الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد يقال إن كراهة مالك لذلك من باب الاحتياط، لا لأنه أنزلها منزلة الذهب والفضة حقيقة بدليل ما جاء في المدونة الكبرى من كتاب الزكاة، قال ابن القاسم: سألت مالكا عن الفلوس تباع بالدراهم والدنانير نظرة ويباع الفلس بالفلسين، قال مالك: إني أكره ذلك وما أراه مثل الذهب والورق في الكراهية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح، وذلك لأن في الأصل لا يتعلق المقصود به بل الفرض أن يكون معيارا لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد بنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثمانا بخلاف سائر الأموال، فإن المقصود الانتفاع بها نفسها فلهذا كانت مقدرة بالأموال الطبيعية أو الشرعية، والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيف ما كانت. أهـ (1).
وبهذا يمكن القول بأن النقد شيء اعتباري سواء كان ذلك الاعتبار ناتجا عن حكم سلطاني أو عرف عام، وقد يقال إن النقد ليس شيئا اعتباريا محضا ناتجا عن حكم سلطة الإصدار بل يتوقف اعتباره نقدا على قيمة ذاتية أو غطاء كامل مع اعتبار السلطة لنقديته أو جريان العرف بذلك.
(1) انظر ص 241 - 252 من الجزء التاسع عشر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
نشأة النقود وتطورها
الإنسان مدني بطبعه، قليل بنفسه كثير بغيره، فكل محتاج إلى ما عند غيره، ومن طبيعة الإنسان أن يضن ببذل ما عنده إلا بعوض، لذا نشأت الحاجة إلى ما يسمى بالمقايضة، ويذكر أن نظام المقايضة قد ساد وقتا ما إلا أن تطور الحياة، وما في الأخذ بالمقايضة من صعوبات أدى إلى الأخذ بوسيط آخر يكون أيسر، ويصلح وحده للمحاسبة، ومقياسا للقيم، وخزانة للثروة وقوة شرائية غير محدودة، إلا أن كل أمة اختارت وسيطا يناسب البيئة التي تعيشها، ولم يعد هذا الوسيط أن يكون سلعا متنوعة من الأصداف، والخرز، والرياش، وأنياب الفيلة، ونحوها، ولما تطورت الحياة البشرية ظهر عجز السلع عن مسايرة هذا التقدم فاتجه الفكر إلى وسيط سهل الحمل عظيم القيمة له من المميزات ما يحفظه من عوامل التلف والتأرجح بين الزيادة والنقصان، فاتخذوا الوسيط للتبادل من المعادن النفيسة على شكل سبائك وقطع غير مسكوكة، غير أن اختلاف أنواعها وعدم وجود سكة لها أدى إلى التلاعب في وزنها، وإلى صعوبات في تقديرها عند التبادل، فتدخل ولاة الأمر ورأوا احتكار إصدار الوسيط