الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13)
الاشتراك في حفر البئر:
إذا اشترك جماعة - ثلاثة مثلا - في حفر بئر عدوانا فتلف به شيء فالضمان عليهم جميعا أثلاثا.
وإذا حفر إنسان بئرا في الطريق، فوقع فيها رجل فقطعت يده، ثم خرج منها فشجه رجلان فمرض من ذلك - أي من قطع اليد والشج - ثم مات فالدية عليهم أثلاثا؛ لأن ما حصل من الجراحة بالوقوع مضاف إلى الحافر فكأنه فعل ذلك بيده، والمعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات، ألا ترى أنه لو قطع يديه رجلان وشجه رجل آخر فمات من ذلك كانت الدية عليهم أثلاثا، وكذلك لو أن اللذين قطعا يديه شجه أحدهما شجة أخرى، لأن المعتبر عدد الجناة، فقد يتلف المرء من جراحة واحدة، ويسلم من عشر جراحات. ذكر ذلك الحنفية والحنابلة (1).
(قلت) هو الصحيح؛ لما عللوا به.
(1) السرخسي، المبسوط 27/ 18، ابن قدامة، المغني 12/ 89.
(14)
حفر البئر لمصلحة نفسه:
عرفنا مما سبق أنه إذا حفر البئر لمصلحة المسلمين في الطريق الواسع أنه لا ضمان عليه، كما عرفنا أن الحفر في الطريق الضيق ممنوع مطلقا من غير فرق بين ما إذا كان لمصلحة المسلمين أو لمصلحة نفسه. لكن ما الحكم فيما إذا حفر بئرا في الطريق العام لمصلحة نفسه؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
فالحنفية (1) اعتبروا أمر السلطان هو الأساس في حفر البئر، فإن حصل أمر السلطان فلا ضمان وإلا ضمن، ولم يقيدوه بما إذا فعله لمصلحة نفسه أو لمصلحة المسلمين، ولذلك نص الحصكفي (2) على أن الضمان ينتفي بأمرين: بإذن الإمام، أو بتعمد المرور (أي أن يتعمد إنسان المرور فوق البئر فيسقط فيها فلا ضمان على الحافر).
وأما المالكية فإنهم نظروا إلى الضرر والقصد، ولم ينظروا إلى مصلحة نفسه أو غيرها بالنسبة للطريق.
وأما الشافعية (3) فنظروا إلى سعة الطريق وضيقه وإذن الإمام.
قال النووي: ويضمن بحفر بئر عدوانا لا في ملكه وموات.
قال ابن حجر: بأن كانت بملك غيره بغير إذنه، أو بشارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام. ا. هـ فبين أن إذن الإمام شرط الحفر في الطريق الواسع، أما الطريق الضيق فلا
(1) المرغيناني، الهداية 10/ 312.
(2)
الحصكفي، بدر المتقي 2/ 657.
(3)
المنهاج للنووي، ابن حجر، التحفة 9/ 7.
يصح، وضمن إذا حفر البئر بها ولو أذن الإمام، وكذا يضمن ولو كان لمصلحة المسلمين.
وقال الحنابلة: إن حفرها لمصلحة نفسه ضمن ما تلف به، سواء حفرها بإذن الإمام أو غير إذنه.
الأدلة:
استدل الحنفية عنى اشتراط أمر الإمام لنفي الضمان فقالوا: لأنه إذا أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه لم يضمن؛ لأنه غير متعد حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على الإمام، أو هو مباح مقيد بشرط السلامة.
أما المالكية فدليلهم واضح؛ لأنهم إن اشترطوا عدم الضرر فلحديث: «لا ضرر ولا ضرار (1)» ، ولقاعدة الضرر يزال، وإن اشترطوا عدم قصد الضرر فهذا واضح أيضا؛ لأنه لا يجوز لإنسان أن يفعل فعلا يقصد به الضرر بالآخرين للحديث أيضا.
وأما الشافعية فدليلهم على اشتراط السعة والضيق واضح، فحكموا بعدم الضمان في الحفر في طريق واسع إذا كان بإذن الإمام؛ لأن للإمام أن يأذن بالانتفاع بما لا ضرر فيه، وحكموا بالضمان بالحفر في الطريق الضيقة، لأن هذا يضر بمرور الناس فيها ولا مصلحة لهم فيه إنما المصلحة للحافر فقط، ولم يلتفتوا هنا إلى إذن الإمام، بل الضمان واجب أذن الإمام أم لا؛ لأن هذا الحفر فيه ضرر فلا يفيد فيه الإذن، ولما كانت الطريق واسعة لا
(1) سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).
يضر الحفر فيها أباحوه بشرط إذن الإمام.
وأما الحنابلة (1) فإنهم نظروا إلى تعلق المصلحة، فإن كانت المصلحة للمسلمين فلا ضمان، وإن كانت لمصلحة الفرد ضمن ولم ينظروا إلى إذن الإمام وجودا ولا عدما، بشرط أن لا يكون في الحفر ضرر.
قال ابن قدامة: وإن حفر في طريق واسع في موضع لا ضرر فيه، نظرنا، فإن حفرها لنفسه ضمن بالتلف فيه سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه.
الترجيح:
والذي أراه راجحا من هذه المذاهب المختلفة، مبني على ما يلي:
أن رأي الحنفية جيد في اعتماد إذن الإمام؛ لأن الطريق مصلحة للمسلمين فلا بد من رأي من له الولاية عليهم وهو الإمام، وتقييد الشافعية بإذن الإمام بما إذا كان الطريق واسعا ليس بضيق تقييد جيد، فإذا أضفنا إلى ذلك تقييد المالكية بعدم الضرر أصبح الرأي الراجح واضحا، وهو أن الإنسان إن حفر بئرا في الطريق الواسع بإذن الإمام ولا ضرر فيه على أحد فلا يضمن، فإذا فقد شيء من ذلك ضمن، ولذا فيضمن الحافر في الطريق الواسع إذا كان الحفر لمصلحة نفسه ولم يأذن له الإمام، أو أحدث ضررا، أو أحدث ضيقا في الطريق، والله أعلم.
(1) ابن قدامة 12/ 90. وانظر فتاوى شيخ الإسلام 30/ 399 - 400.