الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا، فهذا العمل حجة لا يصح تأويله؛ لأنه تطبيق عملي لمفهوم النص الشرعي في آية الحجاب، خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ولو عملوا شيئا خطأ لنبههم إليه، كما في صلاة المسيء.
رد حديث أسماء:
جاء عند أبي داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير، عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها:«أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه (1)» . فقد قال فيه أبو داود بعد إيراده: " إنه مرسل، خالد لم يدرك عائشة ".
ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا بعد الهجرة إلى المدينة، وأن أسماء لما هاجرت كان ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في بطنها، وهو أول مولود في دار الهجرة؟، فمتى كان دخولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وآية الحجاب لم تنزل إلا بعد الهجرة في المدينة.
لما كانت أسماء رضي الله عنها من أكثر نساء الصحابة تمسكا بالحجاب وستر الوجه خاصة، فقد ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:(أن أسماء كانت تستر وجهها مطلقا في الإحرام وغيره)،
(1) سنن أبو داود اللباس (4104).
وأورد قول ابن قدامة في المغني، وابن رشد في البداية:(بأن المرأة إحرامها في وجهها إجماعا، ولها أن تغطي رأسها وتستر شعرها، ولها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا، تستر به عن نظر الرجال، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة)(1).، فلو صح ذلك الحديث لكانت أسماء أول من يبادر إلى تطبيقه، وهي المخاطبة به.
ولذا نرى الشيخ عبد العزيز بن باز يضعفه بثلاث علل: -
الأولى: لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة، وخالد لم يسمع منها فهو منقطع. وقد حكم عليه راويه أبو داود بهذه العلة وقال بعد ذلك: هو مرسل، كما مر بنا.
الثانية: في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.
الثالثة: عنعنة قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس (2).
ثم تتبعت طرق حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الذي هو حديث أسماء مثار البحث، فقد رواه أبو داود في سننه (3). والبيهقي في الكبرى (4)، وابن عدي في الكامل (5)، والبيهقي في
(1) مجموع فتاوى ومقالات لسماحته، 5:232.
(2)
تراجع رسالة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في السفور والحجاب ص 59 - 60.
(3)
عون المعبود 11: 161.
(4)
2: 182، و 7: 86
(5)
3: 373.
المعرفة (1).
كلهم رووا من طريق الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة «أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه (2)» ، وقد ظهر لي من ذلك أن هذا الحديث مسلسل بالعلل، التي اهتم بها علماء الجرح والتعديل:
الأولى: أن خالدا لم يسمع من عائشة، قال أبو داود في سننه:(هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع عائشة، وقال في سؤالات الآجري: " لم يدرك عائشة " (3).
وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (لم يدرك عائشة)(4).
وقد تبعهما في هذا من بعدهما، ممن كتب في الجرح والتعديل، وفي تتبع رجال السند.
الثانية: أن خالدا تفرد به دون باقي الرواة عن عائشة رضي الله عنها، وفي هذا بعد.
(1) 3: 144.
(2)
سنن أبو داود اللباس (4104).
(3)
4: ت 2.
(4)
3: 101.
الثالثة: أن قتادة بن دعامة السدوسي، مدلس مشهور بذلك، عند أهل الحديث، ولم أر له تصريحا بالسماع.
الرابعة: أن الراوي عن قتادة هو سعيد بن بشير، وقد تفرد به دون باقي أصحاب قتادة بهذا الإسناد وهو بعيد.
قال أبو أحمد بن عدي: (ولا أعلم رواه عن قتادة بهذا الإسناد غير سعيد بن بشير)(1). فتفرد سعيد بن بشير بهذا الأثر دون جميع أصحاب قتادة، وفيهم الأئمة يدل على غرابة هذا الإسناد.
الخامسة: أن سعيد بن بشير هذا ضعيف على الصحيح من أقوال أهل العلم.
السادسة: أنه اختلف على سعيد بن بشير فيه، فقال مرة فيه:(عن خالد بن دريك، عن أم سلمة بدل عائشة)(2).
السابعة: أنه رواه عن سعيد بن بشير، الوليد بن مسلم، وهو مشهور بالتدليس عند علماء الحديث، ولم أر له تصريحا بالسماع.
الثامنة: أن قتادة قد اختلف عليه فيه، فرواه عنه سعيد بن بشير كما سبق، ورواه عنه هشام الدستوائي مقطوعا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وذكره. وإسناده منقطع، ومراسيل قتادة ضعيفة جدا.
التاسعة: أنه قد اختلف في متنها، ففي رواية سعيد بن بشير:
(1) الكامل 3: 373.
(2)
الكامل 3: 373.
وكفيها، وفي رواية هشام قال:«ويداها إلى المفصل» .
العاشرة: أن فيه نكارة أشد مما سبق، وهي مخالفة للقرآن الكريم، والله عز وجل يقول:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (1) الآية وقد توسع في هذا الألباني في حديثه عن جلباب المرأة المسلمة (2). والرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة لأسماء رضي الله عنها، ليس من أولئك الأسماء التي جاءت في الآية الكريمة، فكيف تدخل عليه أسماء بثياب رقاق؟
الحادية عشرة: أنه مخالف لما روته عائشة رضي الله عنها في أحاديث منها:
1 -
في قصة الإفك وأنها غطت وجهها.
2 -
في حديث عمر حينما قال: " عرفناك يا سودة " فقالت عائشة: " فنزلت آية الحجاب ". وغير ذلك، وبهذا يصبح حديث أسماء منكرا جدا.
الثانية عشرة: أنه مخالف لما عرف عن حياء أسماء رضي الله عنها، وغيرة زوجها الزبير بن العوام ولا أدل على ذلك مما رواه البخاري.
الثالثة عشرة: أن خالدا هذا ابن دريك قال فيه ابن القطان: " مجهول الحال "، كما جاء في نصب الراية (3).
(1) سورة النور الآية 31
(2)
الأحاديث الضعيفة 1: 299.
(3)
1: 299.
فإن قيل: فإن له طريقا آخر يشهد، وهو ما جاء في الطبراني في الأوسط، وفي الكبير، (1). وعند البيهقي في السنن الكبرى (2). من طريق محمد بن رمح، عن ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله، أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري، يخبر عن أبيه، أظنه عن أسماء بنت عميس، أنها قالت:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة بنت أبي بكر، وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر، وعليها ثياب شامية، واسعة الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام فخرج، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كرهه. فتنحت، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عائشة رضي الله عنها: لم قام؟ قال: أولم تري إلى هيئتها، أنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا وأخذ بكفيه فغطى بهما ظهر كفيه، حتى لم يبد من كفه إلا أصابعه، ثم نصب كفيه على صدغيه، حتى لم يبد إلا وجهه» قال البيهقي: " إسناده ضعيف "(3). قلت وهذا الحديث فيه ابن لهيعة، وهو عبد الله أبو عبد الرحمن المصري، وهو ضعيف، وخصوصا إذا انفرد كما هنا، فقد انفرد بهذا الإسناد بل وشيخه
(1) المعجم الكبير 24: 142، 143، والمعجم الأوسط 2 ق 401.
(2)
7: 86.
(3)
المصدر السابق.
عياض بن عبد الله القرشي الفهري المدني ثم المصري، قال عنه البخاري:" منكر الحديث "، وقال أبو حاتم:" ليس بالقوي "، وقال العقيلي:" حديثه غير محفوظ "، وذكره ابن حبان في الثقات. كما يلاحظ عليه الشك في الحديث، هل هو عن أسماء بنت عميس أم لا؟ بقوله:(أظن).
- وقد ألف الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي كتابين في هذا الموضوع:
الأول هو: رفع الجنة على وجوب ستر الوجه والكفين وجميع محاسن المرأة عند الخروج من بيتها، ويقع في حوالي ثلاث مائة صفحة.
والثاني هو: تكحيل العينين، في رد طرق حديث أسماء في كشف الوجه والكفين.
- فقد كان الكتاب الثاني الذي يبلغ مائة صفحة مع الفهرس ردا وملاحظات على الشيخ علي حسن علي عبد الحميد الأثري الحلبي، في كتابه: تنوير العينين في طرق حديث أسماء بنت أبي بكر في كشف الوجه واليدين. حيث قال في الخاتمة: وقد لاحظت خطرا شديدا في كتابته هذه في هذا الوقت بالذات، الذي يجب وينبغي لمثله أن يتعمق في النتائج الوخيمة، التي تترتب على ما كتب وجمع من الدعوة الصريحة الواضحة إلى السفور، والتكشف بالنسبة للمرأة المسلمة، ومع قوله الذي نقض به عنوان الرسالة، ومن هنا كانت
هذه الكتابة من هذا المعدم الفقير إلى الله تعالى، استدراكا على الأخ العزيز رعاه الله تعالى، ومع توضيح كلامه وبيانه فيما زعم من وجود ثلاث طرق لحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها في جواز كشف الوجه والكفين، والأمر بالعكس تماما في ضوء كلام النقاد، الذي قد فرغوا من هذا الأمر وغيره منذ أمد بعيد، وقد أغلقوا الباب، وسدوا الطريق عن طريق تلك القواعد الجيدة، والأصول التي وضعوها، بممارسة علمية فذة نادرة، وقد أجمعوا عليها سلفا وخلفا، فلا مجال للعواطف والمشاعر والأحاسيس المخالفة لأصولهم، ولو كانت عن طريق الاجتهاد، والفكر والنظر، وملاحقة الضرر للمرأة المسلمة حسب زعمهم، وميلهم إلى أن يسهلوا عليها في الخروج والدخول والأمر لم يكن كذلك أبدا (1).
- ولا يصح حديث أسماء هذا، لأنه يتعارض مع حديث آخر صححه العلماء وهو: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت:" كنا نغطي وجوهنا عن الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام " ولئن تعارض هذا مع الحديث الذي نحن بصدده، الذي يحاول من يريد للمرأة الكشف الاستدلال به، فإنه يتعارض مع تطبيق نساء الصحابة لمفهوم آية الحجاب بعد ما نزلت كما مر بنا.
وقد خرج الشيخ عبد القادر، في كتابه الذي رد فيه على الشيخ علي الأثري الحلبي، بتوسع، ومناقشة، بخمس علل في رد طرق
(1) تكحيل العينين في رد طرق حديث أسماء في كشف الوجه واليدين ص 73.
حديث أسماء في كشف الوجه واليدين هي حسب ملخصها وتؤيد ما قلناه من قبل:
1 -
قال أبو داود: "هذا مرسل "، لأن خالد بن دريك قال في التقريب:" لم يدرك عائشة رضي الله عنها ".
2 -
في إسناده الوليد بن مسلم القرشي، قال في التقريب:(كثير التدليس).
3 -
الحديث يخالف حال أسماء رضي الله عنها، لأنه ورد فيه أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها، دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، تصف الجسم، والمعروف أن أسماء شديدة الحياء، وقوية الإيمان، وفقيرة الحال، فيستبعد أن تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب تظهر بشرتها، فالحديث مضطرب مع ضعف إسناده.
4 -
وكذا جاء في إسناد أبي داود وغيره: سعيد بن بشير، وهو منكر الحديث يروي عن قتادة المنكرات.
5 -
وحديث عبد الله بن لهيعة، عن عياض بن عبد الله، أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه- أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء، وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام فخرج، فقالت لها عائشة: تنحي فقد رأى رسول الله أمرا كرهه، فدخل
العتكي، وهذا حديث مسدد، قالا: حدثنا المعتمر، قال: سمعت داود الطفاوي قال: حدثني أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم قال سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول، وقال سليمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: «اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا رب