الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولولا أن وجهها مكشوف ما عرف أنها سفعاء الخدين.
هذا ما أعرفه من الأدلة، التي يمكن أن يستدل بها على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة، ولكن هذه الأدلة لا تعارض أدلة وجوب ستره (1).
(1) أنظر مجموعة: رسائل في الحجاب والسفور: لمجموعة من العلماء ص 102 - 104 وص 94 - 96.
الرد على ذلك:
وأن في تأصيل الرد على القائلين بجواز كشف الوجه للأجانب يأتي من وجوه:
الأول: ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، في قصة الإفك الذي جاء فيه عن صفوان بن المعطل قالت:(فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة. . . . " إلى نهاية الحديث، الذي أورده ابن كثير رحمه الله في سورة النور (1).
فهذا دليل صريح على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة، كن يكشفن وجوههن وأيديهن، قبل نزول آية الحجاب، وبعد ما نزلت استجبن لأمر الله بالحجاب في تغطية الوجه وغيره مما
(1) يراجع تفسير ابن كثير 3/ 268 - 270.
كان يظهر قبل الحجاب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه: أن الحرة تحتجب، والأمة تبرز.
وأما قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ} (1) فقد رخص فيها للعجوز التي لا تطمع في النكاح، أن تضع ثيابها، فلا تلقي عليها جلباها ولا تحتجب. وإن كانت مستثناة من المفسدة الموجودة في غيرها، كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم، في عدم الشهوة التي تتولد من الفتنة.
وكذلك الأمة، إذا كان يخاف بها الفتنة، كان عليها أن ترخي من جلباها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها.
فالإماء والصبيان، إذا كن حسانا، تخشى الفتنة بالنظر إليهم، كان حكمهم كذلك، كما ذكر العلماء ذلك، ثم أورد أقوالا للعلماء في هذا. منها قول المروذي:(قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه، كم نظرة ألقت في القلب البلاء). قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: " الرجل تاب، وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في
(1) سورة النور الآية 60
معصية، إلا أنه لا يدع النظر، فقال: أي توبة هذه؟!).
قال جرير: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ فقال: «اصرف بصرك (1)» . (2)
الثاني: آيات الحجاب، فهي أمر صريح بالتزام الحجاب لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته، ونساء المؤمنين في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (3).
قال ابن عطية الأندلسي في تفسيره: " لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجل إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام، بأمرهن بإدناء الجلابيب ليقع سترهن، ويبين الفرق بين الحرائر والإماء، فيعرف الحرائر بسترهن، فيكف عن معارضتهن، من كان غزلا أو شابا.
وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات، لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك، والجلباب ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء، واختلف الناس في صورة إدنائه، فقال ابن عباس وعبيدة السلماني:(ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة، تبصر بها)
(1) صحيح مسلم الآداب (2159)، سنن الترمذي الأدب (2776)، سنن أبو داود النكاح (2148)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 361)، سنن الدارمي الاستئذان (2643).
(2)
مجموع: رسائل في الحجاب والسفور: حجاب المرأة ولباسها في الصلاة لابن تيمية ص 26 - 29.
(3)
سورة الأحزاب الآية 59
وقال ابن عباس أيضا وقتادة: وذلك أن تلويه فوق الجبين، وتشده ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه).
وقوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} (1) أي على الجملة بالفرق، حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة، مراقبة لرتبة الحرية، وليس المعنى: أن تعرف المرأة، حتى يعلم من هي. وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة، محافظة على زي الحرائر (2).
والآية الثانية في الأمر بالحجاب قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (3).
يقول الشيخ الشنقيطي في تفسيره: (إن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولا، وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة القول، وفي هذه قلنا: إن قول كثير من الناس: إن آية الحجاب هذه، خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم، الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة، في قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (4) قرينة واضحة على إرادة تعميم
(1) سورة الأحزاب الآية 59
(2)
تفسير ابن عطية: المسمى: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج13 ص 99 - 100.
(3)
سورة الأحزاب الآية 53
(4)
سورة الأحزاب الآية 53
الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين، إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهن، وقد تقرر في الأصول: أن العلة قد تعمم معلولها.
وبما ذكرنا تعلم، أن في هذه الآية الكريمة، الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه.
وإذا علمت أن قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (1) هو علة قوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (2) وعلمت أن حكم العلة عام، فاعلم أن العلة قد تعم معلولها، وقد تخصه كما ذكرنا، في بيت مراقي السعود وهو يقول:
وقد تخصص وقد تعمم
…
لأصلها لكنها لا تخرم
وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علته، وإذا كان حكم هذه الآية عاما، بدلالة القرينة القرآنية، فاعلم أن الحجاب واجب، بدلالة القرآن على جميع النساء) (3).
وقد توسع رحمه الله في هذا الموضوع، إذ بسطه في أكثر من عشرين صفحة: ذكر الأدلة القرآنية على وجوب الحجاب على العموم، ثم الأدلة من السنة، ثم مناقشة أدلة الطرفين، وذكر الجواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب الحجاب على غير أزواج النبي صلى الله عليه
(1) سورة الأحزاب الآية 53
(2)
سورة الأحزاب الآية 53
(3)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 6: 585، 584.
وسلم، وقد يورد شبهات القائلين بعدم ستر الوجه، ويرد عليه (1).
ومن ذلك قوله رحمه الله: ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها، قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (2) فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى يدنين عليهن من جلابيبهن أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به ابن مسعود وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم، فإن قيل: لفظ الآية الكريمة وهو قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (3) لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا إجماع على استلزامه ذلك، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه، معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
فالجواب: أن في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (4) يدخل في معناه ستر وجوههن بإدناء جلابيبهن عليها، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى:{قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} (5) ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين، فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدل على وجوب ستر الوجه بإدناء الجلابيب كما ترى. ثم قال الشيخ
(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 6: 586 - 603.
(2)
سورة الأحزاب الآية 59
(3)
سورة الأحزاب الآية 59
(4)
سورة الأحزاب الآية 59
(5)
سورة الأحزاب الآية 59
الشنقيطي: ومن الأدلة على ذلك أيضا: ما قدمنا في سورة النور في الكلام على قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) من أن استقراء القرآن، يدل على أن معنى إلا ما ظهر منها: الملاءة فوق الثياب، وأنه لا يصح تفسير إلا ما ظهر منها: بالوجه والكفين، كما تم إيضاحه في سورة النور. واعلم أن قول من قال: إنه قد قامت قرينة قرآنية على أن قول الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (2) لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة القرآنية المذكورة هي قوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} (3) قال: وقد دل عليه قوله: {أَنْ يُعْرَفْنَ} (4) على أنهن سافرات، كاشفات وجوههن؟ لأن التي تستر وجهها لا تعرف باطل، وبطلانه واضح، وسياق الآية يمنعه منعا باتا؛ لأن قوله:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (5) صريح في منع ذلك. وإيضاحه: أن الإشارة في قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} (6) راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن، وإدناؤهن عليهن من جلابيبهن، لا يمكن بحال أن يكون أدنى أن يعرفن بسفورهن وكشفهن عن وجوههن كما ترى، فإدناء الجلابيب، مناف لكون المعرفة معرفة شخصية بالكشف عن الوجوه كما لا يخفي.
وقوله في الآية الكريمة: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} (7) دليل أيضا على أن المعرفة المذكورة في الآية ليست بكشف الوجوه؛ لأن احتجابهن لا خلاف فيه بين المسلمين، والحاصل أن القول المذكور تدل على بطلانه أدلة متعددة:
(1) سورة النور الآية 31
(2)
سورة الأحزاب الآية 59
(3)
سورة الأحزاب الآية 59
(4)
سورة الأحزاب الآية 59
(5)
سورة الأحزاب الآية 59
(6)
سورة الأحزاب الآية 59
(7)
سورة الأحزاب الآية 59
الأول: سياق الآية، كما أوضحناه آنفا.
ثانيا: قوله: لأزواجك، كما تقدم أيضا.
الثالث: أن عامة المفسرين من الصحابة ومن بعدهم فسروا الآية مع بيانهم سبب نزولها: بأن نساء المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجاتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفساق يتعرضون للإماء ولا يتعرضون للحرائر، ولا تمييز بين لباسهن، فأمر الله رسوله بأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن فإذا فعلن ذلك، ورآهن الفساق علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء، هو معنى قوله:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} (1) فهي معرفة بالصفة، لا بالشخص، وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن كما ترى.
وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز، بل هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله:{وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (2) في قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} (3) وجاء في لسان العرب تعريف الجلباب بأنه: ثوب أوسع من الخمار، دون الرداء، تغطي به
(1) سورة الأحزاب الآية 59
(2)
سورة الأحزاب الآية 60
(3)
سورة الأحزاب الآية 60
المرأة رأسها وصدرها، وقيل: هو ثوب واسع، دون الملحفة، تلبسه المرأة، وقيل: هو ما تغطي به المرأة الثياب من فوق كالملحفة، وقيل: هو الخمار، وفي حديث أم عطية:«تلبسها صاحبتها من جلباها (1)» أي إزارها، وفي التنزيل العزيز:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (2) قال ابن السكيت: قالت العامرية: الجلباب الخمار، وقيل: جلباب المرأة ملاءتها التي تشتمل بها، واحدها جلباب، والجماعة جلابيب (3). ومعلوم أن الإدناء من الرأس لهذا الجلباب، يعني تغطية الوجه.
الرابع: الفهم العملي لمعنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (4) إن من يتتبع أقوال وعمل أمهات المؤمنين، والصحابة وزوجاتهم، يدرك أنهم رضي الله عنهم جميعا، قد أبانوا ما يجب أن تعمله المرأة في تغطية وجهها بهذا الجلباب، مسارعة منذ نزلت الآية، ويستبعد أن عملهن ذلك عن عدم فهم للدلالة المطلوبة من نص الآية الكريمة، كيف وهم أمام سمع وبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يعلمهم ما خفي عليهم بالفهم أو العمل.
تقول عائشة رضي الله عنها في تزكيتها لنساء الأنصار: (رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} (5) الآية، شققن مروطهن، فاعتجرن بها، فصلين خلف رسول الله - وفي رواية الفجر- كأن على رءوسهن الغربان)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (6) خرج نساء الأنصار، كأن على رءوسهن
(1) صحيح البخاري الحيض (324)، صحيح مسلم صلاة العيدين (890)، سنن الترمذي الجمعة (539)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1307)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 84)، سنن الدارمي الصلاة (1609).
(2)
سورة الأحزاب الآية 59
(3)
لسان العرب لابن منظور 2: 317.
(4)
سورة الأحزاب الآية 59
(5)
سورة الأحزاب الآية 59
(6)
سورة الأحزاب الآية 59
الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها (1). وما ذلك إلا أن الرجال كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبلغون نساءهم بما نزل من تشريع، فيسارعن في التطبيق، وحسن الامتثال.
وعن ابن عباس في هذه الآية قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة)(2).
وعائشة رضي الله عنها، تتحدث عن نفسها وعن نساء الصحابة ذلك الوقت، عندما قالت وهي حاجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فكنا- و" نا " هنا للجمع لها ولنساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنساء الصحابة في ذلك الحج - نكشف عن وجوهنا، فإذا حاذينا الرجال، سدلنا الحجاب على وجوهنا، فإذا جاوزونا كشفناه) وهذا الحج هو حج الوداع.
وفي رواية: قالت (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها، فإذا جاوزونا كشفناه)(3). وهذا تطبيق عملي من نساء الصدر الأول، ومسارعة في الفهم، وهن القدوة، وبحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، مع أن
(1) فتح البيان في مقاصد القرآن، لصديق القنوجي 11:145.
(2)
فتح البيان في مقاصد القرآن، لصديق القنوجي 11:145.
(3)
رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه.
إحرام المرأة في وجهها، فكان تغطيته عند محاذاة الركبان، ولم يعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة من محظورات الإحرام التي تستوجب الكفارة، مما يدل على وجوب ستر الوجه، مع أن المشروع في إحرام المرأة كشفه، وما ذلك إلا لوجود مانع قوي لتغطيته امتثالا لأمر الله في الحجاب.
ولما كان كثير من أهل العلم يرون كشف الوجه من واجبات الإحرام، فإن عمل عائشة رضي الله عنها ونساء الصحابة وأمهات المؤمنين بالاحتجاب وتغطية الوجه عند محاذاة الركبان لا يعتبر مخالفة لمقتضيات الإحرام، وإنما عارضه ما هو أقوى منه دليلا، وأوجب في حق المرأة، وهن إذا لم يؤمرن صراحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أقرهن، ومعلوم أن السنة النبوية في قوله وإقراره وعمله صلى الله عليه وسلم وستر الوجه جاء فيه القول والإقرار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاواه: (وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين، كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجههن وأيديهن)(1).
الخامس: إذا علم أن الأدلة التي يستدل بها المجيزون على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة، هي أربعة كما مر بنا في إحصاء
(1) مجموع الفتاوى 22: 110 - 111.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فإن وجوه الاستدلال بعدم الجواز التي أوردها فضيلته عشرة: أربعة من كتاب الله، وستة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زادها بالحادي عشر وهو: الاعتبار الصحيح والقياس المطرد، الذي جاءت به الشريعة الكاملة، وهو إنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها، وإقرار المصالح ووسائلها والحث عليها.
وقال في ذلك: (فكل ما كانت مصلحته خالصة أو راجحة على مفسدته، فهو مأمور به أمر إيجاب أو أمر استحباب، وكل ما كانت مفسدته خالصة أو راجحة على مصلحته، فهو منهي عنه نهي تحريم، أو نهي تنزيه، وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب، وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة، وإن قدر فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد)(1).
ثم ذكر من هذه المفاسد أربعة وهي:
1 -
الفتنة، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويبهيه، ويظهر بالمظهر الفاتن، وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد.
2 -
زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان، ومن مقتضيات فطرتها، فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء يقال: أحيا من العذراء في خدرها، وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها، وخروج
(1) مجموع رسائل في الحجاب والسفور: رسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين ص94 - 100.
عن الفطرة التي خلقت عليها.
3 -
افتتان الرجال بها، لا سيما إذا كانت جميلة، وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما في كثير من السافرات.
4 -
اختلاط النساء بالرجال، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه، أو التجول سافرة، لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمته، وفي ذلك فتنة كبيرة، وفساد عريض (1).
السادس: إذا كان العلماء رحمهم الله يرون من العلل في الحجاب خوف الفتنة، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم:«ما تركت على أمتي فتنة أشد من النساء (2)» وأخبر صلى الله عليه وسلم: «أن فتنة بني إسرائيل في النساء (3)» (4) فقد جاءت محاذير عن إبداء الزينة الباطنة، كالنحر والصدر، وجاء الأمر من الله جلت قدرته بحفظ النساء لفروجهن، وهذا يقتضي الأمر بالوسيلة المقربة إليه.
ولاشك أن زينة المرأة وجمالها الباطن في وجهها، الذي هو مجمع المحاسن فيها، ولم يرخص الله ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير المحارم برؤيته إلا الخاطب (لعله يؤدم بينهما)، مما يدعو إلى إدراك الحكمة في التشريع في اعتبار الوجه هو المقصود بالحجاب
(1) مجموع رسائل في الحجاب والسفور: رسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين ص99، 98.
(2)
صحيح البخاري النكاح (5096)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741)، سنن الترمذي الأدب (2780)، سنن ابن ماجه الفتن (3998)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 200).
(3)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742)، سنن الترمذي الفتن (2191)، سنن ابن ماجه الفتن (4000)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 22).
(4)
ينظر مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، 1: 427، 6: 277 حيث أورد هذين الحديثين الصحيحين.
وإدنائه من أعلا الرأس إلى النحر والصدر، ليشمل الوجه، وعلة أخرى في هذا السبيل في دلالة الآية الكريمة:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (1) والمراد من ذلك صوت الخلخال وغره مما تتحلى به المرأة للرجل، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذا:(فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفا من افتتان الرجل بها، لما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف بكشف الوجه، ومعلوم أن الوجه وهو مجمع المحاسن. فأيهما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالا بقدم امرأة، لا يدري ما هي وما جمالها، ولا يدري أشابة هي أم عجوز، ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء، أيهما أعظم فتنة هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل، ممتلئ شبابا ونظارة، وحسنا وجمالا، وجميلا بما يجلب الفتنة، ويدعو إلى النظر إليها، إن كل إنسان له إربة في النساء، ليعلم أي الفتنتين أعظم، وأحق بالستر والإخفاء)(2). فإذا كان قد اختلف في فهم الزينة الظاهرة، فإن الحجة في فهم الصحابة ونسائهم، حيث طبقن ذلك عملا بتغطية الوجه والصدر والنحر والشعر، لما روي عن عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك:" وكان يعرفني قبل نزول الحجاب " وقولها في الإحرام كنا - بالجمع تعني نفسها ونساء الرسول ونساء المؤمنين - نكشف وجوهنا، فإذا حاذينا الرجال
(1) سورة النور الآية 31
(2)
مجموع رسائل في الحجاب والسفور، رسالة الشيخ ابن عثيمين، ص 87 - 88.