المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌لائحة الأعداد

- ‌من كلمات جلالة الملك فيصل رحمه الله

- ‌من كلمات سمو ولي العهد. . الأمير فهد بن عبد العزيز حفظه الله:

- ‌سلاح العصر يحمل لواء الدعوة

- ‌المجلة بين الكتاب والصحيفة اليومية

- ‌دعاة أمناء لرسالة عظمى

- ‌القدس. . والفيصل. . والإسلام

- ‌تقديم

- ‌الدين والتدين

- ‌مفهوم الدين

- ‌ البحوث

- ‌مفهوم التدين

- ‌موقف البشر من الديانات ومدى تمسكهم بها

- ‌مستحيل أن تزول الديانات وتتلاشى ظاهرة التدين أمام تيار المادية

- ‌أثر الدين في حياة الفرد والمجتمع

- ‌الخلاصة

- ‌وجوب تحكيم الشريعة الإسلاميةفي شئون الحياة

- ‌أولا: المبادئ والأسس التي تقتضي التحاكم إلى شرع الله

- ‌التسخير الكوني والتسخير الشرعي:

- ‌تحكيم شريعة الله من أركان الإيمان

- ‌ثانيا: النصوص القرآنية الدالة على تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌الكفر العملي والكفر الاعتقادي

- ‌ثالثا: بواعث الخروج عن تحكيم الشريعة الإسلامية

- ‌ باعث النفاق:

- ‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌اللغة العربيةلسان وكيان

- ‌ مقدمة

- ‌حقيقة التلازم بين الإسلام والعربية

- ‌تآمر الأعداء على اللغة العربية

- ‌لغة عربية جديدة

- ‌مقارنة بين أسلوب الحديث النبويوأسلوب القرآن الكريم

- ‌اختلاف الأسلوب ينم عن اختلاف الذاتية

- ‌كعب بن مالكشاعر السيف والقلم

- ‌ظهور الإسلام وانتشاره في المدينة

- ‌أول لقاء الشاعر برسول الله

- ‌الغزوات التي شهدها كعب

- ‌ما نزل فيه من القرآن

- ‌روايته الحديث

- ‌مواقفه من الفتنة الكبرى

- ‌كعب بن مالك أحد شعراء الرسول

- ‌موضوعات شعره في الإسلام

- ‌الفخر والرد

- ‌شعر الوعيد والتهديد

- ‌الهجاء

- ‌إبراز صفات المسلمين في المعارك وإعدادهم لها

- ‌شعر الغزوات

- ‌إجلاء بني النضير

- ‌بدر الآخرة

- ‌غزوة الخندق أو الأحزاب

- ‌المراثي

- ‌نظرة في شعر كعب

- ‌مسلمة بن عبد الملكمجاهد على الدوام

- ‌رواية الحديث عن الخليفة الخامس

- ‌على فراش الموت بين مسلمة وعمر بن عبد العزيز

- ‌حركة الإصلاح الدينيفي القرن الثاني عشر

- ‌ميلاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌النظريات التي قامت عليها الدعوة

- ‌النظرية الأولى

- ‌النظرية الثانية

- ‌النظرية الثالثة:

- ‌آراء بعض المستشرقين في حركته الإصلاحية

- ‌كتابات عن الحركة لقادة الفكر في الشرق

- ‌مراجع عن الحركة

- ‌كتب صنفها الشيخ رحمه الله وأبناؤه وأحفاده

- ‌المفتي في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف المفتي

- ‌منزلة المفتي

- ‌شروط المفتي

- ‌أمور ينبغي للمفتي أن يتفطن لها

- ‌خاتمة

- ‌حكمالسعي فوق سقف المسعى

- ‌الخلاصة

- ‌حكمالأوراق النقدية

- ‌نشأة النقود وتطورها

- ‌قاعدة النقد الورقي

- ‌سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة تعامل

- ‌آراء فقهية في حقيقة الأوراق النقدية

- ‌الأوراق النقدية أسناد

- ‌ الأوراق النقدية عرض من العروض

- ‌الأوراق النقدية فلوس

- ‌الأوراق النقدية نقد قائم بنفسه

- ‌علة الربا في النقدين

- ‌الخلاصة

- ‌حكمتمثيل الصحابة

- ‌قرار رابطة العالم الإسلامي

- ‌فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل

- ‌ تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌قرار لجنة الفتوى بالأزهر

- ‌مفاسد تمثيل الأنبياء

- ‌ حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية

- ‌قصص الأنبياء في السينما

- ‌أفلام دينية يروج لها أعداء الإسلام

- ‌قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌تراجم الفقهاء

- ‌القيمة العلمية للتراجم

- ‌معالم مناهج الفقهاء

- ‌مصنفات الشافعية

- ‌مصنفات الحنابلة

- ‌مصنفات المالكية

- ‌مصنفات الحنفية

- ‌ أساتذة أبي داود

- ‌الباب الثاني:سنن أبي داود

- ‌ أول من صنف السنن

- ‌ثناء العلماء على السنن

- ‌الضعيف في سنن أبي داود

- ‌موازنة بين سنن أبي داود والصحيحين

- ‌زوائد أبي داود

- ‌ المصطلحاتفي تعليقات أبي داود

- ‌مخطوطات كتاب سنن أبي داود

- ‌الكتب التي ألفت حول السنن

- ‌خاتمة

- ‌مراجع البحث

- ‌نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات

- ‌المخدرات في الفقه الشافعي

- ‌المخدرات في الفقه الحنفي

- ‌موقفالشريعة الإسلامية من المسكرات والمخدرات

- ‌التوصيات

- ‌التعاون الدولي في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة الزراعة والإنتاج

- ‌رفع الكفاءة في مكافحة المخدرات:

- ‌مكافحة تعاطي المخدرات:

- ‌أولا: حلقة الخطط والمناهج الجامعية

- ‌ثانيا: حلقة الدعم المتبادل

- ‌رابعا: حلقة التنمية والتطوير

- ‌خامسا:حلقة العلوم والتكنولوجيا

- ‌سادسا: حلقة التربية والتعليم

- ‌التوصيات

- ‌المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي

- ‌حوار مع الأمين العام للأمانة العامة للدعوة الإسلامية

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌أسلوب الدعوة وما يجب أن يكون عليه الداعي

- ‌نماذج من دعوة الرسول

- ‌وجوب تبليغ الدعوة والقيام بها

- ‌هيئة التوعية في الحجتستقبل ملايين الحجاج

- ‌تراث من نور

- ‌أخبار إسلامية دولية

- ‌إنارة الطريق البري للحجاج

- ‌كلية القرآن الكريم

- ‌وثائق تاريخية

- ‌المبايعة

- ‌كلمة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله

- ‌ أمر ملكي

الفصل: ‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله

وطواغيت الأرض الذين يتحكمون في عباد الله بأهوائهم ومطامعهم وتعسفهم واستبدادهم يكرهون الإسلام لأنه الدين الحق ويتمردون على حكمه لأنه لا يقضي إلا بالعدل. وهم متجبرون ظالمون.

ص: 86

‌رابعا: آثار الحكم بغير ما أنزل الله

وللحكم بغير ما أنزل الله آثاره السيئة في حياة الفرد وحياة الأمة، وفساد الحياة كلها.

أ - له آثاره في حياة الفرد بفراغ النفس وانحراف السلوك، فإن النفس البشرية إذا لم تكن عامرة بالإيمان بالله وحده، خاضعة لشريعة مزقتها الأهواء والشهوات، وأورثتها الاضطراب والخلل، والحيرة والفراغ، فالعبد المؤمن يدين لإله واحد، يطيع أمره، ويخضع لسلطانه، فهو يعرف طريقا واحدا يسلكه، ولا تتنازعه قوة أخرى تشده إليها كالعبد الذي يملكه سيد واحد، يتلقى منه أوامره فيتمثلها، يعمل ما يرضيه، ويسير في اتجاه واحد لا ينازعه فيه منازع، فهو مستقر النفس مستريح البال {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} (1) إنهما لا يستويان، فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد يتعلق بإله واحد، يهتدي به ويسير على شرعه ويؤمن بأنه مصدر ما في الحياة من نفع وضر، فإليه يتجه في كل أحواله، ومنه يستمد العون، إنه يسلك اتجاها واحدا لا يزيغ عنه، فيحقق بذلك الاستقامة والطمأنينة والاستقرار.

وخواء النفس من الدين، في فراغها من الانصياع لشريعة الله يبعث فيها الضجر والملل فتنفس عن ضيقها بالانحرافات السلوكية، والشذوذ في المجتمع، وتلك حقيقة يسجلها واقع العالم الحديث، فهذه الدول الراقية. قد استطاعت أن تحقق للإنسان متعة المادة، ولكنها جعلته فارغ الروح، يطارده هذا الفراغ، فيهرب من الحياة الناعمة التي يعيشها، بل يهرب من نفسه التي بين جنبيه، فيلجأ إلى التخلص من ذلك الشقاء بالانتحار الذي يفقده الحياة إلى الأبد، أو بإدمان المخدرات والخمور حتى ينسى الحياة وينسى نفسه بالسكر فترة من الزمن، وتدل إحصائيات هذه الدول على أن الأمراض العصبية وحوادث الانتحار، ونسبة الجريمة والشذوذ ترتفع من سنة إلى أخرى وتزداد من عام لآخر، وحين يفقد أحدهم وسيلة الهرب من الحياة يلجأ إلى الشذوذ والخروج عن مظاهر المجتمع، وليست ظاهرة " الهيبز " و " الخنافس " سوى التعبير عن هذه الحقيقة المرة.

ب - وللحكم بغير ما أنزل الله آثاره السيئة في حياة الأمة، وكيان المجتمع، لأن الأمة التي تعيش بلا ضمير ديني لا يحول القانون الوضعي بينها وبين ارتكاب الجريمة والفساد في الأرض.

(1) سورة الزمر الآية 29

ص: 86

لقد تقدمت الدراسات النفسية، والدراسات الاجتماعية، والدراسات القانونية لتحد من تفاقم الشر وانتشار الجريمة ولكنها باءت بالفشل، ففي طبيعة البشر أن يتمرد على البشر إنه يشعر إزاء سائر الناس أنه إنسان وأنهم أناس وأن هذا الاشتراك في البشرية يقتضي أن يكون الجميع سواء في الحقوق كلها، فعلام يدين بالولاء والطاعة لقانون من وضع البشر؟

أيدين له فرارا من جزاء مخالفة بحرمان دنيوي؟ أو عقوبة دنيوية؟ إذا فالخطب غير عسير، ففي استطاعته أن ينقض عرى هذا القانون عروة عروة، ويهدم بناءه لبنة لبنة في غفلة من حراسة القانون ورجال الأمن ولا يمتلك القانون عقوبة في الدار الآخرة، ولا يعلم أسرار الناس وبواطنهم.

أما التشريع السماوي فإنه يستمد سلطته من الله الذي خلق الخلق، وهو يعلم السر وأخفى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1) وهذا يبعث في نفس المسلم مراقبة الله والحفاظ على شريعته في الغيب والشهادة، بل يغرس فيها الإخلاص الذي يرعى حرمات الله عن صدق، ظاهرا وباطنا، فطاعة التشريع السماوي من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يكفي في تحقيقها السلوك الظاهري في مرأى الناس، بل لا بد فيها من خشوع القلب، واطمئنان النفس، والانقياد لها بين حنايا الضلوع، والإفلات من عقوبة الدنيا بالتستر والمخاتلة لا يغني فتيلا عن عقوبة الحياة الآخرة، ولذا قرن الله في أحكام الشريعة الجزاء الأخروي بالجزاء الدنيوي، فإن أفلت المرء من هذا لم يفلت من ذاك. يقول تعالى في القتل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2) ويقول في المحاربة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3)

وفي القذف: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4)

وبهذا يتربى الضمير المؤمن الحي الذي يسهر على رعاية حرمات الله، فإن القضاء لا يحل حراما ولا يحرم حلالا.

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم، فقال:«أيها الناس إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها (5)» .

(1) سورة غافر الآية 19

(2)

سورة النساء الآية 93

(3)

سورة المائدة الآية 33

(4)

سورة النور الآية 23

(5)

صحيح البخاري المظالم والغصب (2458)، صحيح مسلم الأقضية (1713)، سنن النسائي آداب القضاة (5401)، سنن أبو داود الأقضية (3583)، سنن ابن ماجه الأحكام (2317)، موطأ مالك الأقضية (1424).

ص: 87

والأمة التي تحيد عن شريعة الله بعد أن أكرمها الله تعالى بها تستحق عقاب الله، وإذا كان الله قد أكرم هذه الأمة فلم يعاقبها عقوبة إبادة كما عاقب الأمم المكذبة السابقة، فإنه يعاقبها بكوارث الحياة، ونوازل الدهر، فيتخلى عن نصره لها، وتتوالى عليها أحداث الزمن، ويذيقها عدوها بأسه، فتطحنها نكبات الهزيمة، وتسام الذل والهوان، وينوء كاهلها بمصائب الخوف والفقر، ويومئذ لا تنفعها المعذرة حتى تفيء إلى شرع الله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (1) {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (2) {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (3) ويقول تعالى في تهديد من تسول لهم نفوسهم الخروج على شريعة الله:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (4)

ويذكر الله تعالى أنه حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمته في حياته، أو كانت شريعته فيها بعد مماته، فإن الخروج عن طاعته وطاعة شريعته يورث الضعف والمشقة والهلاك، ولكن حب الإيمان وجمال معانيه في القلب وكراهة المخالفة - لكن هذا العاصم من الخروج عن الطاعة الذي فيه الكفر والفسوق والعصيان {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (5){فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (6)

ولقد استبدلت كثير من دول الإسلام بشريعة الله قوانين البشر ومذاهبهم ورفعت شعارات براقة، وأوهمت شعوبها بأن هذا هو سبيل رخائها وعزها فماذا كانت النهاية؟ كانت عار الهزيمة، وذل الخيانة، ومأساة التضليل، وانهيار الاقتصاد، وفساد المجتمع، وضياع الفضيلة، وإهدار القيم، ووأد الحريات، وتلك هي سنة الله في أمة أنزل الله في كتابها قوله:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (7) وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (8)

جـ - وللحكم بغير ما أنزل الله آثاره السيئة في فساد الحياة كلها:

لقد استخلف الله الإنسان على الأرض ليعمرها بهداية السماء، وسخر له ما في السماوات والأرض جميعا منه، ووفقه إلى الاستفادة من طاقات الكائنات وما أودعه الله فيها من قوى، واستطاع الإنسان في العصر

(1) سورة النساء الآية 61

(2)

سورة النساء الآية 62

(3)

سورة النحل الآية 112

(4)

سورة المائدة الآية 49

(5)

سورة الحجرات الآية 7

(6)

سورة الحجرات الآية 8

(7)

سورة الأنفال الآية 53

(8)

سورة الرعد الآية 11

ص: 88

الحديث أن يبتكر ويبدع، وأن يأتي بعجائب الحياة، ويستحوذ على طاقات هائلة في الكون، وحسن استخدام هذه الطاقات هو الذي يحقق للبشرية الرخاء والأمن، وسبيل ذلك هو الوقوف في استخدامها عند شرع الله بالحكمة والعدل وحماية الحق والذود عن حياضه، ورفع لوائه، وهذا يعني أن تكون تلك القوى بيد مؤمنة أمينة مهتدية، وإلا كانت وسائل هدم وخراب ودمار وفساد.

هذه حقيقة يدركها الناس اليوم، وهم يشاهدون التقدم العلمي الباهر في الاستفادة من طاقات الأرض والماء والهواء، وقد تحول إلى صراع دولي مدمر، يوشك أن يأتي على بنيان الحضارة الإنسانية من القواعد، ويحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق، ولو اشتعلت حرب ذرية نووية لأصبح الهواء سموما قاتلة والعمران براكين ثائرة، والجو نارا متقدة.

فإذا أضفنا إلى ذلك كله ما تحمله المذاهب والقوانين البشرية من تدمير للأخلاق، وانهيار للمجتمع أدركنا كيف يكون فساد السماوات والأرض على يد الإنسان المتمرد على شريعة الله الذي يجعل الحق تبعا لهواه، وهذا هو ما ذكره الله تعالى في قوله {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (1){وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (2)

إن الحق هو ناموس الله للوجود كله، وهو ثابت لا يتغير ولا تتخلف سنته، وأهواء الناس متعارضة متضاربة، ولو ساير الحق أهواءهم لفسدت أوضاع الحياة كلها، تفسد حياة المكلفين بفساد أهوائهم وأعمالهم، وتفسد سائر الكائنات لأنهم قائمون عليها بالتدبير تسخيرا من الله، فالكون كله لا يكون متناسق الأجزاء حتى يكون خاضعا لله شرعا وتسخيرا.

والأمة التي أشرقت فيها رسالة الإسلام هي أولى الأمم لاتباع هذه الرسالة لما في ذلك من مجد لها وشرف، وقد ظلت الأمة العربية لا ذكر لها في التاريخ حتى جاء الإسلام فارتفع شأنها، وذاع صيتها، وظل هذا الذكر يدوي في آذان الدنيا ما استمسكت به، وتضاءل بقدر تخليها عنه، ولن يعود لها ذكر مرة أخرى إلا به. فهل من مجيب؟

(1) سورة المؤمنون الآية 70

(2)

سورة المؤمنون الآية 71

ص: 89

الشيخ مناع خليل القطان

1 -

ولد في قرية " شنشور " إحدى قرى المنوفية بمصر سنة 1925 م.

2 -

حفظ القرآن الكريم في مكتب القرية، وأنهى دراسة المرحلة الابتدائية.

3 -

التحق بالأزهر - معهد شبين الكوم - وتخرج من كلية أصول الدين، ثم التحق بتخصص التدريس وحصل على العالمية مع إجازة التدريس.

4 -

عمل في التدريس بمصر، ثم قدم إلى المملكة العربية السعودية معارا للتدريس بالمعاهد العلمية سنة 1373هـ - 1953 م.

5 -

عمل مدرسا في معهد الرياض العلمي، ثم في معهد عنيزة، ثم في معهد الأحساء.

6 -

رقي مدرسا بكلية الشريعة سنة 1377 هـ ثم كان محاضرا في المعهد العالي للقضاء منذ تأسيسه سنة 1385 هـ وعضوا في مجلس المعهد.

7 -

عين مديرا للمعهد العالي للقضاء سنة 1393 هـ ولا يزال، وعضو المجلس الأعلى لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومجلس الجامعة.

8 -

عضوا للجنة الفرعية لسياسة التعليم ومقررها، ويشرف على مواد التشريع الإسلامي في كلية قوى الأمن الداخلي.

9 -

حضر عدة مؤتمرات إسلامية في دورات: رابطة العالم الإسلامية، ومؤتمر القدس، ومؤتمر كراتشي، ومنظمات الشباب المسلم العالمية، والمنظمات الإسلامية، ومؤتمر مكافحة المخدرات، ومؤتمر رسالة الجامعة.

10 -

مؤلفاته:

1 -

مباحث في علوم القرآن.

2 -

تفسير آيات الأحكام.

3 -

نظام الأسرة في الإسلام.

4 -

الدعوة إلى الإسلام.

5 -

الإسلام رسالة الإصلاح.

6 -

نظرية التملك في الإسلام.

11 -

له نشاط إعلامي في الإذاعة، وأبحاث منشورة في المجلات الإسلامية.

ص: 90