الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح: أن المالك لا يصدق بنفي الضمان عن الحافر إلا ببينة تبين أن المالك أذن له في الحفر قبل تردي الساقط فيها، وهو رأي الحنفية قياسا ورأي الشافعية. وسيأتي ما إذا أبرأه المالك من الضمان.
(23)
حفر في فناء الدار:
إذا حفر بئرا في فناء داره (وهو ما كان خارج داره قريبا منه) نظرنا: فإن كان الفناء ملكه فله الحفر فيه ولا ضمان عليه فيما يهلك به؛ لأن للإنسان أن يحفر في ملكه، وكذا لو بنى دكة أو وضع عمودا. ذكر ذلك الأئمة الثلاثة.
وإن لم يكن الفناء ملكا للحافر بأن كان طريقا أو ملكا للغير؟ قال المالكية والحنابلة: يضمن لتعديه. واختلف
الأحناف في هذه المسألة:
قال المرغيناني في الهداية: (وكذا - لا يضمن - إذا حفره في فناء داره) لأن له ذلك، لمصلحة داره، والفناء في تصرفه، وقيل هذا إذا كان الفناء مملوكا له، أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد.
أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا - بأن كان في سكة غير نافذة - فإنه يضمنه، لأنه سبب متعد.
قال المرغيناني: وهو صحيح. وأكد كلام المرغيناني هذا الشيخ بابرتي في شرحه العناية على الهداية فقال:
قوله: وكذلك إذا حفره في فناء داره: يعني وإن لم يكن الفناء ملكه، وقيل: جاز له ذلك إذا كان الفناء مملوكا له، أو كان له حق الحفر بأن لا يضر لأحد، أو أذن له الإمام، أما إذا لم يكن كذلك فإنه يضمن. ا. هـ.
واقتصر الكاساني في البدائع على ذكر الضمان فقط، ولعل ذلك لأنه يرى أن الفناء لا يكون ملكا لصاحب الدار غالبا؛ وذلك لأنه ذكر الفناء بعد الملك فقال:
وإن كان في ملك نفسه لا ضمان عليه. . . وإن كان في
فنائه يضمن، لأن الانتفاع به مباح بشرط السلامة كالسير في الطريق. ا. هـ.
وأما المالكية: فإنهم قصروا الأمر على قاعدة، وهي أن الإنسان إذا كان له أن يفعل ذلك الفعل فلا ضمان وإلا ضمن، ومعلوم أن القاعدة عندهم: أن من عمل أي عمل في ملك غيره بغير إذنه فهو ضامن لما يتلف به (1).
وصرح الحنابلة بأن الفناء لا يكون مملوكا لصاحب الدار وإنما هو من مرافقهم، ذكر ذلك البهوتي في الكشاف. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الفناء ملك لصاحب الدار أو حق من حقوقها؟ فيه وجهان في مذهب أحمد:
(أحدهما) أنه مملوك لصاحبها، وهو مذهب مالك والشافعي، حتى قال مالك في الأفنية التي في الطريق يكريها أهلها، فقال: إن كانت ضيقة تضر بالمسلمين وصنع شيء فيها منعوا، ولم يمكنوا، وأما كل فناء إذا انتفع به أهله لم يضيق على المسلمين في ممرهم فلا أرى به بأسا.
ثم نقل الشيخ عن الطحاوي ما يؤيد أن مالكا والشافعي يريان أن الفناء ملك لصاحب الدار، وأن أبا حنيفة يرى أن الأفنية ملك لجماعة المسلمين غير مملوكة كسائر الطريق. وقال الشيخ: والذي ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما عن أصحاب
(1) ابن القاسم، المدونة 4/ 506 ذكر حفر البئر في ملك الغير بغير إذن وأنه يضمن.
أحمد هو الوجه الثاني، وهو أن الأرض تملك دون الطريق، إلا أن صاحب الأرض أحق بالمرافق من غيره، ولذلك فهو أحق بفناء الدار من غيره، ثم ذكر الشيخ أن أبا بكر اتخذ مسجدا بفناء داره، وجعل عمر البطحاء خارج المسجد لمن يتحدث ويفعل ما يصان عنه المسجد، فمثل هذه - أي الأفنية - يجوز البناء فيها بطريق الأولى. . . (1)
وذكر في الإنصاف (2) أن من حفر بئرا في فنائه لنفسه ضمن ما تلف بها وقال: هذا المذهب بلا ريب نص عليه، وعليه الأصحاب، وجوز بعضهم بإذن الإمام ذكره القاضي ونقله الشيخ تقي الدين رحمه الله من خطه، وفي الأحكام السلطانية. له التصرف في فنائه بما شاء من حفر وغيره إذا لم يضر. ا. هـ بتصرف.
الترجيح:
الذي أراه راجحا هو أن الفناء إذا كان ملكا له فله أن يحفر
(1) ابن تيمية، الفتاوى 30/ 407.
(2)
المرداوي، الإنصاف 6/ 225، 10/ 32، 33.