الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي تصيب المجتمع: من ترويع شديد، وتعطيل نظام السفر والتجارة، ونحو ذلك؛ فكانت كذلك العقوبة شديدة، بخلاف ما لو كانت حقا لآدمي فإنه يلزم التماثل بين الجريمة والعقوبة، فلا تكون شديدة لعدم حصول ضرر كبير على الفرد.
فالجرائم التي تمس حق الله تعالى تكون العقوبة متسمة بالشدة لتتناسب مع الآثار المترتبة عليها ضد المجتمع والصالح العام والفضائل السائدة في المجتمع. أما الجرائم التي تمس حق العبد فالعقوبة تتسم بشيء من التريث، ولا ينظر في فرض العقوبات عليها إلى الآثار المترتبة بقدر ما ينظر إلى نفس الجريمة؛ لأن العقوبات فيها تعتمد على المماثلة بين الجريمة والعقوبة، وهذه المماثلة إما أن تكون صورة ومعنى، أو تكون معنى فقط؛ لأنها شرعت جبرا للنقص والخلل الحاصل على المجني عليه، والجبر لا يحصل إلا بالمماثلة (1).
قال الكاساني: " إن حقوق العباد تجب بطريق المماثلة، إما صورة ومعنى، وإما معنى لا صورة؟ لأنها تجب بمقابلة المحل جبرا، والجبر لا يحصل إلا بالمثل "(2).
(1) بدائع الصنائع 7/ 56.
(2)
بدائع الصنائع 7/ 56.
المطلب السادس: الصلح والاعتياض:
ومما يترتب على اعتبار الجرائم اعتداء على حق الله تعالى أو حق العباد هو الاعتياض والصلح على مبلغ معين. فيجوز
الصلح في الجرائم التي تمس حقوق الآدميين، أو تغلب حقوقهم على حق الله، كجرائم القصاص، والقذف. فإذا تصالح الفريقان على عوض مالي مهما كان قدره تسقط العقوبة المقدرة عن المجرم ويخلى سبيله.
ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل عمدا دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية وذلك ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وذلك عقل العمد وما صولحوا عليه فهو لهم (1)» .
وفي عهد معاوية قتل هدبة بن خشرم قتيلا، فبذل سعيد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفو عنه، فأبى ذلك وقتله.
(1) رواه ابن ماجه، كتاب الديات، باب من قتل عمدا فرضوا بالدية (2/ 877) برقم 2626، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 71 - 72، والترمذي في سننه 4/ 11 - 12، وقال الترمذي:" حديث حسن غريب " وحسنه الألباني في إرواء الغليل 7/ 295.
ولا يجوز الاعتياض والتصالح في جرائم تمس حقوق الجماعة، فتقام العقوبة حقا لله تعالى، وكذلك في الجرائم التي يغلب جانب الاعتداء على حقوق الجماعة، كجريمة السرقة (1). والله تعالى أعلم.
(1) إعلام الموقعين 1/ 108.
صفحة فارغة
البئر وضمانه
للدكتور: ياسين بن ناصر الخطيب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه ومن والاه، ومن أراد لهذه الأمة التيقظ والانتباه، وبعد:
فإن الإنسان - وهو يرى المشاكل قائمة في بعض الأمور التي تهم المجتمع الذي يعيش فيه - ليأسف على قومه كيف لم يتقدموا إلى الشرع يستلهمون منه ما يرشدهم إلى الخير، ويدلهم على ما فيه الصلاح؟!
وقد رأيت أن الآبار وما شاكلها من حفر البالوعات - البيارات - ومن حفر السواقي والأنهار في الطرقات لتصريف المياه، وحفر الحفر العميقة لزراعة النخيل، كل ذلك سبب مشكلات طويلة، ومآس مزمنة في حياة الناس، وسبب تنازعا وخصاما، وخاصة تلكم المنازعات التي تحدث من جراء الآبار في القرى والأرياف والصحاري والفيافي والطرق، مما يستدعي وضع حلول ناجعة، وأحكام مستنبطة من شرعنا الشريف أو من قواعده العامة، فأحببت أن أدلي بدلوي فأستخرج ما كتبه العلماء
من أحكام تدور حول البئر وما يتعلق به.
وبما أنني وجدت أن أكثر المنازعات تخص ضمان ما يسقط في البئر وضمان الأجراء الذين يحفرونها، لذلك جعلت بحثي مقتصرا على هذه المسألة، مع تعريف بالبئر والضمان، ثم بينت أسباب الضمان، وبينت أي أسباب الضمان يدخل في ضمان البئر، وجعلت البئر مثالا.
وقد وجدت أن علماءنا الأعلام لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا بحثوها أو وضعوا قاعدة تكون لها ولغيرها أساسا وأصلا. وهذا وحده كاف للدلالة على عظمة التشريع الإسلامي وشموله لكل نواحي الحياة المختلفة. فسبحان من أحاط بكل شيء؛ علما.
وقد جعلت بحثي هذا مسائل متسلسلة وصلت إلى أربع وستين مسألة، وجعلت المقدمة في التعريفات ثم ختمت البحث بخاتمة في أهم ما توصل إليه البحث. والله الموفق.
ملاحظة:
إذا قلت: (قلت) فهو من كلام الباحث.
إذا قلت: وأستطيع أن أستدل لهؤلاء أو نحو ذلك، فهذا إذا لم أجد دليلا لهم.
وإذا ذكر بعض الفقهاء مسألة ولم يختلفوا فيها ووجدت أنها صحيحة فأقول: وهو الصحيح، أو نحو ذلك. وإن اختلفوا فإني أذكر الخلاف والأدلة والمناقشة والترجيح حسب الوسع.
المقدمة: في التعريفات:
(1)
تعريف البئر:
البئر: حفرة عميقة يستخرج منها الماء أو النفط، مؤنثة، جمعها أبؤر، وأبآر، وآبار، وبئار.
(2)
تعريف الضمان لغة:
عرف الضمان لغة بتعريفات كثيرة يمكن حصرها فيما يلي:
(أ) الاحتواء؛ لقول ابن فارس: الضمان: جعل شيء في شيء يحويه.
(ب) الكفالة؛ لقول ابن فارس: والكفالة تسمى ضمانا من هذا؛ لأنه كأنه إذا ضمنته فقد استوعب ذمته.
(ج) الاشتمال على الشيء؛ لقول الجوهري: فهمت ما تضمنه كتابك، أي ما اشتمل عليه.
(د) الإلزام والالتزام. قال الفيروزآبادي: وضمنته الشيء
تضمينا وتضمنه عني: غرمته فالتزمه.
وإذن فإذا ضمن إنسان آخر قيمة متلف فقد ألزم ذمته، فاشتملت على ذلك المبلغ وتكفلت بأدائه.
(3)
تعريف الضمان اصطلاحا:
عرف فقهاؤنا المتقدمون والمعاصرون الضمان بتعريفات كثيرة ومختلفة، وقد اخترت التعريف التالي من تلك التعريفات، فقلت: الضمان: إلزام بتعويض عن ضرر.