الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويناقش السابع والثامن بأنه إن صح القول بأن الثمنية علة الربا في النقدين وصح قياس الأوراق النقدية عليها دل ذلك على أنها فرع عنهما لا على استقلالها جنسا أو أجناسا قائمة بنفسها، فما كان منها متفرعا عن الذهب ألحق به وما كان منها متفرعا عن الفضة أعطي حكمها في كل ما يتعلق بالربا والزكاة ونحوهما.
ويناقش التاسع بأمرين:
الأول: أن فيه التصريح باتخاذ رصيد لهذه الأوراق، وأنه سبب الثقة بها وحلولها محل الذهب أو الفضة وكسبها القبول العام والإبراء التام فدل على أنها فرع عما دعمت به من ذهب أو فضة أو ما يقدر بهما من عقار ونحوه فكانت بدلا عن أصلها الذي حلت محله لا جنسا أو أجناسا مستقلة بنفسها.
الثاني: أن اختلاف جهات الإصدار قوة وضعفا وسلطانا وسعة وضيقا واختلافها في نوع ما تدعم به عملتها الورقية لا تأثير له في اختلاف رصيده منهما أو مما قدر بهما فيكون بعض الورق تبعا للفضة وبعضها تبعا للذهب لا غير، يدل على ذلك أن جهات إصدار نقد من الذهب أو الفضة لا يؤثر اختلافها ولا وحدتها في جنس كل من الذهب والفضة بل هما جنسان اتحدت الجهة أو اختلفت.
ويناقش العاشر بأنه لا حرج ولا مشقة في القول بتفرعها عن الذهب والفضة، فإن ما اشترط فيها من المماثلة في بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض قد اشترط فيما هي بديل عنه من الذهب أو الفضة، ولم يعتبر ذلك جرحا، فهكذا لا يعتبر اشتراط المماثلة في حال المعاوضة في البديل حرجا.
* * *
علة الربا في النقدين
نظرا إلى أن الأوراق النقدية أصبحت تلقى قبولا عاما في دنيا المعاوضات كوسيط للتبادل، وأنها بذلك حلت محل الذهب والفضة في الثمنية وحيث إن السنة النبوية نصت على جريان الربا بنوعيه في الذهب والفضة، ونظرا إلى أن أهل العلم اختلفوا في تعيين علة لجريان الربا فيهما.
نظرا إلى ذلك كله كان من المناسب أن يشتمل هذا البحث على بيان أقوال أهل العلم في علة الربا في النقدين ونقاش ما استند إليه كل قول مما يقبل النقاش.
لقد اختلف العلماء في تعليل تحريم الربا في النقدين الذهب والفضة، فمن نفى التعليل أو تعذر عليه إقامة دليل يرضاه لإثبات علة التحريم: قصر العلة فيهما مطلقا سواء كان تبرا أو مسكوكين أو مصنوعين وهذا مذهب أهل الظاهر ونفاة القياس، وابن عقيل من الحنابلة حيث إنه يرى العلة فيهما ضعيفة لا يقاس عليها، فلا ربا عند هؤلاء في الفلوس ولا في الأوراق النقدية ولا في غيرها مما يعد نقدا، وتحريم الربا فيهما عندهم تعبدي، وأما غيرهم فقد استنبط مناطا تنضبط به قاعدة ما يجري فيه الربا إلا أنهم اختلفوا في
تخريج المناط ويمكن حصر آرائهم في ثلاثة أقوال.
* * *
الأول:
يتلخص القول الأول في أن علة الربا في النقدين الوزن لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن (1)» . ولقوله: «الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل (2)» وقوله: «ما وزن مثلا بمثل (3)» وقوله: «بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا، (4)» وقال في الميزان مثل ذلك (5) فجعل ضابط ما يجري فيه الربا وتجب فيه المماثلة الوزن في الموزونات، وطرد أصحاب هذا القول القاعدة في جريان الربا في كل ما يوزن كالحديد والنحاس والرصاص والصفر والصوف والقطن والكتان، وهذا القول هو المشهور عن الإمام أحمد وهو قول النخعي والزهري والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، ويمكن أن يورد على هذا القول ما يلي:
أ - الوزن وصف طردي محض لا مناسبة فيه (6).
ب - العلماء متفقون على جواز إسلام النقدين في الموزنات وهذا بيع موزون بموزون إلى أجل وفي جواز ذلك نقد للعلة.
جـ - أن حكمة تحريم الربا ليست مقصورة على ما يوزن، بل هي متعدية إلى غيره مما يعد ثمنا ولا يتعامل به وزنا كالفلوس والورق النقدي فإن الظلم المراعى إبعاده في تحريم الربا في النقدين واقع في التعامل بالورق النقدي وبشكل واضح في غالبه تتضاءل معه صورة الظلم الواقع في التعامل بالذهب والفضة متفاضلا في الجنس أو نسيئة في الجنسين نظرا لارتفاع القيمة الثمنية في بعضها كفئات المائة ريال والألف دولار.
* * *
الثاني
ويتلخص هذا القول في أن علة الربا في النقدين غلبت الثمنية، وهذا القول هو المشهور عن الإمامين مالك والشافعي، فالعلة عندهما قاصرة على الذهب والفضة، والقول بغلبة الثمنية احتراز عن الفلوس إذا راجت رواج النقدين، فالثمنية طارئة عليها فلا ربا فيها، ويمكن أن يورد على هذا الرأي ما يلي: -
(1) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
(2)
أخرجه أحمد والنسائي ومسلم.
(3)
رواه الدارقطني.
(4)
صحيح البخاري البيوع (2202)، صحيح مسلم المساقاة (1593)، سنن النسائي البيوع (4553)، موطأ مالك البيوع (1314).
(5)
صحيح البخاري.
(6)
انظر الجزء الثاني ص 137 من إعلام الموقعين.
أ - أن العلة القاصرة لا يصح التعليل بها في اختيار أكثر أهل العلم منقوضة طردا بالفلوس؛ لأنها أثمان وعكسا بالحلي (1).
ب - إن حكمة تحريم الربا في النقدين ليست مقصورة عليهما بل تتعداهما إلى غيرهما من الأثمان كالفلوس والورق النقدي.
* * *
الثالث:
ويتلخص في أن علة الربا في النقدين مطلق الثمنية، وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة قال أبو بكر من أصحاب أحمد روى ذلك عن أحمد جماعة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- وغيرهما من محققي أهل العلم (2).
وقد أورد ابن ملفح على هذا القول إيرادا ملخصه: بأن التعليل بالثمنية تعليل بعلة قاصرة لا يصلح التعليل بها في الأكثر منقوضة طردا بالفلوس لأنها أثمان وعكسا بالحلي (3).
ويمكن أن يجاب عن هذا الإيراد بأنه لا يتجه إلا على القائلين بغلبة الثمنية، أما القائلون بمطلق الثمنية فلم يخرجوا الفلوس الرائجة عن حكم النقدين بل اعتبروها نقدا يجري فيه الربا كما يجري فيهما، كما أنهم لم يقولوا بجريان الربا في الحلي المصنوع من الذهب أو الفضة؛ لأن الصناعة قد نقلته من جنس الثمنية إلى أجناس السلع والثياب، ولهذا لا تجب فيه الزكاة على القول المشهور في مذهب الإمام أحمد مع أنه من الذهب والفضة. كما يمكن أن يورد على القائلين بمطلق الثمنية إيراد ملخصه بأن إجماع العلماء منعقد على جريان الربا بنوعيه في الذهب والفضة سواء أكانا سبائك أو مسكوكين، فما سك منهما نقدا فلا إشكال في جريان الربا فيه لكونه ثمنا، وإنما الإشكال في جريان الربا في سبائكهما مع أنهما في حال كونهما سبائك ليسا ثمنا، ويمكن أن يجاب عن هذا الإيراد بأن الثمنية موغلة في الذهب والفضة وشاملة لسبائكهما بدليل أن السبائك الذهبية كانت تستعمل نقدا قبل سكها نقودا، وقد كان تقدير ثمنيتها بالوزن ومن ذلك ما رواه الخمسة وصححه الترمذي «عن سويد بن قيس قال جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجرة فقال له زن وأرجح، (4)» ومثله حديث
(1) انظر الجزء التاسع من مجموع النووي ص 445، وانظر الجزء الثاني من الفروع ص 545.
(2)
انظر جـ 29 من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ص 473 وص 474 وانظر جـ 2 ص 137 من إعلام الموقعين.
(3)
انظر جـ 2 ص 545 من الفروع وتصحيحه.
(4)
سنن الترمذي البيوع (1305)، سنن النسائي البيوع (4592)، سنن أبو داود البيوع (3336)، سنن ابن ماجه التجارات (2220)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 352)، سنن الدارمي البيوع (2585).
جابر في بيعه جمله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال يا بلال أقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا.
هذا ما تيسر إيراده وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. . . . . .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ