الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمكة وبين الجيوش جبريل وميكال وأشراف القوم وكأنه بهذا يخيف قريشا ويبين لها أنها لا تحارب المهاجرين والأنصار وحدهم بل معهم ملائكة السماء. وأنى لقريش أن تتصدى لمعارك فيها ملائكة الله، وهو بهذا يشير إلى ما جاء في القرآن في قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1){إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} (2){بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (3) فيقول كعب:
فلا تعجل أبا سفيان وارقب
…
جياد الخيل تطلع من كداء
بنصر الله روح القدس فيها
…
وميكال فيا طيب الملاء
الملاء: الملأ وهم أشراف القوم.
(1) سورة آل عمران الآية 123
(2)
سورة آل عمران الآية 124
(3)
سورة آل عمران الآية 125
الهجاء
لقد كان الجبن منقصة عند العرب، وكان الرضا بالذل وصمة، وكان عدم كسب مواقف البطولة معرة ومن تلك الأبواب يلج الشعراء إلى هجاء من يريدون هجاءه وذلك ما اتجه إليه كعب في هجاء ابن الزبعري في قوله:
فسل عنك في عليا معد وغيرها
…
من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا
…
ومن خده يوم الكريهة أضرع
الكريهة: الحرب، الأضرع: الذليل.
وقدمنا قوله في هجاء قريش:
جاءت سخينة كي تغالب ربها
…
فليغلبن مغالب الغلاب
إبراز صفات المسلمين في المعارك وإعدادهم لها
اتسم المسلمون في معاركهم مع عدو الله تحت راية رسول الله بصفات عني الشعراء بإبرازها، وشغل الحديث عنها مشاعرهم وقوافيهم.
(أ) وكان الصبر في المواقف وعدم الفرار حين يستحر القتال من الصفات التي عرف بها المسلمون وصورها كعب في قوله:
صبرنا لهم والصبر منا سجية
…
إذا طارت الأبرام نسمو ونرتق
على عادة تلكم جرينا بصبرنا
…
وقدما لدى الغايات نجري فنسبق
الأبرام: اللئام، نرتق: نصلح.
(ب) حب الاستشهاد في سبيل الله والحق، وفي ذلك يقول كعب:
إن تقتلونا فدين الحق فطرتنا
…
والقتل في الحق عند الله تفضيل
وقوله:
فخرتم بقتلى أصابتهم
…
فواضل من نعم المفضل
فاعتبر القتل في سبيل الله نعمة تفضل الله بها على الشهداء.
وبين مكانة شهيد الإسلام وقتيل الكفر في قوله:
شتان من هو في جهنم ثاويا
…
أبدا ومن هو في الجنان مخلد
(جـ) ملاقاة الشجعان وبذل الغالي من الأموال في الدفاع عن الأحساب، فقال:
جلاد الكماة وبذل التلاد
…
عن جل أحسابنا ما بقينا
(د) إعداد العدة:
عرف العرب في جاهليتهم بالغارة وحب الفتك، وكثيرا ما تغنوا ببطولاتهم، فلما جاء الإسلام هذب طباعهم ونظم شمائلهم، فتجلت ضروب الشجاعة ولكنها لم تكن لحب الفتك وإراقة الدم للتشفي بل لخير الإنسان والإنسانية، ومن ثم أعدوا للمعارك الإسلامية العدة من سلاح وعتاد قبل خوضها ولم يجبنوا عند لقاء الأعداء، أو يفروا عند الزحف.
ومن أروع ما قيل في التقدم في المعارك قول كعب بن مالك:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا
…
قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها
…
بله الأكف كأنها لم تخلق
ونعد للأعداء كل مقلص
…
ورد ومحجول القوائم أبلق
تردي بفرسان كأن كماتهم
…
عند الهياج أسود طل ملثق
صدق يعاطون الكماة حتوفهم
…
تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه
…
في الحرب إن الله خير موفق
الجماجم: الرءوس، ضاحيا: بارزا للشمس، بله: اسم فعل بمعنى: اترك، المقلص: الفرس الخفيف، الورد من الخيل: بين الكميت والأشقر، التحجيل: بياض في قوائم الفرس كلها ويكون في رجلين ويد وفي رجلين فقط وفي رجل فقط ولا يكون في اليدين خاصة، البلق: سواد وبياض وارتفاع التحجيل إلى الفخذين، تردي بفتح التاء: تسرع، الكماة: الشجعان، الطل: المطر الضعيف، ملثق: فيه زلق وطين والأسود عند ذاك تكون أشد هياجا، العطو: التناول، الحتف: الموت، العماية: سحابة الغبار وظلمته، الوشيج: الرماح، المزهق: المذهب للنفوس.
وحول الإعداد للمعارك يدور كثير من شعر كعب بن مالك فيقول في إحدى قصائده:
أجيبونا إلى ما نجتديكم
…
من القول المبين والسداد
والإ فاصبروا لجلاد يوم
…
لكم منا إلى شطر المذاد
نصبحكم بكل أخي حروب
…
وكل مطهم سلس القياد
وكل طمرة خفق حشاها
…
تدف دفيف صفراء الجراد
وكل مقلص الآراب نهد
…
تميم الخلق من أخرى وهادي
ينازعن الأعنة مصغيات
…
إذا نادى إلى الفزع المنادي
الاجتداء: الطلب، الشطر: الناحية، المذاد: موضع بالمدينة، المطهم: الفرس التام الخلق، الطمرة: بتشديد الطاء المكسورة وتشديد الراء المفتوحة: الفرس الجواد، دف الطائر: حرك جناحيه، المقلص: الشديد الآراب: قطع اللحم، النهد بتشديد النون المفتوحة: الغليظ، الهادي: العنق، الأعنة: اللجم.
يطلب الشاعر من الأعداء الصبر على جلاد يوم يجتمعون فيه ناحية المذاد حيث يصبحون هناك بكل مؤاخ للحروب مدرب على أهوالها وبكل جواد سلس وبكل فرس كذلك تتحرك كأنها الجراد وبكل شديد اللحم مكتنز ضخم العنق، وكل تلك الخيول تنازعنا الأعنة وهي مصغية حينما تسمع صوت المنادي وكأنما دربت على الانطلاق حينما تسمعه إلى حيث مصدره.