المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحث على العناية بكتاب الله وتعلمه - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد

- ‌ النقول عن شراح الحديث:

- ‌ النقول عن المؤرخين:

- ‌ النقول عن الفقهاء:

- ‌ ما مدى صحة حديث: «إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي

- ‌ ما مدى صحة حديث: «من عشق فعف وكتم مات شهيدا»

- ‌النصاب من شروط وجوب الزكاة

- ‌إذا بلغ الباقي بعد النفقة نصابا ففيه زكاة

- ‌كلما حال الحول على المال ففيه زكاة

- ‌المال المجموعمن عدة أفراد للحاجة لا يزكى

- ‌حكم الزكاة في المبالغالمرصودة تعويضا عن نزع ملكيات العقار

- ‌حكم زكاة المال الموصى به

- ‌ما حكم زكاة الدين الذي لم يوف

- ‌أقوال العلماء حولكون الدين مانعا من الزكاة

- ‌بهيمة الأنعام إذا لم تكنسائمة أغلب الحول فلا زكاة فيها

- ‌حكم زكاة الفواكه والخضروات

- ‌ما يسقى بالأمطار والأنهار فيه العشروما يسقى بالمكائن فيه نصف العشر

- ‌يجب إخراج زكاة الحليمنذ العلم بوجوبها

- ‌حكم زكاة العملة الفضيةالتي لم تزك منذ (20) سنة

- ‌زكاة الحلي على مالكها

- ‌كيفية زكاة الذهبالمرصع بفصوص وأحجار كريمة

- ‌حكم زكاة المعادن الثمينة

- ‌لا تسقط الزكاة في المالبنية الزواج به أو غير ذلك

- ‌حكم التعامل مع البنوك بالربا وزكاتها

- ‌هوايته جمع الفلوس المختلفة فهل يزكيها

- ‌زكاة قلم الذهب

- ‌حكم زكاة الأرض التي يترددصاحبها في بيعها ولم يجزم بشيء

- ‌كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع والتأجير

- ‌حكم الزكاة على السيارات المعدة للنقل

- ‌الأدوات التي تستعمل في المحل لا تزكى

- ‌كيفية زكاة البضائع كالأقمشة ونحوها

- ‌زكاة مساهمة الأراضي

- ‌زكاة الأسهم في الشركات

- ‌زكاة الفطر فرض على كل مسلم

- ‌حكم إخراج زكاة الفطرمن غير الأصناف المنصوص عليها

- ‌المشروع توزيع زكاةالفطر بين فقراء البلد

- ‌حكم من نسي إخراجزكاة الفطر قبل صلاة العيد

- ‌الواجب البدار بإخراجالزكاة وسؤال الثقات عن مستحقيها

- ‌حكم تأخير إخراج الزكاة عدة أشهر

- ‌حكم تأخير زكاة العروضفي حق من لم يملك النقود

- ‌نصح وتذكير لمن لم يخرج الزكاة

- ‌من ترك إخراج الزكاةلزمه إخراجها عما مضى من السنين

- ‌الجهل بفرضية الزكاة لا يسقطها

- ‌إخراج الزكاة من مال الطفلة

- ‌حكم إخراج الزوج زكاة زوجته من ماله

- ‌حكم إخراج الزكاةفي غير بلد المزكي

- ‌حكم إخراج الزكاةعروضا عن العروض وعن النقود

- ‌دفع الزكاة للجمعيات الخيرية

- ‌يجب على الوكيلفي توزيع الزكاة تنفيذ ما قاله موكله

- ‌حكم اعتبار ما يدفعلمصلحة الزكاة والدخل من الزكاة

- ‌حكم إعطاء الوكيل أجرة على توزيع الزكاة

- ‌تحرير المقال والبيان في الكلام على الميزان

- ‌ بيان الموزون

- ‌حكم التسمية عند الوضوء:

- ‌صيغة التسمية:

- ‌حكم ترك التسمية ونسيانها:

- ‌الخاتمة:

- ‌المبحث الأول: أنواع الحقوق التي تحميها العقوبات:

- ‌المبحث الثاني: الآثار المترتبة على اعتبار الجرائم اعتداء على حق الله أو حق العبد:

- ‌المطلب الأول: الخصومة والدعوى:

- ‌المطلب الثاني: الإرث بحق الدعوى والشكوى:

- ‌المطلب الثالث: العفو:

- ‌المطلب الرابع: التوبة:

- ‌المطلب الخامس: التناسب بين الجريمة والعقوبة:

- ‌المطلب السادس: الصلح والاعتياض:

- ‌ أسباب الضمان:

- ‌مسائل ضمان البئر:

- ‌وضع علامة على البئر وسدها:

- ‌شروط ضمان البئر:

- ‌ مسائل خاصة في المذهب المالكي:

- ‌ما يضمن في البئر:

- ‌الحفر في الموات:

- ‌ الحفر في الطريق الواسع:

- ‌ الحفر في الطريق الضيقة:

- ‌ الاشتراك في حفر البئر:

- ‌ حفر البئر لمصلحة نفسه:

- ‌إذن الإمام بعد الحفر:

- ‌ حفر البئر في الطريق وقصد الضرر:

- ‌ الطريق المشترك:

- ‌ البئر في المسجد:

- ‌ حفر للمصلحة في المسجد:

- ‌ دخل الدار بإذن المالك فسقط في البئر ومات:

- ‌ دفاع المالك عن الحافر تعديا:

- ‌ حفر في فناء الدار:

- ‌ استأجر حافرا ليحفر في فناء داره:

- ‌ أعلم الحافر أنه ليس فناءه:

- ‌ أعلمه أن ليس له الحفر:

- ‌ الأجرة وعدمها:

- ‌ نصف في الملك ونصف في الفناء:

- ‌ ضمان موضع التعدي:

- ‌ حفر في ملك الغير:

- ‌ حفر متعدية فدخل آخر متعديا:

- ‌ ضمان الداعي للدخول والحافر عدوانا:

- ‌ متى يبرأ من الضمان

- ‌ أبرأه المالك من الضمان:

- ‌ حفر في ملك مشترك:

- ‌ مات بسبب السقوط في البئر أو جوعا وغما:

- ‌ إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر

- ‌ المباشر ضامن وإن لم يتعد أو لم يتعمد

- ‌ المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي:

- ‌ الاشتراك في الضمان:

- ‌ الجذب في البئر:

- ‌ الاختلاف في الدعوى:

- ‌ اختلفا في كشف البئر:

- ‌ اختلفا في إعلام الداخل:

- ‌ اختلفا في تعمد السقوط:

- ‌ الإجارة على الحفر وغيرها من المنافع:

- ‌ وقعت على الأجراء والحفر في الطريق:

- ‌ حفر في دار مستأجرة (ملك المنفعة):

- ‌ حفر في الدار الموقوفة أو الموصى بها (ملك المنفعة):

- ‌ حفر في الدار المستعارة (ملك الانتفاع):

- ‌ حفر في داره المؤجرة أو المرهونة:

- ‌ حفر داخل الحرم:

- ‌ منع الجار جاره من الحفر:

- ‌ أمر السلطان والإكراه:

- ‌ إكراه السلطان:

- ‌ نقصان الدار بالحفر:

- ‌ حفر العبد:

- ‌ سقط اثنان فعفا أحد الوليين:

- ‌ حفر بإذن مولاه ثم أعتقه وسقط المعتق في البئر:

- ‌ أعتقه قبل الحفر:

- ‌ حفر المكاتب والمدبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌غزوة تبوك وما فيها من المعجزات

- ‌سبب الغزوة:

- ‌منازل الناس في الغزوة:

- ‌معجزات نبوية:

- ‌خاتمة:

- ‌الحث على العناية بكتاب الله وتعلمه

- ‌أمر ملكي بتعيين فضيلة الشيخعبد العزيز آل الشيخ مفتيا عاما للمملكة

- ‌سماحة المفتي في سطور

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الحث على العناية بكتاب الله وتعلمه

‌الحث على العناية بكتاب الله وتعلمه

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فإني أشكر الله سبحانه على هذا اللقاء بأبنائي الكرام، على تعلم القرآن الكريم وحفظه، والدعوة إليه والعمل به. ولا ريب أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، أوحاه إلى عبده ورسوله وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وفيه الحجة على جميع عباده، قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1)، وقال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (2)،

(1) سورة إبراهيم الآية 1

(2)

سورة الإسراء الآية 9

ص: 363

وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1)، وقال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2){نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (3){عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (4){بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (5)، وقال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (6)، وقال عز وجل:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (7).

فالواجب على جميع المكلفين العمل بهذا الكتاب، والسير على توجيهه وما بين الله فيه سبحانه، والحذر من مخالفة ذلك. كما يجب عليهم أيضا العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (8)، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (9)، وأخبر سبحانه أنه أرسله إلى جميع الناس، جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم، قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (10).

(1) سورة فصلت الآية 44

(2)

سورة الشعراء الآية 192

(3)

سورة الشعراء الآية 193

(4)

سورة الشعراء الآية 194

(5)

سورة الشعراء الآية 195

(6)

سورة ص الآية 29

(7)

سورة الأنعام الآية 155

(8)

سورة النور الآية 54

(9)

سورة الحشر الآية 7

(10)

سورة الأعراف الآية 158

ص: 364

فالهداية باتباعه صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء في كتاب الله عز وجل، فقد قال سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (2). وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «بعثت إلى الناس عامة (3)» فالواجب على جميع المكلفين التمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وفي حديث آخر: «وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله عز وجل، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به (4)» .

والله خلق الخلق ليعبدوه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (5)، وأمرهم بذلك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (6)، وأرسل رسله بذلك، قال جل وعلا:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (7).

(1) سورة سبأ الآية 28

(2)

سورة الأنبياء الآية 107

(3)

رواه البخاري في (التيمم) برقم (323).

(4)

رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18464)، ومسلم في (كتاب فضائل الصحابة) برقم (4425).

(5)

سورة الذاريات الآية 56

(6)

سورة البقرة الآية 21

(7)

سورة النحل الآية 36

ص: 365

وهذه العبادة هي طاعة الله، وهي توحيد الله، وهي تقوى الله، وهي البر والهدى، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (1)، فلا بد من تعلم هذه العبادة والتبصر فيها، وهي دين الإسلام، فأنت مخلوق للعبادة، فعليك أيها الرجل وعليك أيتها المرأة عليكما جميعا أن تتعلما هذه العبادة، وأن تعرفاها جيدا، حتى تؤدياها على بصيرة، وهذه العبادة هي دين الإسلام، وهي الحق والهدى، وهي تقوى الله، وتوحيد الله، وطاعته، واتباع شريعته. هذه هي العبادة التي أنت مخلوق لها. سمى الله دينه عبادة؛ لأن العبد يؤديها في الدنيا بخضوع لله وانكسار، فدين الإسلام كله عبادة وتقوى لله، والصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والجهاد عبادة، وهكذا جميع ما فرض الله علينا عبادة تؤدى لله وطاعة لله. فهذا الدين العظيم دين الإسلام، هو العبادة التي أنت مخلوق لها، وهي التقوى، وهي البر والهدى؛ فالواجب على جميع الثقلين، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، أن يتقوا الله، وأن يعبدوه بطاعة أوامره واجتناب نواهيه، والإخلاص له، وعدم عبادة سواه. فيجب على كل مكلف أن يصرف عبادته لله وحده، وهذا معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، كما قال تعالى في سورة الحج:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (2)، وقال جل وعلا:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3)،

(1) سورة النجم الآية 23

(2)

سورة الحج الآية 62

(3)

سورة البقرة الآية 163

ص: 366

وقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (1) فهذا معنى لا إله إلا الله، والإله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه بأنواع العبادة، ولا يستحق ذلك إلا الله وحده، ولا تصح العبادة لغيره؛ فيجب على أهل الأرض، الجن، والإنس، وجميع المكلفين، من ذكور وإناث، من عرب وعجم، يجب على الجميع أن يعبدوا الله، وأن يتقوه، وأن يطيعوا أوامره، وأن ينتهوا عن نواهيه، وأن يقفوا عند حدوده عن إخلاص وصدق ورغبة ورهبة؛ لأنهم خلقوا لهذه العبادة، وخلقوا ليتقوه ويطيعوه، وخلقوا لدين الإسلام الذي هو عبادة الله، وأمروا بذلك، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2)، وقال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3)، وقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4).

هذا الإسلام الذي رضيه الله لنا، ولن يقبل منا سواه، هو عبادة الله، وتوحيد الله، وطاعته، واتباع شريعته: قولا وعملا وعقيدة، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (5) ولا سبيل إلى هذا العلم ومعرفة هذه العبادة إلا بالله، ثم بالتعلم والتفقه

(1) سورة محمد الآية 19

(2)

سورة آل عمران الآية 19

(3)

سورة آل عمران الآية 85

(4)

سورة المائدة الآية 3

(5)

سورة آل عمران الآية 19

ص: 367

والدراسة، حتى تعلم دين الله الذي خلقت له، وهو دين الإسلام وتوحيد الله وطاعته؛ فيجب التعلم والتفقه والعناية بالقرآن الكريم والسنة، حتى تعلم هذه العبادة التي أنت مخلوق لها، وحتى تقوم بذلك، وتعمل بذلك عن إخلاص لله ومحبة لله، وعن تعظيم لله في جميع الأحوال، يجب أن تستقيم على توحيده، وطاعته، واتباع شريعته، وترك ما نهى عنه، أبدا أبدا، وأينما كنت، حتى تموت على ذلك، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1)، أي: الموت، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2){وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3)، هذه هي العبادة التي أنت مخلوق لها، تقوى الله، والاعتصام بحبله، والاستقامة على دينه. ومن وسائلها أن تعنى بكتاب الله، وأن تدرس كتاب الله، وأن تتفقه فيه وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (4)» متفق على صحته.

وأنا أهنئ القائمين على مدارس الجيل لعنايتهم بكتاب

(1) سورة الحجر الآية 99

(2)

سورة آل عمران الآية 102

(3)

سورة آل عمران الآية 103

(4)

رواه البخاري في (كتاب العلم) برقم (69)، ومسلم في (الزكاة) برقم (1719)، واللفظ متفق عليه.

ص: 368

الله، وإني أشكرهم على ما يقومون به نحو تعظيم كتاب الله، وتعليمه للأجيال، فإن هذا هو طريق السعادة لمن استقام على ذلك، وأخلص في ذلك. نسأل الله أن يعينهم على ما فيه رضاه، وعلى ما فيه سعادتهم، وما فيه توفيقهم للفقه في الدين.

وإنني أهيب بجميع الدارسين والمدرسين إلى أن يعنوا بكتاب الله: أستاذا وطالبا وموظفا، وأنصح الجميع أن يعنوا بكتاب الله: تلاوة وتدبرا وتعقلا وعملا وحفظا، ففي كتاب الله الهدى والنور، كما قال سبحانه:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1)، وقال سبحانه:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (2)، وقال سبحانه:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3). فهذا الكتاب العظيم فيه الهدى والنور، وكل حرف بحسنة، وكل من تعلم حرفا فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.

وأوصي الجميع بالعناية بكتاب الله عز وجل: دراسة وتلاوة وتدبرا وحرصا على معرفة المعنى وعملا بذلك، مع الحفظ لما تيسر من كتاب الله. وهو أعظم كتاب، وأصدق كتاب، فقد أنزله الله رحمة للناس وشفاء لما في الصدور، وجعل الرسول أيضا رحمة للعالمين، وهداية للبشر، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (4)،

(1) سورة الإسراء الآية 9

(2)

سورة فصلت الآية 44

(3)

سورة الأنعام الآية 155

(4)

سورة يونس الآية 57

ص: 369

وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (2). فيجب أن نتعلم هذا الكتاب، ونتفقه فيه، حتى نعلم ما خلقنا له؛ فنعلم العبادة التي خلقنا لهذا، حتى نستقيم عليها. وهكذا السنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، نتعلمها ونحفظها ونتفقه فيها، ونسأل عما أشكل علينا، والطالب يسأل عما أشكل عليه من كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3) فتعلم كتاب الله من أعظم نعم الله، فهنيئا لكل طالب يعنى بكتاب الله: تلاوة وتدبرا وتعقلا وعملا، وهذه نعمة عظيمة.

وإني أوصيكم بالاستقامة على هذا الخير العظيم، وسؤال الله التوفيق، والإخلاص في ذلك لله عز وجل، والعناية بالتفقه في كتاب الله، والتفقه في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع العمل بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والمسارعة إلى كل خير، والحذر من كل شر، مع الإكثار من تلاوة كتاب الله، ومدارسته والتفقه فيه، ومراجعة كتب التفسير المفيدة، كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، وغيرهم؛ لمعرفة الحق، ولمعرفة ما أشكل عليكم.

(1) سورة النحل الآية 89

(2)

سورة الأنبياء الآية 107

(3)

سورة النحل الآية 43

ص: 370

وينبغي للطالب أن يسأل أستاذه عما أشكل عليه عن قصد صالح ورغبة؛ كي يتفقه في كتاب الله. وعلى الأستاذ أن يعنى بذلك للتلاميذ، من جهة توجيههم وتعليم الخير والعمل، وأن يكونوا شبابا صالحين، يتعلمون ويعلمون ويسارعون إلى كل خير. فأهم شيء بعد الشهادتين هو أداء الصلوات الخمس، والمحافظة عليها في مساجد الله في الجماعة. ويجب على أهل العلم أن يكونوا قدوة في ذلك- العالم وطالب العلم- يجب أن يكونوا قدوة، وأن يكونوا مسارعين إلى أدائها في الجماعة، حتى يتأسى بهم غيرهم ويحتذي حذوهم في ذلك.

فالعلماء ورثة الأنبياء، وعلى رأسهم الرسل عليهم أفضل الصلاة والتسليم. والعلماء بعد الرسل هم خلفاؤهم، يدعون إلى الله بالقول والعمل والسيرة. والطلبة كذلك- طلبة العلم- يجب عليهم أن يعلموا ويعملوا، وأن يكونوا قدوة لغيرهم، وأن تظهر عليهم آثار العلم والتعلم والتفقه في دين الله، وفي كتاب الله.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يمنحنا جميعا الفقه في الدين، وأن يرزقنا العناية بكتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والعمل بهما، والدعوة إليهما، والتواصي بهما: قولا وعملا وعقيدة وتفقها، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، ومن نزغات الشيطان. كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق حكام المسلمين وأمراءهم لما فيه رضاه، ويصلح أحوالهم، ويمنحهم الاستقامة

ص: 371

على دينه، وتحكيم شريعته. كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في المملكة العربية السعودية لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، وأن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين، وحزبه المفلحين، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأتباعه إلى يوم الدين.

ص: 372

بيان من الديوان الملكي

صدر بيان من الديوان الملكي ينعى سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. وفيما يلي نص البيان:

انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح اليوم الخميس الموافق 27 محرم 1420هـ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي عن عمر يناهز تسعة وثمانين عاما إثر مرض ألم به، وسيصلى على سماحته حاضرا في الحرم المكي الشريف غدا بعد صلاة الجمعة، وقد وجه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بأن تقام عليه صلاة الغائب أيضا في المسجد النبوي الشريف وجميع مساجد المملكة غدا بعد صلاة الجمعة، إن شاء الله.

وقد خسر المسلمون بوفاة سماحته خسارة كبيرة، حيث فقدوا بفقده عالما جليلا كرس كل حياته في سبيل العلم وخدمة الإسلام والمسلمين على اختلاف أوطانهم في جميع أنحاء المعمورة.

وإن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو

ص: 373

النائب الثاني إذ يعزون أسرة الفقيد والشعب السعودي والعالم الإسلامي بوفاته ليسألون الله جل وعلا أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جنته وينزله منازل الشهداء، إنه سميع مجيب.

والحمد لله على قضائه وقدره. إنا لله وإنا إليه راجعون.

ص: 374