المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الذين بعث الله إليهم شعيبا (1). وذكر محمد نبهان النجار في - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد

- ‌ النقول عن شراح الحديث:

- ‌ النقول عن المؤرخين:

- ‌ النقول عن الفقهاء:

- ‌ ما مدى صحة حديث: «إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي

- ‌ ما مدى صحة حديث: «من عشق فعف وكتم مات شهيدا»

- ‌النصاب من شروط وجوب الزكاة

- ‌إذا بلغ الباقي بعد النفقة نصابا ففيه زكاة

- ‌كلما حال الحول على المال ففيه زكاة

- ‌المال المجموعمن عدة أفراد للحاجة لا يزكى

- ‌حكم الزكاة في المبالغالمرصودة تعويضا عن نزع ملكيات العقار

- ‌حكم زكاة المال الموصى به

- ‌ما حكم زكاة الدين الذي لم يوف

- ‌أقوال العلماء حولكون الدين مانعا من الزكاة

- ‌بهيمة الأنعام إذا لم تكنسائمة أغلب الحول فلا زكاة فيها

- ‌حكم زكاة الفواكه والخضروات

- ‌ما يسقى بالأمطار والأنهار فيه العشروما يسقى بالمكائن فيه نصف العشر

- ‌يجب إخراج زكاة الحليمنذ العلم بوجوبها

- ‌حكم زكاة العملة الفضيةالتي لم تزك منذ (20) سنة

- ‌زكاة الحلي على مالكها

- ‌كيفية زكاة الذهبالمرصع بفصوص وأحجار كريمة

- ‌حكم زكاة المعادن الثمينة

- ‌لا تسقط الزكاة في المالبنية الزواج به أو غير ذلك

- ‌حكم التعامل مع البنوك بالربا وزكاتها

- ‌هوايته جمع الفلوس المختلفة فهل يزكيها

- ‌زكاة قلم الذهب

- ‌حكم زكاة الأرض التي يترددصاحبها في بيعها ولم يجزم بشيء

- ‌كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع والتأجير

- ‌حكم الزكاة على السيارات المعدة للنقل

- ‌الأدوات التي تستعمل في المحل لا تزكى

- ‌كيفية زكاة البضائع كالأقمشة ونحوها

- ‌زكاة مساهمة الأراضي

- ‌زكاة الأسهم في الشركات

- ‌زكاة الفطر فرض على كل مسلم

- ‌حكم إخراج زكاة الفطرمن غير الأصناف المنصوص عليها

- ‌المشروع توزيع زكاةالفطر بين فقراء البلد

- ‌حكم من نسي إخراجزكاة الفطر قبل صلاة العيد

- ‌الواجب البدار بإخراجالزكاة وسؤال الثقات عن مستحقيها

- ‌حكم تأخير إخراج الزكاة عدة أشهر

- ‌حكم تأخير زكاة العروضفي حق من لم يملك النقود

- ‌نصح وتذكير لمن لم يخرج الزكاة

- ‌من ترك إخراج الزكاةلزمه إخراجها عما مضى من السنين

- ‌الجهل بفرضية الزكاة لا يسقطها

- ‌إخراج الزكاة من مال الطفلة

- ‌حكم إخراج الزوج زكاة زوجته من ماله

- ‌حكم إخراج الزكاةفي غير بلد المزكي

- ‌حكم إخراج الزكاةعروضا عن العروض وعن النقود

- ‌دفع الزكاة للجمعيات الخيرية

- ‌يجب على الوكيلفي توزيع الزكاة تنفيذ ما قاله موكله

- ‌حكم اعتبار ما يدفعلمصلحة الزكاة والدخل من الزكاة

- ‌حكم إعطاء الوكيل أجرة على توزيع الزكاة

- ‌تحرير المقال والبيان في الكلام على الميزان

- ‌ بيان الموزون

- ‌حكم التسمية عند الوضوء:

- ‌صيغة التسمية:

- ‌حكم ترك التسمية ونسيانها:

- ‌الخاتمة:

- ‌المبحث الأول: أنواع الحقوق التي تحميها العقوبات:

- ‌المبحث الثاني: الآثار المترتبة على اعتبار الجرائم اعتداء على حق الله أو حق العبد:

- ‌المطلب الأول: الخصومة والدعوى:

- ‌المطلب الثاني: الإرث بحق الدعوى والشكوى:

- ‌المطلب الثالث: العفو:

- ‌المطلب الرابع: التوبة:

- ‌المطلب الخامس: التناسب بين الجريمة والعقوبة:

- ‌المطلب السادس: الصلح والاعتياض:

- ‌ أسباب الضمان:

- ‌مسائل ضمان البئر:

- ‌وضع علامة على البئر وسدها:

- ‌شروط ضمان البئر:

- ‌ مسائل خاصة في المذهب المالكي:

- ‌ما يضمن في البئر:

- ‌الحفر في الموات:

- ‌ الحفر في الطريق الواسع:

- ‌ الحفر في الطريق الضيقة:

- ‌ الاشتراك في حفر البئر:

- ‌ حفر البئر لمصلحة نفسه:

- ‌إذن الإمام بعد الحفر:

- ‌ حفر البئر في الطريق وقصد الضرر:

- ‌ الطريق المشترك:

- ‌ البئر في المسجد:

- ‌ حفر للمصلحة في المسجد:

- ‌ دخل الدار بإذن المالك فسقط في البئر ومات:

- ‌ دفاع المالك عن الحافر تعديا:

- ‌ حفر في فناء الدار:

- ‌ استأجر حافرا ليحفر في فناء داره:

- ‌ أعلم الحافر أنه ليس فناءه:

- ‌ أعلمه أن ليس له الحفر:

- ‌ الأجرة وعدمها:

- ‌ نصف في الملك ونصف في الفناء:

- ‌ ضمان موضع التعدي:

- ‌ حفر في ملك الغير:

- ‌ حفر متعدية فدخل آخر متعديا:

- ‌ ضمان الداعي للدخول والحافر عدوانا:

- ‌ متى يبرأ من الضمان

- ‌ أبرأه المالك من الضمان:

- ‌ حفر في ملك مشترك:

- ‌ مات بسبب السقوط في البئر أو جوعا وغما:

- ‌ إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر

- ‌ المباشر ضامن وإن لم يتعد أو لم يتعمد

- ‌ المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي:

- ‌ الاشتراك في الضمان:

- ‌ الجذب في البئر:

- ‌ الاختلاف في الدعوى:

- ‌ اختلفا في كشف البئر:

- ‌ اختلفا في إعلام الداخل:

- ‌ اختلفا في تعمد السقوط:

- ‌ الإجارة على الحفر وغيرها من المنافع:

- ‌ وقعت على الأجراء والحفر في الطريق:

- ‌ حفر في دار مستأجرة (ملك المنفعة):

- ‌ حفر في الدار الموقوفة أو الموصى بها (ملك المنفعة):

- ‌ حفر في الدار المستعارة (ملك الانتفاع):

- ‌ حفر في داره المؤجرة أو المرهونة:

- ‌ حفر داخل الحرم:

- ‌ منع الجار جاره من الحفر:

- ‌ أمر السلطان والإكراه:

- ‌ إكراه السلطان:

- ‌ نقصان الدار بالحفر:

- ‌ حفر العبد:

- ‌ سقط اثنان فعفا أحد الوليين:

- ‌ حفر بإذن مولاه ثم أعتقه وسقط المعتق في البئر:

- ‌ أعتقه قبل الحفر:

- ‌ حفر المكاتب والمدبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌غزوة تبوك وما فيها من المعجزات

- ‌سبب الغزوة:

- ‌منازل الناس في الغزوة:

- ‌معجزات نبوية:

- ‌خاتمة:

- ‌الحث على العناية بكتاب الله وتعلمه

- ‌أمر ملكي بتعيين فضيلة الشيخعبد العزيز آل الشيخ مفتيا عاما للمملكة

- ‌سماحة المفتي في سطور

- ‌حديث شريف

الفصل: الذين بعث الله إليهم شعيبا (1). وذكر محمد نبهان النجار في

الذين بعث الله إليهم شعيبا (1).

وذكر محمد نبهان النجار في كتابه: الاصطفاء في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي نشرته إدارة إحياء التراث الإسلامي في قطر قوله: تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، بينه وبين المدينة أربع عشرة مرحلة، وبينه وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وتبوك الآن في المملكة العربية السعودية، وهي مركز هام للسياحة والنقل، وهي تبعد عن المدينة المنورة سبعمائة وستا وثمانين كيلو مترا على حسب المقياس في عصرنا الحاضر (2).

وذكر ابن قتيبة [213 - 276 هـ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار في رجب سنة تسع إلى أرض الروم، فكان أقصى أثره تبوك فأقام بها وبنى مسجدا هو بها إلى اليوم (3).

(1) المصباح المنير للرافعي بتصحيح مصطفى السقا 1/ 74.

(2)

الاصطفا في سيرة المصطفى لمحمد النجار 3/ 142.

(3)

المعارف لابن قتيبة 165.

ص: 320

‌سبب الغزوة:

ذكر ابن كثير [700 هـ- 774 هـ] في تفسيره، وفي تاريخه أن الله سبحانه لما أنزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (1) الآيتين قالت قريش، كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد

(1) سورة التوبة الآية 28

ص: 320

بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم، وكان ذلك بعد فتح مكة: لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

قال ابن كثير فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال أهل الكتاب؛ لأن هذه الآية هي أول الأمر بقتالهم بعد ما أذل الله المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واستقامت جزيرة العرب. وقد أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك، وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب فندبهم، فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك عام جدب، ووقت قيظ وحر، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك، فنزل بها، وأقام بها قريبا من عشرين يوما (1).

لكن لويس معلوف يريد في معجمه المنجد أن يطمس حقيقة تاريخية ثابتة، وينفي أن المقصود بغزوة تبوك: الروم، وأهل الكتاب من النصارى واليهود، مع أن الآية الكريمة أبانت أنهم المقصودون:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2) فجعل السبب: إخضاع عرب الشمال، حيث قال: تبوك مدينة

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/ 347.

(2)

سورة التوبة الآية 29

ص: 321

في طريق الحج من دمشق إلى المدينة، اشتهرت بالغزوة العظيمة التي قام بها النبي لإخضاع عرب الشمال (1).

ولا غرابة في هذا فالمثقفون من النصارى واليهود يحبون أن يطمسوا الحقائق الإسلامية في دسهم، برفق ولين، كمن يدس السم في العسل أو الدسم، ويستبين مثل هذا في شبهاتهم التي ترد، وفي محاولاتهم قلب الأمور بموازين الجدل والتمويه، ثم كيف يتجاهل هذا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى يوحنا ابن رؤبة وأهل أيلة كتاب أمان على أن يدفعوا (300) دينار في كل عام جزية عن يد وهم صاغرون، كما أعطى الجزية أهل الجرباء وأذرح وانسحبت الروم خوفا من لقائه صلى الله عليه وسلم (2).

من مر بها من الرحالين:

كثير من الرحالين والحجاج قد مروا بتبوك في طريقهم إلى المدينة المنورة، ومكة المكرمة، وغيرهما فهي مفتاح الجزيرة العربية وبوابتها للقادمين عن طريق الشام ومصر، سواء منهما أو مما وراءهما. . وقل أن يترك ذكرها رحالة من الرحالين أو الحجاج، ولكن المعلومات عندهم متقاربة، إلا في رصد ما مر به أي منهم، حيث يصف المدينة وما حولها في وقته.

ولكثرة من سجل رحلته للحج من تلك الديار، فإننا سوف

(1) المنجد في اللغة والأدب والعلوم، 2/ 103.

(2)

الاصطفا في سيرة المصطفى للنجار، 3/ 146.

ص: 322

نقتصر على ما رصده اثنان من الرحالين:

الأول: ابن بطوطة [703 - 779 هـ]، الذي قام برحلته من طنجة بالمغرب عام 725 هـ.

والثاني: محمد السنوسي [1267هـ- 1318 هـ] الذي قام برحلته من تونس عام 1299هـ قاصدا الديار المقدسة للحج والزيارة، ثم عاد إلى تونس يوم الاثنين 26 ربيع الأول عام 1300 هـ.

يقول ابن بطوطة: وقد وصلنا إلى تبوك، وهو الموضع الذي غزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها عين ماء تبض بشيء من الماء، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ منها جادت بالماء المعين، ولم يزل إلى هذا العهد ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن عادة حجاج الشام أنهم إذا وصلوا إلى منزل تبوك، أخذوا أسلحتهم، وجردوا سيوفهم، وحملوا على المنزل، وضربوا النخيل بسيوفهم، ويقولون: هكذا دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينزل الركب العظيم على هذه العين فيروي منها جميعهم، ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال، واستعداد الماء للبرية المخوفة التي بين العلا وتبوك.

ومن عادة السقائين، أنهم ينزلون على جوانب هذه العين، ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس، كالصهاريج الضخام، يسقون منها الجمال، ويملأون الروايا والقرب، ولكل أمير أو

ص: 323

كبير حوض، يسقي منه جماله وجمال أصحابه، ويملأ رواياهم، وسواهم من الناس يتفق مع السقائين على سقي جمله وملء قربته بشيء معلوم من الدراهم. ثم يرحل الركب من تبوك، ويجدون السير ليلا ونهارا، خوفا من هذه البرية، وفي وسطها الوادي الأخضر، كأنه وادي جهنم، أعاذنا الله منها، وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة، بسبب ريح السموم التي تهب، فانتشفت المياه، وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار، ومات مشتريها وبائعها، وكتب ذلك في بعض صخر الوادي.

ومن هناك ينزلون بركة المعظم، وهي ضخمة، نسبتها إلى الملك المعظم، من أولاد أيوب، ويجتمع بها ماء المطر، في بعض السنين، وربما جف في بعضها.

وفي الخامس من يوم رحيلهم عن تبوك يصلون إلى بئر الحجر: حجر ثمود وهي كثيرة المياه، ولكن لا يردها أحد من الناس مع شدة عطشهم، اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بها في غزوة تبوك فأسرع براحلته، وأمر ألا يسقي منها أحد (1).

أما محمد السنوسي في كتابه الرحلة الحجازية، فقد تحدث عن تبوك في ثلاث صفحات، وبعض كلامه عنها مما جاء في كتب التاريخ في السيرة النبوية لابن هشام وغيره، وعند ابن كثير في تاريخه، والطبري في تاريخه.

(1) رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار ط عام 1386 هـ كتاب التحرير ص78.

ص: 324

ومما قاله: تبوك: يقال باك العين يبوكها، إذا ثور ماؤها بعود، وقد رأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن وجده يبوك عينا هنالك، قل ماؤها: تبوك: " كذا "، فاطرد ذلك الاسم للمكان، وهو محل أصحاب الأيكة وخبر شعيب مع أصحاب الأيكة، مذكور في القرآن الكريم.

ولغزوة تبوك خبر مبسوط في كتب السير النبوية، ويقال لها: غزوة العسيرة أو العسرة، ويقال لها: الفاضحة لأنها فضحت كثيرا من المنافقين، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك في رجب سنة تسع " للهجرة " بسبب ما بلغه عليه الصلاة والسلام من أن الروم تجمعت جموعهم بالشام، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فرأى غزوهم.

ثم قال: وخرج لهذه الغزوة بسبعين ألفا من الرجال وعشرة آلاف فرس، وعند ارتحاله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع عقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر، ورايته للزبير، وراية الأوس لأسيد بن حضير، وراية الخزرج إلى الحباب بن المنذر، ودفع لكل بطن من العرب لواء وراية.

ولما نزلوا تبوك، وجدوا عينها قليلة الماء فاغترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده غرفة من مائها، ومضخ بها فاه، ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت، وقال لمعاذ:«يوشك إن طالت بك حياة أن ترى هنا ملئ جنانا (2)» . قلت- والكلام

(1) صحيح مسلم كتاب الفضائل (706)، سنن الترمذي الجمعة (553)، سنن النسائي المواقيت (587)، سنن أبو داود الصلاة (1208)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1070)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 238)، موطأ مالك كتاب النداء للصلاة (330)، سنن الدارمي الصلاة (1515).

(2)

كذا في الأصل، وصحة الحديث:" ترى ما هاهنا- قد ملئ. . ". انظر ص (345) من هذا البحث. (1)

ص: 325

للسنوسي -: وجدنا بها جنانا من نخيل، غير أن نخلها ذكر لا تمر فيه، وبها وجدنا عنبا ويقطينا ومياها لم يكن مثلها فيما مررنا عليه من المراحل السابقة، وبذلك شاهدنا آثار إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات.

ثم قال: وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة، واستشار أصحابه في مجاوزتها فقال عمر: إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا وأفزعهم ذلك، فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى أو يحدث الله أمرا. ثم انصرف صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة. ثم بدأ في وصف المدينة ومبانيها فقال: أما بناء تبوك فهو من لبن غير مطبوخ وجدرانها قصيرة، دون قامة الإنسان، ومسجدها الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عمر بن عبد العزيز، ومنها إلى المدينة كان مزروعا في عهد عمر بن الخطاب.

وروي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس في ثنية تبوك وأشار إلى جهة الشام وقال: " هذا شامي " وأشار إلى جهة اليمن وقال: " هذا يمني» واستدل العلماء بذلك على أن الحجاز من اليمن.

وقلعة تبوك ذات بئر، بناها السلطان سليمان، ولبركتها عين جارية، ولا أدري هي التي كان يبوكها البايك أو غيرها.

وعند نزول الركب في هاته المنزلة السعيدة قبل أمير الركب

ص: 326

سعيد باشا مكاتيب الدولة العلية التي وجدها في انتظاره تأمره بالكرنتينه في الزرقاء عشرة أيام. وكان الباشا قبل ذلك حرر شهادة في سلامة الركب من الأمراض، ولقد أراد أن يوجه بها بريده جوخدار غير أنه سبق السيف العذل، وتقدمت الأوامر على الاستئذان وامتثل ما ورد إليه من الأمر (1).

ولقد قرأت في إحدى الصحف مقابلة مع أحد أبناء مدينة تبوك، وهو الآن عضو في المجلس الإداري للمنطقة، أن مدينة تبوك التي هي حاضرة الإمارة ويتبعها محافظات عدة كان سكانها إلى عهد قريب عربا رحلا، ولا يوجد في البلد إلا دكان صغير واحد يصعب على المسافر فضلا عن المقيم الحصول عنده على الضروريات كالدقيق، ولا يوجد بالبلد مخبز فضلا عن الكماليات.

ولذا فإن المقارنة بين حال تبوك قبل أربعين عاما، وبينها الآن لا يكاد يصدقها إلا من عاينها بنفسه، فالتقدم فيها كشأن مدن المملكة، في مرافق الحياة جميعها، لا تسير سيرا وإنما تقفز قفزات متسارعة، بفضل الله، ثم بفضل ما تيسره الدولة وتهيئ أسبابه، مع توفر العامل الرئيسي الذي أرسى دعائمه الملك عبد العزيز رحمه الله، حيث كان من هواجس نفسه الأولوية في مسيرة البناء وتوحيد أجزاء المملكة، ذلك هو الأمن، الذي تستقيم معه جميع الأمور، ويترابط أبناء البلاد حكاما ومحكومين فيما بينهم بوشاج المحبة والألفة. . فهو أمن في النفوس، وأمن

(1) الرحلة الحجازية لمحمد التونسي، 2/ 240 - 242.

ص: 327