الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفر البئر في ملكه لا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد (1). (قلت) بشرط أن لا يحفر في طريق المارة المسلوكة، هذا ولا خلاف بين الحنفية في هذه المسألة سواء كان بإذن الإمام أم لا؛ ذلك لأن الإمام يشترط الإذن للملك، وهما - أي الصاحبان - لا يشترطانه، أما هنا فعلى رأي الصاحبين لا نحتاج إلى إذن، وكذا على رأي الإمام، لأنه يجعل الحفر في الموات تحجيرا، وهو بسبيل منه بلا إذن، أي هو مقدمة للإحياء وله ذلك، وإن كان لا يملكه بدون الإذن (2).
(1) ابن عابدين، رد المحتار 5/ 383.
(2)
ابن عابدين، الحاشية 5/ 280.
الحفر في الطريق:
فإن حفر البئر في الطريق، نظرنا: لأن الطريق لا يخلو إما أن يكون واسعا أو ضيقا، والحفر إما أن يكون بإذن السلطان أو لا، وكذلك إما أن يكون لمصلحة المسلمين أو لمصلحة نفسه، وفي كل إما أن يقصد الضرر أو لا، وعلى ذلك نقول:
(10)
أولا:
الحفر في الطريق الواسع:
إذا حفر إنسان بئرا في الطريق الواسع فقد اختلفت أقوال الفقهاء بحسب اختلاف زوايا أنظارهم إلى المسألة: فمنهم من نظر مع السعة إلى المصلحة، فقالوا: إن حفر في طريق واسع في موضع لا ضرر فيه، نظرنا، فإن حفرها لمصلحة نفسه فسيأتي.
(11)
وإن حفر البئر لنفع المسلمين:
مثل أن يوسع في الطريق الواسع المسجد، أو أن تفصل الحكومة بين طريقي الذهاب والإياب بأعمدة للإنارة، أو تزرع النخيل والأشجار وسط الطريق لمصلحة المسلمين، فهذا جائز ولا ضمان فيه.
ومثل أن يحفر لينزل فيه ماء المطر من الطريق، أو ليشرب منه المارة ونحو ذلك، فلا ضمان عليه؛ لأنه محسن بفعله غير متعد بحفره فأشبه باسط الحصير في المسجد.
بهذا قال الحنابلة، وسواء حفرها بإذن الإمام أم لا.
وبهذا قال الشافعية (1) أيضا فهم يرون أنه لا يشترط إذن الإمام فيما إذا كان في حفر البئر في الطريق الواسع مصلحة المسلمين.
قال في التحفة نقلا عن الروض: وله حفرها في الواسع لمصلحة المسلمين بلا ضمان، وإن لم يأذن الإمام. ا. هـ.
وبهذا قال الحنفية لكنهم اشترطوا إذن الإمام، قال
(1) ابن حجر، التحفة 9/ 7.
المرغيناني: " ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته. . . فإن أمر السلطان بذلك أو أجبره عليه لم يضمن؛ لأنه غير متعد حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد، بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على الإمام، أو هو مباح مقيد بشرط السلامة، وعلى هذا فإذا حفرها بدون إذن السلطان يضمن، وروي عن أبي يوسف أنه لا يضمن، وذلك لأن ما كان من مصالح المسلمين كان الإذن ثابتا دلالة، والثابت دلالة كالثابت نصا.
وأجيب: بأن ما يرجع إلى مصالح عامة المسلمين كان حقا لهم، والتدبير في حق العامة إلى الإمام، فكان الحفر فيه بدون إذن الإمام تعديا كالحفر في ملك الغير (1).
رأي المالكية: قال الدسوقي معلقا على كلام الشيخ الدردير، فإن حفره بملك غيره بلا إذن أو بطريق أو بموات لا لمنفعة فالدية. . . ا. هـ علق الدسوقي فقال:
قوله: أو بطريق أي مكان حفره بالطريق مضرا بها، بأن كان يضيقها، فإن لم يضر بها فلا غرم عليه لما عطب به (2). ا. هـ.
والمالكية متفقون على أن الحافر إن قصد الضرر ضمن،
(1) الكاساني، البدائع 7/ 278.
(2)
الدردير، الشرح الكبير، والدسوقي، الحاشية 4/ 244 ابن فرحون، تبصرة الحكام 2/ 251 ما لم يضر.
وتقدم في المسألة السابعة ببحث مستقل.
وذكر شيخ الإسلام هذه المسألة في الفتاوى 30/ 403، ومثل لذلك بتوسيع مسجد أو بناء حانوت لمنفعة المسجد، فبين أن البناء في الطريق الواسع لا يضر المارة لمصلحة المسلمين، والمعروف من مذهب أحمد الجواز.
الخلاصة:
رأينا أن الشافعية والحنابلة وأبا يوسف من الحنفية متفقون على أن حافر البئر في الطريق الواسع لا يضمن إذا كان لمصلحة المسلمين وأن ذلك لا يحتاج إلى إذن الإمام.
وأما الحنفية غير أبي يوسف فهم يشترطون إذن الإمام لذلك.
واشترط المالكية لعدم الضمان أن لا يكون الحفر سببا في تضييق الطريق وأن لا يقصد الضرر.
الترجيح:
والذي أرجح من هذه الأقوال هو ما يلي:
أن اشتراط إذن الإمام لحفر بئر في الطريق العام اشتراط صحيح " لأننا لسنا أمام إحياء أرض في الفلاة بعيدا عن العمران وبعيدا عن الناس، وإننا أمام مسألة تخص حياة الناس اليومية، ولذلك فإني أرى أن الراجح أنه يجب أن لا يكون في حفر البئر في الطريق تضييق على الناس ولا ضرر بهم، وأن يكون بإذن الإمام؛ لأنه أعرف بمصلحة الطريق حالا ومستقبلا من الحافر