الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجنب وغيرهما. وكذا قالته أم سلمة رضي الله عنها.
وذكر ابن أبي شيبة عن ابن أبي ليلى، وسئل عن رجل سرق من الكعبة، فقال: ليس عليه قطع.
ويقال: الظاهر جواز قسمة الكسوة العتيقة؛ إذ بقاؤها تعريض لفسادها، بخلاف النقدين (1).
(1) عمدة القاري 5/ 236 - 238.
3 -
النقول عن المؤرخين:
أ- قال الأزرقي رحمه الله:
ذكر كسوة الكعبة في الإسلام وطيبها وخدمها وأول من فعل ذلك:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثنا أبي عن خالد عن ابن المهاجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عاشوراء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هذا يوم عاشوراء، يوم تنقضي فيه السنة، وتستر فيه الكعبة، وترفع فيه الأعمال، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن أحب منكم أن يصوم فليصم (1)» .
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء، إذا ذهب آخر الحاج، حتى كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القمص يوم التروية من الديباج؛ لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار.
(1) صحيح البخاري الصوم (2003)، صحيح مسلم الصيام (1129)، سنن النسائي الصيام (2371)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 96)، موطأ مالك الصيام (666).
حدثني جدي عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع، قال: كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبرة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة.
وأخبرني محمد بن يحى عن الواقدى عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه، قال:«كسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه النبي صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج» .
ويقال: أول من كساه الديباج يزيد بن معاوية، ويقال: ابن الزبير، ويقال: عبد الملك بن مروان. وأول من خلق جوف الكعبة ابن الزبير، وأول من دعا على الكعبة عبد الله بن شيبة، ويلقب الأعجم، فدعا لعبد الملك بن هشام وكان خليفة.
حدثني محمد بن يحيى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن حبيب بن أبي ثابت، قال:«كسا النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، وكساها أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما» .
وأخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا سليم بن مسلم عن موسى بن عبيدة الربذي أن عمر بن الخطاب كسا الكعبة القباطي من بيت المال.
قال أبو الوليد: وحدثني جدي، قال: حدثني سعيد بن سالم عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال، وكان يكتب فيها إلى مصر تحاك له هناك، ثم عثمان من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين، كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت
تكسى الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان للفطر، وأجرى لها معاوية وظيفة من الطيب لكل صلاة، وكان يبعث بالطيب والمجمر والخلوق في الموسم في رجب، وأخدمها عبيدا بعث بهم إليها، فكانوا يخدمونها، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده.
وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كسوة البيت على الأمراء.
وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كسا الكعبة الديباج.
وحدثني محمد بن يحيى عن سليم بن مسلم عن ابن جريج، قال: كان معاوية أول من طيب الكعبة بالخلوق والمجمر، وأجرى الزيت لقناديل المسجد من بيت المال.
وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد العزيز بن المطلب عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة، ويهدون إليها البدن عليها الحبرات، فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني، فلما كان ابن الزبير اتبع أثره فكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة، فكانت تكسى يوم عاشوراء.
وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن عمر عن نافع، قال: كان ابن عمر يجلل بدنه بالأنماط، فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة، فيجعلونها على
الكعبة قبل أن تكسى الكعبة.
وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه، قالوا: فلما ولي عبد الملك بن مروان كان يبعث كل سنة بالديباج فيمر به على المدينة، فينشر يوما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأساطين هاهنا وهاهنا، ثم يطوى ويبعث به إلى مكة، وكان يبعث بالطيب إليها والمجمر وإلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان أول من أخدم الكعبة يزيد بن معاوية، وهم الذين يسترون البيت.
حدثني جدي، قال: كانت الكعبة تكسى في كل سنة كسوتين: كسوة ديباج، وكسوة قباطي، فأما الديباج فتكساه يوم التروية، فيعلق عليها القميص ويدلى ولا يخاط، فإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتى تذهب الحجاج؛ لئلا يخرقونه، فإذا كان العاشوراء علق عليها الإزار فوصل بالقميص، فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها حتى يوم سبع وعشرين من شهر رمضان فتكسى القباطي للفطر. فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر. ويرقع حتى يسمج، فسأل مبارك الطبري مولاه وهو يؤمئذ على بريد مكة وصوافيها: في أي الكسوة الكعبة أحسن؟ فقال له: في البياض، فأمر بكسوة من ديباج أبيض، فعملت فعلقت سنة ست ومائتين، وأرسل بها إلى الكعبة، فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسا: الديباج الأحمر يوم التروية، وتكسى القباطي يوم هلال رجب، وجعلت كسوة الديباج الأبيض التي أحدثها المأمون يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر، وهي تكسى إلى اليوم ثلاث
كسا. ثم رفع إلى المأمون أيضا أن إزار الديباج الأبيض الذي كساها يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحجاج قبل أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر الذي يخاط في العاشوراء، فبعث بفضل إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية أو يوم السابع، فيستر به ما تخرق من الإزار الذي كسيته للفطر، إلى أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في العاشور. ثم رفع إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة، فزادها إزارين مع الإزار الأول، فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض.
سئل أبو الوليد عن أذال، فقال: أسبل.
وقال الشاعر في معنى ذلك:
على ابن أبي العاصي دلاص حصينة
…
أجاد المسدي سردها فأذالها
جعل فوقه في كل شهرين إزار، وذلك في سنة أربعين ومائتين لكسوة سنة إحدى وأربعين ومائتين. ثم نظر الحجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه، فوضع في تابوت الكعبة، وكتبوا إلى أمير المؤمنين أن إزارا واحدا مع ما أذيل من قمصها يجزيها، فصار يبعث بإزار واحد فتكساه بعد ثلاثة أشهر ويكون الذيل ثلاثة أشهر.
قال أبو الوليد: ثم أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله عز وجل بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أطيب الكعبة أحب إلى من أن أهدي إليها ذهبا وفضة.
حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: طيبوا البيت، فإن ذلك من تطهيره.
حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثنا هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير خلق جوف الكعبة أجمع.
حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثنا هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر، ويجمر الكعبة كل يوم جمعة برطلين من مجمر.
ما جاء في تجريد الكعبة وأول من جردها:
حدثنا أبو الوليد، قالت: حدثنا جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت في كل سنة فيقسمها على الحاج، فيستظلون بها على السمر بمكة.
حدثني جدي، قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي، قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة أهل الجاهلية، من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط، فكانت
ركاما بعضها فوق بعض، فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء، وكانت تكسى في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي، يؤتى به من مصر، غير أن عثمان رضي الله عنه كساها سنة برودا يمانية، أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه، فكان أول من ظاهر لها كسوتين، فلما كان معاوية كساها الديباج مع القباطي، فقال شيبة بن عثمان: لو طرح عنها ما عليها من كسى الجاهلية فخفف عنها، حتى لا يكون مما مسه المشركون شيء لنجاستهم، فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام، فكتب إليه أن جردها، وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة، قال: فرأيت شيبة جردها حتى لم يترك عليها شيئا مما كان عليها، وخلق جدرانها كلها وطيبها، ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها، وقسم الثياب التي كانت عليها على أهل مكة، وكان ابن عباس حاضرا في المسجد الحرام وهم يجردونها، قال: فما رأيته أنكر ذلك ولا كرهه.
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق فخلقها وطيبها، قلت: وما تلك الثياب؟ قال: من كل نحو، كرار وأنطاع وخيرا من ذلك، وكان شيبة يكسو منها، حتى رأى على امرأة حائض من كسوته، فدفنها في بيت حتى هلكت- يعني الثياب- حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن إبراهيم بن يزيد عن ابن أبي مليكة، قالت: رأيت شيبة بن عثمان
جرد الكعبة، فرأيت- عليها كسوة شتى، كرارا وأنطاعا ومسوحا وخيرا من ذلك.
حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي قروة عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار، قال: قدمت مكة معتمرا فجلست إلى ابن عباس في صفة زمزم، وشيبة بن عثمان يومئذ يجرد الكعبة، قال عطاء بن يسار: فرأيت جدارها ورأيت خلوقها وطيبها، ورأيت تلك الثياب التي أخبرني عمر بن الحكم السلمي أنه رآها في حديث نذر أمه البدنة قد وضعت بالأرض، فرأيت شيبة بن عثمان يومئذ يقسمها أو قسم بعضها، فأخذت يومئذ كساء من نسج الأعراب، فلم أر ابن عباس أنكر شيئا مما صنع شيبة بن عثمان، قال عطاء بن يسار: وكانت قبل هذا لا تجرد، إنما يخفف عنها بعض كسوتها وتترك عليها، حتى كان شيبة بن عثمان أول من جردها وكشفها.
وأخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أنه قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق من ثياب كان أهل الجاهلية كسوها إياها، ثم خلقها وطيبها. قلت: وما كانت تلك الثياب؟ قال: من كل، كرارا وأنطاعا وخيرا من ذلك، وكان شيبة يقسم تلك الثياب، فرأى على امرأة حائض ثوبا من كسوة الكعبة، فرفعه شيبة فأمسك ما بقي من الكسوة حتى هلكت- يعني الثياب-.
حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أم
المؤمنين أن شيبة بن عثمان دخل على عائشة فقال: يا أم المؤمنين تجتمع عليها الثياب فتكثر، فيعمد إلى بيار فيحفرها ويعمقها فتدفن فيها ثياب الكعبة؛ لكي لا تلبسها الحائض والجنب. قالت عائشة: ما أصبت وبئس ما صنعت، لا تعد لذلك فإن ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حائض أو جنب، ولكن بعها واجعل ثمنها في سبيل الله تعالى والمساكين وابن السبيل.
وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن موسى بن ضمرة بن سعيد المازني عن عبد الرحمن بن محمد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال قال: رأيت شيبة بن عثمان يسأل ابن عباس عن ثياب الكعبة، ثم ساق مثل حديث عائشة، فقال له ابن عباس مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها.
وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن خالد بن إلياس عن الأعرج عن فاطمة الخزاعية، قالت: سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: إذا نزعت عنها ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حائض أو جنب، قال أبو الوليد: سمعت غير واحد من مشيخة أهل مكة يقول: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فجرد الكعبة، وأمر بالمسجد الحرام فهدم، وزاد فيه الزيادة الأولى.
وأخبرني عبد الله بن إسحاق الحجبي عن جدته فاطمة بنت عبد الله، قالت: حج المهدي فجرد الكعبة وطلا جدرانها من خارج بالغالية والمسك والعنبر، قالت: فأخبرني جدك- تعني زوجها محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الحجبي - قال: صعدنا على ظهر الكعبة بقوارير من الغالية،
فجعلنا نفرغها على جدران الكعبة من خارج، من جوانبها كلها، وعبيد الكعبة قد تعلقوا بالبكرات التي تخاط عليها ثياب الكعبة، ويطلون بالغالية جدرانها من أسفلها إلى أعلاها. قال أبو محمد الخزاعي: أنا رأيتها وقد غير الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر، وقد انفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار أصبع من دبرها ومن وجهها، وقد رهم بالجص الأبيض.
حدثني جدي، قال: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة، فرفع إليه أنه قد اجتمع على الكعبة كسوة كثيرة حتى أنها قد أثقلها، ويخاف على جدرانها من ثقل الكسوة، فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئا، ثم ضمخها من خارجها وداخلها بالغالية والمسك والعنبر، وطلا جدرانها كلها من أسفلها إلى أعلاها، من جوانبها كلها، ثم أفرغ عليها ثلاث كسى من قباط وخز وديباج، والمهدي قاعد على ظهر المسجد مما يلي دار الندوة ينظر إليها وهي تطلى بالغالية وحين كسيت، ثم لم يحرك ولم يخفف عنها من كسوتها الشيء، حتى كان سنة المائتين، وكثرت الكسوة أيضا عليها جدا فجردها حسين بن حسن الطالبي في الفتنة، وهو يومئذ قد أخذ مكة ليالي دعت المبيضة إلى نفسها وأخذوا مكة، فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئا. قال جدي: فاستدرت بجوانبها وهي مجردة، فرأيت جدران الباب الذي كان ابن الزبير جعله في ظهرها وسده الحجاج بأمر عبد الملك، فرأيت جداته وعتبه على حالها، وعددت حجارته التي سد بها فوجدتها ثمانية وعشرين حجرا، في تسعة مداميك،
في كل مدماك ثلاثة أحجار، إلا المدماك الأعلى فإن فيه أربعة أحجار، رأيت الصلة التي بنى الحجاج مما يلي الحجر، حيث هدم ما زاد ابن الزبير، قال: فرأيت تلك الصلة بينة في الجدر، وهي كالمتبرية من الجدر الآخر.
قال إسحاق: ورأيت جدرانها كلون العنبر الأشهب حين جردت، في آخر ذي الحجة من سنة ثلاث وستين ومائتين، وأحسبه من تلك الغالية. قال: وكان تجريد الحسين بن الحسن إياها أول يوم من المحرم يوم السبت سنة مائتين، ثم كساها حسين بن حسن كسوتين من قز رقيق، إحداهما صفراء، والأخرى بيضاء، مكتوب بينهما: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأخيار، أمر أبو السرايا الأصفر بن الأصفر داعية إلى محمد بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام.
قال أبو الوليد: وابتدأت كسوتها من سنة المائتين، وعدتها إلى سنة أربع وأربعين ومائتين مائة وسبعون ثوبا.
قال محمد الخزاعي: وأنا رأيتها وقد عمر الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر، فانفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار نصف أصبع من وجهها ومن دبرها، وقد رهم بالجص الأبيض، وقد رأيتها حين جردت في آخر ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين، فرأيت جدرانها كلون العنبر الأشهب من تلك الغالية (1).
(1) تاريخ الأزرقي من ص 252 إلى ص 265.
ب- ذكر تقي الدين الفاسي صاحب شفاء الغرام ما ذكره
الأزرقي باختصار، وزاد ما نصه: وكسيت الكعبة بعد الأزرقي أنواعا من الكساء، فمن ذلك الديباج الأبيض الخراساني والديباج الأحمر الخراساني على ما ذكر ابن عبد ربه في (العقد)، ولنذكر كلامه بنصه لإفادته ذلك وغيره من أمر كسوة الكعبة، قال بعد أن ذكر شيئا من خبرها:" والبيت كله مستوفى إلا الركن الأسود، فإن الأستار تفرج عنه مثل القامة ونصف، وإذ دنا وقت الموسم كسي القباطي، وهو ديباج أبيض خراساني، فيكون في تلك الكسوة ما دام الناس محرمين، فإذا أحل الناس ذلك يوم النحر حل البيت، فكسي الديباج الأحمر الخراساني، وفيه دارات مكتوب فيها حمد الله وتسبيحه وتكبيره وتعظيمه، فيكون كذلك إلى العام المقبل، ثم يكسى أيضا على حال ما وصف، فإذا كثرت الكسوة فخشي على البيت من ثقلها خفف منها، فأخذ ذلك سدنة البيت وهم بنو شيبة ". انتهى كلام صاحب العقد بنصه.
وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة على ما ذكره الذهبي في (العبر) وغيرها، ورأيت في كتابه (العقد)، ما يقتضي أنه عاش بعد ذلك سنين، كما بيناه في أصل هذا الكتاب. والله أعلم.
ومن ذلك الديباج الأبيض في زمن الحاكم العبيدي، وفي زمن حفيده المستنصر العبيدي، كساها ذلك الصليحي صاحب اليمن ومكة، وكساها أبو النصر الاستراباذي كسوة بيضاء من عمل الهند في سنة ست وستين وأربعمائة، وكسيت في هذه السنة الديباج الأصفر، وهذه الكسوة حملها السلطان محمود بن سبكتكين، ثم ظفر بها نظام الملك وزير السلطان شاه بن ألب أرسلان
السلجوقي، فأرسل بها إلى مكة وجعلت فوق كسوة أبي النصر، وكسيت أيضا كسوة خضراء وذلك في مبدأ خلافة الناصر العباسي، ولعلها كانت تكسى ذلك من قبل. والله أعلم.
وكسيت في زمنه أيضا كسوة سوداء وفيها طراز أصفر وكان قبل ذلك أبيض، استمرت فيما أحسب تكسى الديباج الأسود إلى الآن، إلا أنها في سنة ثلاث وأربعين وستمائة كسيت ثيابا من القطن مصبوغة بالسواد، كساها ذلك العفيف منصور بن منعة البغدادي شيخ الحرم بمكة، لما تمزقت كسوتها من الريح الشديدة التي وقعت بمكة في هذه السنة، ووجدت بخط الميورقي ما يقتضي أن هذه الريح كانت في سنة أربع وأربعين وستمائة. والله أعلم.
ولما عريت الكعبة في هذا التاريخ أراد صاحب اليمن الملك المنصور أن يكسوها، فقال له ابن منعة: لا يكون هذا إلا من جهة الديوان- يعني الخليفة العباسي- ولم يكن عند ابن منعة شيء لأجل ذلك، فاقترض ثلاثمائة مثقال، واشترى بها الثياب المشار إليها، وصبغها بالسواد، وركب فيها الطرز القديمة التي كانت في كسوة الكعبة، وكساها بذلك. وفي سنة عشر وثمانمائة أحدثت في جانب الكسوة الشرقي من الكعبة جامات منقوشة بالحرير الأبيض، وصنع ذلك في سنة إحدى عشرة، وفي سنة اثنتي عشرة، وفي سنة ثلاث عشرة، وفي سنة أربع عشرة، وترك ذلك في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وجعلت كسوة هذا الجانب كلها سوداء من غير جامات كما كانت أولا، وكذلك في سنة ست عشرة وثمانمائة، وفي سنة سبع عشرة وثمانمائة، وفي سنة ثماني
عشرة وثمانمائة، ثم جعلت في كسوة الجانب الشرقي جامات منقوشة من الحرير الأبيض فيما تحت الطراز إلى تحت الكسوة في كل شقة من هذا الجانب، وذلك في سنة تسع عشرة وثمانمائة، وعمل في هذه السنة لباب الكعبة ستارة عظيمة الحسن، أحسن من الستاير الأولى التي شاهدناها، والجامات المشار إليها مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بالبياض، وكان ذلك مكتوبا في الشقاق التي أحدثت سنة عشر وثمانمائة وذلك دوائر، واستمرت الجامات البيض المشار إليها خمس سنين متوالية بعد سنة سبع عشرة وثماني عشرة، ثم أزيلت وعوض عنها بجامات سود في سنة خمس وعشرين وثمانمائة.
وفي كسوة الكعبة طراز من حرير أصفر، وكان قبل ذلك أبيض على ما أدركناه، وأول ما عمل أصفر قبل سنة ثمانمائة بسنة أو سنتين.
وفي الطراز مكتوب آيات من القرآن العظيم، في الجانب الشرقي قوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (1){فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2)، وفي الجانب الغربي:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3){رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (4)، وفي
(1) سورة آل عمران الآية 96
(2)
سورة آل عمران الآية 97
(3)
سورة البقرة الآية 127
(4)
سورة البقرة الآية 128
الجانب اليماني: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1)، وفي الجانب الشامي اسم صاحب مصر وأمره بعمل الكسوة، وهذا الطراز المذكور في نحو الربع الأعلى من البيت.
وذكر بعض العلماء حكمة حسنة في سواد كسوة الكعبة؛ لأنا روينا عن ابن أبي الصيف مفتي مكة، أن بعض شيوخه قال له: يا محمد تدري لم كسي البيت السواد؟ فقال: لا، قال: كأنه يشير إلى أنه فقد أناسا كانوا حوله، فلبس السواد حزنا عليهم، وهذا معنى كلام ابن أبي الصيف.
ولمهلهل الدمياطي الشاعر في سواد كسوة الكعبة والقفل:
يروق لي منظر البيت العتيق إذا
…
بدا لطرفي في الإصباح والطفل
كأن حليتها السوداء قد نسجت
…
من حبة القلب أو من أسود المقل
وكسوتها في هذه السنة وفيما قبلها من سبعين سنة من الوقف الذي وقفه السلطان الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر أيام سلطنته على كسوة الكعبة في كل سنة، وعلى كسوة الحجرة النبوية والمنبر النبوي في كل خمس سنين مرة.
وهذا الوقف قرية بنواحي القاهرة في طرف القليوبية مما يلي القاهرة، اشتراها الملك الصالح من بيت المال ووقفها على ما ذكر فيها. ولم يكسها أحد من الملوك بعد
(1) سورة المائدة الآية 97
ذلك إلا أخوه الملك الناصر حسن، إلا أن كسوته لم تكن لظاهر الكعبة وإنما هي لباطنها، وهي الكسوة التي في جوفها الآن.
وبلغني أنها كانت أطول من هذا بحيث تصل إلى الأرض، وهي الآن ساترة لمقدار النصف الأعلى وسقفها، وهي حرير أسود وفيها جامات مزركشة بالذهب ما خلا شقة من السقف بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب، فإنها كمخة حرير حمراء، وفي وسطها جامة كبيرة مزركشة بالذهب، وكان إرسال السلطان حسن بهذه الكسوة في سنة إحدى وستين وسبعمائة.
وبلغني أنه كان في جوف الكعبة قبلها كسوة للملك المظفر صاحب اليمن، والملك المظفر أول من كسا الكعبة من الملوك بعد انقضاء دولة بني العباس من بغداد، وذلك في سنة تسع وخمسين وستمائة، واستمر يكسوها عدة سنين مع ملوك مصر، وانفرد بكسوتها في بعض السنين، وكان المستولي لذلك غالبا.
وأول من كساها من ملوك مصر بعد بني العباس الملك الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي، وأول سنة كسا فيها الكعبة سنة إحدى وستين وستمائة.
وممن كسا الكعبة من غير الملوك الشيخ أبو القاسم رامشت صاحب الرباط بمكة، كساها من الخيرات وغيرها، فكانت كسوته بثمانية عشر ألف دينار مغربية، على ما قال ابن الأثير، وقيل بأربعة آلاف دينار، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
والكعبة تكسى في عصرنا هذا يوم النحر من كل سنة، إلا
أن الكسوة في هذا اليوم تسدل عليها من أعلاها، ولا تسبل حتى تصل إلى منتهاها على العادة وهي شاذروان الكعبة إلا بعد أيام من النحر، ويأخذ سدنتها بنو شيبة يوم النحر ما بقي على الكعبة من كسوتها القديمة وهي مقدار نصفها الأعلى، وأخذهم للنصف الأسفل في سابع عشر ذي القعدة من كل سنة.
وذكر ابن جبير في أخبار رحلته ما يفهم أن كسوة الكعبة تشمر في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة ولا تقطع؛ لأنه قال بعد أن ذكر فتح الكعبة في هذا اليوم فتحا عاما للسرور: في هذا اليوم المذكور، الذي هو السابع والعشرون من ذي القعدة، شمرت أستار الكعبة المقدسة إلى نحو قامة ونصف من الجدار من الجوانب الأربعة، ويسمون ذلك إحراما لها، فيقولون: أحرمت الكعبة. وبهذا جرت العادة دائما في الوقت المذكور من الشهر. انتهى.
في هذا مخالفة لما يفعله الحجبة اليوم من وجهين:
أحدهما: أنهم يشمرون كسوة الكعبة في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة في كل سنة من جوانبها الأربعة إلى عتبة الباب السفلى، وكانوا يصنعون ذلك بعد العصر في هذا اليوم، ثم صاروا يصنعونه في أول النهار.
والوجه الثاني: أنهم في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة في كل سنة يقطعون كسوة الكعبة من فوق الباب مع ما شمروه من قبل.
وكلام ابن جبير لا يقتضي قطع ذلك في السابع والعشرين وإنما يقتضي تشميره فيه، ولعل ذلك لكون الحجاج الذين تكثر رغبتهم في تحصيل كسوة الكعبة
بالشراء وغيره، وهم الحجاج العراقيون، لا يصلون للحج غالبا إلا موافين ليوم عرفة ويقصدونها قبل مكة خيفة فوات الوقوف، وإذا كان كذلك فلا فوت على الحجبة في ذلك الزمان في تأخيرهم قطع كسوة الكعبة في السابع والعشرين وتأخير قطعها إلى أيام منى أو أخذ الكسوة فيها جملة عند وصول الكسوة الجديدة، ولعل سبب قطع الحجبة للكسوة أي كسوة الكعبة في السابع والعشرين من ذي القعدة كون الحجاج من مصر والشام صاروا يقدمون إلى مكة في أوائل العشر الأول من ذي الحجة، فإذا أخر الحجبة قطع ذلك أو أخذوا الكسوة جملة إلى أيام منى، فات الحجبة بعض مقصودهم من بيع الكسوة في العشر الأول من ذي الحجة. والله أعلم.
وذكر ابن جبير ما يقتضي أن الكعبة لا تكسى في يوم النحر وإنما تكسى في يوم النفر الثاني؛ لأنه قال: وفي يوم النحر المذكور سيقت كسوة الكعبة المقدسة من عمل الأمير إلى مكة على أربعة جمال، يقدمها القاضي الجديد بكسوة الخليفة، السواد به، والرايات على رأسه، والطبول تهز وراءه، ثم قال: فوضعت الكسوة في السطح المكرم على الكعبة، فلما كان يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المبارك، اشتغل الشيبيون بإسبالها خضراء يانعة تفيد الأبصار حسنا، ثم قال بعد وصفه للكسوة: فكملت كسوتها وشمرت أذيالها الكريمة، صونا لها من أيدي الأعاجم وشدة اجتذابها وقوة تهافتهم عليها وانصبابها. انتهى.
وهذا يخالف ما يفعل اليوم من إسدال الكسوة على الكعبة
وتشميرها في يوم النحر، وما يفعل اليوم من كسوة الكعبة في يوم النحر يوافق ما ذكره ابن عبد ربه.
وفي هذا العصر من نحو أربع سنين لا يؤتى بكسوة الكعبة من منى في يوم النحر، وإنما يأتي أمير الحاج المصري ومعه أعلام والدبادب والبوقات تضرب معه حتى يدخل المسجد، ويخرج إليه كسوة الكعبة من جوفها، فتنشر في المسجد في صحنه مما يلي الشق اليماني، تبرز كسوة كل شق، ويرفعها أعوان الأمير مع الحجبة إلى أعلى الكعبة، حتى تكمل وتسدل على الكعبة على الصفة السابقة، وموجب وضعها في الكعبة قبل الحج صونها من السرقة؛ لأنه قبل ذلك سرق بعضها من محل الأمير بمنى، ثم عادت إليه بشيء بذله، وصار الأمراء بعده يضعونها في الكعبة عند توجههم من مكة إلى الموقف.
وفي سنة ثماني عشرة وثمانمائة كسيت الكعبة في رابع ذي الحجة إسبالا على نصفها الأعلى، ولم تكس في سنة تسع عشرة، إلا في يوم النحر على العادة القديمة التي أدركناها، وكسيت في سنة عشرين وثمانمائة في ثالث ذي الحجة وكذلك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وكسيت في ثلاث سنين متوالية بعد ذلك في هذا التاريخ، أو بعده قبل اليوم السادس من ذي الحجة، ثم كسيت في سنة خمس وعشرين وثمانمائة في يوم النحر ضحى.
ونختم هذه الترجمة بمسألة تتعلق بكسوة الكعبة، وهي أن العلماء اختلفوا في جواز بيع كسوة الكعبة، فنقل جواز ذلك عن عائشة وابن عباس وجماعة من الفقهاء، الشافعية وغيرهم، ومنع
من ذلك ابن القاضي وابن عبدان من الشافعية.
وذكر الحافظ ابن صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي في قواعده أنه لا يتردد في جواز ذلك الآن؛ لأجل وقف الإمام ضيعة معينة، على أن يصرف ريعها في كسوة الكعبة، والوقف بعد استقرار هذه العادة والعلم بها، فينزل لفظ الواقف عليها، قال: وهذا ظاهر لا يعارضه المنقول المتقدم. انتهى باختصار.
وكان أمراء مكة يأخذون من السدنة ستارة باب الكعبة في كل سنة وجانبا كبيرا من كسوتها، أو ستة آلاف درهم كاملة عوضا عن ذلك، فسمح لهم بذلك الشريف عنان بن مغامس بن رميسة بن أبي نمي، لما ولي إمارة مكة في آخر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وجرى على ذلك الأمراء من بعده في الغالب، ثم إن السيد حسن بن عجلان بعد سنين من ولايته لمكة صار يأخذ منهم ستارة باب الكعبة وكسوة مقام إبراهيم، ويهدي ذلك لمن يرجوه من الملوك وغيرهم.
ذكر طيب الكعبة وإخدامها:
وروينا من تاريخ الأزرقي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: طيبوا البيت، فإن ذلك من تطهيره.
وروينا فيه أيضا، قالت: لأن أطيب الكعبة أحبط إلى من أن أهدي لها ذهبا وفضة.
وروينا فيه عن أبي نجيح أن معاوية بن أبي سفيان أجرى للكعبة وظيفة الطيب بكل صلاة، وكان يبعث لها بالمجمر والخلوق في الموسم وفي رجب وأخدمها عبيدا، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده.
وروينا
في تاريخ الأزرقي أن عبد الله بن الزبير كان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر، ويجمر الكعبة كل جمعة برطلين من مجمر.
وقال المحب الطبري: المجمر ما يتجمر به وهو العود الرطب، وبالضم ما يتجمر به، والخلوق طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، ويغلب عليه الصفرة والحمرة.
وقال: قال الإمام أبو عبد الله الحليمي: روي عن سعيد بن جبير أنه كان يؤخذ من طيب الكعبة يستشفى به.
وقال: قال عطاء: كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي به جاء بطيب من عنده فمسح به الحجر ثم أخذه. ذكره ابن الصلاح في منسكه. انتهى.
وذكر النووي أنه لا يجوز أخذ شيء من طيب الكعبة، لا للتبرك ولا لغيره، ومن أخذ شيئا من ذلك رده، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه (1) انتهى.
(1) شفاء الغرام، 1/ 126.
ج- وقال حسين باسلامة رحمه الله: (جواز بيع كسوة الكعبة) قد تقدم في الباب الذي قبل هذا حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنها أجازت شيبة بن عثمان الحجبي رضي الله عنه، بيع كسوة الكعبة العتيقة.
وروى التقي الفاسي في شفاء الغرام عن كثير من العلماء القائلين بجواز بيع كسوة الكعبة، فقال: إن العلماء اختلفوا في جواز بيع كسوة الكعبة، فنقل جواز ذلك عن عائشة، وابن عباس، وجماعة من الفقهاء، الشافعية وغيرهم، ومنع من ذلك ابن القاضي وابن عبدان من الشافعية.
وذكر الحافظ ابن صلاح الدين خليل بن كيكلندي العلائي الشافعي في قواعده أنه لا يتردد في جواز ذلك الآن؛ لأجل وقف الإمام ضيعة معينة، على أن يصرف ريعها في كسوة الكعبة، والوقف بعد استقرار هذه العادة والعلم بها فيتنزل لفظ الواقف عليها، قال: وهذا ظاهر لا يعارضه المنقول المتقدم. اهـ.
قال الفاسي: وكان أمراء مكة يأخذون من السدنة ستارة باب الكعبة في كل سنة وجانبا كبيرا من كسوتها، أو ستة آلاف درهم كاملة عوضا عن ذلك، فسمح لهم بذلك الشريف عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي، لما ولي إمرة مكة في آخر سنة 788، وجرى على ذلك الأمراء بعده في الغالب، ثم إن السيد حسن بن عجلان بعد سنين من ولايته لمكة صار يأخذ منهم ستارة باب الكعبة وكسوة مقام إبراهيم، ويهدي ذلك لمن يرجوه من الملوك وغيرهم. اهـ.
وقال القاضي ابن ظهيرة في (الجامع اللطيف): يجوز بيع ثياب الكعبة عندنا إذا استغنت عنه، وقال به جماعة من فقهاء الشافعية وغيرهم، ويجوز الشراء من بني شيبة؛ لأن الأمر مفوض إليهم من قبل الإمام، نص عليه الطرسوسي من أصحابنا في شرح منظومته، ووافقه السبكي من الشافعية، ثم قال: وعليه عمل الناس.
والمنقول عن ابن الصلاح أن الأمر فيها للإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء، واستدل بما تقدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستحسن النووي الجواز. اهـ.
وقال قطب الدين الحنفي في الأعلام: ومذهب علمائنا في ذلك رجوع أمره إلى السلطان، قال الإمام فخر الدين قاضي خان في كتاب (الوقف) من فتاواه: ديباج الكعبة إذا صار خلقا يبيعه السلطان ليستعين به في أمر الكعبة؛ لأن الولاية فيه للسلطان لا لغيره.
وقال ابن الصلاح: مفوض إلى رأي الإمام، والذي يقتضيه القياس أن العادة استمرت قديما بأنها تبدل كل سنة، وتأخذ بنو شيبة تلك العتيقة فيتصرفون فيها بالبيع وغيره، والذي يظهر لي أن كسوة الكعبة الشريفة إن كانت من قبل السلطان من بيت مال المسلمين فأمرها راجع له يعطيها لمن شاء من الشيبيين وغيرهم، وإن كانت من أوقاف السلاطين وغيرهم فأمرها راجع إلى شرط الواقف فيها، فهي لمن عينها له، وإن جهل شرط الواقف فيها عمل فيها بما جرت العوائد السابقة فيها، كما هو الحكم في سائر الأوقاف، وكسوة الكعبة الآن من أوقاف السلاطين ولم يعلم شرط الواقف فيها، وقد جرت عادة بني شيبة أنهم يأخذون لأنفسهم الكسوة العتيقة بعد وصول الكسوة الجديدة، فيبقون على عادتهم فيها، والله أعلم. اهـ.
هذا حاصل ما وقفت عليه من أمر جواز تصرف آل الشيبي في كسوة الكعبة المعظمة من بيع وإهداء وغير ذلك.
وأما ما كان يأخذه أمراء مكة من كسوة الكعبة، فالذي أعلم في العصر الحاضر أن أمراء مكة كانوا يأخذون ستارة باب الكعبة والحزام وثوب مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وآل الشيبي يأخذون كسوة الكعبة، وستارة باب التوبة الذي هو باب الدرجة
التي في داخل الكعبة المصعدة إلى سطحها، وستارة باب مقام إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، وذلك كان في إمارة الشريف عون الرفيق، والشريف علي بن عبد الله، والشريف الحسين في إمارته واستقلاله، وربما كان الأمر كذلك في إمارة من تقدم قبل إمارة من أدركتهم من الأمراء، مثل الشريف عبد المطلب، والشريف الحسين بن محمد بن عون، والشريف عبد الله بن محمد، والشريف محمد بن عبد المعين بن عون، والشريف يحيى بن سرور، والشريف غالب، وغيرهم من أمراء مكة إلى الذي ذكره التقي الفاسي فيما تقدم في هذا الباب.
ثم لما استولى جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود ملك المملكة العربية السعودية حفظه الله تعالى على الحجاز، أنعم على آل الشيبي بجميع كسوة الكعبة، من ستارة وحزام وغير ذلك، سواء حال مجيء الكسوة من مصر، أو الكسوة التي أمر جلالته بعملها في المعمل الذي أنشأه في أجياد، كما تقدم تفصيله، وبعمله هذا زال كل إشكال عند بعض الفقهاء القائلين بأن أمر بيع كسوة الكعبة وتصرف آل الشيبي راجع إلى شرط الواقف أو أمر السلطان، وعليه صارت الكسوة حقا من حقوق آل الشيبي يتصرفون فيها كيف شاءوا، وذلك وفقا لإرادة جلالة الملك المعظم، ورأي معظم الفقهاء القائلين بجواز البيع.
وأما تقسيم الكسوة بين آل الشيبي فكلهم فيها سواء، الشيخ والشاب والطفل، والذكر والأنثى، تقسم بينهم بالسوية ما عدا رئيسهم صاحب المفتاح فله سهمان، وذلك باتفاقهم جميعا،