الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
من وصفات طالب العلم 7
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 19
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 51
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن محمد آل الشيخ 89
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 109
البحوث
الموت والنوم والعلاقة بينهما للدكتور / مسفر بن سعيد الغامدي 141
الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة لمعالي الدكتور / محمد بن سعد الشويعر 217
حكم توريث المتسبب في موت مورثه لفضيلة الشيخ / عبد الله بن سليمان بن منيع 261
الدعاء بعد المكتوبة على ضوء السنة المطهرة للدكتور / عبد الله بن سعاف اللحياني 283
صفحة فارغة
من صفات طالب العلم
لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن المؤمن في هذه الدنيا في جهاد وفي ابتلاء وامتحان، يقول الله جل وعلا {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (1){وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (2) المؤمن في هذه الدنيا في جهاد، جهاد مع نفسه، هذه النفس التي بين جنبيه هو في جهاد معها ليكونها نفسا بتوفيق الله تلومه على ترك الخير وفعل الشر، ثم يرتقي بها إلى أن تكون نفسا مطمئنة، تطمئن للخير وترتاح له، إنه في جهاد مع عدو سلط عليه من القدم، عدو متربص به الدوائر، عدو قعد له في كل طريق يثبطه عن الخير ويصده عنه، عدو أنظره الله إلى يوم الدين فهو في جهاد ليتخلص من وساوسه ومن أباطيله ومن ضلالاته، إنه جهاد منع الأهواء التي إن ابتلي بها صرفته عن طريق الله المستقيم. قال
(1) سورة العنكبوت الآية 2
(2)
سورة العنكبوت الآية 3
تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (1).
والمخرج من الفتن بعد توفيق الله لا يكون إلا بالعلم الشرعي والحرص على طلبه والعمل به، وطالب العلم يتميز بأمور:
فهو حريص على الخير أينما كان، طالب العلم متميز بحبه للخير وسعيه في الخير ودعوته الناس إلى الخير.
طالب العلم هو ذلك الرجل الذي يعرف عند المواقف بحكمته وبصيرته وأناته وتفهمه لكل قضية لكي يعالجها على ضوء الكتاب والسنة.
طالب العلم متميز؛ لأنه عند كل قضية تحل به، فلا تراه مندفعا بلا روية، ولا تراه متسرعا، تراه بعيدا عن حلم وأناة، إن في قلبه غيرة، وفي قلبه حمية لدين الله، وفي قلبه نصرة لدين الله، لكنه يتعقل في أموره كلها، فينطق بالحق من غير شطط وجور، وهو بعيد عن قيل وقال وبئس مطية القوم زعموا.
طالب العلم ينظر في أقواله التي يقولها، وألفاظه التي يتلفظ بها، فيزنها بالميزان الشرعي العادل.
طالب العلم إذا أراد أن يعالج خطأ أو ينبه على خطأ، فإن الاتزان يصحبه في أموره كلها، لا ترى طالب العلم يكيل للناس الأقوال من غير روية، ولا يحكم على الناس بحكم عام من غير
(1) سورة الجاثية الآية 23
بصيرة، فالأحكام على الناس تحتاج إلى دليل يعتمد عليه القائل إلى دليل مادي واقعي يعتمد عليه فيما يقول وفيما يتصرف، ومن وزن أقواله قبل أن يقول، ووزن ألفاظه قبل أن ينطق بها، استطاع بتوفيق من الله أن يحقق مراده.
طالب العلم دائما يقرأ قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1) وطالب العلم يحكم بالحق والعدل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} (2).
ولا يسيء الظن بالناس مطلقا، ولا يكيل لهم التهم مطلقا، ولكن يتبصر في الأمر ويحاول الدعوة إلى الخير وإصلاح الخطأ بالطريق الشرعي لا بطريق عاطفة تحمله على تصرفات خاطئة، فيتزن في أموره كلها ويحكم على الأشياء من منظار سليم ومن منظار صحيح، لا يكون ممن يتحكم الناس في قوله فينشر كل ما يقولون، ولكن يزن الأمور والأقوال على الميزان العادل حتى يقول كلمة الحق الواضحة التي لا إفراط فيها ولا تفريط.
لا شك في وجود عدو لنا وعدو لديننا وهذا أمر لا أحد
(1) سورة الحجرات الآية 6
(2)
سورة المائدة الآية 8
ينازع فيه، ولكن الأمة مطالبة قبل كل شيء بإصلاح نفسها، بإصلاح وضعها، أن نصلح أخطاء أنفسنا، وكل منا خطاء وكل منا واقع في خطأ، فنسأل الله أن يوفقنا لإصلاح أنفسنا قبل كل شيء، الله تعالى قال لنبيه وأصحابه {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (1) فبين تعالى أن مصابهم كان من تلقاء أنفسهم لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قد فروا عن الثغر الذي ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم البقاء فيه، فبين الله لهم أن هذا من أنفسهم، قال بعض الصحابة ما كنا نظن ذلك حتى سمعنا هذه الآية فتبصرنا في أنفسنا فعلمنا من أين أتينا.
إن المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والإسلام، بلد وفقه الله للخير وأنعم الله عليه نعمة الإسلام، بأن حكم شريعة الله ومحاكمه تحكم بشرع الله وتقيم حدود الله، وبلد حوى الحرمين الشريفين، وبلد يمثل قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وبلد من الله عليه بالأمن والاستقرار والهدوء والانضواء تحت قيادة نسأل الله لها التوفيق والعون والرشاد.
نحن لا نؤيد الأخطاء، لكن لسنا نجزم بأن هناك عدوا في داخلنا، نحن أمة واحدة، وجماعة واحدة، وإن وجد أخطاء عند
(1) سورة آل عمران الآية 165
بعضنا فعياذا بالله أن نقول هؤلاء أعداء، لا شك أن الأخطاء لا يقرها أحد ولكن هل نقول عند كل خطأ بتقسيم أنفسنا إلى صراع بيننا، لا يا إخوة، نحن أمة واحدة، ونحن ولله الحمد في هذا البلد المبارك أمة واحدة، لكن كون أحد منا يخطئ، الخطأ واقع من الناس ولا بد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون (1)» وقال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم (2)» . فالله تعالى بين لنا أنه خلق أبانا آدم بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وأسكنه جنته، وقال: كل الجنة لك سوى هذه الشجرة، فآدم علم ولكن طبيعة ابن آدم الخطأ والنسيان {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} (3){وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (4){ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (5).
فانظر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ، فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا، إنما الغريب أن يستمر الناس على الخطأ، والغريب أن لا يعالج الخطأ، ولكن كيف يعالج الخطأ؟ إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها.
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة
(1) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2499)، سنن ابن ماجه الزهد (4251)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 198)، سنن الدارمي الرقاق (2727).
(2)
صحيح مسلم التوبة (2749)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 305).
(3)
سورة البقرة الآية 36
(4)
سورة طه الآية 121
(5)
سورة طه الآية 122
وروية، يدرسونها، وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا بينا وأدركوا القضية، وما يترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي قضية، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة، والمسئولون ولله الحمد لم يغلقوا أبوابهم أمامنا، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة، لكن الأمور تحتاج منا إلى حكمة، وتحتاج منا إلى روية، ويحتاج طالب العلم أن ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح، لا شك أن هناك غيورين ومتحمسين يحملهم دين وتقى لا شك، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا، وقد يوسعون الهوة أحيانا، وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا، وهذا أمر لا يليق، إنما طلاب العلم يتميزون برويتهم في الأمور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على مستوى من العقل والعلم والإدراك، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخليا، وأن هناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين المؤمنين، ولا أريد أن أفتح هوة، أقول إن مجتمعنا منفصل، لا، مجتمعنا مجتمع إسلامي إن شاء الله، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله، والزلات والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها.
إن العالم الإسلامي واجه مثل هذه الأمور في القرن الثاني بعد
التابعين وتابعيهم عندما قال قوم بخلق القرآن، وماذا نتج عن ذلك، وكيف كان الإمام أحمد وأمثاله يعالجون هذه القضية بحكمة وبصيرة إلى أن وفقهم الله فصبروا وكان صبرهم عن علم حتى اتضح الحق وانجلى وافتضح الباطل واندمر.
إن علماء الأمة قديما لا يعالجون القضايا بتعظيمها وتضخيمها، نحن نعلم أن الدنيا لا تخلو من خطأ والله تعالى أخبرنا أن أولادنا قد يكونون أعداء لنا وأنهم فتنة لنا، هل نقول الأولاد أعداء فنهجرهم، هذا لا يصح؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم نعمة، ولكن منهم من قد يكون عدوا لأبيه، وما نوع تلك العداوة، إنه لا ينبغي لطلاب العلم إذا حلت مشكلة أن يصوروها بشيء ربما يستثير عواطف من لا يحسن ولا يتبصر، وإنما تعالج القضايا بين أروقة العلماء، وفي مجتمعاتهم الخاصة دراسة وتبصرا وإدراكا للعواقب وتصورا للنتائج، ثم رفع ذلك إلى ولاة الأمر بطريقة أدبية يقصد من خلالها تحقيق المصلحة العامة، أما العواطف والحماس الذي قد يخرج عن طوره وقد لا ينضبط وقد يترك أثرا غير سليم فلا أوصي به إخواني ولا أنصحهم بذلك، وإنما نصيحتي لكم أيها الإخوة، أن نكون على اتصال دائم فيما بيننا، وصلة فيما بيننا، وتدارس للمشاكل فيما بيننا، وأما أخطاء الصحافة، أو كتاب الصحافة، وتجاهل بعضهم، وسوء عبارة بعضهم، فهذا خطأ منهم لا يمكن أن ننسبه لغيرهم، هؤلاء
أخطئوا والواجب نصحهم وتحذيرهم، وإن شاء الله لن يتكرر ذلك، لكن أن أجعل هذه القضية دليلا على أن هناك عدوا منتصبا، هذا لا ينبغي، المجتمع مجتمع خير إن شاء الله، وقيادته حريصة على الخير أينما كان، إنها قيادة إسلامية وحريصة على ما ينفع هذا المجتمع، ولكن الأمور يجب أن تأخذ مسارها من الطرق السليمة والقنوات الصادقة والمخلصة، وأن يكون بيد أهل العلم يدرسون كل قضية دراسة متأنية، والدارسون حريصون على أن يجدوا حلولا مناسبة ثم يتقدمون بها، وسوف يحققون إن شاء الله الخير.
إنه لا ينبغي أن نفتح للمغرضين والفارغين وقاصري الفكر أبوابا يدخلون من خلالها، فيصعبون الأمور، ويتوقعون ما لا يكون، ونحن ولله الحمد مسلمون، وأما أن نقارن عدونا اليهودي بعدو بيننا فهذا أمر خطير لا ينبغي المجازفة فيه، أخوك المسلم يخطئ، فنعم، والمسلم يكون فيه خطأ وصواب، وإيمان وفسق كما قرر العلماء، وأما أن نقول هذا عدو يهودي خارجي، وهذا عدو مثله داخلي ونحو ذلك، فأنا لا أحب لطلبة العلم أن يجازفوا بالأقوال من غير روية ولا بصيرة، ولو سئل بعضهم، حدد العدو الداخلي، وما هي أهدافه، وأين يكون، لم تر جوابا، وإنما هي مجرد أقوال تتلقف. . قال تعالى {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (1).
(1) سورة النور الآية 15
فأوصي طلبة العلم بتقوى الله والتمسك بدين الله وأن يكونوا دعاة إلى دين الله على علم وبصيرة، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صفحة فارغة
الفتاوى
* من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
* من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
* من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
صفحة فارغة
من فتاوى سماحة الشيخ
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
مفتي الديار السعودية رحمه الله
لبس المرأة الكرتة، وحمالات الثديين، والثياب الرقيقة
والقصيرة ونحو ذلك.
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الشيخ المكرم ع. م. ق. سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك الذي تسأل فيه عن حكم لباس المرأة ما يبدي تقاطيع بدنها من عضدين وثديين وخصر وعجيزة، وعن حكم استعمال حمالات الثديين، وعن لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر الساقين ولا العضدين ونحو ذلك، وقد جرى تأمل ما أشرت إليه، وحررنا فيها رسالة مستقلة ترون صورة منها برفقه. والسلام.
" نص الرسالة "
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من إخواننا المسلمين وفقني الله وإياهم لما يرضيه، وجنبنا جميعا أسباب سخطه ومعاصيه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد:
فقد تغيرت الأحوال في هذه الأزمان، وابتلي الكثير من النساء بخلع جلباب الحياء والتهتك وعدم المبالاة، وتتابعت في ذلك وانهمكت فيه إلى حد يخشى منه الانحدار في هوة سحيقة من السفور والانحلال، وحلول المثلات والعقوبات من ذي العزة والجلال، ذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أبدانهن من عضدين وثديين وخصر وعجيزة ونحو ذلك، ومثل لباس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين ونحو ذلك. ولا شك أن هذه الأشياء تسربت عليهن من بلدان الإفرنج ومن يتشبه بهم؛ لأنها لم تكن معروفة فيما سبق ولا مستعملة، ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات، وفيه من المفاسد المغلظة، والمداهنة في حدود الله لمن سكت عنها، وطاعة للسفهاء في معاصي الله، وكونه يجر إلى ما هو أطم وأعظم، ويؤدي إلى ما هو أدهى وأمر من فتح أبواب الشرور والفساد، وتسهيل أمر التبرج والسفور. ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها، والتدليل على تحريمها والمنع منها، ونكتفي بذكر أمهات المسائل ومجملاتها طلبا للاختصار.
أولا: أنها من التشبه بالإفرنج والأعاجم ونحوهم، وقد ثبت في الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية النهي عن التشبه بهم في عدة مواضع معروفة. وبهذا يعرف أن النهي عن التشبه بهم أمر مقصود للشارع في الجملة. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم " مضار التشبه بهم، وأن الشرع ورد بالنهي عن التشبه بالكفار والتشبه بالأعاجم والتشبه بالأعراب، وأنه يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم والكفار قديما كما يدخل ما هم عليه حديثا، وكما يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأولون، كما أنه يدخل في مسمى الجاهلية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها.
ثانيا: أن المرأة عورة، ومأمورة بالاحتجاب والستر، ومنهية عن التبرج وإظهار زينتها ومحاسنها ومفاتنها، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} (1) الآية، وقال تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (2) وقال تعالى، {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (3)، وهذا اللباس مع ما فيه من التشبه ليس بساتر المرأة، بل هو مبرز لمفاتنها ومغر بها
(1) سورة الأحزاب الآية 59
(2)
سورة النور الآية 31
(3)
سورة الأحزاب الآية 33
من رآها وشاهدها، وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها الناس (1)» . وقد فسر الحديث: بأن تكتسي المرأة بما لا يسترها فهي كاسية ولكنها عارية في الحقيقة، مثل أن تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك؛ لأن كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها سترا كاملا بحيث يكون كثيفا فلا يبدي جسمها، ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعا فلا يبدي حجم أعضائها ولا تقاطيع بدنها الضيقة. فهي مأمورة بالاستتار والاحتجاب لأنها عورة.
ولهذا أمرت أن تغطي رأسها في الصلاة ولو كانت في جوف بيتها بحيث لا يراها أحد من الأجانب، لحديث:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار (2)» فدل على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر خاص لم يؤمر به الرجل حقا لله تعالى وإن لم يرها بشر. وستر العورة واجب لحق الله حتى في غير الصلاة ولو كان في ظلمة أو في
(1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2128)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 440)، موطأ مالك الجامع (1694).
(2)
أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة.
حال خلوة بحيث لا يراه أحد وحتى عن نفسه، ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة، لحديث بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده، قال «قلت يا رسول الله: "عوراتنا ما نأتي منها وما نذر. قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قلت: فإن كان القوم بعضهم مع بعض. قال: فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها. قلت: فإذا كان أحدنا خاليا. قال: فالله تعالى أحق أن يستحيا منه (1)». رواه أبو داود.
وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بالمنع من لبس الرقيق من الثياب، وهو ما يصف البشرة أي منع ستر العورة بالسترة الكافية في حق كل من الرجل والمرأة ولو في بيتها، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله، كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف - اللين والخشونة والحجم - لما روى الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال:«كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك لا تلبس القبطية، قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي. قال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها (2)» .
وكما صرحوا بمنع المرأة من شد وسطها مطلقا. أي سواء كان بما يشبه الزنار أو غيره، وسواء كانت في الصلاة أو خارجها؛ لأنه يبين حجم عجيزتها وتبين به مقاطع بدنها. قالوا: ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها، لأنه يبين به تقاطيع بدنها فتشبه الحزام. وهذا
(1) سنن الترمذي الأدب (2794)، سنن ابن ماجه النكاح (1920).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 205).
اللباس المذكور: أبلغ من الحزام وضم الثياب حال القيام وأحق بالمنع منه.
ثالثا: إن في بعض ما وقعن فيه شيئا من تشبه النساء بالرجال وهذا من كبائر الذنوب، ففي الحديث:«لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء (1)» وفي لفظ «لعن الله المتخنثين من الرجال والمترجلات من النساء (2)» .
فالمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجال أو أكثر لضعف عقلها، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع في حق النساء.
كما أن الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأمر إلى التخنث والميوعة والتمكين من نفسه كأنه امرأة والعياذ بالله، وهذا مشاهد من الواقع. فصلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين: بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح أمته.
قلت: وقد أفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين إلى أن
(1) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.
(2)
أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد.
شارك كثير من النساء الرجال في البروز والخروج والوظائف والتجارة والأسفار بدون محرم وغير ذلك، كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في التزين، والتخنث في الكلام، وحلق اللحى، والتثني عند المشي، والتحلي بخواتيم الذهب، والأزارير وغيرها، وساعات اليد التي فيها شيء من الذهب، ونحو ذلك وأمثاله مما هو معروف، حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجل، وتقصير ثياب المرأة إلى ركبتها، أو فوق الركبة بحيث يبدو فخذها.
نعوذ بالله من قلة الحياء والتجري على محارم الله.
رابعا: أن هذه الأشياء وإن كان يعدها بعض من لا خلاق له من الزينة فإن حسبانهم باطل، وما الزينة الحقيقية إلا التستر والتجمل باللباس الذي امتن الله به على عباده بقوله:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} (1)، وليست الزينة بالتعري والتشبه بالإفرنج ونحوهم ممن لا خلاق له.
وأيضا: فلو سلم أنه من الزينة فليس لكل امرأة أن تخترع لها من الزينة ما تختاره ويخطر ببالها، لأن هناك أشياء من الزينة وهي ممنوعة بل ملعون فاعلها، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، والواشمة والمستوشمة، وعن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله
(1) سورة الأعراف الآية 26
صلى الله وسلم الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله فجاءته امرأة فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول. فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت قوله: قالت: بلى، قال فإنه قد نهى عنه (2)».
خامسا: أن النساء ناقصات عقل ودين وضعيفات تصور وإدراك، وفي طاعتهن بهذا وأمثاله من المفاسد المنتشرة ما لا يعلمه إلا الله، وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد مرفوعا:«ما تركت بعدي على أمتي من فتنة أضر على الرجال من النساء» وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء (3)» وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة مرفوعا: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (4)» وروي أيضا:
(1) أخرجه السبعة إلا مالكا " لعن الله الواشمات. . ".
(2)
سورة الحشر الآية 7 (1){وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(3)
أخرجه ابن ماجه.
(4)
صحيح البخاري المغازي (4425)، سنن الترمذي الفتن (2262)، سنن النسائي آداب القضاة (5388)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 45).
«هلك الرجال حين أطاعوا النساء (1)» وفي الحديث الآخر: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن (2)» . ولما أنشده أعشى باهلة أبياته التي يقول فيها:
وهن شر غالب لمن غلب
جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويقول: «هن شر غالب لمن غلب (3)» .
فيتعين على الرجال القيام على النساء والأخذ على أيديهن ومنعهن من هذه الملابس والأزياء المنكرة، وأن لا يداهنوا في حدود الله، كما هو الواجب عليهم شرعا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (4).
وقد صرح العلماء: أن ولي المرأة يجب عليه أن يجنبها الأشياء المحرمة من لباس وغيره ويمنعها منه، فإن لم يفعل تعين عليه التعزير بالضرب وغيره. وفي الحديث:«كلكم راع ومسئول عن رعيته (5)» .
والمقصود: أن معالجة هذه الأضرار الاجتماعية المنتشرة من أهم المهمات، وهي متعلقة بولاة الأمر أولا، ثم بقيم المرأة ووليها ثانيا، ثم المرأة نفسها مسئولة عما يتعلق بها وبناتها وفي بيتها، كما على طلبة العلم بيان أحكام هذه المسائل والتحذير منها، وعلى
(1) أخرجه أحمد والطبراني.
(2)
صحيح البخاري كتاب الزكاة (1462)، الحيض (304)، صحيح مسلم الإيمان (80)، سنن أبو داود السنة (4679)، سنن ابن ماجه الفتن (4003)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 67).
(3)
مسند أحمد بن حنبل (2/ 202).
(4)
سورة التحريم الآية 6
(5)
متفق عليه
رجال الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ينكروا هذه الأشياء ويجتهدوا في إزالتها.
نسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فتوى في الموضوع
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم س. ع. ب. سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالإشارة إلى خطابكم الذي تسأل فيه عن مسألة وهي: هدم المرأة الذي تخيطه خياطة هل هو حرام أو حلال؟
والجواب: يظهر من سؤالك أنك تريد به معرفة حكم لبس المرأة للباس المعروف في هذا العصر "بالكرتة " وإذا كان هذا هو المقصود فلا يجوز؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله (1)» وقد فسر قوله: "كاسيات عاريات " بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، والثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها؛
(1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2128)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 440)، موطأ مالك الجامع (1694).