الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يتعمد القتل (1).
(1) البغدادي، أبو محمد بن غانم، مجمع الضمانات ص 179 - 180، قاضي خان، الفتاوى 2/ 402، 403.
(39)
المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي:
فلو كانت مسألة الحفرة بحالها وكان حافر الحفرة قد حفرها متعديا، وسقط رجل فيها على إنسان بداخلها فقتله أو على حاجة فأتلفها فالضمان على الحافر؛ لأنه هو المتعدي بحفرها فعليه ضمان الساقط والمسقوط عليه، لأنه بمنزلة الدافع لمن سقط، والساقط بمنزلة المدفوع فيكون تلف الكل مضافا إلى الحافر (1).
ومن فروع القاعدتين السابقتين:
إذا كانت المسألة بحالها ومات الساقط الثاني بوقوعه على الذي بداخل الحفرة. هنا ننظر:
فإن كان الساقط الثاني متعمدا بإلقاء نفسه في الحفرة فلا ضمان على أحد؛ لأنه مباشر لقتل نفسه.
وإن وقع خطأ، فإن كان حفر الحفرة عدوانا فالدية كاملة على عاقلة الحافر؛ لأنه متسبب متعد، والمتسبب يضمن بالتعدي، وإن لم تحفر عدوانا فلا ضمان على المتسبب؛ لأن المتسبب يضمن بالتعدي وهنا لم يتعد.
قال ذلك الشافعية، وقال الحنابلة: دم الساقط الثاني هدر؛
(1) البغدادي، مجمع الضمانات ص 179، 180.
لأنه مات بفعل نفسه (1).
(قلت) لعل الحنابلة بإطلاقهم أرادوا أنه تعمد الوقوع.
ولو اتخذ رجل بئرا في ملكه أو بالوعة، فوهن منها حائط جاره، وطلب منه جاره تحويله أو ردمه لم يجب عليه، فإن سقط الحائط من ذلك لا يضمن؛ لأن المتسبب في هذه الحالة غير متعد حيث عمل ما عمل في ملكه (2).
ومن المباشرة والتسبب القاعدة التي نقلها شارح مجلة الأحكام العدلية وهي:
(1) الشربيني، مغني المحتاج 4/ 84، ابن قدامة، المغني 12/ 84.
(2)
الزحيلي، نظرية الضمان ص 199.
(40)
" كل حكم يثبت بعلة ذات وصفين، يضاف الحكم إلى الوصف الذي وجد منهما أخيرا "(1):
فمن وضع حجرا في ملكه - غير متعد - فوضع آخر شيئا جارحا أو حفر حفرة - متعديا - فعثر بالحجر رجل فوقع على الجارح أو في الحفرة، فالضمان على واضع الجارح وحافر الحفرة لتعديهما، ولا يتعلق الضمان بواضع الحجر لعدم تعديه؛ لأنه سبب غير متعد. ذكر ذلك الحنابلة (2).
ومثل ذلك لو حفر إنسان حفرة في الطريق - متعديا - فوضع
(1) فهمي الحسيني، شرح المجلة 1/ 80 المادة 90، انظر الشرح.
(2)
ابن قدامة 12/ 88، المرداوي، الإنصاف 10/ 34، وهذا المذهب المشهور؛ وعنه الضمان عليهما.
رجل آخر حجرا - متعديا - فتعثر بالحجر رجل فوقع في الحفرة، فالضمان على الأخير - واضع الحجر - لأن الوقوع بسبب التعثر، والتعثر بسبب وضع الحجر. (ولأنه الأخير والحكم يضاف إلى الوصف الأخير).
وإن لم يضع الحجر أحد بل نقله السيل، فالضمان على حافر الحفرة؛ لأنه لا يمكن أن يضاف التعدي إلى السيل (1)، فيضاف إلى الحافر لكونه متعديا بحفره.
ذكر ذلك الحنفية (2)، ومثله عن الحنابلة (3).
(قلت) وكذلك كل تعد لا يمكن إضافته إلى الفاعل - المتسبب - الثاني، يضاف إلى الفاعل الأول.
فلو حفر إنسان حفرة - متعديا - وصب إنسان عندها ماء فزلق به رجل ووقع في الحفرة ومات، فالضمان على صاب الماء؛ لأنه الفاعل الأخير أما لو نزل مطر فزلق به إنسان فوقع في الحفرة ومات، فالضمان على حافر الحفرة؛ لأنه لا يمكن إضافة التعدي إلى المطر (4).
ومن فروع هذه القاعدة ما لو وضع إنسان حجرا أو حقيبة أو صندوقا فنحاه آخر عن موضعه فتعثر به أعمى فهلك، أو دابة
(1) في النسخة، إلى الحجر، وهو خطأ.
(2)
الكاساني، البدائع 7/ 276.
(3)
ابن قدامة، المغني 12/ 88، البهوتي، الكشاف 6/ 4.
(4)
ابن نجيم، البحر الرائق 8/ 349، عليش، فتح العلي المالك 2/ 339.
فتضرر ما عليها، فالضمان على الثاني الذي نحاه عن موضعه؛ لأن حكم فعل الأول قد انتسخ لفراغ ما شغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر (1).
وكذا لو حفر إنسان حفرة - متعديا - فوضع فيها رجل أشياء حادة أو صلبة فوقع في الحفرة إنسان فمات بسبب الأشياء الحادة أو الصلبة فلا ضمان على الحافر الأول، بل الضمان على واضع المواد الحادة أو الصلبة.
ومن فروع هذه القاعدة إذا حفر إنسان حفرة عدوانا فوقع فيها رجل فسلم وطلب الخروج منها، فساعده رجل على الخروج وحمله ليخرج به حتى إذا توسط الحفرة سقط المحمول ومات فلا ضمان على أحد؛ لأن الحافر انتهى تسببه بسقوط الرجل سالما، ولا ضمان على الحامل، لأنه متسبب ولكنه غير متعد والمتسبب لا يضمن إلا بالتعدي (2).
ومن ذلك ما لو حفر إنسان حفرة ثم ردمها، فجاء آخر فأعاد حفرها، فوقع فيها إنسان ومات قال الحنفية (3) ننظر:
إن ردمها بالتراب ونحوه، فالضمان على الثاني الذي أعاد حفرها؛ لأن ردمها بالتراب ألحقها بالعدم، فكان إخراج التراب مرة أخرى بمنزلة حفر حفرة أخرى.
(1) المرغيناني، الهداية 10/ 312.
(2)
ابن نجيم، البحر الرائق 8/ 349.
(3)
الكاساني، البدائع 7/ 276.
وإن ردم الحفرة بمتاعه الذي يريد ادخاره كحنطة وشعير أو ملابس أو ما شاكل ذلك فلا يعد هذا ردما بل هو شغل لها، ولذا فإذا حفرها آخر وسقط بها إنسان فالضمان على الأول وذلك لبقاء الحفر بعد ردمها بالمتاع.
(قلت) الراجح أنه إن حفرها - غير متعد - بل حفرها ووضع فيها حنطة أو شعيرا ثم حفرها الآخر متعديا فالضمان على الثاني لتعديه.
وإن حفرها الأول - متعديا - فكذلك؛ لأن الفعل هنا يضاف إلى الوصف الذي وجد منهما أخيرا فلأن كل واحد منهما متعديا.
وإن حفرها ثم سد رأسها، وجاء آخر فنقضه، فوقع فيها إنسان ومات، فالضمان على الأول؛ لأن أثر الحفر لم ينعدم بالسد، لكن السد صار مانعا من الوقوع، والفاتح بالفتح أزال المانع وزوال المانع شرط للوقوع، والحفر سبب للوقوع، والحكم يضاف إلى السبب لا إلى الشرط. ذكر ذلك الحنفية (1).
(قلت) والذي أرجحه فيه تفصيل كما يلي:
أن الرجل الذي سد الحفرة إن كان سدها محكما بحيث يصعب رفع الغطاء وبالغ في ذلك فلا ضمان على الحافر على قاعدة (لا ضمان على المبالغ في الحفظ)(2) إنما الضمان على
(1) الكاساني، البدائع 7/ 276.
(2)
الكاساني، البدائع 7/ 275 - 276.