الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عائشة رضي الله عنها». .) الحديث، فاختلف اللفظان ويصعب الجمع بينهما، فالحديث إذا مضطرب بلفظيه، مع أن اثنين من رواة الحديث ضعيفان جدا، هما:
الأول: عبد الله بن لهيعة، بفتح اللام وكسر الهاء، ابن عقبة الحضرمي ضعيف بعد احتراق كتبه.
الثاني: شيخه عياض بن عبد الله الفهري المدني، نزيل مصر، قال الحافظ في التقريب:" فيه لين "، وقال ابن أبي حاتم:" ليس بقوي "، وترجم له الإمام أبو جعفر محمد بن عمر والعقيلي في الضعفاء، وقال " منكر الحديث " نقلا عن البخاري رحمه الله (1).
(1) تكحيل العيين في رد طرق حديث أسماء في كشف الوجه واليدين ص أمقدمة الشيخ: عبد الله بن زاحم.
رد ما يستندون عليه:
وللداعين إلى التساهل في حجاب المرأة بعض الطرق التي يتلمسون بها ما يقوي رغبتهم في تأصيل ما يدعون إليه، ومن ذلك:
1 -
قصة المرأة الخثعمية، التي كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، ووصفت بأنها وضيئة أعجبت الفضل، مما يدل على أنها كانت كاشفة وجهها.
2 -
حكاية المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد فيها النظر، ولم يأمرها
بالتستر، مما يدل على أنها كانت كاشفة وجهها.
3 -
ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه، الذي أخبر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العيد، مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال:«تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم (1)» فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: ولم يا رسول الله؟ فلو لم تكن كاشفة لم توصف بذلك.
- وقد ناقش العلماء هذا الأمر قديما وحديثا، وممن بحثه حديثا: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، في تفسيره أضواء البيان في الجزء السادس، عند مروره بسورة النور، وسورة الأحزاب، والشيخ عبد العزيز بن باز، واعتبر العلماء الفيصل في هذا آيات الحجاب التي أنزلها الله في كتابه الكريم، فهو سبحانه له الحكمة البالغة، ويعلم طبائع خلقه، وما يعتمل في النفوس البشرية، منذ خلق آدم، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما يطرأ على النفوس من تغييرات، وما تصلح به المجتمعات وتستقيم به أحوال أهلها، وما يفسدها بحسب ما أودع الله سبحانه في طبائع البشر من شهوات ورغبات، خاصة عندما يضعف الحارس الإيماني، والحاجز اليقيني،. بمراقبة الله في السر والعلن، وقد اهتم بهذا الشيخ عبد العزيز بن باز في إجاباته على السائلين، خاصة وأن الدعوة إلى عدم حجاب المرأة المسلمة، بما يمكن الحياء، ويحجب محاسنها عن الأجانب، يدعوها ترك الحجاب،
(1) صحيح البخاري الجمعة (961)، صحيح مسلم صلاة العيدين (885)، سنن النسائي صلاة العيدين (1575)، سنن أبو داود الصلاة (1141)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 318)، سنن الدارمي الصلاة (1610).
الذي فهمته نساء الصحابة، وطبقته ساعة نزول آية الحجاب، وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من ليس لها جلباب، أن تلبسها أختها من جلبابها، يدعوها ذلك لمخالفة أمر الله وما تفسير الصحابة رضوان الله عليهم لآية الحجاب، والنبي صلى الله عليه وسلم موجود بينهم ينزل عليه الوحي، إلا دليل بأن المراد: بإدناء الحجاب، وبضرب الخمر على الجيوب: إنما يدخل فيه ستر الوجه، وتغطيته مع الشعر عن الرجال، وأن ستر المرأة وجهها عمل بالنص القرآني الكريم، كما قالته وعملته عائشة رضي الله عنها، ونساء الرعيل الأول من هذه الأمة، وعنهم أخذ بذلك التابعون، ومن جاء بعدهم، وليس ما يقوله بعض الناس في حججهم، بأن هذا الحجاب لم يعرف إلا في العصور المتأخرة، عندما فرضه العثمانيون وهو من موروثات العادات القديمة عندهم.
- ذلك أن احتجاب النساء عن الرجال، وسترهن، التي هي موضع الفتنة، ومجامع الحسن، ما هو إلا تصديق بكتاب الله سبحانه، وإيمان بأنه منزل من عند الله، وواجبهن الامتثال، وحسن الاتباع: سمعا وطاعة، وعملا، خاصة وأنهن عرفن مثل هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «أن المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان،
وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها (1)» رواه الترمذي عن بندار. والإجابة على الحالات الثلاث:
الأولى: قصة المرأة الخثعمية التي كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستدلون به ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم، وضيئة، تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا. . .) الحديث، فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة وجهها.
وأجاب عن ذلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله من وجهين:
الأول: ليس في شيء من روايات الحديث، التصريح بأنها كانت كاشفة وجهها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عنه، وأقرها على ذلك، بل غاية ما في الحديث أنها وضيئة، وفي بعض روايات الحديث: أنها حسناء، ومعرفة كونها وضيئة أو حسناء، لا يستلزم أنها كانت كاشفة عن وجهها، وأنه صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد، فيراها
(1) سنن الترمذي الرضاع (1173).
بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها.
- ويحتمل أن يكون عرف حسنها قبل ذلك الوقت، لجواز أن يكون قد رآها قبل ذلك وعرفها، ومما يوضح ذلك أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي روى الحديث هذا، لم يكن حاضرا وقت نظر أخيه إلى المرأة، ونظرها إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قدمه بالليل من مزدلفة إلى منى في ضعفة أهله، ومعلوم أنه إنما روى الحديث المذكور، من طريق أخيه الفضل، وهو لم يقل له إنها كانت كاشفة عن وجهها. واطلاع الفضل على أنها وضيئة حسناء، لا يستلزم السفور قصدا، لاحتمال أن يكون رأى وجهها، وعرف حسنه من أجل انكشاف خمارها من غير قصد منها، واحتمال أنه رآها قبل ذلك وعرف حسنها.
فإن قيل: قوله إنها وضيئة، وترتيبه على ذلك بالفاء، في قوله: فطفق الفضل ينظر إليها، وقوله: وأعجبه حسنها، فيه الدلالة الظاهرة على أنه كان يرى وجهها، وينظر إليه لإعجابه بحسنها، فالجواب أن تلك القرائن، لا تستلزم استلزاما لا ينفك، أنها كانت كاشفة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كذلك، وأقرها لما مر من أنواع الاحتمال، مع أن جمال المرأة قد يعرف، وينظر إليها لجما لها وهي مختمرة، وذلك لحسن قدها وقوامها، وقد تعرف وضاءتها وحسنها، من رؤية بناها فقط، كما هو معلوم، ولذلك فسر ابن مسعود:
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1) بالملاءة فوق الثوب. والعرب في أشعارهم يبالغون في حسن قوام المرأة، مع أن العادة كونه مستورا بالثياب لا منكشفا.
الوجه الثاني: أن المرأة محرمة، وإحرام المرأة في وجهها وكفيها، فعليها كشف وجهها، ما لم يكن هناك رجال أجانب ينظرون إليها، وعليها ستره من الرجال في الإحرام، كما هو معروف عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، ولم يقل أحد إن هذه المرأة الخثعمية، نظر إليها أحد غير الفضل بن عباس، والفضل منعه النبي من النظر إليها، وبذلك يعلم أنها محرمة، لم ينظر إليها أحد، فكشفها عن وجهها إذا لإحرامها لا لجواز السفور.
فإن قيل: كونها مع الحجاج، مظنة أن ينظر الرجال وجهها إن كانت سافرة؛ لأن الغالب أن المرأة السافرة وسط الحجيج، لا تخلو ممن ينظر إلى وجهها، فالجواب: أن الغالب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الورع وعدم النظر إلى النساء، فلا مانع عقلا ولا شرعا، ولا عادة من كونها لم ينظر إليها أحد منهم ولو نظر إليها لحكي، كما حكي نظر الفضل إليها، ويفهم من صرف النبي بصر الفضل عنها، أنه لا سبيل إلى ترك الأجانب ينظرون إلى الشابة وهي سافرة، كما ترى، وقد دلت الأدلة العديدة على أنها يلزمها حجب جميع بدنها عنهم.
(1) سورة النور الآية 31
وبالجملة: فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغريزة البشرية، وداع إلى الفتنة والوقوع فيما لا ينبغي (1).
الثانية: حكاية المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد فيها النظر، ولم يأمرها بالتستر عن الحاضرين.
فهذا يدل أولا على جواز نظر الخاطب للمرأة التي يرغب في الزواج منها، وأهم ما ينبغي النظر إليه الوجه، وما يظهر عادة كاليدين والقدمين؛ لأن الوجه هو مجمع المحاسن للمرأة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال جابر بن عبد الله راوي الحديث: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها (2)» وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «اذهب فانظر إليها، لعله يؤدم بينكما (3)» فصار النظر في حالة الخطبة، كالإدام مع الطعام، الذي يشهي الطعام، وعلله
(1) أضواء البيان للشيخ الشنقيطي 6: 600 - 602.
(2)
رواه أبو داود في باب النظر إلى المرأة، من كتاب النكاح 1: 480، كما أخرجه الإمام أحمد في المسند 3: 360، وفي هذا الحديث أن نساء الصحابة متحجبات بوجوههن ولسن سافرات.
(3)
سنن الترمذي النكاح (1087)، سنن النسائي النكاح (3235)، سنن ابن ماجه النكاح (1866)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 245)، سنن الدارمي النكاح (2172).
المصطفي عليه الصلاة والسلام: بما عند الأنصار من أثر النظرة، التي بها ينجذب القلب للإقدام، أو ينصرف فيحصل الإحجام.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فلعل ذلك الوقت، الذي جاءت فيه المرأة لتهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، كان قبل فرض الحجاب مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالتستر عن الحاضرين، وهذا ما يراه كثير من العلماء، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في دروسه على بلوغ المرام، حيث قال:(كان هذا - والله أعلم- قبل الأمر بالحجاب، ويجب حمله على هذا)(1).
الثالثة: ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، الذي جاء فيه بعد أن وعظ عليه الصلاة والسلام النساء، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت:(ولم يا رسول الله)؟، فلو لم تكن كاشفة لم توصف بذلك.
ونص الحديث الثابت في الصحيح، الذي استدلوا به على كشف وجه المرأة: «قال جابر: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال:" تصدقن فأن أكثركن حطب جهنم " فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: ولم يا رسول الله؟ قال: (لأنكن
(1) شريط رقم 21 من بلوغ المرام: الشرح.
تكثرن الشكاة وتكفرن العشير). قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال، من أقراطهن وخواتمهن (1)» هذا لفظ مسلم في صحيحه.
قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدين، يدل على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خديها، ولما علم أنها سفعاء الخدين.
وقد أجاب الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان عن حديث جابر هذا: بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وجهها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرا رضي الله عنه رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس، في تلك الحال كما قال نابغة ذبيان:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
…
فتناولته واتقتنا باليد
فعلى المحتج بحديث جابر المذكور، أن يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك،
- وقد روى القصة المذكورة غير جابر، فلم يذكر كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر مسلم في صحيحه ممن رواها غير جابر، أبا سعيد الخدري، وابن عباس وابن عمر، وذكره غيره عن غيرهم، ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر أنه رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدين، وبذلك يعلم أنه لا دليل على السفور في
(1) صحيح البخاري الجمعة (961)، صحيح مسلم صلاة العيدين (885)، سنن النسائي صلاة العيدين (1575)، سنن أبو داود الصلاة (1141)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 318)، سنن الدارمي الصلاة (1610).
حديث جابر المذكور، ويعضده ما جاء في إحدى الروايات: سفعاء الخدين هذا كلام القاضي (1).
- وقد يستدلون أيضا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2) بالوجه والكفين، فإن هذا محمول على حالة النساء قبل نزول الحجاب، أما بعد ذلك، فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما هو النص الكريم من الآيات الكريمات في الحجاب: في سورة الأحزاب، وسورة النور حسبما مر بنا.
ويدل على أن ابن عباس رضي الله عنهما أراد ذلك، ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيتوهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة.
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعليقا على قول ابن عباس هذا: (وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة).
ثم قال: (والآية المذكورة {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (3)
(1) أضواء البيان، 6:598.
(2)
سورة النور الآية 31
(3)
سورة النور الآية 31
حجة ظاهرة، وبرهان قاطع، على تحريم سفور النساء، وتبرجهن بالزينة) (1).
وفي الختام نقول: إنه في الوقت الذي يرغب، بل يدعو كثير من المسلمين للمرأة المسلمة أن تنزع حجاب الحشمة والوقار، الذي هو أمر من الله جل وعلا بنص صريح في القرآن الكريم، لتتشبه بالمرأة الغربية والشرقية، التي لم تستمد منهجها من تعاليم الإسلام، مثل ما قاد هذه الحملة قاسم أمين وغيره، بكتبهم ومقالاتهم، نرى المرأة الغربية، تتوق لهذا الحجاب، وترى فيه حماية ووقارا للمرأة (2). ويدعو إليه بعض عقلائهم أيضا، لما رأوا من أثر السفور والتبرج في مجتمعاتهم من نتائج سيئة ومصائب سببها ذلك التبرج والسفور، ومخالطة المرأة للرجل في ميدان العمل، والاختلاط على مقاعد الدراسة، وخاصة في المرحلة الجامعية.
- ومن المناسب في هذا المقام الاستئناس بشيء مما قاله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في دلالة قول الله سبحانه: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (3) في إجابة لمن سأله عن أهمية الغطاء في
(1) رسالة السفور والحجاب للشيخ عبد العزيز بن باز، الطبعة الرابعة عام 1401 هـ ص 11.
(2)
أبنت نماذج من أقوالهم وأقوالهن في كتابي: المرأة بين نور الإسلام وظلام الجاهلية.
(3)
سورة النور الآية 60
وجه المرأة، وحكم عمل المرأة. إذ قال: (وجه الدلالة من هذه الآية، على وجوب تحجب النساء، وهو ستر الوجه وجميع البدن عن الرجال غير المحارم، أن الله رفع الجناح عن القواعد، اللاتي لا يرجون نكاحا، وهن العجائز، إذا كن غير متبرجات بزينة، فعلم أن الشابات، يجب عليهن الحجاب، وعليهن جناح في تركه، وهكذا العجائز المتبرجات بالزينة، عليهن أن يحتجبن، لأنهن فتنة، ثم إنه سبحانه أخبر في آخر الآية: أن استعفاف النساء القواعد، غير المتبرجات خير لهن وما ذاك إلا لكونه أبعد لهن من الفتنة.
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحن-: ما يدل على أن كشف الوجه للمرأة، كان في أول الإسلام، ثم نسخ بآية الحجاب، وبذلك يعلم أن حجاب المرأة أمر قديم، من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قد فرضه الله سبحانه، وليس من عمل الأتراك) (1). وإنما هو أمر من الله، وتشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت الأدلة - وحسن امتثال وتطبيق من نساء الصحابة، في القرن الأول الذي هو خير القرون بعد رسول الله، آخذه من جاء بعدهم علما وعملا في القرون المفضلة وما بعدهم، فيسعنا ما يسعهم.
كما أن ما جاء من شبهة عند المتأخرين، من اعتبار الوجه واليدين يجوز كشفهما للأجانب مطلقا، لم يكن من آراء العلماء المعتبرين كالأئمة الأربعة وغيرهم- رحمهم الله لأنهم لم يبحثوا هذا، وإنما كان بحثهم
(1) يراجع مجموع فتاوى ومقالات لسماحته ج4: 310، 309، ج3:356.
في هذا الكشف: في الصلاة والحج فقط. يؤيد ذلك ما ظهر للعلماء، قال الإمام الصنعاني رحمه الله في كتاب الأدلة الجلية في تحريم نظر الأجنبية: قال العلامة الموزعي - في شرح الآيات -: والمختار عند المتأخرين: التحريم أي النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها مطلقا- إلا لحاجة كخاطب وعلاج- وهو الصواب، وما سواه خطأ. . ثم قال: والأئمة مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم لم يتكلموا إلا على عورة المرأة في الصلاة، فقال الشافعي ومالك: ما عدا الوجه والكفين. . وزاد أبو حنيفة: القدمين وما أظن أحدا يبيح للشابة أن تكشف وجهها لغير حاجة، ولا يبيح للشاب أن ينظر إليها لغير حاجة.
والصنعاني والموزعي: أعرف بمذهب الشافعية، لأنه السائد في اليمن، ومثل هذا ما جاء في منهاج النووي الذي هو عمدة الشافعية في جميع أقطارهم (1).
ومن يتتبع كلام العلماء بدقة وتمعن، يجدهم في التحقيق مع هذا القول: لأن الوجه واليدين مجمع محاسن المرأة وموضع الفتنة. . وقد اهتم الشيخ أحمد الدويش بتحقيق المسألة في هذا الموضوع في كتابه التحقيق والإيضاح لحكم حجاب المرأة المسلمة الذي طبع بالرياض عام 1422هـ. نسأل الله أن يبصر المسلمين بفهم نصوص الله الذي شرع، وحسن الاتباع لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يعين الجميع على إحياء السنة، والبعد عن مضلات الفتن، وأن يجمع كلمة
(1) الأدلة الجليلة ص33 - 35.
المسلمين على الحق، ويصلح شبابهم ونساءهم، وقيادتهم وأن يرزقهم العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.