الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محلها في الثمنية.
4 -
وأما القول بانتفاء الجامع بينهما في الجنس وإمكان التقدير فيمكن أن يجاب عنه بعد تحقيق القول في علة الربا في النقدين فإذا كانت العلة في ذلك الثمنية كما سيأتي بيانه وتوضيحه فالجامع موجود.
5 -
وأما القول بأن الأصل في المعاملات الحل حتى يرد دليل المنع فيجاب بالتسليم بهذه القاعدة إلا أن دليل المنع وارد بناء على أن علة الربا في النقدين الثمنية.
* * *
القول الثالث
الأوراق النقدية فلوس
يتلخص هذا الرأي في أن الأوراق النقدية كالفلوس في طروء الثمنية عليها فما ثبت للفلوس من أحكام الربا والزكاة والسلم وغيرها ثبت للأوراق النقدية مثلها، ويوجه أصحاب هذا القول رأيهم بأن الأوراق النقدية عملة رائجة أعيانها بما رقم عليها رواج النقدين بقيمتها المرقومة عليها، وليست ذهبا ولا فضة، وإنما هي كالفلوس، ولكنهم اختلفوا في مقتضيات هذا القول فمنهم من لم يلحقها بالنقدين مطلقا، فلم يوجب فيها الزكاة إلا بنية التجارة، ولم يجر فيها الربا بنوعيه، ومنهم من فصل فألحقها بالنقدين في وجوب الزكاة وجريان ربا النسيئة فيها للإجماع على حرمته واعتراف من حرم ربا الفضل بأن حرمة ربا النسيئة أشد إثما من ربا الفضل ولدخول النسيئة في الأنواط في عموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (1) ولأن مفسدة بيع عشرة أنواط باثني عشر منها بأحد النقدين إلى أجل لا تقل عن مفسدة بيع عشرة دنانير ذهبا باثني عشر دينارا، وتكاد معرفة الفساد فيهما تكون ضرورية.
وأباح هؤلاء ربا الفضل في الأنواط فأجازوا بيع بعضها ببعض أو بأحد النقدين مع التفاضل إذا كان ذلك يدا بيد؛ لأن ربا الفضل حرم تحريم الوسائل، ولكونها غير نقود حقيقية ولموضع الحاجة، ونظير هذا أن بعض العلماء أجاز بيع الفلوس بعضها ببعض أو بأحد النقدين مع التفاضل إذا كان يدا بيد ومنع من ذلك مؤجلا، ولأن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو إليه الحاجة كبيع العرايا، ولأن بعض العلماء أجاز بيع الحلي من الذهب بالدنانير وبيع الحلي من الفضة بالدراهم متفاضلا يدا بيد فجعلوا للصنعة أثرا.
مناقشة هذا القول:
1 -
إن قياس الأوراق النقدية بالفلوس قياس مع الفارق، ويتبين ذلك فيما يأتي:
(1) سورة آل عمران الآية 130
أ - الأوراق النقدية بمزيد قبولها وكثرة رواجها في المعاملات وطغيانها على سائر الأثمان في سوق المعاوضات صارت موغلة في الثمنية إيغالا لا تقصر دونه الفلوس بل نقود الذهب والفضة بعد ندرة التعامل بهما في المعاوضات.
ب - في انتقال الأوراق النقدية من أصلها العرضي إلى الثمنية قوة أفقدتها القدرة على رجوعها إلى أصلها في حال إبطالها بخلاف الفلوس فهي إذا كسدت أو أبطل السلطان التعامل بها فلها قيمة في نفسها كسائر العروض.
جـ - الأوراق النقدية في غلاء قيمتها كالنقدين بل إن بعضا من الورق النقدي يعجز عن اللحاق بقيمته أكبر قطعة نقدية من ذهب أو فضة.
د - تستخدم الفلوس في تقييم المحقرات من السلع، وهذه المحقرات مما تعم الحاجة إليها فالتخفيف في أحكامها أمر حاجي تقتضيه المصلحة العامة كالعرايا والتجاوز عن يسير الغرر والجهالة.
هـ - نظرا لتفاهة قيمة الفلوس فإن الصفقات ذات القيمة العالية لا تتم بها، وإنما تتم بالنقدين أو بالأوراق النقدية، والربا في الغالب لا يكون إلا في صفقات ذات قيمة عالية نسبيا.
هذه الفروق لها أثرها في إعطاء الأوراق النقدية مزيد فضل على الفلوس تختلف به عنها في الأحكام وتجعلها في معنى النقدين الذهب والفضة في الثمنية وفي جريان الأحكام.
2 -
على فرض التسليم بإلحاق الأوراق النقدية بالفلوس فقد بحث العلماء رحمهم الله مسألة الفلوس، واختلفوا في تكييفها، وانقسموا في ذلك الاختلاف قسمين تبعا لعاملين يتجاذبانها: عامل أصلها وهو العرضية، وعامل ما انتقلت إليه وهو الثمنية، فبعضهم اعتبر أصلها وهو العرضية ففرق بينها وبين النقدين فأثبت لها أحكام أصلها ومنع عنها أحكام النقدين في الربا والصرف والسلم والزكاة وغيرها، والبعض الآخر اعتبرها نقدا وأثبت لها ما للنقدين من أحكام في الربا والصرف والسلم والزكاة وغيرها وبمزيد من العمق في دراسة مسألة الفلوس والموازنة بين الرأيين يظهر وجاهة القول باعتبارها نقدا لها ما للنقدين الذهب والفضة من أحكام.
القول الرابع
الأوراق النقدية متفرعة عن ذهب أو فضة
يتلخص هذا القول في أن الأوراق النقدية بدل لما استعيض بها عنه وهما النقدان الذهب والفضة وللبدل حكم المبدل عنه مطلقا، ويوجهه أصحابه بأن هذه الأوراق النقدية قائمة في الثمنية مقام ما تفرعت عنه من ذهب أو فضة حالة محلها جارية مجراها معتمدة على تغطيتها بما تفرعت عنه منهما والأمور الشرعية بمقاصدها يؤيد القول بثمنيتها أنه إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات ورق لا تساوي بعد إبطالها شيئا مما كانت تساويه قبل الإبطال، ويلزم سلطة الإصدار تعويض حاملها إما بمقابلها من جنس رصيدها وإما بأوراق أخرى تقوم مقام مقابلها من الرصيد ما تراه الدولة من المصلحة.
مستلزمات هذا الرأي:
يستلزم هذا الرأي ما يأتي: -
أ - جريان الربا بنوعيه في الأوراق النقدية.
ب - ثبوت الزكاة فيها متى بلغت قيمتها مائتي درهم فضة أو عشرين مثقالا ذهبا إذا استكملت شروط وجوب الزكاة في النقدين، مع ملاحظة أن ما كان بدلا عن ذهب فلا تجب زكاته حتى تبلغ ثمنيته نصاب الذهب، وما كان بدلا عن فضة فلا تجب زكاته حتى تبلغ ثمنيته نصاب الفضة.
ج - جواز السلم بها.
د - اعتبارها بغض النظر عن أشكالها وأسمائها وجنسياتها متفرعة عن جنسين هما الذهب والفضة فما كان عن ذهب فله حكم الذهب وما كان عن فضة فله حكم الفضة.
هـ - إذا بودل بين نوعين من الورق النقدي متفرعين عن ذهب أو فضة امتنع التفاضل بينهما، وإذا بودل بين جنسين من الورق أحدهما متفرع عن ذهب والثاني متفرع عن فضة جاز فيهما التفاضل إذا كان يدا بيد، وامتنع فيهما التأخير.
مناقشة هذا القول:
هذا الرأي مبني على افتراض أن الأوراق النقدية مغطاة غطاء كاملا بذهب أو فضة، وحيث إن الواقع خلاف ذلك وأن غالب الأوراق النقدية مجرد أوراق وثيقية مستمدة من سن الدولة التعامل بها وتلقي الناس إياها بالقبول، وأن القليل المغطى لا يلزم أن يغطى بالذهب أو الفضة بل قد يغطى بغيرهما من عقار أو أوراق مالية من أسهم أو سندات لا تقدر قيمتها بذهب ولا فضة، وإنما تقدر بعمل ورقية، فضلا عن الحرج والمشقة في القول بهذا الرأي في مسائل الصرف عند اشتراط المماثلة في الجنس وذلك إذا صح ما قيل بانتقاء أي نقد ورقي غطاؤه فضة، ويمكن أن يورد على هذا النقاش ما يلي: -