الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفعالهم كما لو جرحه واحد جرحين وجرحه اثنان جرحين فمات.
وهو قياس المذهب الحنبلي، وهو قول أبي يوسف كما ذكر ابن قدامة. وذكر ابن قدامة أيضا أن زفر (1) يقول: على الاثنين. النصف، وعلى واضع الحجر وحده النصف، لأن فعله مساو لفعلهما (2). ا. هـ.
(قلت) فزفر رحمه الله اعتبر الفعل فقط، وغيره اعتبر الفاعل فقط.
والراجح والله أعلم قول الحنابلة وأبي يوسف؛ لأن القاعدة: أن المعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات (3).
ومثل ذلك ما لو حفر رجل حفرة ووضع آخر بداخلها شيئا حادا أو صلبا فوقع فيها إنسان فهلك بالحاد أو الصلب، نص الإمام أحمد على أن الضمان عليهما، قال أبو بكر: لأنهما في معنى الممسك والقاتل (4).
(1) ابن قدامة 12/ 89.
(2)
نفسه.
(3)
السرخسي، المسبوط 27/ 18.
(4)
ابن قدامة، المغني 12/ 89.
(42)
الجذب في البئر:
إذا حفر إنسان بئرا في الطريق - وكان متعديا بحفره - فوقع فيه رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا، فما
الحكم
صفحة فارغة
سنذكر حكم هذه المسألة من كتاب ابن قدامة في المغني؛ لأنه ذكرها مختصرة من جهة، ولم يكثر من التفصيل، وذكرها فيما إذا كان حفر البئر بدون تعد من الحافر، وكذلك ذكرها الماوردي في الحاوي (1). وسأحاول بيان ما يوافق المغني من
(1) الماوردي، الحاوي 16/ 197 - 199، ابن قدامة، المغني 12/ 85 - 87 بتصرف.
الحاوي إن رأيت فائدة.
فأقول: إذا حفر إنسان بئرا - وكان غير متعد بحفره هذا - وسقط فيه رجل فجذب آخر فوقعا معا فدم الأول هدر؛ لأنه مات من فعل نفسه.
وإن مات الثاني: فديته كلها على عاقلة الأول؛ لأنه قتله بجذبته، وهذا متفق عليه بين المذهبين.
وإن تعلق الثاني بثالث فمات الثلاثة بدون جذب ولا دفع فدية الأول على الثاني والثالث؛ لأنه مات بوقوعهما عليه، فاشتركا في ديته لاشتراكهما في تلفه، ودية الثاني على الثالث؛ لأنه انفرد بالوقوع عليه، ودية الثالث هدر؛ لأنه تلف من وقوعه، ذكر ذلك الماوردي وحده.
(قلت) وهو حسب التعليل صحيح.
وإن جذب الثلاثة بعضهم بعضا فماتوا جميعا، فلا شيء على الثالث؛ لأنه مجذوب وليس بجاذب، وفي ديته وجهان:
أحدهما: يضمنها الثاني؛ لأنه هو الذي باشر جذبه، والمباشرة تقطع حكم السبب، والثاني: أن ديته على عاقلة الأول والثاني نصفين؛ لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث، فصار الأول مشاركا للثاني في إتلافه.
أما دية الأول والثاني، فقال الماوردي: على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه ويهدر النصف الثاني؛ لأنهما مشتركان في قتل أنفسهما؛ لأن موت الأول كان بجذبه للثاني،
وبجذب الثاني للثالث، وموت الثاني كان بجذب الأول وبجذب الثاني للثالث، فصار الأول والثاني مشتركين في قتل أنفسهما.
وعند الحنابلة وجهان: أحدهما: هذا، والثاني: أن دية الثاني على عاقلة الأول؛ لأنه هلك بجذبته، وإن هلك بسقوط الثالث عليه، فقد هلك بجذبة الأول وجذب نفسه للثالث، فسقط فعل نفسه كالمصطدمين، فتجب دية كاملة على الأول، ذكره القاضي. ويتخرج وجه ثالث: وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته. وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه، ففيه الأوجه الثلاثة؛ لأنه مات من جذبته للثاني، وجذبة الثاني للثالث، فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني ويلغى فعل نفسه على الوجه الأول.
وعلى الثاني: يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه، ويجب نصفها على الثاني. وعلى الثالث، يجب نصفها على عاقلته لورثته. ذكر ذلك ابن قدامة.
(قلت) ما دام أن الحنابلة جعلوا نصف دية الثاني هدرا، والنصف الآخر على الأول كقول الشافعية؛ لأنه اشترك معه في قتل أنفسهما، فكذلك تكون دية الأول، نصفها هدر والنصف الآخر على عاقلة الثاني لنفس العلة، والله أعلم.
وإن جذب الثالث رابعا، فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض، فلا شيء على الرابع؛ لأنه لم يفعل شيئا في نفسه ولا غيره، وفي ديته وجهان (وبالوجهين قال الماوردي الشافعي): أحدهما: أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه، والثاني:
(أنها) على عاقلة الأول والثاني والثالث؛ لأنه مات من جذب الثلاثة، فكانت ديته على عواقلهم، وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ففيه - أي في ديته - ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يلغى فعل نفسه وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين. الثاني: يجب على عاقلتيهما - أي الثاني والثالث - على عاقلتهما ثلثاها ويسقط ما قابل فعل نفسه (وهذا هو الموافق لقول الماوردي الشافعي). الثالث: يجب ثلثها على عاقلته لورثته.
وأما الجاذب الثاني فقد مات بالأفعال الثلاثة، وفيه هذه الأوجه المذكورة في الأول سواء.
وأما الثالث ففيه مثل الأوجه الثلاثة ووجهان آخران: أحدهما: أن ديته بكمالها على الثاني؛ لأنه المباشر لجذبه، فسقط فعل غيره بفعله. والثاني: أن على عاقلته نصفها، ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه. ا. هـ (وهذا موافق للماوردي الشافعي) وهناك بعض الأوجه ذكرها الماوردي.
وإن وقع بعضهم على بعض فماتوا، نظرت: فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض، مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع، أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيه فيقتله، أو أسد يأكلهم فليس على بعضهم ضمان بعض، لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض.
وإن شككنا في ذلك لم يضمن بعضهم بعضا؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلا نشغلها بالشك، وإن كان موتهم بوقوع بعضهم
على بعض فدم الرابع هدر؛ لأن غيره لم يفعل فيه شيئا، وإنما هلك بفعله، وعليه دية الثالث، لأنه قتله بوقوعه عليه، ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين، ودية الأول على الثلاثة أثلاثا.
وإن هلكوا بأمر في البئر مثل أسد كان فيه، وكان الأول جذب الثاني، والثاني جذب الثالث، والثالث جذب الرابع فقتلهم الأسد، فلا شيء على الرابع وديته على عاقلة الثالث في أحد الوجهين، وفي الثاني على عواقل الثلاثة أثلاثا ودم الأول هدر، وعلى عاقلته دية الثاني، وأما دية الثالث فعلى الثاني في أحد الوجهين وفي الآخر على الأول والثاني نصفين وهذه المسألة تسمى (مسألة الزبية). ا. هـ
واستدل ابن قدامة لقوله فقال: وقد روى حنش الصنعاني «أن قوما من أهل اليمن، حفروا زبية (1) للأسد، فاجتمع الناس على رأسها، فهوى فيها واحد فجذب ثانيا، فجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا، فقتلهم الأسد، فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال: للأول ربع الدية؛ لأنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث الدية؛ لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث نصف الدية؛ لأنه هلك فوقه واحد، وللرابع كمال الدية، وقال: فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه
(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 128).