الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسيانا؟ ولمعرفة هذه الأحكام السابقة استعنت بالله وتوكلت عليه في بحث هذه المسألة.
وأسأله عز وجل المعونة والسداد والدلالة على طريق الهدى والخير حيث كان، إنه نعم المسئول ونعم المجيب.
التمهيد:
المراد بالتسمية عند الوضوء:
التسمية عند الوضوء أو البسملة عند الوضوء بمعنى واحد، وهو أن يذكر الإنسان اسم الله تعالى عندما يريد أن يتوضأ.
وبعض أهل العلم يذكرها بلفظ البسملة، وأكثرهم يقول: التسمية عند الوضوء. وهذا هو المشهور في كتب الفقهاء، كما سيلاحظ القارئ عندما يطلع على كلامهم في ثنايا هذا البحث إن شاء الله تعالى.
والبسملة هي قول: بسم الله. ويقال: بسمل بسملة إذا قال أو كتب بسم الله (1). ويقال: قد أكثرت من البسملة أي من قول بسم الله.
(1) المصباح المنير 1/ 68، كتاب الباء، الباء مع السين وما يثلثهما، مادة (بسمل).
حكم التسمية عند الوضوء:
اختلف الفقهاء في حكم التسمية عند الوضوء على أربعة
أقوال، هي:
القول الأول: أنها سنة. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية (1)، ورواية عند الحنابلة هي ظاهر المذهب عندهم، وهو مذهب الظاهرية (2).
القول الثاني: أنها واجبة. وهو رواية عند الحنابلة هي المذهب، اختارها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر، والقاضي أبو يعلى (3)، وهو مذهب الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه (4).
القول الثالث: أنها ليست بمشروعة " منكرة ". وهو قول
(1) نهاية المحتاج 1/ 183، روضة الطالبين 1/ 157، المجموع 1/ 345، حلية العلماء 1/ 136.
(2)
المحلى 1/ 295.
(3)
انظر: المغني 1/ 145، الانتصار في المسائل الكبار 1/ 250، المستوعب 1/ 143، الإنصاف 1/ 128.
(4)
المغني 1/ 145، الانتصار في المسائل الكبار 1/ 250، الأوسط 1/ 368، المجموع 1/ 146.
عند المالكية (1).
القول الرابع: أنها مباحة. وهو قول عند المالكية (2).
وقد استشكل بعضهم تصور الإباحة مع رجحان الذكر. وأجيب بأن المباح وقوع الذكر الخاص في أول العبادات الخاصة، أما نفس الفعل فراجح الفعل، فمحل الإباحة غير محل الندب (3).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأولى: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (4).
الدليل الثاني: عن حمران مولى عثمان «أنه رأى عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه (5)» .
(1) انظر: الخرشي 1/ 139، تنوير المقالة 1/ 478.
(2)
انظر: الخرشي 1/ 139، تنوير المقالة 1/ 478.
(3)
الخرشي 1/ 139.
(4)
سورة المائدة الآية 6
(5)
رواه البخاري 1/ 48، كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثا، ورواه مسلم 1/ 205، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، واللفظ له.
وجه الدلالة من الدليلين: أن الله سبحانه وتعالى بين واجبات الوضوء في الآية والحديث السابقين ولم يورد فيهما التسمية، مما يدل على عدم وجوبها؛ لأنها لو كانت واجبة لذكرها الله سبحانه وتعالى مع بقية الواجبات (1).
ونوقش وجه الدلالة السابق من وجهين:
الوجه الأول: أن التسمية وإن لم تذكر في هذه الآية ولا في هذا الحديث فإنها ذكرت في أحاديث أخرى، مما يدل على وجوبها.
يجاب عنه: أن أسانيد هذه الأحاديث كلها ضعيفة، فلا يصح الاستدلال (2) بها.
الوجه الثاني: أن النية لم تذكر في الآية ولا في الحديث من ضمن واجبات الوضوء ومع ذلك لم يقل أحد: إنها ليست واجبة فيه.
يجاب عنه: أن وجوب النية في الوضوء، وإن لم يرد في
(1) انظر: المبسوط 1/ 55، أحكام القرآن للجصاص 3/ 365، الانتصار في المسائل الكبار 1/ 257.
(2)
انظر: المجموع 1/ 344، وانظر تفصيل ذلك في ص190 - 195 من هذا البحث.
هذه الآية ولا في هذا الحديث، فإنه قد ثبت في حديث آخر بين وجوب النية في جميع الأعمال الشرعية. أما التسمية في الوضوء فلم تثبت بنص شرعي آخر مما يدل على عدم وجوبها.
الدليل الثالث: عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله، فإنه يطهر جسده كله، فإن لم يذكر أحدكم اسم الله على طهوره لم يطهر إلا ما مر عليه الماء، فإذا فرغ أحدكم من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليصل علي، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة (1)» .
وجه الدلالة: أن هذا الحديث حكم بطهارة الأعضاء مع
(1) رواه الدارقطني، سنن الدارقطني 1/ 73، 74، باب التسمية على الوضوء واللفظ له. ورواه البيهقي، السنن الكبرى 1/ 44، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء.
عدم التسمية، مما يدل صراحة على عدم وجوب التسمية عند الوضوء (1).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف فلا يصح الاستدلال به.
الوجه الثاني: أنه حجة للقائلين بوجوب التسمية، حيث لم يحكم بطهارة بقية البدن مع عدم التسمية، والبدن جميعه محدث، بدليل أنه لا يجوز مس المصحف بصدره، ومع بقاء الحدث في بعض البدن لا تصح الصلاة (2).
الدليل الرابع: أن التسمية مشروعة عند كثير من الأمور، سواء كانت عبادة، أو غيرها. فتشرع عند الأكل، وعند دخول
(1) انظر: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق 1/ 355، الانتصار 1/ 253.
(2)
انظر: تنقيح التحقيق 1/ 356، الانتصار 1/ 253.
المنزل، والخروج منه، وعند ركوب الدابة، وعند
الوطء، وعند تغطية الإناء، وغيرها من المواضع التي تشرع فيها التسمية؛ فيكون الوضوء من الأشياء التي يسن أن تسبق بالتسمية، خاصة مع وجود الأحاديث المثبتة لذلك.
يناقش: إنكم ذكرتم أن الأحاديث المثبتة للتسمية عند الوضوء ضعيفة (1) ولا تصلح للاستدلال بها على وجوب التسمية، فما بالكم قد استدللتم بها الآن؟
(1) انظر: من ص 190 إلى ص 195 من هذا البحث.
يجاب عنه: أننا لم نستدل بهذه الأحاديث فنثبت وجوب التسمية؛ لأن إثبات الوجوب يحتاج إلى دليل قوي مستقيم، ولكننا استأنسنا بهذه الأحاديث مع مشروعية التسمية عند كثير من الأمور المتعلقة بالعبادات وغيرها، الثابتة بالأحاديث الصحيحة، فقلنا: إن التسمية عند الوضوء سنة يستحب النطق بها عند البداءة به.
الدليل الخامس: أن التسمية معنى شرع عند الذبح؛ فلم يجب في الطهارة، كاستقبال القبلة (1).
نوقش: لم كان كذلك؟ ونحن نرى أن استقبال القبلة يشرع في الذبيحة والدعاء، ويجب قي الصلاة، وكذلك ذكر الله تعالى يشرع في الأذان وفي الصلاة وفي الخطبة، فليس إذا شرع الشيء في فعل لا يفعل في غيره (2).
الدليل السادس: أن الوضوء طهارة فلا تفتقر إلى التسمية، كالطهارة من النجاسة، أو عبادة فلا تجب فيها التسمية، كسائر العبادات (3).
الدليل السابع: أن التسمية عند الوضوء ذكر يسقط بالسهو فلم يكن واجبا كالتسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (4).
(1) انظر: الانتصار 1/ 259.
(2)
انظر: الانتصار 1/ 259.
(3)
المغني 1/ 145.
(4)
انظر: الانتصار 1/ 259.
نوقش: أنا لا نسلم لكم أنه يسقط سهوا، ومن سلم قال: لا يمتنع أن يسقط بالسهو ما كان واجبا، كالإمساك في الصوم وكترك الكلام أثناء الصلاة والتسمية على الذبيحة ونحو ذلك، فأما الأصل فلم يشرع في الوضوء أصلا (1).
الدليل الثامن: أن الوضوء شرط من شرائط الصلاة فلم تشترط في صحته التسمية، كستر العورة وإزالة النجاسة واستقبال القبلة (2).
نوقش: أنه " لا تأثير لقولكم: شرط. فإن الحج والصيام والزكاة ليس بشرط ولا تسمية فيه أيضا، ولا نسلم الأصل، فإنه إنما يكون شرطا إذا كان فعلها في الصلاة، وفي الصلاة تسمية والطهارة لا تفعل في الصلاة ودوام حكمها ليس بفعل؛ ولهذا لو حلف لا يتطهر وهو متطهر فاستدام لم يحنث، ولو حلف لا يستتر ولا يستقبل القبلة فاستدام حنث؛ ولهذا لا يشرع لتلك الشروط نية مفردة، بخلاف الطهارة. فأما النجاسة فهي نقل عين معينة كرد المغصوب والعواري، أو طريقها التروك فلم تفتقر إلى ذكر، كترك الزنى والربا والسرقة، ولأن الطهارة عبادة منفردة يتنفل بها وترجع إلى شطرها فكانت كالصلاة، بخلاف سائر الشروط "(3).
(1) انظر: الانتصار 1/ 259.
(2)
انظر: الانتصار 1/ 258، شرح معاني الآثار 1/ 29.
(3)
انظر: الانتصار 1/ 258.
الدليل التاسع: أن الوضوء عبادة لا يجب في آخرها ذكر فلا يجب في أولها، كالطواف (1).
ونوقش: لم كان كذلك؟ ونحن نعلم أنه يشرع في أولها الذكر ويستحب ولا يشرع في آخرها، وكذلك يجب إحضار النية في أولها ولا يجب في آخرها. . . وكذلك التسمية ينطق بها في أول الذبح دون آخره، وكذلك يجب التكبير في أول الصلاة ولا يجب في آخرها (2).
الدليل العاشر: أن المطلوب من المتوضئ هو الطهارة، وترك التسمية لا يقدح فيها؛ لأن الماء خلق طهورا في الأصل فلا تقف طهوريته على صنع العبد (3).
(1) انظر: المجموع 1/ 347، الانتصار 1/ 258.
(2)
انظر: الانتصار 1/ 258.
(3)
بدائع الصنائع 1/ 20.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: - عن كثير بن زيد، عن ربيع بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (1)» .
(1) رواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه 1/ 139 - 140، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية في الوضوء، واللفظ له. والدارمي، سنن الدارمي 1/ 176، كتاب الوضوء، باب التسمية في الوضوء. وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 2 - 3، كتاب الطهارات، في التسمية في الوضوء. والحاكم في المستدرك 1/ 246، كتاب الطهارة. والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 43، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء.
الدليل الثاني: عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري، قال: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، يقول: أخبرتني جدتي عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه، ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لم يحب الأنصار (1)» .
الدليل الثالث: قال الإمام أحمد: ثنا قتيبة، ثنا محمد بن موسى المخزومي، عن يعقوب بن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (2)» .
(1) رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 70. والترمذي، سنن الترمذي 1/ 37 - 38، أبواب الطهارة، باب ما جاء في التسمية عند الوضوء. ورواه ابن ماجه 1/ 140، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية في الوضوء. ورواه الدارقطني، سنن الدارقطني 1/ 72 - 73، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء، واللفظ له. وابن أبي شيبة، المصنف لابن أبي شيبة 1/ 3، كتاب الطهارات، في التسمية في الوضوء. والبيهقي، السنن الكبرى 1/ 43، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 418، واللفظ له. وأبو داود، سنن أبي داود 1/ 75، كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء، وابن ماجه، سنن ابن ماجه 1/ 140، كتاب الطهارة، وسننها، باب ما جاء في التسمية في الوضوء.
وجاء من طريق آخر عند الدارقطني: نا ابن صاعد، نا محمود بن محمد أبو يزيد الظفري، نا أيوب بن النجار، عن يحيى بن كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما توضأ من لم يذكر اسم الله، وما صلى من لم يتوضأ، وما آمن بي من لم يحبني، وما أحبني من لم يحب الأنصار (1)» .
الدليل الرابع: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار (2)» .
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا وضوء " نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، فيعم نفي الكمال والإجزاء، كما أن قوله في أول الحديث:«لا صلاة لمن لا وضوء له (3)» يقتضي نفي الإجزاء والكمال (4).
(1) رواه الدارقطني 1/ 71، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء، واللفظ له. والبيهقي، السنن الكبرى 1/ 44، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء.
(2)
رواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه 1/ 140، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية في الوضوء، واللفظ له. والدارقطني، سنن الدارقطني 1/ 355، كتاب الطهارة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد واختلاف الروايات في ذلك.
(3)
سنن أبو داود الطهارة (101)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (399).
(4)
انظر: الانتصار في المسائل الكبار 1/ 252، المغني 1/ 145.
نوقش: أن أسانيد هذه الأحاديث كلها ضعيفة (1).
ففي الحديث الأول كثير بن زيد. قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بذاك. وكان أولا قال: ليس بشيء. وقال يعقوب بن شيبة: ليس بذاك الساقط وإلى الضعف ما هو. وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين. وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقوي يكتب حديثه (2).
وكثير بن زيد حدث به عن ربيح بن عبد الرحمن. قال أبو زرعة عنه: شيخ. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال أحمد بن حفص السعدي: سئل أحمد عن التسمية في الوضوء فقال: لا أعلم فيه حديثا يثبت، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح، وربيح رجل ليس بمعروف (3).
ونقل الترمذي عن البخاري قوله عن ربيح: منكر الحديث (4).
(1) المجموع 1/ 344.
(2)
انظر: تهذيب التهذيب 8/ 414.
(3)
انظر: تهذيب التهذيب 3/ 238.
(4)
العلل للترمذي ص12.
وأما الحديث الثاني ففيه عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب.
قال العقيلي: " حدثني آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري يقول: أبو ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن: في حديثه نظر.
وحدثنا إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزاري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ، قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: التسمية في الوضوء؟ فقال: أحسن شيء فيه حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. قلت: فحديث حدث عبد الرحمن بن حرملة؟ قال: لا يثبت " (1). ثم عقب العقيلي على ذلك قائلا: " الأسانيد في هذا الباب فيها لين " (2).
ونقل الترمذي عن البخاري قوله: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن (3).
ونقل ابن حجر عن ابن عبد البر قوله: " أبو بكر بن حويطب، يقال: اسمه رباح، ويقال: اسمه كنيته، روى عن جدته، يقال: حديثه مرسل "(4).
(1) الضعفاء الكبير للعقيلي 1/ 177.
(2)
المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.
(3)
سنن الترمذي 1/ 39.
(4)
تهذيب التهذيب 3/ 23.
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: " ليس في هذا حديث يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيد. وضعف حديث ابن حرملة. وقال: أنا لا آمر بالإعادة، وأرجو أن يجزيه الوضوء؛ لأنه ليس في هذا حديث أحكم به "(1).
وأما الحديث الثالث فرواه قتيبة عن محمد بن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة عن أبيه. قال البخاري رحمه الله: لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه (2).
وقال الدارقطني عن محمود بن محمد الظفري: ليس بالقوي، فيه نظر (3).
وقال البيهقي: " هذا الحديث لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا وهو حديث «التقى آدم وموسى (4)» ذكره يحيى بن معين فيما رواه عن ابن أبي مريم، فكان حديثه هذا منقطعا "(5).
يجاب عن مناقشة هذا الحديث: أن الحاكم رحمه الله قال عنه في المستدرك: " هذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار،
(1) تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق 1/ 357، وانظر: المستدرك 1/ 7، ونصب الراية 1/ 4.
(2)
التاريخ الكبير 4/ 76.
(3)
لسان الميزان 6/ 5.
(4)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4736)، صحيح مسلم القدر (2652)، سنن الترمذي القدر (2134)، سنن أبو داود السنة (4701)، سنن ابن ماجه المقدمة (80)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 314)، موطأ مالك الجامع (1660).
(5)
السنن الكبرى 1/ 44.
ولم يخرجاه (1).
يرد عليه: بما ذكره النووي في المجموع، حيث قال: أما قول الحاكم أبي عبد الله في المستدرك على الصحيحين في حديث أبي هريرة أنه حديث صحيح الإسناد فليس بصحيح؛ لأنه انقلب عليه إسناده واشتبه. كذا قال الحفاظ (2).
قال ابن حجر في التلخيص الحبير بعد ذكره لهذا الحديث: " رواه الحاكم من هذا الوجه، فقال: يعقوب بن أبي سلمة وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك، والصواب أنه الليثي. قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة، وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. وهذه عبارة عن ضعفه، فإنه قليل الحديث جدا، ولم يرو عنه سوى ولده، فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة؟
قال ابن الصلاح: انقلب إسناده على الحاكم، فلا يحتج لثبوته بتخريجه له. وتبعه النووي. وقال ابن دقيق العيد: لو سلم للحاكم أنه يعقوب بن أبي سلمة الماجشون - واسم أبي سلمة دينار - فيحتاج إلى معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال، فلا يكون أيضا صحيحا (3).
أما الحديث الرابع ففي إسناده عبد المهيمن. قال عنه
(1) المستدرك 1/ 246.
(2)
المجموع 1/ 344.
(3)
التلخيص الحبير 1/ 386.
الدارقطني: ليس بالقوي (1). وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد المهيمن. ثم قال: لكنه لم ينفرد به عبد المهيمن، فقد تابعه عليه أبي، أخو عبد المهيمن (2). قال ابن حجر في التلخيص الحبير: أبي مختلف فيه (3).
الدليل الخامس: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره يسمي الله (4)» .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مس طهوره يسمي الله عز وجل، وهذا يدل على وجوب التسمية عند الوضوء.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده حارثة بن محمد،
فلا يصح الاستدلال به.
(1) انظر: سنن الدارقطني 1/ 355.
(2)
مصباح الزجاج 1/ 60.
(3)
التلخيص الحبير 1/ 390.
(4)
رواه الدارقطني، سنن الدارقطني 1/ 72، واللفظ له. والبزار، مسند البزار 1/ 137. وابن أبي شيبة، المصنف 1/ 3.
الوجه الثاني: لو سلمنا بصحته فإنا لا نسلم أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للشيء دليل على وجوبه، بل قد يدل فعله صلى الله عليه وسلم للشيء على سنيته وندبه.
الدليل السادس: " إنها عبادة يبطلها الحدث، فوجب في أولها نطق، كالصلاة "(1).
يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أنه منتقض بالطواف، فالطواف عبادة يبطلها الحدث ومع ذلك لم يجب في أوله نطق.
الوجه الثاني: أنه يمكن قلب الدليل على المستدلين به، فيقال: إن الوضوء عبادة يبطلها الحدث؛ فلم تجب التسمية في أولها، كالصلاة (2).
(1) انظر: المجموع 1/ 346.
(2)
انظر: المجموع 1/ 347.
دليل القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث على عدم مشروعية التسمية عند الوضوء بعدم وجود دليل شرعي يثبت مشروعيتها في هذا الموضع بالذات (1).
يناقش: أن التسمية مشروعة عند كثير من الأمور، سواء كانت عبادة أو غيرها. فتشرع عند الأكل، وعند دخول المنزل والخروج منه، وعند ركوب الدابة، وعند الوطء (2)، وغيرها من
(1) انظر: الخرشي 1/ 139، تنوير المقالة 1/ 478.
(2)
انظر: بعض هذه الأحاديث في ص182، 183، 184.