الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* بنات نعش الكبرى: سبعة كواكب * السماك: برج في السماء * المدخل: النافذ إلى الداخل * أستدوا: حاربوا تحت رايات شتى * لم ينقلوا: لم تتغير حالهم * الغمام: المسبل: الممطر * الردى: الموت * ينكلوا: يرجعوا هائبين من عدوهم * الفنق: فحول الإبل الواحد فنيق * المرفل الذي تنجر أطرافه على الأرض.
* * *
نظرة في شعر كعب
تستطيع بعد أن قدمنا الكثير من النماذج لشعر كعب والتي أردنا بها أن نضع ذلك الشاعر في المكان الملائم لتلك الشاعرية، تستطيع عندئذ أن تدرك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم إليه كعب لأول مرة في الكعبة فقال: كعب الشاعر؟» فقضى له بالشاعرية لم يكن ليقضي بذلك لولا أنه بلغه من شعره قبل إسلامه ما رآه أهلا للحكم بأنه الشاعر، وحسبه شهادة الرسول ومع هذا فتلك النماذج بين يديك ودون التأثر بحكم تستطيع أن تقرأ في دقة وتمحيص لتخرج كما خرجنا بالحكم له بأنه مصور دقيق يتخذ من الكلمات المناسبة مادة للصورة، وتلك صورة لجيش المشركين وقوامه ثلاثة آلاف سوى الأحابيش يرى الشاعر في ذلك العدد العظيم، والعدد التي يموج فيها من الدروع والسيوف والحراب وكلها يلمع تحت أضواء الشمس ما يشبه البحر المائج فيقول:
فجئنا إلى موج من البحر وسطه
…
أحابيش فيهم حاسر ومقنع
فيكشف بذلك عن صورة تصطخب فيها الكثرة والحركة واللون، وفي وسط الموج المتقلب صورة أشبهتها صورة الأحابيش وهم بين حاسر تجلى سواده الفاحم ومقنع ستر سواده بقناع أبيض، وقدم في نفس القصيدة صورة السهام وهي تقع تارة بأبدان الرجال وتارة لا تصيب الهدف فتنطلق في الحجارة اللينة ترعد أصواتها في قوله:
تصوب بأبدان الرجال وتارة
…
تمر بأعراض البصار تقعقع
ويقدم صورة للخيل تسبح في الفضاء كأنها جراد ماجته ريح الصبا الباردة هنا وهناك فهو يذهب ويجيء، وهكذا تكون صورة الخيل حين يكر بها الفرسان حينا ثم يرجعون ليهتبلوا فرصة للكر، فهي كذلك تتريع وتجيء وتذهب وذلك في قوله:
وخيل تراها بالفضاء كأنها
…
جراد صبا في قرة يتريع
ويقدم في نفس القصيدة صورة للصحاري والجبال وكأن سوادها يتراءى من البعد كغبار ساكن منقطع وذلك في قوله:
صحار وأعلام كأن قتامها
…
من البعد فقع هامد متقطع
* * *
وإن: شاعرنا هذا صادق كل الصدق في التصوير، فهو ابن بيئته ترجم كل ما ألهمته له البيئة في صور كأنها لوحات مصور تفنن في إضفاء الألوان والظلال عليها فعاشت على الأجيال يرى فيها المسلمون أمجادهم ويرى فيها العرب صور البادية في صحاراها وأعلامها وعينها وآرامها ونعامها، تلك البادية التي أنجبته، وكأننا ونحن نردد شعر كعب نعيش معه في عصره، ونلحظ بأبصارنا روائع المشاهد التي ألهمته الصور. وكأننا نرى صورة سلع والعريض والصماد، وحدائق النخيل التي تروى بالنضح والآبار الضيقة التي حفرت من عهد عاد، وهي ثابتة دائمة يعلو فيها نهر المرار، وكأننا نرى الغاب والبردي الغليظ الصوت الذي اصفر للحصاد، كأننا نرى ذلك كله حين نقرأ له:
ألا أبلغ قريشا أن سلعا
…
وما بين العريض إلى الصماد
نواضح في الحروب مدربات
…
وخوص ثقبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها
…
فليس بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبردي فيها
…
أجش إذا تبقع للحصاد
* سلع والصماد: جبلان * العريض: واد * النواضح: النخيل التي تسقى بالنضح * الخوص: الآبار * المرار: نهر، الجمام جمع جمة وهي البئر الكثيرة الماء * والثماد: الماء القليل: أجش: عالي الصوت، تبقع: اصفر.
* * *
وليس: ثمت من شاعر عربي جاهلي أو مخضرم لم يتحدث عن الخيل؛ لأنها العماد الثاني لذلك المجتمع الذي عاش في جاهليته وصدر إسلامه، بين غبار المعارك الذي لا يخمد إلا ليشتعل، ومن ثم اعتمدوا على الخيل في تلك الحروب، واعتمادهم ذلك دعا شعراءهم إلى الحديث عنها في أشعارهم كسلاح هام من أسلحة القتال أو كعدة من عدده؛ ولأننا قلنا إن شاعرنا ابن بيئته المصور المعبر عنها نرى أنه لابد قبل أن نختتم الحديث عنه أن نقدم صورة للخيل في شعره: قال في قصيدة مطلعها:
أبقى لنا حدث الحروب بقية
…
من خير نحلة ربنا الوهاب
ونزائعا مثل السراح نمى بها
…
علف الشعير وجزة المقضاب
قودا تراح إلى الصياح إذا غدت
…
فعل الضراء تراح للكلاب
وتحوط سائمة الديار وتارة
…
تردي العدا وتئوب بالأسلاب
* النزائع: الخيل العربية التي حملت من أرضها إلى أرض أخرى * السراح: الذئاب جمع سرحان * جزة المقضاب: ما يجز من النبات ويقطع * قود: طوال * تراح بفتح التاء: تنشط * الضراء: الكلاب الضارية في الصيد، والكلاب بتشديد اللام الصائد صاحب الكلاب * السائمة: الماشية المرسلة للرعي * تردي: تهلك، تئوب: ترجع. كأننا بالشاعر يقدم الحديث عن الخيول التي غنمت أو التي اشتريت ثم نقلت لتعيش في أرباض المدينة، وشبهها بالذئاب في سرعة عدوها وخفة حركتها، وذكر الشاعر أن نموها كان بسبب علف الشعير وما يجز لها من النبات بالمقضاب، ثم صور جسدها فوصفه بالطول في قوله: قود وهو جمع أقود وقوداء، ثم صور نشاطها وحركتها حين تسمع الصياح فتفعل فعل كلاب الصيد حين تنشط وتنطلق وقد سمعت صوت الكلاب (صاحبها) وهو يهيب بها نحو الفرائس وكأن الخيول دربت على الاندفاع حين تسمع الصياح.
وهذه الخيول ينتفع بها في السلم والحرب، فهي في السلم تحوط السوائم وترعاها من سطوة الذئاب، وأما في الحرب فهي مهلكة للأعداء وتئوب بالغنائم والأسلاب.
وإنا حين نلقي نظرة على هذه الأبيات من تلك القصيدة الطويلة نلمس قوة (لبيد) وأسلوب لبيد وروح لبيد وكأن انطباعات الجاهليين تنعكس على شعره فهو متأثر إلى حد كبير برءوس شعراء الجاهلية وإن كان مخضرما وفي شعره الكثير من المعاني التي جاء بها القرآن والإسلام.
وقد لا نجد في هذا اللون الكثير من الوهن الذي ربما نراه في شعر غيره من شعراء صدر الإسلام الذين اتهموا بضعف شعرهم الإسلامي؛ لأنه مرتجل أو لأنه يحمل حقائق إسلامية صادقة.
وقد قيل: إن أعذب الشعر أكذبه: والحقائق تجافي الكذب، وربما كان سبب ضعف شعرهم، ذلك السرد التاريخي وقد لا يكون من إسراف القول إذا قلنا: إن كعب بن مالك قمة شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم وحسبه من بين الصحابة أن يكون واحدا من اثنين حملا في سبيل الدعوة السيف والقلم هما: كعب وابن رواحة، فكان كعب صاحب السيف الذي نافح عن الإسلام ورسوله ونصر كلمته وكان صاحب القلم الذي ذاد عن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - هجمات شعراء قريش بل طعن فأدمى ووخز فأخزى " جزاه الله وأحسن بين المجاهدين مثواه ".