الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الداخل في الدار إما أن يكون دخل بإذن أو بلا إذن، فإن دخل بلا إذن فلا ضمان على أحد؛ لأنه هو المتعدي بالدخول في ملك غيره بغير إذنه، وإن دخل الساقط في البئر بإذن الشريك فإما أن يكون أعلمه بالبئر أو لا، فإن لم يعلمه وكانت مكشوفة بينه وهو مبصر فكذلك لا ضمان على أحد لعدم التعدي، وإن كانت ظلمة أو الداخل أعمى ولم يعلمه فقد غره بإذنه له بالدخول دون أن يبين له حالة البئر فهو ضامن بالغرور، ولا شيء على شريكه، والله أعلم.
قال ابن نجيم (1): لو حفر بئرا في الطريق غير النافذ لا يضمن ما نقص بالحفر، ويضمن ما نقص من ذلك في الدار المشتركة؛ لأن لشريكه ملكا حقيقة في الدار، حتى إنه يستطيع أن يبيع نصيبه ويقسمه. ا. هـ بهذا قال الحنفية.
(1) البحر الرائق 8/ 350.
(36)
مات بسبب السقوط في البئر أو جوعا وغما:
إذا حفر بئرا في الطريق - وكان متعديا - ومات فيه إنسان بسبب السقوط فيه فقد اتفق الفقهاء على أن الحافر ضامن ما هلك بسبب حفره، فإن لم يمت الواقع بسبب السقوط، وإنما مات
بسبب الجوع أو الغم، فقد اتفق المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية، على أن الحافر ضامن لذلك.
وقال أبو حنيفة والشافعية: إن مات بسبب السقوط فالحافر ضامن لكل ذلك وإن مات بسبب الجوع والغم فلا ضمان على الحافر، زاد الشافعية ما لو نهشته حية أو وقع عليه حجر.
وقال أبو يوسف: إن مات بسبب السقوط أو الغم فالضمان على الحافر، وإن مات بسبب الجوع فلا ضمان على الحافر.
الأدلة:
استدل الجمهور على قولهم بأن الضمان واجب على الحافر - إذا مات الواقع في البئر بسبب السقوط أو بسبب الجوع أو بسبب الغم - بأن الضمان عند الموت بسبب السقوط، إنما وجب لكون الحفر تسببا إلى الهلاك، ومعنى التسبب موجود ههنا؛ لأن الوقوع سبب الغم والجوع؛ لأن البئر يأخذ نفسه، وإذا طال مكثه
يلحقه الجوع، والوقوع بسبب الحفر فكان مضافا إليه كما إذا احتبسه في موضع حتى مات.
واستدل أبو حنيفة لرأيه القائل بأن الحافر لا يضمن الساقط إذا مات بسبب الجوع أو الغم بما يلي:
إن الحافر للبئر لا صنع له من الغم ولا في الجوع حقيقة؛ لأنهما يحدثان بخلق الله تعالى لا صنع للعبد فيهما أصلا، لا مباشرة ولا تسببا، أما المباشرة فلا شك في انتفائها، وأما التسبب فلأن الحفر ليس بسبب للجوع لا شك فيه؛ لأنه لا ينشأ منه بل هو بسبب آخر، والغم ليس من لوازم البئر، فإنها قد تغم وقد لا تغم فلا يضاف ذلك إلى الحفر.
واستدل أبو يوسف على قوله بأن الساقط في البئر إذا مات بسبب السقوط أو الغم فالضمان على الحافر، وإن مات بسبب الجوع فلا ضمان على الحافر، فقال: إن الغم من آثار الوقوع فكان مضافا إلى الحفر فأما الجوع فليس من آثار الوقوع فلا يضاف إلى الحفر.
المناقشة:
نستطيع أن نناقش قول أبي حنيفة والشافعية وأبي يوسف القائلين بأن الجوع ليس من آثار الوقوع فنقول: كما قال محمد بن الحسن: صحيح أن الجوع ليس من آثار الوقوع لكن الجوع
عن طول المكث في البئر المتسبب عن الحفر الوقوع في البئر، وحينئذ فكما أن الموت جوعا بسبب الحبس موجب للضمان مع أن الجوع ليس من لوازم الحبس فكذا هنا، ثم لولا البئر فإن الطعام قريب منه.
وأما قوله: (1) إن الغم ليس من لوازم البئر فإنها قد تغم وقد لا تغم. نقول: هذا صحيح ولكنها إذا غمت أصبحت سببا في الضمان وإلا فلا. فإن ضربة السيف قد تقتل وقد لا تقتل، فإذا قتلت كانت سببا للضمان، فكذا هنا.
وأما قوله: إن الجوع والغم يحدثان بخلق الله تعالى. فهذا صحيح، وكل شيء بخلق الله تعالى، والله تعالى خالق لأفعال العباد كلها ومع ذلك يؤاخذون عليها.
الترجيح:
بعد أن عرفنا الأقوال جميعها وعرفنا الأدلة والمناقشة رأينا أن القول الأول قول مستقيم ليس فيه مطعن ولا رد عليه أحد وأن رأي أبي حنيفة والشافعية وأبي يوسف وردت عليها ردود ردتها؛ لذا أرى أن الرأي الراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وعلى ذلك. فإذا حفر إنسان بئرا وكان متعديا في حفرها وسقط فيها إنسان ومات بأي سبب من أسباب الموت فإن الحافر ضامن لذلك.
(1) أي قول أبي حنيفة.