيرة بن شعبة).
قال أبو داود في تعليقه عليه: (قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة)(6).
ومن ذلك تعليقه على الحديث 1978 وقد جاء في سنده أن الحجاج يروي عن الزهري فقال في نقده: (قال أبو داود: هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه)(7).
ومن ذلك تعليقه على الحديث رقم 165 وفي سنده (. . أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة. .) فقال أبو داود يضعفه (وقال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء)(8).
(1)" السنن " 1/ 263.
(2)
سنن الترمذي اللباس (1746)، سنن النسائي الزينة (5213)، سنن أبو داود الطهارة (19)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303).
(3)
سنن أبو داود الطهارة (19).
(4)
" السنن " 1/ 34.
(5)
" السنن " 1/ 68.
(6)
" السنن " 1/ 237.
(7)
" السنن " 2/ 273.
(8)
" السنن " 1/ 79.
ومن ذلك تضعيفه للحديث بنقل أقوال بعض العلماء في توهين الحديث كما في الحديث 1004 وهو: " حذف السلام سنة " فقد قال عقبه:
(قال عيسى: نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث. قال أبو داود: سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي (وهو أحد رواة الحديث) من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه) (1).
ومن تضعيفه للحديث نقلا عن بعض العلماء تعليقه على الحديث رقم 202 فقد قال عقبه: (قال أبو داود: قوله: الوضوء على من نام مضطجعا هو حديث منكر لم يروه إلا أبو يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة) ثم قال: (قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؛ ولم يعبأ بالحديث)(2).
وقد يضعف الحديث بالحكم عليه بأنه وهم دون أن يذكر سبب حكمه كما في فعل في الحديث رقم 944 «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها» . يعني الصلاة قال أبو داود: هذا الحديث وهم) (3).
وقد يضعف الحديث بالحكم عليه بأنه ليس بالقوي، كما فعل في الحديث رقم 158 فقد قال في عقبه:(قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده، وليس هو بالقوي. ورواه ابن أبي مريم ويحيى بن إسحاق والسليمي عن يحيى بن أيوب، وقد اختلف في إسناده)(4).
وكما في الحديث رقم 159 فقد قال عقبه:
(قال أبو داود: وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين (5)» وليس بالمتصل ولا بالقوي) (6).
(1)" السنن " 1/ 361 - 362.
(2)
" السنن " 1/ 91 - 92.
(3)
" السنن " 1/ 342.
(4)
" السنن " 1/ 77.
(5)
سنن أبو داود الطهارة (159).
(6)
" السنن " 1/ 77.
3 -
فوائد حديثية
في تعليقات أبي داود فوائد حديثية أخرى ليست مقصورة على مبحث التصحيح والتضعيف، وسنذكر بعضا منها:
فمن هذه الفوائد تعليقه على بعض الأحاديث بأن ينبه بأن رواة هذا الحديث كلهم مثلا من بلد معين، وهذه مزية خاصة للسند ويدعو بعضهم الحديث الذي يكون سنده كذلك بالحديث المسلسل (1) فمن ذلك تعليقه على الحديث رقم 91 حيث قال:
(قال أبو داود: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد)(2).
ومن ذلك تعليقه على الحديث رقم 155 حيث قال:
(قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة)(3).
ومن ذلك تعليقه على الحديث رقم 870 حيث قال بعده:
(قال أبو داود: وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة. قال أبو داود انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع وحديث أحمد بن يونس)(4).
ومن هذه الفوائد الحديثية: إشارته إلى أن هذا الحديث لم يسند إلا من هذا الطريق كما جاء في تعليقه على الحديث رقم 15 حيث قال (قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار)(5).
ومن الفوائد الحديثية ما يجريه من الموازنة بين روايتين يوردهما.
فقد أورد الحديثين 1053 و1054؛ أحدهما في أن كفارة من ترك الجمعة دينار، وهو عن همام. وثانيهما في أن كفارة من ترك الجمعة درهم - وهو عن أبي العلاء أيوب. وقال بعد أن أوردهما.
(قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني أبا العلاء)(6).
وكذلك فقد أورد الحديث 1024 وهو:
(حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «" إذا
(1)" الحديث النبوي " ص 192.
(2)
" السنن " 1/ 56.
(3)
" السنن " 1/ 76.
(4)
" السنن " 1/ 319.
(5)
" السنن " 1/ 32.
(6)
" السنن " 1/ 380.
شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان. وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمي الشيطان (1)».
قال أبو داود: رواه هشام بن سعد ومحمد بن مطرف عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي خالد أشبع) (2).
واكتفى بهذه الموازنة ولم يورد حديث ابن سعد ولا ابن مطرف.
وقد يعبر عن تفضيله لإحدى الروايتين بأن حديث فلان أتم، كما صنع في الحديث رقم 45 حيث قال:
(قال أبو داود: وحديث الأسود بن عامر أتم)(3)، وكما صنع في الحديث رقم 62 فقد رواه عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن يزيد، ثم أورد تحويلا فقال:(ح وحدثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس قالا: ثنا عبد الرحمن بن زياد. قال أبو داود: وأنا لحديث ابن يحيى أتقن) وبعد أن أورد الحديث قال:
(قال أبو داود: وهذا حديث مسدد وهو أتم)(4).
ومن الفوائد الحديثة التي نجدها في التعليقات ما يتصل بمفهوم المصطلحات كالمرسل، فإن المرسل عند جمهور العلماء هو الحديث الذي سقط منه الصحابي ومنهم من يعم فيطلق المرسل على كل حديث سقط منه راو، ويبدو أن أبا داود من هؤلاء؛ يدل على ذلك تعليقه على الحديث 886 وسنده:(حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي، ثنا أبو عامر وأبو داود عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن زيد الهذلي، عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود. . . إلخ. .).
قال أبو داود: (هذا مرسل: عون لم يدرك عبد الله)(5).
ومن الفوائد الحديثية أنه يذكر أحيانا أن هذا الراوي لم يخرج له في كتابه إلا هذا الحديث كما صنع في الحديث 1036 فقد أخرجه عن جابر الجعفي وهو رافضي كذاب، فقال بعد أن أورده:
(قال أبو داود: وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث)(6).
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (571)، سنن الترمذي الصلاة (396)، سنن النسائي السهو (1238)، سنن أبو داود الصلاة (1024)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1210)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 87)، موطأ مالك النداء للصلاة (214)، سنن الدارمي الصلاة (1495).
(2)
" السنن " 1/ 370 قال في " عون المعبود " 1/ 392: أشبع أي وأكمل.
(3)
" السنن " 1/ 42.
(4)
" السنن " 1/ 48.
(5)
" السنن " 1/ 324.
(6)
" السنن " 1/ 373 - 374.
وكأنه يعتذر بذلك لضعف جابر، وأظن أن مثل هذا التعليق إنما كان من أبي داود في قراءاته المتأخرة للكتاب وليس من تأليفه الأول.
4 -
التعريف بالأمكنة
ويشغل هذا المقصد حيزا ليس بالقليل من التعليقات، ويبحث أبو داود في هذا الأمر بحثا موضوعيا ميدانيا - على التعبير الشائع - فيقوم بنفسه بقياس الأمكنة المذكورة في الحديث ورؤيتها والبحث في التطورات التي حصلت عليها ويصفها كما رآها.
وهذا تفكير علمي صحيح وأسلوب من التحقيق اليقيني في مثل هذه الموضوعات، ومن الأمثلة على ذلك تحقيقه لموضع (بئر بضاعة) وقياسها ووصفها؛ فهو بعد أن أورد الحديث المشهور عن هذه البئر التي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فيها على الرغم مما يطرح فيها من الفضلات فقال صلى الله عليه وسلم:«الماء طهور لا ينجسه شيء (1)» . وبعد أن أورد المؤلف روايتين للحديث قال:
(قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها. قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة.
قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا. ورأيت فيها ماء متغير اللون) (2) فهو أولا يروي ما سمعه عن قتيبة بن سعد ويقره عليه؛ لأنه بعد أن زار البئر لم يذكر لنا خلاف ما روى.
ثم يذكر أنه هو بنفسه قاسها فوجد عرضها ستة أذرع، ويحكي لنا الطريقة التي استخدمها في هذا القياس وهي مد ردائه عليها ثم ذرعه، ويحكي لنا أنه خشي أن يكون بناؤها قد غير عما كان عليه زمن الرسول، فسأل المشرف عليها الذي فتح له باب البستان الذي يضمها. فتأكد من أنها على حالها ثم وصف الماء الذي فيها بأنه متغير اللون.
وهذا صنيع علمي دقيق محمود.
وكذلك فقد عرف المكان الوارد في الحديث 37 وهو حصن باب أليون فقال: (قال أبو داود: حصن أليون بالفسطاط على جبل)(3).
(1) سنن الترمذي الطهارة (66)، سنن أبو داود الطهارة (66).
(2)
" السنن " 1/ 49 - 50.
(3)
" السنن " 1/ 40.
5 -
ذكر مناسبة ورود الحديث
من التعليقات إيراده مناسبة الحديث وغالبا ما يفعل ذلك إذا كان فيه تعارض مع حديث آخر.
مثال ذلك أنه أورد حديثا يمنع الالتفات في الصلاة (1) وهو برقم 909 ثم جاء بحديث آخر برقم 916 يرخص في ذلك، وفيه «فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب (2)» .
قال أبو داود: (وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل)(3) وقد أورد الحديث مفصلا (4) برقم 2501 وكأني به يريد أن يقول إن الأصل عدم الالتفات إلا أن يكون هناك داع تحتمه المصلحة كما في هذا الحديث؛ إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل فارسا إلى الشعب ليلا يحرس، فلما وقف صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح جعل يلتفت، لهذا الاعتبار.
ومن المفيد أن نشير إلى أن هناك كتبا ألفت في بيان مناسبات الحديث من أشهرها كتاب " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف "(5) للعلامة المحدث السيد إبراهيم بن محمد كمال الدين نقيب مصر ثم الشام الشهير بابن حمزة الحسيني الدمشقي المتوفى سنة 1120.
(1)" السنن " 1/ 331.
(2)
" السنن " 1/ 332.
(3)
" السنن " 1/ 332.
(4)
" السنن " 3/ 14.
(5)
وقد طبع هذا الكتاب بمطبعة البهاء بحلب سنة 1329 هـ بمجلدين.
6 -
شرح الكلمات
من أكثر التعليقات ورودا شرحه الكلمات الواردة في الأحاديث وهو على أنواع:
فمنها شرحه المفردة الغريبة دون أن يذكر في الشرح أحدا من العلماء والشراح كما فعل في الحديث 132 حيث قال: (حتى بلغ القذال وهو أول القفا)(1) وكذلك فعل في الحديث 142 قال: (فأتينا بقناع والقناع الطبق فيه تمر)(2) ومن الملاحظ أن هذه الشروح وردت خلال النص، وأحيانا يكون الشرح عقبه، وهكذا فعل في الحديث 947 وهو:(عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة (3)»، قال أبو داود يعني يضع يده على خاصرته) (4).
وكذلك فعل في الحديث 3715 وهو: «قالت سودة: بل أكلت مغافير. قال: بل شربت عسلا سقتني حفصة. فقلت: جرست نحله العرفط (5)» . (قال أبو داود: المغافير: مقلة، وهي
(1)" السنن " 1/ 68.
(2)
" السنن " 1/ 71.
(3)
صحيح البخاري الجمعة (1220)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (545)، سنن الترمذي الصلاة (383)، سنن النسائي الافتتاح (890)، سنن أبو داود الصلاة (947)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 290)، سنن الدارمي الصلاة (1428).
(4)
" السنن " 1/ 343.
(5)
صحيح البخاري الحيل (6972)، صحيح مسلم الطلاق (1474)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3795)، سنن أبو داود الأشربة (3714)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 221).
صمغة. وجرست: رعت، العرفط: نبت من نبت النحل) (1).
وقد ينقل هذا الشرح عن عالم من علماء غريب الحديث:
كما في الحديث 3685 وهو: «نهى صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر والغبيراء وقال: " كل مسكر حرام (2)» . قال أبو داود: (قال ابن سلام أبو عبيد: الغبيراء السكركة تعمل من الذرة، شراب يعمله الحبشة)(3).
وقد تكون الكلمة واضحة المعنى في ذاتها غير أن المراد منها يحتاج إلى إيضاح فيتولى شرح ذلك.
كما في الحديث 666 الذي ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «ولينوا بأيدي إخوانكم (4)» فقال في شرحها: (قال أبو داود: ومعنى «لينوا بأيدي إخوانكم (5)». إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف) (6).
وكما في حديث أنس برقم 413 الذي فيه «حتى إذا اصفرت الشمس (7)» فقد أورد بعد ذلك شرحا لهذه الجملة مسبوقا بسند ينتهي إلى الأوزاعي صاحب الشرح فقال:
(حدثنا محمود بن خالد، ثنا الوليد، قال: قال أبو عمرو - يعني الأوزاعي -: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء)(8).
وقد يكون شرحه للكلمة بيانا للحكم الفقهي. مثال ذلك شرحه لكلمة (عجماء) الواردة في الحديث 4593 من قوله صلى الله عليه وسلم: «العجماء جرحها جبار (9)» . فقال:
(قال أبو داود: العجماء: المنفلتة التي لا يكون معها أحد وتكون بالنهار لا تكون بالليل)(10).
فهو في هذا الشرح إنما يبين المراد من كلمة العجماء في الحديث ممزوجا بالحكم الفقهي ولا يشرح الكلمة من الناحية اللغوية، فبين أن جرحها جبار عندما تكون منفلتة ليس معها أحد، وهذا خاص بالنهار. أما في الليل فلا بد من مسؤولية تترتب على صاحبها إن فرط.
(1)" السنن " 3/ 458.
(2)
سنن أبو داود الأشربة (3685)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 158).
(3)
" السنن " 3/ 449.
(4)
سنن النسائي الإمامة (819)، سنن أبو داود الصلاة (666).
(5)
سنن النسائي الإمامة (819)، سنن أبو داود الصلاة (666).
(6)
" السنن " 1/ 252.
(7)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (622)، سنن الترمذي الصلاة (160)، سنن النسائي المواقيت (511)، سنن أبو داود الصلاة (413)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 185)، موطأ مالك النداء للصلاة (512).
(8)
" السنن " 1/ 168.
(9)
صحيح البخاري الديات (6912)، صحيح مسلم الحدود (1710)، سنن الترمذي الزكاة (642)، سنن النسائي الزكاة (2495)، سنن أبو داود الديات (4593)، سنن ابن ماجه الديات (2673)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 454)، موطأ مالك العقول (1622)، سنن الدارمي الديات (2377).
(10)
" السنن " 4/ 273.
7 -
آراء فقهية
سبق أن رأينا أن آراء الرجل الفقهية نستطيع أن نجدها في عناوين الأبواب من كتابه ونود هنا أن نتحدث عن الآراء الفقهية الكثيرة التي نقف عليها خلال تعليقاته على الأحاديث في كتاب السنن.
ويمكن أن تصنف آراءه أنواعا عدة:
فمن هذه الآراء الفقهية آراء ينسبها لجماعة من الصحابة أو التابعين.
فهو يقول بعد الحديث 159:
(قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك وأبو أمامة، وسهل بن سعد وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس)(1) وهو في هذا يؤيد القول بالمسح على الجوربين بنقله عن هؤلاء الصحابة الذين يرون هذا الرأي.
ويقول في باب سجود السهو تعليقا على الحديث 1035 (قال أبو داود: وكذلك سجدهما ابن الزبير قام من ثنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري)(2).
وفي باب الاحتباء والإمام يخطب أورد حديثين:
أولهما: برقم 1110
عن معاذ بن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (3)» ، وفي سند هذا الحديث سهل بن معاذ وأبو مرحوم، وقد تكلم فيها.
ثانيهما: برقم 1111
عن يعلى بن شداد قال: شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب.
قال أبو داود: كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد، ونعيم بن سلامة قال: لا بأس بها.
(1)" السنن " 1/ 78.
(2)
" السنن " 1/ 373.
(3)
سنن الترمذي الجمعة (514)، سنن أبو داود الصلاة (1110)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 439).
قال أبو داود: ولم يبلغني أن أحدا كرهها إلا عبادة بن نسي) (1). وكأن إيراده ذلك عنهم بعد أن أورد حديثين متعارضين تأييد لأحدهما ورد للآخر، وقد رأينا أنه رد حديث النهي عن الحبوة بأن في سنده رجلين تكلم فيهما.
وكذلك فعل بعد الحديث 152. قال: (قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو) (2).
وقد يورد آراء بعض التابعين، والأمثلة كثيرة يطول ذكرها.
وقد ينقل آراء العلماء التي تتضمن آراء فقهية، فمن ذلك نقله أقوال العلماء في تحديد بعض المقادير. كما فعل بعد أن أورد حديث اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بالصاع ووضوئه بالمد رقم 95 قال:(قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع خمسة أرطال، وهو صاع ابن أبي ذئب وهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم)(3).
ومن أمثلة نقله آراء العلماء الفقهية تعليقه على الحديث 884 قال: (قال أبو داود: قال أحمد: يعجبني في الفريضة أن يدعو بما في القرآن)(4).
وقد وجدت أبا داود في نقله آراء العلماء الفقهية يغلب عليه الاختصار والإيجاز، وقد وجدته مرة يطيل في نقل ذلك إطالة تلفت النظر، وذلك في باب (من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة)(5).
ومن هذه الآراء الفقهية آراء اجتهادية تثبت لنا مقدرته الفقهية ووزنه الراجح في ذلك وهذا كثير ونكتفي بالإشارة إلى بعض الأمثلة.
علق على الحديث رقم 342 التعليق الآتي:
(1)" السنن " 1/ 397.
(2)
" السنن " 1/ 75.
(3)
" السنن " 1/ 57.
(4)
" السنن " 1/ 323.
(5)
" السنن " 1/ 118.