الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخدرات في الفقه الحنفي
ثم انتقل البحث إلى الفقه الحنفي فقال: إن الحنفية يختلفون في الحكم على المخدرات تشديدا وتخفيفا كما اختلف الشافعية على ذلك الوجه وليس في مذهب التخفيف أقل من إباحة القليل بدون قصد اللهو والباطل. وليس في مذهب التشديد عندهم حكم بنجاسة المادة ولا بحد المتعاطي. وكلهم مجمعون على حرمة التخدير والسكر.
وفي كلام بعض الحنفية أن الخلاف في القليل كان قبل ظهور مفاسدها. فلما ظهرت أجمعوا على حرمة القليل والكثير مما يدل على اتساع أفق الفقه ومسايرته لمصالح العباد ثم نقل عدة عبارات من كتبهم لا تخرج عن ذلك.
ثم نقل البحث ما ورد في كتاب الطلاق في الدر المختار شرح تنوير الأبصار من أنه يقع طلاق السكران ولو كان من الحشيش أو الأفيون زجرا للمطلق. . ثم نقل عن الفتح اتفاق مشايخ الحنفية والشافعية على وقوع طلاق من غاب عقله بالحشيش لفتواهم بحرمته بعد أن اختلفوا فيها وكان اختلافهم؛ لأن المتقدمين لم يصرحوا فيها بشيء لعدم ظهور أمرها فيهم.
ثم انتقل البحث إلى تصوير بعض ما جاء في شرح السنة فأشار إلى ما أورده الشيخ محمد عبد الحق في كتابه عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومما جاء فيه ما نقله شارع هذه السنن تعليقا على حديث أم سلمة «أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- نهى عن كل مسكر ومفتر (1)» قال الطيبي لا يبعد أن يستدل بالحديث على تحريم البنج والشعتاء ونحوهما مما يفتر ويزيل العقل؛ لأن العلة وهي إزالة العقل مطردة فيها وناقش البحث ذلك بأن هذه الأشياء ما دامت تفتر وتزيل العقل فإنها محرمة بهذا النص فما الداعي إلى القياس.؟!
ثم أورد الشيخ شمس الحق شارح السنن نقولا عديدة في تعريف المفتر بأنه كل شراب يورث الفتور والرخاوة في الأعضاء وهو مقدمة السكر كما يقول الخطابي نهى عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر. . ثم أورد نقولا عن المذاهب المختلفة لا تعدو ما سبقت الإشارة إليه ومما أورده أن زهر القطن قوي التفريح يبلغ الإسكار كما في تذكرة داود الأنطاكي في الطب القديم، ومما أورده صاحب عون المعبود أن الزعفران والعنبر والمسك ليس فيها سكر أصلا ولا تفتير ولا تخدير.
ثم انتقل البحث إلى إبراز وجهة نظر الشرع فيما انتهى إليه النظر الحديث المعاصر في مفاسد هذه الخبائث، فنقل فقرا من كتاب (ظاهرة تعاطي الحشيش) للدكتور سعيد المغربي، ومما اقتبس من هذا الكتاب:
(1)
أن الحشيش مما خلفه الاستعمار والحاجة الآن ملحة لإعادة المجتمع الشرقي وتصفيته من تلك المشكلات الحادة والمزمنة، والقانون المصري مهتم بهذه الجريمة اهتماما بالغا مما يدل على خطر هذه السموم ثم قال: إن متعاطي هذه المخدرات قوى معطلة عن العمل والإنتاج.
(2)
للحشيشة آثار سيئة في البدن لما تحدثه من الدوار والشعور بالاسترخاء والنوم العميق والهبوط العام والتصلب في الشرايين.
(3)
إذا اقترب موعد تعاطي المخدر تنتاب المدمن أعراض من التوتر والشعور بالقلق الشديد والانقباض والهبوط العصبي.
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
وقال في هذا إن معظم المدمنين على وعي تام بآثار مدمرة لهم صحيا ونفسيا وأحيانا يكونون في حالة بكاء تشل الجسد عن الحركة حتى يتعاطى النوبة.
(4)
من بين الآثار أن الحشيش يسبب حالة من المرح والتهيج مع اعتماد متعاطيه أنه قادر على كل شيء فضلا عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية وأنه يؤدي إلى ارتكاب الجريمة، وكثيرا ما يصير به ذلك إلى التشرد والسرقة والخوف والجبن، ولهذا كانت له ضحايا كثيرة من مرضى العقول والمجانين.
وقد استوفى البحث عشر نقط مما فهمه المصلحون والمعالجون والمتابعون لضحاياها وصرعى إدمانها وفي نهاية هذه الدراسة يقول الدكتور المغربي: إن القانون لم يحل مشكلة تعاطي المخدر وغيره فألحق أن علاجها من وجهة النظر النفسية والاجتماعية بالرجوع إلى حالة سلوك واقعية.
وتلخيص الحل في التفسير الجوهري للعناصر التي يعيش فيها الفرد بحيث تهيأ له الفرص التي يشبع فيها حاجاته في ظل التكافل الصادق الذي يشعر الشخص بالتفاؤل والنجاح. ويا حبذا لو اتجه الباحث وغيره في الموضوع إلى إيقاظ الوعي الديني وقرع أبواب القلوب والعقول به وغرسه في النفوس ليصلح كل شيء في الأفراد والمجتمعات.
ثم انتقل البحث إلى حكم تناول الدخان فرأى أنه ما كان ينبغي أن تضطرب فيه الأقوال بل كان ينبغي أن يأخذ حكم المخدرات فإنه مفتر وربما كان أشد ضررا وفتكا من غيره من المخدرات.
ثم اقتضت الأمانة العلمية أن ينقل أقوال الفقهاء: فأورد أن صاحب كتاب فتح المعين لأبي مسعود جـ 3 ص 425 يذكر عبارات تبين اختلاف علمائهم في أمره ولا تروي غليلا في شأنه، ومما قال: أن صاحب الدر الشيخ الحصكفي الحنفي حكى عن شيخه الغزي الشافعي أنه حرام؛ لأنه مسكر ومفتر ومنهي عنه في عموم النهي وليس من الكبائر شربه المرة والمرتين وإذا نهى عنه ولي الأمر حرم قطعا.
وأما صاحب الأشباه والنظائر فيرى أنه مباح بناء على ما هو الأصل في الأشياء ولكن هذا ضعيف؛ لأن كون الأصل في الأشياء الإباحة مقيد بما إذا لم يدل الدليل على خلاف ذلك وقد علم أنه داخل في عموم النهي عن المفتر فلا معنى لهذا الاستدلال.
وأما المالكية فقد وردت فتوى في شأنه في كتاب تهذيب الفروق نقل فيها عن حاشية ابن حمدون الفقيه المالكي: أن استعمال القدر المؤثر على العقل منه حرام اتفاقا. أما غيره فقد أطبق المغاربة وأكثر المشارقة على تحريمه. . ثم قال وعلة التحريم أنها تورث خورا فتشارك أولية الخمر في نشوته وقال بعض أئمتهم يكفي حديث أم سلمة «نهى رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر (1)» دليلا على تحريمه ثم قال وعلى هذا فهو نجس ويحرم القليل كالكثير خشية الوقوع في التأثير، قال وأفتى بعضهم بالإباحة كالشيخ عبد الغني النابلسي بحجة أنه مما سكت الله عنه. هو ضعيف كالاستدلال بالإباحة الأصلية ومعناه أن كل ما سكت الله عنه مما لم يكن في عهد النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- فهو مباح، وإن العمومات التي تشمل كثيرا مما لم ينص عليه تفصيلا. وقد انتهى ابن حمدون إلى القول بحرمته بناء على حديث أم سلمة. ثم نقل البحث عن ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية:
(1) سنن أبو داود الأشربة (3686)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 309).
مسألة: أفتى أئمة أعلام بتحريم شرب الدخان وقال ابن عابدين بعد ذلك إن ثبت ضرره فيجوز الإفتاء بتحريمه وإلا فالأصل الحل. . وأوضح أن الشق الأول هو الصحيح وهو الذي ركز عليه المحققون في القول بالتحريم.
ثم قال البحث: إن الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب وتلامذته ينكرون بشدة على متعاطيه ويروا أنه مسكر داخل في عموم قوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- «كل مسكر حرام (1)» وقوله «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (2)» .
وقد كتب في ذلك سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم فتوى أفاض القول فيها بما يثبت خبث الدخان وإسكاره في بعض الأحيان وأدخله في عموم تحريم الخبائث في القرآن الكريم وتحريم كل مسكر في السنة النبوية، وفيه أيضا ما فيه من الإسراف وإضاعة المال بما يزلزل الحياة الاجتماعية.
ثم نقل عن الشيخ محمد العيني من فقهاء الحنفية أنه نص على تحريمه من أربعة أوجه: ضرره الصحي، وكونه مخدرا بلا نزاع، وكراهة رائحته والإسراف في المال بسببه وأطال في بيان تاريخه وأثره السيئ.
ثم نقل فتوى للإمام محمد بن عبد الوهاب تنص على تحريمه بالأدلة الواضحة التي لا تحتمل المناقشة. . ثم نقل البحث إجابة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي يقول فيها: إن شرب الدخان والاتجار به حرام للأدلة الدالة على ذلك وذكر من مضاره الدنيوية أنه من الخبائث وأنه إلقاء باليد إلى التهلكة وأن أهل الدخان من أعرف الناس بأضراره ولكن إرادتهم ضعيفة ومن المضار الدينية أنه يثقل على العبد العبادات ولا سيما الصيام ويدعو إلى مخالطة الأرذال، ومجانبة الأخيار وأطال في سرد مضاره ثم انتهى البحث إلى أن أقل درجات الدخان أنه مفتر مفسد للمال والبدن والأعصاب والعقل وأي حاجة تدعو المرء إلى ما يفسد حياته في دنياه ودينه. والله ولي التوفيق. . .
(1) صحيح البخاري المغازي (4343)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن النسائي الأشربة (5604)، سنن أبو داود الأشربة (3684)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417)، سنن الدارمي الأشربة (2098).
(2)
سنن الترمذي الأشربة (1866)، سنن أبو داود الأشربة (3687).