الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا) (1).
وقال ابن أبي العز: (فإذا جاء يوم حشر الأجساد، وقيام الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجسام جميعا. . . والقرآن بين معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع. . . والأجساد تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل ترابا، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاما ولحما، ثم أنشأه خلقا سويا، كذلك الإعادة؛ يعيده الله بعد أن يبلى. . .)(2).
قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (3).
ولا شك أن النعيم والعذاب يوم القيامة يقع على البدن والروح معا؛ لأن تعلقهما ببعض أكمل تعلق فيكون النعيم أكمل نعيم، والعذاب أشده وآلمه.
(1) الروح لابن القيم، ص58.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية، ص452، 263.
(3)
سورة آل عمران الآية 185
2 -
العلاقة بين الموت والنوم:
ومما سبق يتضح أن العلاقة بين الموت والنوم وثيقة، فمفارقة الروح للبدن العامل المشترك بينهما، وكلاهما سماه الله وفاة وموتا،
فهو سبحانه يتوفى الأنفس حين النوم؛ وهو الموت الأصغر، ويتوفى الأنفس حين الموت الأكبر.
وكما أن الله يرد روح النائم إليه إذا لم ينته الأجل، فإن الله يرد على الميت روحه في أحوال وأوقات معينة مثل سؤال الملكين له في القبر- كما ورد في حديث البراء بن عازب - وكما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ترد روحه عليه ليرد السلام على من يسلم عليه. وأيضا إذا فارقت الروح بدن النائم، فإن لها به تعلقا من وجه آخر، فيكون النائم في حال متوسطة بين اليقظان وبين الميت الذي ردت روحه إلى بدنه.
وروح الميت إذا فارقته، فإن لها به تعلقا من وجه آخر، لكن لا يمكن أن تعود الحياة إلى البدن إلى يوم القيامة.
أما البدن حال النوم فهو ينعم ويعذب كما ورد في الآثار التي مضت، وفي حال الموت ينعم ويعذب كما صحت الأخبار بأن القبر إما روضة من روضات الجنة، أو حفرة من حفر النيران.
والروح أيضا حال النوم، وحال الموت تنعم وتعذب؛ لأنها حال النوم تبع للبدن، وحال الموت البدن تبع لها، وقد صحت الآثار بذلك كما تقدم.
والروح حال النوم وحال الموت تصعد وتهبط، وتسمع وتبصر، وتتكلم إلى غير ذلك، إلا أن هذه الصفات مخالفة لصفات الأجسام المعروفة.
ولذلك يرى النائم في منامه ثلاثة أنواع من الرؤيا: إما صالحة وهي من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من حديث النفس، وهذا وغيره مما تختص به الروح حال النوم.
وأيضا الروح حال الموت يصعد بها ثم يرجع بها، وتكون في حواصل طير خضر في الجنة لمن استشهد في سبيل الله، أو في أسفل سافلين في العذاب المهين للعاصين.
والأرواح حال النوم، وحال الموت تبعث، فالأولى: تبعث حال الاستيقاظ من النوم في الليل أو في النهار، والثانية: تبعث يوم القيامة للحساب والجزاء.
وفي الختام نحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى كما نحمده الذي بنعمته تتم الصالحات، ونصلي ونسلم على الهادي البشير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه وسلم تسليما كثيرا.